ليست الأطر المذهبية بل الديمقراطية هي الحل -ضياء الشكرجي
ليست الأطر المذهبية بل الديمقراطية هي الحل
ضياء الشكرجي
d-alshkrchi@addcom.de
في الوقت الذي بينت وإخواني الذين يشاركونني في رؤيتي تصوراتنا كاملة عن الديمقراطية كبديل وحيد مقبول لعراق المستقبل، وعالج بياننا (بيان المنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي) كل حيثيات هذا التصور على ضوء رؤيتنا الإسلامية، أحب أن أتناول موضوع الأطر المذهبية أو الطائفية التي من شأنها أن تتبنى الدفاع عن حقوق طائفة ما، وذلك بما يعبر عن وجهة نظري الشخصية، وليس بالضرورة عن وجهة نظر المنتدى، باعتبار أن هذه المسألة مما قد تتفاوت فيها رؤى الموقعين على بيان المنتدى، لأن المنتدى يعالج موضوعة محددة، ألا هي طرح الديمقراطية غير المؤدلجة كجامع وطني، والتأصيل لها إسلاميا. وبالتالي قد يجد البعض من أعضاء المنتدى أو الموقعين عليه ألا تعارض بين تبنيه لأطروحة المنتدى من جانب، وتعاطيه لصيغ وآليات أخرى، وذلك على نحو التكامل بين المشاريع والآليات والأطر، وليس على نحو التعارض والتقاطع.
قبل أن أدخل في الموضوع أحب أن أسجل هنا وجهة نظري في أني لا أوافق الكثيرين من المتحاورين في القضايا المختلفة المتعلقة بالشأن العراقي، من حيث الطريقة المتبعة مما يتسم بطابع التراشق. أذكر هذه المقدمة من أجل أن أبين أنني لا أرغب أبدا ولا أرى من المفيد وطنيا في الظرف الراهن الدخول في سجال عقيم بين الرؤى. بل أجد أن من حق كل منا أن يطرح رؤيته ويدعمها بالدليل، وكذلك أن ينقد رؤية غيره التي لا يتفق معه عليها، ولكن بلغة الحوار الحضاري، لا بلغة التراشق وكيل التهم والسباب المتبادل.
بالتالي فإني أحترم من يتحرك بمبادرات يجد أنه من خلالها يمكن أن يحقق طموحات الشعب العراقي، أو طموحات الشريحة التي ينتمي إليها. وبالتالي أحترم أولئك الذين يحركون اليوم ملف تشكيل ما يسمى بالمجلس الشيعي الأعلى في العراق، لأنهم قد ينطلقون من منطلقات صحيحة، من خلال تشخيص الحيف الذي أصاب شيعة العراق بالذات منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة. ولكني أختلف معهم في تأطير قضيتنا بأطر مذهبية – و لا أريد أن أقول طائفية – لحسن ظني بالمبادرين بأنهم – إن شاء الله - لا يتحركون بنفس طائفي، بل يزاولون حقهم المشروع في الدفاع عن طائفة، ظلمت أكثر من أي شريحة من أبناء شعبنا - دون أن أغفل عما عانى إخواننا الأكراد من السياسة العنصرية الشوفينية - لأن أبناء الطائفة أولى من غيرهم في الدفاع عن حقوقهم. لكن من غير أن أنعت المشروع بالطائفية، أقول إن من شأنه أن يحرك الرياح الطائفية، وهي رياح تعكر صفو الإخاء الوطني بين عموم العراقيين، والإخاء العقيدي بين خصوص المسلمين منهم. ففي الوقت الذي شخصنا مبكرا بأننا كإسلاميين لا يمكن لنا أبدا اعتبار التجربة الإيرانية نموذجا صالحا للعراق، وأكدنا خطورة التفكير باستنساخ التجربة الإيرانية، أو ما يمكن أن نسميه بأيرنة العراق، وطرحنا الديمقراطية غير المشروطة كحل لكل العراقيين، لا نجد – أقصد أنا ومن يفكر على شاكلتي – أي مبرر معقول في لبننة العراق. فلبنان كله بني على أسس طائفية، وقسمت الحصص فيه على أساس ذلك، وثبتت الطائفية دستوريا. ولسنا في العراق بحاجة إلى أن نطوئف قضايانا، وإن كان النظام القائم قد مارس أبشع ألوان الطائفية، مع إنه لا يمكن أن ينسب إلى أية طائفة. فنحن نظلم إخواننا السنة ونسيء إليهم أية إساءة إن اعتبرنا النظام سنيا.
