مَا نَدِمْت عَلَى شَيْء مَا نَدِمْت عَلَى حَدِيث حَدَّثْت بِهِ
[align=justify]
مَا نَدِمْت عَلَى شَيْء مَا نَدِمْت عَلَى حَدِيث حَدَّثْت بِهِ
أنس بن مالك بن النَّضر الخزرجي الأنصاري، ولد بالمدينة، وأسلم صغيراً وهو أبو ثُمامة الأنصاري النّجاري، وأبو حمزة كنّاه بهذا الرسـول الكريم
يقول أنس رضى الله تعالى عنه : أخذت أمّي بيدي وانطلقت بي الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (يا رسول الله إنه لم يبقَ رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتحفتْك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا، فخذه فليخدمك ما بدا لك)...
فخدمتُ رسول الله -صلى الله عليه واله وسلم- عشر سنين، فما ضربني ضربةً، ولا سبّني سبَّة، ولا انتهرني، ولا عبسَ في وجهي، فكان أول ما أوصاني به أن قال: (يا بُنيّ أكتمْ سرّي تك مؤمناً)...
دخل ثابـت البُنَاني على أنس بن مالك -رضي اللـه عنه- فقال: (رأتْ عيْناك رسـول اللـه -صلى الله عليه وسلم- ؟!)... فقال: (نعم)... فقبّلهما ثم قال: (فمشت رجلاك في حوائج رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- ؟!)... فقال: (نعم)... فقبّلهما ثم قال: (فصببتَ الماء بيديك؟!)... قال: (نعم)... فقبّلهما ثم قال له أنس: (يا ثابت، صببتُ الماءَ بيدي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوضوئه فقال لي: (يا غلام أسْبِغِ الوضوءَ يزدْ في عمرك، وأفشِ السلام تكثر حسناتك، وأكثر من قراءة القرآن تجيءْ يوم القيامة معي كهاتين)... وقال بأصبعيه هكذا السبابة والوسطى).
قدم أنس بن مالك دمشق في عهد معاوية، والوليد بن عبد الملك حين استخلف سنة ست وثمانين، وفي أحد الأيام دخل الزهري عليه في دمشق وهو وحده. فوجده يبكي فقال له: (ما يبكيك ؟)... فقال: (ما أعرف شيئاً مما أدركنا إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيّعت)... بسبب تأخيرها من الولاة عن أول وقتها...
توفي انس رضى الله تعالى عنه في البصرة، فكان آخر من مات في البصرة من الصحابة، وكان ذلك على الأرجح سنة (93 هـ) وقد تجاوز عمره المئة عام وذلك خلال عهد الحجاج الثقفي والي العراق رضى الله تعالى عنه الذي يقول فيه الخليفة عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم ..
فمن منا لا يعرف أنس بن مالك ( رضى الله تعالى عنه ) , ومن منا لا يعرف الصحابي الجليل ابو هريره رضى الله تعالى عنه , وقد أمتلأت ديارنا في الوقت الحاضر بنموذج أبو هريرة أو أنس بن مالك .
ولكن من هو انس بن مالك رضى الله تعالى عنه ؟ .
التاريخ يقول ويصرح بذلك ولا مجال هنا تفسير الحالتين إلى تفسيرات بعيدة عن مفاهيم المنطق .
المثال الأول من سيرة انس بن مالك خلال عهد الإمام علي عليه السلام , وما زال ذلك العهد ندي بذكريات صاحب الرسالة والزمان لم يتجاوز من المسافة فرسخا أو أقل من ذلك :
استنشد الامام (عليه السلام) أيام خلافته، في يوم مشهود إذ جمع النّاس في الرحبة من صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين شهدوا يوم الغدير قائلا «أنشد الله كل إمرىء مسلم سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول يوم غدير خم «من كنتُ مولاه فعلي مولاه» ألاّ قام فشهد بما سمع، ولا يقم إلاّ من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه».
فقام ثلاثون صحابياً شهدوا له بذلك لم يقم أنس بن مالك، فقال له (عليه السلام): ما لك لا تقوم مع صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتشهد بما سمعته يومئذ منه؟.
فقال انس يا أمير المؤمنين كبرت سني ونسيت فقال علي إن كنت كاذبا فضربك الله بيضاء لا تواريها العمامة ) فما قام حتى ابيض وجهه برصا فكان بعد ذلك يقول أصابتني دعوة العبد الصالح , وهذه القصّة مشهورة ذكرها إبن قتيبة في كتاب المعارف(1) حيث عدّ أنساً من أصحاب العاهات في باب البرص وكذلك الإمام أحمد بن حنبل في مسنده(2) .
[color="rgb(154, 205, 50)"] المثال الثاني من سيرة انس بن مالك :
[/color]
كان أنس بن مالك يصبر الناس على أذى الحجاج لعنه الله والي العراق , ويروى عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ : أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ : اصْبِرُوا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواهُ البخاري (7068)
وروي ايضا عنْ أَنَسٍ بن مالك أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا : إِنَّ الْمَدِينَةَ وَخِمَةٌ ، فَأَنْزَلَهُمْ الْحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ فَقَالَ : اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا ، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدِمُ الْأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ . قَالَ سَلَّامٌ : فَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ : حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِهَذَا ، فَبَلَغَ الْحَسَنَ : فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا . رواه البخاري (5685) .
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (10/149) : وَسَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ ثَابِت " حَدَّثَنِي أَنَس قَالَ : مَا نَدِمْت عَلَى شَيْء مَا نَدِمْت عَلَى حَدِيث حَدَّثْت بِهِ الْحَجَّاج " فَذَكَرَهُ , وَإِنَّمَا نَدِمَ أَنَس عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجَّاج كَانَ مُسْرِفًا فِي الْعُقُوبَة , وَكَانَ يَتَعَلَّق بِأَدْنَى شُبْهَة .ا.هـ.
هذا هو نموذج من يكتم الحق ويكذب أهله , ويصرح بالباطل لينصر به المفسدين .
[/align]