لماذا يخاف البعض من النقد ؟؟
لماذا يخاف البعض من النقد ؟
لا تزال قضايا الحوار والنقاش مطروحة على الساحة العراقية من كافة التيارات والاتجاهات، وهذا الحوار الهادئ البعيد عن الانفعالات النفسية والتشنجات العصبية لا بد أن يفتح باباً للنقد البناء الذي لا يراد منه سوى الوصول إلى الحقيقة، وهنا ينقسم الناس بين مؤيد لهذا النقد وبين معارض له، ولكل فريق أدلته وبراهينه والذي اقتنعت به إن الخلاف لفظي بين الفريقين فالذي يعارضون النقد إنما يعنون النقد الذي لا يقوم على أساس ومنشأه الهوى، وهو ساع إلى هدم البناء لا غرض له إلا ذلك، والذين يؤيدونه يعينون النقد البناء الهادف الملتزم بضوابط المنهج العلمي لعملية النقد، ولم يخالف في ذلك أحد فيما أعلم إلا من شذ، وهؤلاء قوم ألغوا عقولهم وأغمضوا أعينهم عن درك الحقيقة، وهؤلاء لا يعتد بهم في إجماع ولا خلاف.
منهج النقد
إن النقد الملتزم بضوابط المنهج العلمي للنقد مهم لتقييم عملية البناء، وبدونه يفقد الناس الرؤية الصحيحة وتتشعب بهم المسالك، وهو ضروري لحماية وحدة الجماعة من أن يزيغ عنه زائغ بفهم خاطئ أو سلوك منحرف، فيقوم النقد هذا الاعوجاج ويرد التائهة إلى حظيرة الجماعة.
وعملية النقد البناء الهادف ليست من باب النفل أو المنة من الفرد على أمته، إنما هي واجب بقدر استطاعته وطاقته، وقد جاءت النصوص من كتاب الله العزيز وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دالة على ذلك وانعقد عليه اجماع الامة المحمدية المشهود لها بالصواب.
ومن تلك النصوص:
1- قوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} ومن هنا للبيان لا للتبعيض أي لتكونوا أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلقت الآية الفلاح على أداء هذه المهمة الخطيرة وأيدت الأحاديث النبوية هذه الدلالة فقد روى عن رسو ل الله صلى الله عليه وآله وسلم:((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))، وروى كذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم)).
2- قوله تعالى:{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} قال القرطبي : فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنافقين فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأسها الدعوة إلى الاسلام والنصوص في ذلك كثيرة وهو من المعلومات من الدين بالضرورة وإنما نبهنا من خلال هذه النصوص أن نفس فرضية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هي نوع من أنواع النقد البناء الهادف ولا يستثنى أحد منه بحال من الأحوال، بل إن الله سبحانه وتعالى عندما ذم اليهود لتقاعسهم عن هذا الواجب ذكر أنهم كانوا يعملون المنكرات ورغم ذلك لم يعذرهم الله سبحانه وتعالى {لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
عموما لم نذكر هذه النصوص إلا لنؤصل منهج النقد البناء الداعي إلى الإصلاح والذي لا ينشد إلا الحق،والنقد يمتد ليتجاوز ما ذكرنا إلى مجال رحب تتفاوت فيه الأفهام وتتضارب فيه الآراء ويحتدم فيه النقاش، وهذا المجال أكثر حساسية من سابقه لأن المجال الأول لا جدوى لمناقشته مع ورود النص فتجاهله مكابرة واضحة وغباوة فاضحة، أما هذا المجال كل يدعي أنه أحق بالصواب وأن غيره على الباطل الذي لا يقبل الصواب، ويخشى كل الخشية أن توجه إليه سهام النقد- وإن كانت مبنية على أسس علمية وبلهجة صادقة مخلصة مهذبة بعيدة عن الانفعالات العاطفية- لكن الذي يحدث أن الطرف الآخر يحاول أن يكتم انفاس ناقده ولا يسمح له أن يعرض رأيه!! لماذا؟! لانه يخاف من النقد ولم يحسن فن العرض ولم يفرق بين السماء والأرض ولم يميز بين الطول والعرض!!!
