التعايش عند ائمة اهل البيت
بسم الله الرحمن الرحيم
ارشدتنا الروايات الشريفة الى ان نتبع أهل البيت فهم الثقل الثاني مع القرآن الكريم وهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق , فنهجهم هو المحجة البيضاء التي جاء بها النبي(ص) ونحن الذين تشيعنا لهم وتابعناهم لا بد ان نقتفي أثرهم ونتبع منهجهم لا ان نكون ادعياء فقط, ونحن في هذه النافذة سنذكر منهجهم عليهم السلام في التعايش مع الناس وأوامرهم بذلك.
وحينما نلاحض منهجهم عليهم السلام نجد ان بعض المواقف تتغير بتغير الضروف فموقف الحسن عليه السلام في الجهاد لا يشبه موقف الحسين وموقف الامام الصادق في الملبس والمأكل مثلا لا يشبه موقف الأمام علي عليه السلام اما قضية التعايش مع الناس فهي متشابهة عند الجميع ولم تتغير بتغير الضروف فجميعهم(ع) يتعاملون مع العدو والصديق بلطف ورحمة, تعاملا لينا حسنا ويأمرون بذلك.
ولا غرابة في ذلك فهم الأمتداد الطبيعي لمنهج القرآن الكريم وسنة المصطفى (ص)
فقد ملئ النبي(ص) رحمة حتى على اعدائه وكادت نفسه تذهب عليهم حسرات قال تعالى عنه(ص):
(... فلا تذهب نفسك عليهم حسرات...)فاطر8
(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك...)آل عمران159
(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)الاعراف 199
فكان دأب النبي (ص) هو العفو والرحمة واللين وكذا أهل بيته ونحن هنا نذكر شذرات من اقوالهم ومواقفهم في ذلك:
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض .
قال الصادق ( عليه السلام ) : يا إسحاق صانع المنافق بلسانك وأخلص ودك للمؤمن ، فإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته .
عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) - في وصيته لمحمد بن الحنفية - قال : وأحسن إلى جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك وارض لهم ما ترضاه لنفسك واستقبح لهم ما تستقبحه من غيرك ، وحسن مع الناس خلقك حتى إذا غبت عنهم حنوا إليك ، وإذا مت بكوا عليك ، وقالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا تكن من الذين يقال عند موته الحمد لله رب العالمين ، واعلم أن رأس العقل بعد الإيمان بالله عز وجل مداراة الناس ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لا بد من معاشرته حتى يجعل الله إلى الخلاص منه سبيلا ، فإني وجدت جميع ما يتعايش به الناس وبه يتعاشرون ملء مكيال ثلثاه استحسان ، وثلثه تغافل .
الصادق عليه السلام أنه قال : ( يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم ، وصلوا في مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا . أما إنكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه . وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوء ما يؤدب أصحابه !.
أن رجلا من أهل الشام قال دخلت المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام فرأيت رجلا راكبا على بغلة لم أر أحسن وجها ولا سمتا ولا ثوبا ولا دابة منه فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل هذا الحسن بن علي ابن أبي طالب فامتلأ قلبي له بغضا وحسدت عليا أن يكون له ابن مثله فصرت إليه وقلت له أأنت ابن علي بن أبي طالب قال أنا ابنه قلت فعل بك وبأبيك أسبهما فلما انقضى كلامي قال لي أحسبك غريبا قلت أجل قال مل بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آسيناك أو إلى حاجة عاوناك قال فانصرفت عنه وما على الأرض أحب إلي منه وما فكرت فيما صنع وصنعت إلا شكرته وخزيت نفسي.
سب رجل الامام زين العابدين فتغافل عنه ، فقال له : إياك أعني ، فقال : " وعنك أعرض " أشار إلى الآية : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )
كان الامام الصادق يجلس مع الملحدين الذين لا يؤمنون بالله في بيت الله الحرام ويناضرهم في التوحيد والعقيدة حتى شهد هؤلاء الزنادقة بحسن تعامله معهم وهم الذين ينكرون وجود الخالق ويكذبون دعوة النبي(ص)
ومما قاله الدهري عبد الكريم بن ابي العوجاء للمفضل بعد ان سمع منهم انكار وجود الخالق ورد عليهم
(..وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا تخاطبنا ، ولا بمثل دليلك تجادل فينا ، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت ، فما أفحش خطابنا ، ولا تعدى في جوابنا وأنه الحليم الرزين ، العاقل الرصين ، لا يعتريه خرق ، ولا طيش ولا نزق يسمع كلامنا ، ويصغي إلينا ويتعرف حجتنا ، حتى إذا استفرغنا ما عندنا ، وظنننا قطعناه ، دحض حجتنا بكلام يسير ، وخطاب قصير ، يلزمنا الحجة ، ويقطع العذر ، ولا نستطيع لجوابه ردا ، فإن من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه .
من المؤسف ان بعض المؤمنين ترى منهم الخشونة مع الغير والمعاملة الفضة ويتصورون انهم اشداء في ذات الله وهم على منهاج الأئمة وبالحقيقة ان سيرتهم (ع) وأوامرهم تخالف ذلك كما مر .
نعم هناك موارد خاصة وقف منها الأئمة (ع)موقفا حازما كهؤلاء الذين ادعو الألوهية للأئمة او الذين ادعوا انهم وكلاء لللأئمة زورا لأن ذلك يربك الخط الأيماني ويطعن الأسلام بالصميم .