قراءة قانونية في المحكمة الاتحادية العليا
قراءة قانونية في المحكمة الاتحادية العليا
الدساتير والقوانين هي وليدة الحاجة المشروعة والضرورية لمجتمع ما،في المجالات كافة،حيث تتجه الارادة الحرة بتقنين تلك الحاجة بشكل دستور او قانون يكفل تامين تلك الحاجة،وفقا للاليات الدستورية والقانونية،ومبدا الفصل بين السلطات مثل حاجة مهمة لاقامة نظام الحكم الديمقراطي
بعد معاناة طويلة من انظمة الحكم الاستبدادي الشمولي القائم على جمع السلطات بيد الحاكم المستبد،وبالتالي،يؤمن الفصل بين السلطات عملية توازن ورقابة صارمة بين سلطات الدولة،تمنع احداهما الاخرى،من التمادي او التعسف في استعمال السلطة،او بعبارة ادق،تجعل اي سلطة من السلطات خاضعة لرقابة سلطة اخرى،تتمتع بنفس القوة،ومستقلة عنها،وهذه السلطات،ثلاث،التشريعية والتنفيذية والقضائية،وترسم الدساتير مهام وصلاحيات كل سلطة والعلاقة بين السلطات،وكيفية حل المنازعات التي تحدث فيما بينها،وشكلت الاخيرة،اهم المخاوف،التي يمكن ان تهدد النظام الجديد من الاستمرار،فجاء تشكيل محكمة عليا،تعددت مسمياتها،دستورية،اتحادية،عليا،وهكذا،لتمثل الحل،من خلال النظر في المنازعات التي تحدث،وتكون قراراتها،ملزمة يخضع لها الجميع،وباتة،أي غير خاضعة للطعن امام جهة اخرى،ولتامين هذه الضمانة،نص عليها الدستور،باعتباره القانون الاعلى،والذي يصعب تعديلة،الا من خلال اجراءات معقدة،بخلاف القانون الذي يمكن تعديلة والغاؤة،بمقترح من السلطة التنفيذية،ليسن في البرلمان،عبر تفاهمات وصفقات ومصالح سياسية،لم تتخلص منها،اعرق الدول الديمقراطية،كما شكلت الضمانة الثانية،اهمية كبيرة ،باعتبار المحكمة هيئة مستقلة ضمن السلطة القضائية،اي لاتخضع لاي مرجعية قضائية،وهي بمثابة جهاز مستقل يمارس اختصاصاته التي نص عليها الدستور والقانون.
المحكمة الاتحادية في الدساتير العراقية:
نص القانون الاساسي لعام 1925،في المادة(81)على المحكمة العليا وبين اختصاصها الاصلي في محاكمة الوزراء واعضاء مجلس الامة واعضاء محكمة التمييز،بينما نصت المادة(83)على اختصاصها في تفسير مواد القانون الاساسي،أي تفسير الدستور،والقراءة القانونية للمحكمة العليا في القانون الاساسي تبين مايلي:
1. تتكون المحكمة من ثمانية،اربعة منهم قضاة،والاربعة الاخرين اعضاء في مجلس الاعيان،ويكون رئيس مجلس الاعيان رئيسا للمحكمة.
2. يتم تعيين اعضاء المحكمة من قبل مجلس الاعيان.
3. لاتنعقد المحكمة عند ممارستها الرقابة الدستورية الا اذا صدرت ارادة ملكية بموافقة مجلس الوزراء.
ويلاحظ هنا،مدى هيمنة السلطة السياسية،متمثلة بقمة هرمها،الملك،على المحكمة،خاصة وان اعضاء مجلس الاعيان يتم تعينهم من قبل الملك،كما قيدت ارادتها في ممارسة دورها الرقابي الدستوري،بصدور ارادة ملكية تقضي بذلك.
امادستور تموز1958 جاء خاليا من النص على المحكمة العليا،وسبب ذلك،الفترة الزمنية القصيرة التي كتب فيها الدستور،حيث كتب خلال(13)يوم،والظروف التي كتب فيها،لذلك جاء دستورا مختصرا احتوى على (30)مادة فقط،والامر ينطبق تماما على دستور4نيسان1963،والذي سمي بقانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم25لسنة1963،وكذا الامر،مع دستور22نيسان1964،الذي اطلق على تسميته،قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم61لسنة1964،ودستور29نيسان1964المؤقت،الى ان جاء صدوردستور21أيلول1968 المؤقت،حيث نصت المادة(87) على تشكيل محكمة دستورية،ولم تنفذ هذه المادة الدستورية.
