القاعدة وقتل المسلمين والفشل الذريع
القاعدة التي تأسست في النصف الأول من التسعينيات على خلفية الجهاد في افغانستان وطرد المحتل السوفيتي من افغانستان رفعت شعارها المعروف بمهاجمة المصالح الصهيونية الامريكية في المنطقة وبشكل خاص في جزيرة العرب .. هذا الشعار من حيث المبدأ مشروع ولاقى تعاطفا من الشباب المسلم العربي الذي يرى فلسطين محتلة والصهاينة ينهشون الجسد العربي والاسلامي ويلتف اخطبوطهم بأذرعه الامريكية سواء مباشرة أو عن طريق عملائهم حكاما وحركات من المحيط حتى الخليج .. وحركة هدفها هذا جديرة بالاحترام , وسرعان ما بدأت مرحلة التطبيق وكانت عمليات القاعدة بشكل عام تتطابق والشعار آنف الذكر , وقد توجتها القاعدة بعمليات 11 سبتمبر ورغم التحفظ على الابرياء في مبنى مركز التجارة العالمي الا أن العملية استهدفت البنتاغون والبيت الابيض مما رسخ الفكرة أكثر حول ستراتيجية القاعدة وأنها في معركة وحرب مع المصالح الامريكية .. وأحداث سبتمبر أدت الى قرار الحرب على الارهاب , وقد تعدا مصطلح الارهاب منظمة القاعدة الى الحركات الاسلامية بشكل عام وخاصة تلك التي تستخدم السلاح للدفاع عن النفس أو للمقاومة من أجل تحرير وطن محتل أو استرداد حق مغتصب , وكانت باكورة تنفيذ القرار الحرب على افغانستان والذي أثبتت القاعدة في تلك الحرب فشلا ذريعا واضحا لسبب بسيط هو انعدام التكافؤ ! .. الهزيمة السريعة في افغانستان مهدت الطريق لاستعجال قرار الحرب على العراق وما نجم عنه من سقوط مريع للنظام والدولة معا , هذا السقوط الذي كشف المستور عن العرب المطبلين لصدام كل سني القتل والبطش بالعراقيين , وكل يوم يمر تتكشف حقائق مذهلة عن النظام الصدامي ومن لف لفه فتنفس العراقيون الصعداء وأسدلوا الستار على حقبة بعثية لا يدانيها تاريخ في الاجرام .
احتل الامريكان العراق بفضل صدام والبعث , ولا ننسى فضل العرب الذين اوصدوا الباب على الشعب العراقي المعارض لصدام ولم يكتفوا بذلك بل بذلوا الغالي والنفيس في سبيل تحكيم صدام من رقبة هذا الشعب حتى كانت النتيجة مقابر جماعية وسجون ومنافي وجوع واذلال .. احتل الامريكان العراق وجيوش صدام وحرسه وجيش - سمي - القدس كأنها لم تكن وكما يقول المثل العراقي (فص ملح وذاب) !! باستثناء البسالة التي لا تنكر لرجال الامن والمخابرات في أكبر عملية سلب ونهب وحرق لكل ما يمت للدولة ومؤسساتها بصلة فكانوا قد أجهزوا على ما لم يجهز ع لى الأمريكان !! كل هذا ولم يكن أمام العراقيين الا أن يلملموا الجراحات ويشمروا عن سواعدهم لإنقاذ ما يمكن انقاذه من عراق لم يبقِ منه صدام الا الاسم أو أن يختاروا مقاومة مسلحة نتيجتها الخسارة الكبرى لظروف البلد والشعب الخاصة , وإن فرضنا - جدلا - نجاحها فليس الا عودة صدام وأزلامه من جديد وقد أثبتت الوقائع ذلك حيث كان القائد المغوار ينتظر تلك اللحظة في جحره جبانا رعديداً !! .. فلم يكن أمام أبناء العراق سوى هذا الصراع والسجال السياسي الذي أثبت يوما بعد يوم جدواه وأنه أفضل الطرق والوسائل المتاحة فما - لا يُدرك كله لا يُترك جُله - .
