براءة اختراع عراقية دولية لتوظيف جنس من البكتيريا في إزالة بقع النفط الخام الطافية
لبصرة: ماجد الخطيب
نجحت مجموعة من الباحثين العراقيين الشباب في ابتكار طريقة بيئية ورخيصة لتفكيك النفط الخام باستخدام البكتيريا. وتعود اعمال العلماء حول العالم على الخمائر والبكتيريا المفككة للمواد السامة، الى نهاية القرن التاسع عشر، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى طريقة مثلى لتفكيك النفط الخام دون ترك النواتج العرضية التي تؤثر في البيئة بدورها، أو لم يفلحوا في العثور على البكتيريا التي تفكك النفط بالفعالية التي فعلها ستريبتومايسيس هـ1 الذي عزلته مجموعة الباحثين الشباب من قسم الأحياء في جامعة البصرة.
وتتألف مجموعة البحث من د. كوثر هواز مهدي، طالب الدكتوراه فراس الخطيب، طالب الدكتوراه مناف جودة عبد العباس، د. آمنة التماري ود. عبد الحسين العضب. واثبتت الأبحاث المختبرية قدرة البكتيريا المذكورة على تفكيك المركبات الهيدروكربونية النفطية تماما تقريبا وخلال فترة قياسية تقدر بـ3 4 أيام. ونال الاكتشاف براءة اخترع عراقية يوم 8 مارس (آذار) 2003، أي قبل أيام من اندلاع الحرب الأخيرة على العراق، كما نال براءة اختراع دولية سجلت في العاصمة الفرنسية باريس وصنفت عالميا.
ويعتبر «ستريبتومايسيس هـ1» Streptomyces أول جنس من نوعه (يطلق عليه العراقيون اسما علميا هو عترة) يسجل في العالم من هذا النوع من البكتيريا. وتم تسجيل الاختراع باسم «طريقة معالجة التلوث النفطي بايولوجيا بواسطة عترة عراقية جديدة لنوع الستريبتومايسيس المفككة للهايدروكربونات النفطية».
وفي حوار مع «الشرق الأوسط» تحدث الباحث الشاب فراس مصطفى الخطيب عن تفاصيل البكتيريا المفككة للنفط وفاعليتها وتطبيقاتها العملية في الحياة اليومية.
* أين يعيش هذا الجنس من البكتيريا وكيف تم عزله؟
ـ عزلنا هذه البكتيريا من النفط العراقي نفسه وأطلقنا عليها اسم «ستريبتومايسيس ـ العزلة هـ1»، وهي ليست من أجناس البكتيريا المعروفة بالطبيعة، ولم نتدخل وراثيا في تركيبتها ووظائفها. وتوصلنا إلى أن لهذه البكتيريا تطبيقات بيئية هامة بعد أن اكتشفنا قدرتها على تفكيك النفط خلال أربعة أيام، وهي قابلية تتفوق على كافة أنواع الأحياء المجهرية الأخرى، التي يعمل عليها الباحثون في مختلف بقاع الارض، والتي يعمل بعضها على تفكيك النفط جزئيا خلال فترة شهر كحد أدنى.
* هل هناك إمكانية عملية لإكثار هذه البكتيريا بكميات تجارية تكفي لتفكيك تسرب نفطي كبير؟
ـ هناك إمكانية لاكثار البكتيريا في الخارج وليس في العراق بسبب ضعف الإمكانيات المختبرية. وتقتصر إمكانيات العراق كما هو معروف على الجانب العسكري حيث كان بوسع العراق اكثارها بواسطة أنواع خاصة من المخمرات، إلا أن هذه الإمكانية انتهت الآن.
* أي كمية من بكتيريا «ستريبتومايسيس هـ1» تكفي كمثل لتفكيك 1000 طن من النفط الخام المتسرب؟
ـ سأعطيك فكرة عن التجربة المختبرية التي أجريناها في جامعة البصرة كي تتكون لك فكرة عن الموضوع. نحن زرقنا البكتيريا على كمية من النفط الخام في دورق سعة 500 ملم يحتوي على وسط غذائي يحتوي على الأملاح والمواد الضرورية لنمو البكتيريا. وحرصنا على أن يكون النفط الخام هو مصدر تزويد البكتيريا الوحيد بالطاقة المستمدة من الكربون. وهذا يعني انها كانت ستهلك لو أنها بقيت في الدورق دون النفط الذي يمثل المصدر الوحيد للمركبات الهيدروكربونية.