تاسيس المحكمة الاتحادية العليا:
وجاء الاساس الدستوري لها من خلال نص المادة(44)من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية على(يجري تشكيل محكمة في العراق بقانون وتسمى المحكمة الاتحادية العليا)،وفعلا صدر امر مجلس الوزراء الانتقالي رقم (30)لسنة2005الخاص بقانون انشاء المحكمة الاتحادية العليا،ثم جاء صدور الدستور العراقي الدائم لسنة 2005لينص في المادة(92)على المحكمة الاتحادية العليا،وكانت المشكلة في نص الفقرة(ثانيا)من المادة المذكورة على(تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة،وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم،وتنظم طريقة اختيارهم،وعمل المحكمة،بقانون يسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب)بينما نصت المادة(44)الفقرة هاء،من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية على (تتكون المحكمة العليا الاتحادية من تسعة اعضاء)يقوم مجلس القضاء وبالتشاور مع المجالس القضائية للاقاليم بترشيحهم حيث يقوم مجلس الرئاسة بتعيينهم كاعضاء في المحكمة ويسمي احدهم رئيسا لهم،كما جاء امر رقم(30)بنفس الاتجاه،والاثنين،لم يحددا صفة الاعضاء،هل هم من القضاة حصرا،ام قانونيين،ام غير قانونيين،ولم يتلافى الامر رقم(30) الغموض،حيث عادة ما تاتي القوانين بالافصاح بشكل واضح عن ارادة المشرع الدستوري،وربما هذا الامر مقصودا،ويعود بنا الى الارث الدستوري العراقي في عام 1925،وبمحاولة اقل،للنفوذ السياسي،باضعاف الصفة المهنية للمحكمة من خلال اقحام عناصر غير قضائية،بل وغير قانونية،لانه لاريب،في ان يكون للفقهاء والباحثين القانونيين دورا في هذا النوع من المحاكم،بحسب الطبيعة المعقدة للموضوعات التي تعرض عليها،والتي قد لاتفيد معها المهنية الروتينية المعتادة في القضاء،ثم جاء الدستور الدائم ليدعم ما ذهبنا اليه،بالنص بصراحة ووضوح على بعض اعضاء المحكمة من خارج المجال القانوني.
اما اهم ،ما يثار،حول المحكمة،في الوقت الحاضر،هو مدى شرعيتها،والاصل،الوزارات والمؤسسات تبقى تمارس عملها وفقا لقوانين تاسيسها،وبعض هذه القوانين صدرت في بداية تاسيس الدولة العراقية،ولاعيب قانوني او شرعي في ذلك،لكن الامر مع المحكمة،فيه وجوه قابلة للنقاش والبحث،اولها،قانون تاسيسها صادر من سلطة غير تشريعية اقتضتها المرحلة الانتقالية،والمرحلة الاخيرة انتهت بصدور الدستور الدائم ونفاذه،ثانيهما،حدد الدستورالدائم مواصفات وشروط في اعضاء المحكمة هي غير موجودة الان،ثالثهما،نص الدستور الدائم على صدور قانون ينظم تشكيل المحكمة وعملها وعدد اعضائها باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب،وهذا مهم جدا فيما يثار حول المحكمة،حيث يكون من النادر دستوريا اشتراط هذه النسبة،أي تشترط فقط للامور المهمة،اذن مع هذا الاشتراط الدستوري الذي مضى عليه اربع سنوات،كيف يمكن العمل بقانون صادر من سلطة غير تشريعية انتقالية!
كما تجدر الاشارة،بصورة عامة،عن هذا النوع من المحاكم،في قضية تعيين اعضائها،وكيف يمكن ان يحصن اعضائها،من التبعية الى جهة التعيين،كما لو انيط امر تعينهم برئيس الجمهورية او رئيس الوزراء،بل وحتى مجلس النواب.
اختصاص المحكمة الاتحادية العليا:
بموجب امر(30)لسنة2005هي:
اولا:الفصل في المنازعات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم وادارات المحافظات والبلديات والادارة المحلية(المادة4-اولا):
حيث يحق لكل طرف من المذكورين اعلاه،التقدم الى المحكمة بدعوى في اي نزاع قد يحصل مع الاطراف الاخرى.
ثانيا:النظر في شرعية التشريعات ومهما كانت درجتها ونوعها،قانون،قرار تشريعي،نظام،تعليمات،امر،(المادة4-ثانيا)وكما مبين تاليا:
1-طلب احدى المحاكم بسبب الدعوى المنظورة امامها للبت في شرعية التشريعات المذكورة انفا،والتي لها علاقة بالدعوى المنظورة امامها حصرا.
2-طلب احدى المحاكم الفصل في شرعية التشريعات المذكورة،بناءا على دفع من احد الخصوم بعدم الشرعية،وهنا تطلب المحكمة منه بتقديم هذا الدفع بدعوى،واذا قبلتها بعد استيفاء الرسم ترسلها مع المستندات الى المحكمة الاتحادية العليا،للبت في الدفع بعدم الشرعية،وتقرر استئخار الدعوى الاصلية لحين البت في الدفع،اما اذا رفضت محكمة الموضوع دعوى عدم الشرعية،فيكون قرارها قابلا للطعن امام المحكمة الاتحادية العليا.
3-طلب احدى الجهات الرسمية بسبب منازعة قائمة بينها وبين جهة اخرى،للبت في شريعة التشريع،وجاء النص هنا،عاما،للجهة الاخرى،اي سواء كانت رسمية او غير رسمية،على ان يكون الطلب على شكل دعوى مرفقة بكتاب موقع من الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة.