هذه الاحداث التي حصلت في الميدان العراقي كانت تتيح للقاعدة أن تلملم صفوفها وتعيد تنظيماتها وخاصة في معاقلها وهي الجبال الافغانية فقد فرضت الحرب على العراق تواجدا أمريكيا ضئيلا هناك , وكان على القاعدة أن لا تغير من ستراتيجيتها المعلنة سابقا وأن لا تدخل ميدانا لا علاقة لها به من قريب أو بعيد وأن تترك الشأن العراقي وأهله على الأقل اسوة بتركها للشأن الفلسطيني وأهله بينما المفروض أن يكون الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين من أولى أولويات القاعدة - وفقا للمعلن - ! .. ولكن القاعدة لم تفعل ووجدتها الفرصة الذهبية وا لميدان المناسب لخلط الأوراق وإبراز العضلات والتأكيد لعدوها أنها موجودة في كل ميدان فسارعت لنقل سيارتها المفخخة للعراق واستدعت الانتحاريين من كل حدب وصوب نحو العراق فلا حدود محمية ولا حراسات لمؤسسات الدولة ! .. وبدأت طاحونة القاعدة تأكل بالعراقيين وكل ما يرتبط بحياتهم من مؤسسات , والأدهى من ذلك أن الامريكان لم يمسهم طائف من تفخيخات القاعدة وفوق هذا وذاك أقامت مراسيم زواج المسيار مع البعثيين ورجال صدام !! .. والقاعدة ومن يأتمر بأوامرها اليوم من أنصار اسلام مزيف أو أنصار لسنة رسول الله منها بُراء , ذلك لأنهم أثخنوا القتل في العراقيين بحجج واهية كأن يكونوا شرطة عراقية في زمن الاحتلال أو متقدمين للانخراط في صفوف الجيش أو عُمال في - مصطر - ينتظرون أن يعملوا في بناء هذه الوزارة أو تلك المؤسسة من أجل تأمين لقمة عيش وجدوا بزوال الطاغية فسحة من أمل على حصولها بعرق من جبينهم .
تُرى لماذا أقدمت القاعدة على هذا ؟
أولاً : هو عرض عضلات وايصال رسالة للأمريكان أننا هنا موجودون ولم ننته في الحرب على افغانستان
ثانيا : الافصاح عن البُعد الطائفي واستنهاض الحمية العنصرية والطائفية المقيتة , فقد كان صدام قد أدخل في رؤوس العرب بما فيهم القاعدة أنه - أي صدام - كان حاميا لمصالح السنة في العراق , وبما أنه قد زال فقد توجسوا خيفة على فقدان إرث توارثوه منذ أكثر من 80 عاما بفضل من المحتل الانجليزي أنذاك !! .
ثالثا : انعدام الحكومة في العراق وتيهان كامل لحدوده فكان العراق حلقة الوصل بين تواجد القاعدة في السعودية اليمن والاردن وبين افغانستان وباكستان مرورا بايران وهذه الاخيرة معروفة بسهولة اجتياز أراضيها ومن أقام في إيران يعرف ذلك . وبالتالي توسع رقعة القاعدة من حيث العمل والتنظيم بشكل أكبر مما مضى بالتنسيق مع ممثليهم أنصار الاسلام قبل الحرب وانصار السنة بعد الحرب .
رابعا : استغلال غض الطرف من قبل الامريكان عن العمليات التي تستهدف العراقيين , فأبدت القاعدة - بالتعاون مع أطراف عديدة بما فيهم بقايا أنجاس البعث - أبدت براعة منقطعة النظير في الاستفادة من هذه الثغرة واستغلتها أيما استغلال لقتل العراقيين .
إن القاعدة وأنصار اللااسلام وأنصار اللاسنة وكل من يتبجح بمثل هكذا مقاومات تقتل العراقيين الابرياء , وكل عراقي بريء باستثناء مجرمي البعث , إنما تُثبت بالدليل القاطع إن ما كانت تدعو اليه من مكافحة المصالح الصهيونية والامريكية في المنطقة ذهب وتهاوى مع برجي مركز التجارة العالمي وأنهم بهذه الأعمال يقرون اقرارا بأنهم ارهابيون فعلاً وما شعارات مناهضة التواجد الامريكي الا مرحلة قد إنتهت أو في أحسن الأحوال توجب تجميدها لأجل اغراق العراق في الفوضى وانعدام الأمن وعرقلة مشاريع العراقيين بالتخلص من الاحتلال وبناء عراق حر مستقل مستقر ! تنفيذا منهم لمآرب طائفية نتنة , وبهذا يكونوا قد حكموا على أنفسهم بالفشل الذريع مهما طالعتنا الأيام اللاحقة بمقابر جماعية بفعل التفخيخ والانتحار بأرواح العراقيين على الطريقة الانصارية أو القاعدية والمتفرج أمريكي ما دام القرار بهدر الدم العراقي لا زال ساري المفعول