وكان سمك طبقة النفط الخام في الدورق، أي على سطح المحلول الملحي، هو 1.3 ملم. زرقنا طبقة خفيفة جدا من الـ«ستريبتومايسيس هـ1» مساحتها 2 سم مربع، مستمدة من مستنبت مختبري، على الطبقة النفطية. وواضح أن «مسحة» بكتيرية من هذه المساحة لا وزن لها يذكر مقارنة بوزن النفط الثقيل.
المهم أن هذه البكتيريا فككت طبقة النفط الخام خلال 3 الى 4 أيام تماما، واختفت الطبقة السوداء من الدورق وأصبحت غير مرئية للعين المجردة. وطبيعي فقد أعددنا دورقين آخرين للمقارنة، وضعنا في الأول المحلول الغذائي الملائم للبكتيريا نفسه، ولكن بدون النفط الخام ووضعنا في الثاني النفط والمحلول ولكن بدون البكتيريا. ولاحظنا في نهاية التجربة أن البكتيريا في الدورق الأول قد ماتت وأن النفط في الدورق الثاني لم يتفكك.
* كيف استطعتم قياس نسبة تفكك المركبات الهيدركربونية في النفط الخام؟
ـ استخدمنا جهاز (PHLC ) في قياس نسبة المركبات الأروماتية المتعددة الأنوية (PAH ) الموجودة في العينة. وهي الطريقة التي يعتمدها برنامج الأمم المتحدة لحماية البيئة UNEP 89.
قسنا تركيز كافة المواد الهيدروكربونية النفطية الممتدة بين النفتالين والفلورين والاسينافثلين والفيناثيرين... الخ قبل وبعد التجربة. وقسنا هذه التركيزات كل يوم على مدى فترة طويلة وتوصلنا إلى أن زمن الفعالية الأمثل للبكتيريا في تفكيك النفط الخام يقع بين 3 الى 4 أيام. والمهم أيضا هو أن التفكيك كان كاملا وليس جزئيا وأن البكتيريا أتت على المركبات الكربونية الواحد بعد الآخر إلى أن قضت عليها. وكانت نسبة تفكيك المواد الأروماتية بعد 4 أيام هي 93 % وسجلت بعض المركبات نسبة وجود تبلغ 0% بعد انتهاء الأيام الأربعة.
* هل تخلفت مواد ضارة بالبيئة في الماء بعد انتهاء التجربة؟ وهل هناك احتمال أن تتحول هذه البكتيريا إلى بكتيريا ضارة بالصحة بعد بقائها في الماء؟
ـ الشيء المشجع في هذه البكتيريا هو أنها غير قادرة على العيش في محيط مائي لأنها تعيش في التربة. وهذا يعني انها ستموت بعد انتهاء طبقة النفط التي تستقر عليها وبعد استنفادها للمواد الكربونية الموجودة في النفط الخام. كما أن الـ«ستيربتومايسيس هـ1» ليست ضارة بصحة الإنسان والبيئة المائية وأن عاشت في وسط مائي وهو غير محتمل. نحن نطلق على نزوع البكتيريا إلى الموت بعد انتهاء مهمتها في الوسط النفطي اسم «التنقية الذاتية» بعد مكافحة التلوث النفطي.
* ظروف المختبر القياسية تختلف عن ظروف التلوث في عرض البحر، فكيف يمكن التغلب على هذه المشكلة؟
ـ عاملنا البكتيريا مختبريا في ظروف مثالية لنموها وهذا طبيعي، أي أننا وفرنا لها افضل ظروف النمو والتكاثر من خلال درجات الحرارة والقاعدية (PH) والأملاح الضرورية، وهي ظروف لا تتوفر في البيئة. وهذا يعني، في حالة معالجة التلوث النفطي، أن تضاف بعض المواد إلى المحيط البيئي بهدف توفير افضل شروط نمو ونشاط بكتيريا «ستريبتومايسيس هـ1».
لاحظ أن كافة الطرق الأخرى تلجأ إلى نفس الاسلوب في حين معالجتها للتلوث وخصوصا في الخزانات المطمورة تحت الأرض، إذ تضاف المواد الضرورية لحياة البكتيريا من أوكسجين وحرارة ومغذيات إلى المياه الملوثة بهدف تنشيط البكتيريا ضد التلوث، ثم يري حجب هذه الظروف عنها بهدف تحييدها بعد أن تنهي مهمتها.
* لماذا لم تواصلوا أبحاثكم؟
ـ كان الباحثون في العراق سابقا يخشون من مواصلة العمل في بعض المشاريع البيولوجية كي لا يجدوا أنفسهم فجأة داخل مشاريع جرثومية مشبوهة تقودها الحكومة. الفرصة تتوفر الآن لمواصلة البحث وتعديل الـ«ستريبتومايسيس هـ1» وراثيا بغية تحسين فعاليتها في الشروط غير القياسية.