4-اذا طلب احد الاشخاص الفصل في شرعية التشريع،بدعوى مستوفية للشروط،وان تقدم بواسطة محام ذي صلاحية مطلقة وان تتوفر في الدعوى الشروط الاتية:
ا-ان تكون للمدعي في موضوع الدعوى مصلحة حالة ومباشرة ومؤثرة في مركزه القانوني او المالي او الاجتماعي.
ب-ان يقدم المدعي الدليل على ان ضررا واقعيا قد لحق به من جراء التشريع المطلوب الغاؤه.
ج-ان يكون الضرر مباشرا ومستقلا بعناصره ويمكن ازالته اذا ما صدر حكم بعدم شرعية التشريع المطلوب الغاؤه.
د-ان لايكون الضرر نظريا او مستقبليا او مجهولا.
ه-ان لايكون المدعي قد استفاد بجانب من النص المطلوب الغاؤه.
و-ان يكون النص المطلوب الغاؤه قد طبق على المدعي فعلا او يراد تطبيقه عليه.
ز- ان يكون النص المطلوب الغاؤه قد طبق على المدعي فعلا او يراد تطبيقه عليه.
ثالثا:الطعن بالاحكام والقرارات من محكمة القضاء الاداري،حيث يقدم الطعن للمحكمة الاتحادية العليا بواسطة رئيس محكمة القضاء الاداري،للنظر فيه وفقا للقانون(المادة4-ثالثا).
رابعا:النظر بالدعاوي المقامة امامها بصفة استئنافية وينظم اختصاصها بقانون اتحادي(المادة4-رابعا).ولم يصدر قانون اتحادي،وعطلت الفقرة،ولم يتناولها النظام الداخلي للمحكمة رقم(1)لسنة2005.
اما اختصاص المحكمة الذي نص عليه الدستور الدائم لسنة2005في المادة(93)فهو كالاتي:
اولاً :ـ الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة .
ثانياً :ـ تفسير نصوص الدستور.
ثالثاً :ـ الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والانظمة والتعليمات، والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن، من الافراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة.
رابعاً :ـ الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية.
خامساً :ـ الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الاقاليم أو المحافظات.
سادساً :ـ الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وينظم ذلك بقانون.
سابعاً :ـ المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.
ثامناً : ـ
أ ـ الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم.
ب ـ الفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للاقاليم، أو المحافظات غير المنتظمة في أقليم
اجراءات الفصل في الطلبات والطعون:
بموجب(الفصل الرابع)من النظام الداخلي للمحكمة رقم(1)لسنة2005:
1- يدعوا رئيس المحكمة الاعضاء لانعقاد جلسة المحكمة قبل خمسة عشر يوما من تاريخ موعد انعقاد المحكمة،بكتاب يرفق معه جدول اعمال المحكمة والوثائق،ويستثنى من المدة المذكورة،الحالات المستعجلة،وحسب تقدير رئيس المحكمة.
2- تكون الجلسة علنية الا اذا قررت المحكمة ضرورة ان تكون الجلسة سرية لدواعي المصلحة العامة والنظام العام والاداب العامة،ويكون ذلك بقرار من رئيسها.
3- تنظر المحكمة في القضية،في حالة عدم حضور الخصوم،بعد التاكد من صحة تبلغهم بموعد المرافعة.
4- فيما يخص الطعن بالاحكام والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الاداري،تنظر المحكمة الاتحادية العليا في الطعن بالرجوع الى اوراق الدعوى دون طلب حضور الاطراف المتخاصمين،الا اذا اقتضى الاستيضاح من احدهم فيما يخص تفاصيل الدعوى.
5- للمحكمة ان تجري ما تراه من تحقيقات في المنازعات المعروضة عليها،او تنتدب احد اعضائها لذلك،كما لها ان تامر بتزويدها باية معلومات او اوراق رسمية من الجهات الرسمية وغير الرسمية،وان كانت القوانين والانظمة لاتسمح بالاطلاع عليها.
6- للمحكمة الاستعانة براي المستشارين لديها او الخبراء من خارجها،اذا اقتضى الفصل في الدعوى ذلك،ويكون الراي للمحكمة استشاريا.
7- للمحكمة ان تكلف الادعاء العام بابداء الراي في موضوع معروض امامها وعلى الادعاء العام ابداء رايه تحريريا خلال المدة التي تحددها المحكمة.
8- يلزم ان يكون الحكم والقرار مشتملا على اسبابه،فان لم يكن بالاجماع ارفق معه الراي المخالف مع اسبابه.
9- الاحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة باتة لاتقبل اي طريق من طرق الطعن.
10- تقدم الدعاوي والطلبات الى المحكمة بواسطة محام ذي صلاحية مطلقة وبلوائح مطبوعة،كما يجوز تقديم الدعاوي من الدوائر الرسمية بواسطة ممثلها القانوني على ان لاتقل درجته عن مدير.
الباحث القانوني
حميد طارش الساعدي
E-mail:hameedtaresh@yahoo.com
http://www.alkufanews.com/news.php?action=view&id=2199