أظن أن الكثيرين من هؤلاء يجهلون منهج النقد فتحاشوه ولذلك نقول لهم إن من قواعد النقد:
أولاً:الإخلاص والتجرد من الاهواء:
إن منشأ كثير من النقد العنيف الهدام عدم إخلاص النية والرغبة في تجريح الخصوم فحسب، فترى ظلماً واضحا يسعى لتعظيم وتضخيم الأخطاء وكتم وتعتيم المحاسن، وهذا هو ما عناه بعضهم بقوله ((انصحني ولا تفضحني)) لأن النصيحة خالصة مجردة من شوائب وكدر الاهواء، فقد جاء عنه صلى الله عليه وآله انه قال:((الدين النصيحة))والنصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له وقيل النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب.
ثانيا: العلم:
إن آفة كثير من النقد الموجه إلى الناس والمبادئ سببه الجهل بالشيء، ولذلك حذر الله تعالى من التقول عليه بغير علم حيث قال:{ولا تقف ما ليس لك علم به إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسؤولاً} وقال عز وجل{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.
وإن من أخطر الأمور أن يتقدم الجهلة والأغبياء والمتسلقين الصفوف ويكونوا في المقدمة عليهم لبوس العلماء في حين أنهم غارقون في الجهل إلى الأذقان، والعجيب أن كثير من الناس اليوم واقعون في هذا المأزق ، ومثل هذا الوضع تنبأ به النبي صلى الله عليه وآله حيث قال:[إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من الناس ولكن يقبض العلم يقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا].
ثالثاً: الأمانة العلمية في مناقشة الحجج والبراهين:
فلا يطوي الناقد ما يخالفه إذا رأى حجة مخالفة أقوى ثم يحاول التشويش عليه بخيل الشبه ورجلها، ويجب عليه كذلك أن ينقل كلام مخالفه كما هو ،لا أن يأخذ منه ما يوافقه ويخفي الباقي وهذه الأمانة العملية في النقاش والنقد تشيع روح التسامح فلا يبقى مجال للضغائن والأحقاد،
رابعاً: حسن الفهم لما يقال: أحياناً ينتقد البعض بعض الآراء وهم لم يفهموها كما ينبغي وهذا يعود إلى أسباب منها:
- قلة العلم.
- ركاكةالفهم.
- اتهام النيات وسوء الظن بالمخالف.
-أخذ الأقوال من غير مصادرها الأصلية.
خامساً: قبول النقد إن كان حقاً:
جاء في الحديث الشريف :((رحم الله أمراً أهدى إلي عيوبي))، فالمسلم لا يستنكف من قبول الحق ممن جاء به وإن كان صادراً من أبغض الناس، والحكمة ضالة المؤمن إن وجدها فهو أحق بها وإلا كان ممن قال فيهم المولى تبارك وتعالى:{ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون} وروي ان ل الله صلى الله عليه وآله خرج الي قباء يصلي فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا وبسط كفه .
لماذا نخاف إذن ؟
إذا كان النقد ملتزماً بالمنهج الذي ذكرنا بعضاً من معالمها فلماذا الخوف منه إذن؟ والإجابة عن هذا السؤال عسيرة وتحتاج من أصحابها محاسبة شديدة للنفس ومراجعة للمواقف السابقة علهم يهتدون إلى إجابة مقنعة، وإلى ذلك الحين نقدم بعضاً من الأسباب التي نراها تخيف أهلها من قبول النقد البناء الهادف.
