سفيرهم ..و سفيرنا
كل من تابع السفير الفرنسي في العراق سيتفاجأ لحد الصدمة بلغته العربية الفصيحة .. و لن يصدق ان من يسمعه فرنسي الاصل ابا عن جد ..لخلو لهجته من اللكنة الفرنسية التي تكشف عن هوية الفرنسي بكل سهولة .
فحين يلتقي هذا السفير بالمسؤولين العراقيين لا نرى في اجتماعاتهم اثرا للمترجمين كما جرت العادة في اللقاءات مع الاطراف الغير عربية . و حين يضطر هذا السفير ان يتحدث اثناء اللقاء مع احد مستشاريه او مرافقيه , سيستمتع بالوجوه المحيطة به و التي ستبدو كوجه الاطرش بالزفة تماما .
بوريس بوالون ..شاب فرنسي رشيق انيق في مقتبل العمر, كرس حياته و مستقبله من اجل مصالح وطنه .
بالتاكيد شخص كهذا لم تخلقه الصدف و لم يكن وليد الواسطات .
اكاد اتصور حجم الجهود التي بذلها للوصول الى هذا المستوى .اشهرا ان لم تكن اعواما قضاها بين الدراسات المختلفة و في كورسات مكثفة ليتعلم اصول اللغة العربية شكلا و مضمونا ..
العربية التي لا تشبه ابدا لغته الام :الفرنسية..و ليس هناك اي صلة بينهما, فالعربية من اللغات السامية ..في حين ان الفرنسية من اللغات الهندواوربية ..و شتان بين الفصيلتين .
و مع هذا كرس كل طاقاته و جهوده و تعلم هذه اللغة الصعبة و يجيد التحدث بها بطلاقة و بمصطلاحات تذهل المستمع العربي .
اضافة الى تعلم اللغة العربية عليه ايضا ان يتعلم ثقافة البلد الذي سيحل سفيرا فيه..ليمثل بلده باحسن صورة و ليؤدي دوره كسفير باكمل وجه , بحيث لا يجلب الخزي و العار و المهانة لبلده من تصرفاته الرعناء , و الاهم من هذا يجب عليه ان يتعلم ثقافة البلد ليتمكن من جني المصالح لفرنسا ..خاصة انه في كل مناسبة و اجتماع يصر على انه مهتم بالمصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين - العراق و فرنسا - و يؤكد دائما على دور فرنسا في اعمار العراق .
ليتعرف جيدا على ثققافة البلد لابد له ان يحيط و لو بقليل من علم النفس و الاجتماع ..ليميز مواطن الضعف و القوة في ابناء بلاد ما بين النهرين ..و يعرف مداخل بعض النفوس و اسعارها
كل هذه الدراسات و الثقافات لصالح : ماما فرنسا
ناهيك طبعا عن دراسة العلوم السياسية ..ليثبت قدمه اولا في وزارة الخارجية الفرنسية ..ثم يحظى بعد اثبات ولاءه الكامل بشرف مسؤولية تمثيل بلده و ادارة شؤونها في بلد مهم كالعراق .
سيكون مثارا للسخرية كل من يعتقد او يفكر مجرد التفكير ان هذا السفير تعين بالواسطة !!
و سنجد ان ملفه يخلو ربما من ان خاله هو المسؤول (( أ )) او ان عمه كان المسؤول (( ب ))..و بالتاكيد لن تحتاج امه لتوطيد علاقات مع زوجة المسؤول (( ج )) او التملق لوالدة المسؤول (( د )) أو دعوة شقيقة المسؤول ((هـ )) في كل المناسبات الخاصة و تخصيص اريكة لها في صدر المجلس ..فقط ليتم تعيين ولدها الوحيّد .
لا استبعد مطلقا ان يكون هذا السفير منحدرا من اسرة فرنسية متوسطة الدخل , و لن اتفاجا ان قرات ان والده كان يعمل سائق شاحنة للنقل مثلا .و ما اوصله الى هذا المركز المرموق هو انه تم تشخيص الذكاء عنده مبكرا و هو لا يزال في مراحل الثانوية ..و تم انتهاز هذه المواهب و توجيهه لصالح البلد ..و هكذا اصطنعته فرنسا لنفسها كما تصطنع الدول المتقدمة و المتطورة رجالها .
هذا كان احد سفراءهم ..
ماذا عن سفراءنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لا انكر ابدا ان بعض سفراء العراق يجيدون لغة البلد الذي يمثلون العراق فيه ..و السبب يعود -ببساطة - لانهم قضوا سنوات المنفى هناك ..لا لانهم بذكاء و قدرات السفير الفرنسي و امثاله .
و كيف لنا ان ننسى فضائح السفارة العراقية في الدانمارك و السويد ..اذ لا زال مسلسل الفضائح مستمرا هنا و هناك .
أ. الموسوي