خطاب اوباما المعتدل ورد الصدر المفتعل
الخطاب اوباما عظيم حقا . لكنه يواجه بعض المشكلات منها انه اكثر الاشارة الى تأثير التجربة الشخصية على صناعة الخطاب فضلا عن تطبيقه فيما بعد . ماذا لو لم يعش اوباما في اندينوسيا و يشاهد مظاهر التسامح النسبي و ان كان بصورة غالبة ! ? هل ستكون خيارات اوباما مغايرة . هل الاستشهاد المكرر بالتجربة الشخصية لأوباما بها مقدار و لو قليل من الحصافة ? ماذا عمن سيعد الاستشهاد بالتجربة دليلا على ان التواضع الأوبامي حيال الاسلام ليس سوى هفوة امريكية ستزول بزوال اوباما? المشكلة الاخرى تتصل بمحاولة اوباما عرض المأساة اليهودية على المسلمين على سبيل تصحيح معلوماتهم العامة . الرجل اختار مفاهيم و مفردات الخطاب بما يتناسب مع نمط التفكير لدى المسلمين و لكنه اغفل متعمدا الاستفسار الضخم الذي يدور في بلدان العالم الاسلامي عن جريمة تحميل شعب فلسطين مسوولية ما جرى على اليهود هناك في الغرب . نعرف ان اوباما قصد الرد على نجاد لكنه كان ردا مبتسرا اقتصر على اقرار ما فعلته النازية بحق اليهود كحقيقة تاريخية و تعامى اوباما عن الرد على السوال المفحم الذي لم و لن يجد جوابا نصه ما دخل شعب فلسطين في كل ذلك ان محارق اليهود ليست في فلسطين بل في ارض غربية فلماذا ترضى حصافة الامريكان ان يدفع الفلسطينيون الثمن لا لشي سوى ما تحدث عنه اوباما من وجود علاقات تاريخية بين امريكا ودولة اليهود . رغم هذا يبدو الخطاب و الافعال التي ستتمخض عنه تستحق الاشادة و التقدير و فلسطين ستبقى خارج مدار العقل الانساني و لن تحصل على حل عادل ابدا و ما اقترحه اوباما هو حل سياسي ممتاز يناسب الواقع المعاش على الارض فليس هناك قوة قادرة على رميها في البحر. كنا نظن ان التيار الصدر ممثلا بزعيمه تعلم من الدروس الدموية السابقة , و لكن المواقف المتمثلة بالتصريحات النارية البعيدة عن خطوط الخطر و الاستهداف تثبت ان الزعيم الصدري كان و لا يزال يمثل مشروع هدر الارواح و الطاقات العراقية المخلصة في مشاريع الهدر و العبث و الموت المجاني , و لم يكن بالحسبان ازاء التغير الواضح في الخطاب الامريكي ازاء الاسلام و المسلمين ان يواجه بهذا الاسلوب الطفولي الامي الصبياني المتعنت , اما كان يجمل بزعيم التيار العاطفي العاصف ان يرد على خطاب اوباما فقرة فقرة , و يعطي رأيه الداعم للانتفاح و الوحدة الانسانية التي كانت مفهوما رائعا تطرق له رئيس امريكا عدة مرات و بشكل مكرر مثير للاعجاب , و الا فليعلنها السيد مقتدى الصدر بأنه ضد اي مساواة انسانية , و انه لا يزال على البرنامج السياسي المتناقض و العجيب و لا يزال على تلك التوليفة الغرائبية التي اعتمدها التيار الصدري في سعيه لانجاز مصالحه العامة و الخاصة , و لحد الان لا نعرف في اي سياق يمكن ان نضع كل تفصيلات الحركة الصدري ضمن المفهوم الديني العام الذي يروج له السيد مقتدى الصدر , بوضوح اكثر كيف دخل التيار الى قلب العملية الديمقراطية في العراق و لا يزال زعيمه يؤكد على مشروع الحكم الاسلامي و سلطته الفريدة المتمثلة بالحوزة الناطقة بالحق حصرا ؟
الا يعلم السيد مقتدى الصدر و من خلال تجارب الوطن السابقة و تجارب تياره التي لا تزال اثارها الدموية ماثلة امامنا ان خطاب التعنت و المجابهات الصبيانية غير المدروسة وتفضيل مصالح الاقوام و منها المناوئ للعراق على مصالح الوطن المهدم لم يعد امرا قابلا للنقاش الا بوسائل اكثر حزما و صرامة من قبل الحكومة العراقية ؟
لم يعد واردا في حساب الوطني الملتاع بمالات و الوطن و نكباته ان يسكت ازاء هذه الاجتراحات الخطابية غير الناضجة و كان المفروض ان يصدر عن زعيم تيار يؤمن مؤسسه الاول قدس سره بالمرحلية و التدرج و العمل بالمقدار الممكن و المتوفر ان يصدر ترحيبا بخطاب رئيس امريكا المعتدل نسبيا و خصوصا بما يتصل بالمسألة العراقية لا ان يشن هجومه بكلمات تدل على ان السيد مقتدى لا يزال يحتفظ بنفس المتسوى القديم من الهشاشة الفكرية و ضحالة التفكير !