أولاً الخوف من الفضيحة
فالكثير يخاف من الفضيحة خصوصا اذا كان الناقد يملك وثائق دامغة ، وهؤلاء يصور لهم الشيطان أنهم إذا تراجعوا عن مواقفهم السابقة سوف يتعرضون لافتضاح أمرهم، وسخرية الناس منهم وهذه الشبهات لا ينبغي للمسلم أن يتمسك بها فالحق أحق أن يتبع، وما سخرية الناس بجانب الفضيحة على رؤوس الاشهاد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ومن هم هؤلاء الناس الذين يخشى جانبهم؟! اليسوا هم من قال فيهم سبحانه {وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}والذين قال فيهم {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا} ؟؟
ثانيا: الغرور والاعجاب بالنفس:
ومن أصيب بهذا الداء فلا يقبل نصحاً ولا يستجيب لدعوة، لذلك كان التكبر الناشيء عن الغرور من أبرز صفات الكافرين والمنافقين قال الله تعالى:((أليس في جهنم مثوى للمتكبرين)) ،قال تعالى حكاية عن فرعون (( يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذ هو مهين ولا يكاد يبين)) وهذا المرض يدفع صاحبه إلى ظلم الناس والترفع عن قبول النقد بل إنه إن كان ذو جاه ومكانة ينكل بمن ينقده أشد التنكيل، وقد روي ان ((الكبر بطر الحق وغمط الناس)).
ثالثاً:الخوف على ضياع المصالح:
وهؤلاء صنف يفقدهم النقد مصالح اكتسبوها بطرق غير مشروعة أساؤوا استخدامها فيجدون في النقد تبديداً وتهديداً للمكتسبات التي حققوها،وهؤلاء هم أشد الناس مقاومة للنقد بل إنهم يرفضونه من أصله والغلو في النقد ناشيء عن غلوهم في المنع.
ثوب الرياء يشف عما تحته فإن التحفت به فإنك عــــار
رابعا: سد الذرائع:
وهذا من أعجب الأسباب، وأصحابه لهم نيات صالحة في أغلب الأحيان فهم يمنعون النقد خوفا من أن يدخل من هذا الباب المفسدون والجاهلون، وبالتالي يتم القضاء على الوحدة المنشودة ولا أظن أن هذا الطريقة ناجحة، فإن ضررها أكبر من نفعها، إنها تلغي التفكير أصلاً، وتحول البشر إلى قطعان من الماشية لا تعي ولا تفكر، من السهل أن تقاد وتساق إلى حيث يراد لها، وبدلا من ذلك علينا أن نعلم الجاهل ونصلح الفاسد وننشر ثقافة أصيلة قائمة على أسس سليمة متينة لا يستطيع ان يتسلل من خلالها الفاسد ولا يستطيع ان يتطاول عليها الجاهل .
كلمة أخيرة ...
من خلال متابعتي لما يكتب (بخصوص القضية العراقية) وما يتعلق بالقيادات المتصدية في العمل المعارض خصوصا الاسلامي منه ، اعتقد أننا الى النقد أحوج منّا الى المدح والإطراء...
إن فسح المجال أمام حرية الكاتب في طموحاته ورغباته... هو إدراك حقيقي لحرية الاُمّة وتجسيد واقعي لما ينبغي أن تكون عليه عملية النقد في مرحلة الثورة... إذ لا يمكن في مرحلة الثورة أن تكون وسائل الاعلام منغلقة على تأليه الفرد وقراراته وعائلته و .... ، فعندما يكون الواعون والمخلصون من أبناء الشعب رقيبا حقيقيا لما يصدر عن القائد والاُمّة ، سنصل بالثورة إلىحدودها الواقعية التي لا تجعل الأمة صنماً في مقابل القائد أو بالعكس.... .
انّ القائد الذي لا يقدّر الامة ولا يحترم ما يقوله أبناؤها الواعون فيالعملية الثورية هو (مشروع قائد) سالب بانتفاء الموضوع.... فالرجاء من بعض الاخوة الحذرمن استخدام الفيتو وتكميمالأفواه ، وخاصة أفواه الطبقة المثقفة من خلال غياب النقد أو تغييبه وتحريفه بتهم جاهزة استخدمها الكثير من طواغيت العصر .