قد يتصور من يتصور أني أتحدث في المثاليات وأبتعد عن الواقع، باعتبار أن النظرة الواقعية تتطلب أن يعمل الشيعة على ضمان حقوقهم في عراق المستقبل بكل الوسائل المتاحة. نعم .. وإني كنت أحد الموقعين على إعلان الشيعة، بعدما وجدته خاليا تماما من النفس الطائفي. ولكن أقول لنقف عند حدود هذا الإعلان، ولا حاجة لنا لمجلس شيعي أبدا. وطرحي هذا ليس طرحا مثاليا – كما قلت - بل يمثل غاية الموضوعية والواقعية.
كيف؟ ... الجواب هو الديمقراطية أولا، والديمقراطية ثانيا، والديمقراطية ثالثا. والديمقراطية لا تكون ديمقراطية إلا أن تحفظ للأقليات أيضا حقوقها كي لا تضيع في بحر صخب وضجيج الأكثرية، ولذا وكمكمل للديمقراطية لا بد من تبني اللامركزية في إطار الوحدة. سمها فيدرالية أو أية صيغة لا مركزية تناسب العراق يتم التباني عليها، من غير أن أقصد بالتباني إحالة مطالب الأقلية إلى الأكثرية لتبت فيها. أقول الديمقراطية، لأننا عندما نحقق الديمقراطية والفيدرالية لكل العراق وليس لكردستان فقط، نكون قد حفظنا حقوق الشيعة كاملة، وحفظنا حقوق السنة كاملة، وحفظنا حقوق كل من الأكراد والعرب والتركمان والكلداشوريين، كما حفظنا حقوق شركاءنا في المواطنة من أبناء الديانات الأخرى كالمسيحيين، حفظناها كلها كاملة غير منقوصة.
أعتقد إن الذين يتحركون باتجاه إيجاد أطر مذهبية كإطار للشيعة باسم مجلس شيعي أعلى أو ما شابه، إما أنهم يائسون من إمكان تحقيق الديمقراطية في العراق، أو إنهم غير ملتفتين إلى حقيقة أن الديمقراطية هي الضمانة الفضلى لنيل كامل حقوقهم، أو إنهم قد لا يرون الديمقراطية هي الحل.
وقد يستكثر البعض استخدامي للفظة الديمقراطية، مما قد يعتبرها انسلاخا عن هويتي الإسلامية، فأقول إن هناك اليوم والحمد لله عددا ليس قليلا من الإسلاميين العراقيين يفكر كما أفكر، إذ يقول واحدنا: إنني وأنا أطرح الديمقراطية وأتعاطى معها إسلامي، وأبقى أولا وثانيا وثالثا إسلاميا حتى النخاع. وفي الوقت الذي أؤكد إسلاميتي المتجذرة والثابتة هذه، أجد نفسي - من غير أن أقع في أي تناقض - ديمقراطيا، كذلك حتى النخاع، وأنا في ذلك على بصيرة من هذه المواءمة.
أقول كل منا يحمل هوية مركبة، ولكن قد تتقدم إحدى تركيبات الهوية وخصوصياتها التفصيلية عند البعض على سائر مركبات الهوية الأخرى. فقد يكون أحدنا إسلاميا بالدرجة الأولى، وقد يكون آخر شيعيا بالدرجة الأولى، وقد يجد ثالث أنه كردي أولا، وقد تتقدم عند آخر عراقيته الجامعة على كل الخصوصيات. أقول كن ما تشاء: كن إسلاميا، كن علمانيا، كن شيعيا، كن سنيا، كن عربيا أو كرديا أو تركامانيا ... واطلب حقوقك كاملة ضمن كل خصوصياتك، ستجدها كلها هناك حاضرة غير منقوصة .. هناك حيث الديمقراطية. لتكن الديمقراطية أطروحة عراق المستقبل، ولتكن طموح الجميع، ويا ليتنا نعرض عن أطر ربما تكون نافعة، ولكن لا يستبعد ضررها أبدا، فلنحاول أن نتقن الموازنة بين المنافع والمضار.
إنه رأي، ورأي من يخالفني من التبني لأطروحة المجلس الشيعي الأعلى محترم على أي حال، وكل رأي محترم ما لم يصل إلى حد الإفراط أو التفريط، والله تعالى ولي التوفيق والتسديد وهو المرشد إلى الصواب.