سنظلم العمامة كثيرا لو قلنا انها تتبنى و على وجه التعميم افكارا ثبوتية تنطلق من قالب فكري ديني خاص و محدد و غير قابل للمناقشة , فنحن نرى ان رجال الدين الكبار في النجف الكبار كانوا و لا يزالون ينأؤون عن استخدام سلطتهم الفعلية و اكتفائهم بالدور الارشادي و المتابعة و مراقبة الاوضاع و التطورات عن كثب ثم تصدر ارشاداتها و ارائها الخاصة في القضايا الكبرى دون ان تذل سمعة المؤسسة الدينية و الاساءة للاسلام من خلال اقحام رجالاتها في خضم الصراع المقيت على السلطة و النفوذ !
لقد توصلت المرجعية الدينية و اغلب رجالات المؤسسة الدينية و بقراءة تقليدية لعصور الائمة و اساليب تحرك الائمة السلبي نسبيا و ابتعاد الامام المعصوم في اكثر من حالة عن الامساك بزمام السلطة ونأيه عن الامساك بأي وظيفة تنفيذية عليا في دولة الخلافة , دليلا و منهاجا رصينا واضحا يهتدي به رجال الدين الكبار ليحفظوا للاسلام كرامته و اسمه العظيم , ان تدخل المعمم اليوم في تفاصيل السلطة الزمنية سيعرض الدين لنكبات و نكسات , ما دام الانسان المعمم منطويا على نفس و عين الغرائز و الطموحات الانسانية العامة , و الانسان المعمم معرض اكثر من غيره للخطأ بسبب محددات التفكير و الاجواء الاخلاقية الخاصة التي نشأ فيها مما يشكل نمطا فوقيا شموليا متعاليا لا يترك مجالا للمجتمع و الفرد ليخط خياره الديمقراطي بنفسه ؟
لقد كنا نسمع في خطب الصدر الثاني العظيم اوامر عجيبة نجد لها مبررات و مسوغات اغلبها يرد دائما الى الظرف و المرحلة التي عاشها الصدر الثاني قدس سره , و لكن و في اوقاتنا العصيبة حيث يصل هدر الانسان و روحه و طاقاته الى اقصى حدوده المفجعة لم يعد التعلل بالظروف المحيطة و الملابسات الملتبسة واردة , فحين اعرب الصدر الثاني قدس سره في احدى خطب الجمعة عن انطوائه على مشروع ديني شمولي صارم يفوق في صرامته و اوحديته حزب البعث الفاشي في مقارنة باهتة كان يمكن تبرير ذلك بأن السلطة الظالمة و تربصها بالصدر الثاني و محاولات التفريق الصادرة من رجال محسوبين على الخط الاسلامي الوطني المعارض لا يمكن مجابهتها الا بالرأي القاطع و الصارم .. قال الصدر الثاني قدس سره ما مضمونه: اذا كان البعض يقول نفذ ثم ناقش , فنحن نقول نفذ و لا تناقش , لأن كلمة الاسلام واحدة و لا تكون اثنين , و ان كلمة الحوزة واحدة و لا تكون اثنين , و نحن نعلم ان المطلع على تفاصيل الشريعة يعرف مدى تفاهم هذا المفهوم , فلم تكن كلمة الاسلام يوما واحدة على صعيد القراءة و التطبيق , بل هناك عدة قراءات دينية للاسلام و عدة تطبيقات , و هناك قراءة حسينية و قراءة رضوية , و هناك فتوى قاطعة و هناك احتياط وجوبي !