بسم الله الرحمن الرحيم ، و السلام عليكم..
[align=right]
تحية للأخوين الحميمين العقيلي و الركابي ... وصلني ايميل عن احدى مشاركاتي القديمة دفعني لأزور الشبكة التي نسيتها لخمسة أعوام ، فوجدتها على حالها ، قد ملئت غثاءً كثيراً و صخبا ، فاختلست من نفسي هنيهة و صرت أبحث عن مواضيع لـ "نصير المهدي" لأني اشتقت الى قلمه الفذّ ، فاكتشفت هذا المقال الذي يتحدث عن "قيادات شيعية ، قيادات سنية" ، "مقاعد برلمانية شيعية ، مقاعد برلمانية سنية" ، "قنوات فضائية شيعية ، قنوات فضائية سنية" ، "اقتصاد شيعي ، اقتصاد سني" ، " نقابات سنية و نقابات شيعية" ، و أضيف اليها من عندي " نفايات شيعية ، و نفايات سنية" .
مقالك هذا مثير ايها الغالي أبا محمد ... و دعني أنسى للحظة من كتب لأعلّقَ على ما كُتِب ...
“فالحقائق والاحصائيات مدعمة بلغة الأرقام الباردة، تؤكد أن العراق ما يزال سنياً، بل و بعثياً ايضاً.”
ليت هذا الكلام كان واقعاً صحيحاً لكنا بألف خير عما نحن عليه الآن من قتل و رعب و نهب و تخريب و دمار دخل مفاصل حياة العراقيين حتى النخاع! و لكن الحقيقة غير ذلك تماماً ، و هذه الإحصائيات – على فرض صحتها مع تحفظي عليها - إن دلت على شيء فإنها تدل على أن العراقيين "السُّنة" أقدر على إدارة الأمور من غيرهم ! و بقاء الأصلح سنة طبيعية.لكن من باب مقابلة "العراق ما زال سنياً" ... ماذا تريد للعراق أن يكون يا ترى؟ شيعياً مثلاً؟ لماذا و بأي استحقاق؟ الأغلبية العددية؟ هذه معايير ساذجة أثبتت فشلها الذريع عند كل شعوب العالم التي استطاعت أن تلحق بركب الحضارة الإنسانية و بقينا نحن نجتر الماضي و نحسب عدد رؤووس الغنم التي عندنا! ثم ماذا تعني هذه المسميات و ما قيمتها؟ أوليس العراق للعراقيين – سنة كانوا أو شيعة أو أي صنف آخر؟ ما أتمناه أن يكون العراق عراقياً و أن تكون خدمة البلد و الحرص عليه هي أداة الإستحقاق و المفاضلة لا الدين أو المذهب أو العرق.
يولد العراقي إنساناً على الفطرة ، أما أبواه فإما يشيَّعانه أو يسنَّنانه أو يمسَّحانه أو يصبَّئانه أو يزيَّدانه أو يعرّبانه أو يكردانه أو يتركمانه ! و لم يختر أحد منا دينه و لا مذهبه و لا عرقه. و إذا كنا نتحدث عن مصلحة بلد اسمه العراق يضم العراق كله من شماله إلى جنوبه و من شرقه إلى غربه فلتكن لغتنا تحتوي كل مكوناته ، فلا فضل لعراقي على عراقي إلا بحرصه على بلده و إخلاصه لناسه و لمصالحهم ، و هذا الإنتماء لا دين له و لا مذهب و لا قومية ، و "من ثمارهم تعرفونهم" ... لا من مذاهبهم و لا من أحزابهم و لا من قومياتهم و لا من لطمياتهم! فأرونا هذه الثمار بعد ست سنواتٍ عجاف من الحكم الذي امتطى ظهر التشيع بكل إئتلافاته ! لا تقل لي مفخخات و زرقاوي و قاعدة ، فلم يستفد أحد من هذه الكاريكاتيرات الأميركية – الإيرانية سوى هذه الأحزاب الشيعية التي استثمرت الغضب الشعبي العام لتكسب التعاطف الطائفي الطبيعي معها و التي بدونها لم تكن لتحظى بأي شعبية حتى عند الشيعة أنفسهم بعد أن تبينت انتهازيتها و عوارها و خوائها!
فإن كنا نتحدث عن العراق فهذا هو العراق و هذه مكوناته البشرية و كلها لها الحق فيه ، و إن كنا نتحدث عن اقليم شيعي جنوبي فاخترعوا له اسماً آخر غير العراق و ليخرج منه من "لم يتزين بـعطر الولاية" و سلموا هذا الأقليم للأحزاب الشيعية الحالية لننظر كم سيبقى و ماذا سيبقى منه تحت قيادة عصابات آل الحكيم و آل الصدر و ثنائي الجعفري و المالكي و بقية شلة الانتهازيين ، و ما صراعهم فيما بينهم و تشتتهم و انقسامهم و تشضيهم من أجل الكرسي عنك ببعيد!
ثم ما علاقة الحكم السني بحزب البعث؟ حزب البعث كان علمانياً قومياً تستر به آل المجيد للإستحواذ على البلد و حكمه بطريقتهم الخاصة ، و أكرر : حزب علماني كان الشيعة من قياداته و من كوادره و من قواعده ، و هذه حقيقة انكارها مكابرة لن تغير التأريخ و لن تمسح عواره. ثم ما فضل الأحزاب الباقية عليه من أمثال حزب الدعوة و المجلس و غيرها؟ كلها بدون استثناء تسترت باسم الدين و المذهب و تسلقت على رؤوس المتخلفين و المغفلين من هذه "الأغلبية" التي تملأ السفح لتحقق مصالحها الفردية و أجندتها الخارجية ، و الفرق بينهم و بين حزب البعث أن الأخيرتغدى بهم قبل أن يتعشوا هم به ، و هو لو علمت تكتيك مشروع في صراع الثعالب و الذئاب. و هذه حقيقة ما كنا لنتخيلها أو نصدق بها لولا أن رأينا ما فعله جشع السلطة بهؤلاء الذين تعولون عليهم الريادة و تسلمون لهم القيادة لا لشيء سوى أن الحزب يتشدق بشعار "آل محمد" و القائد "خطية" سيد شيعي مظلوم مهضوم مضطهد محروم من ممارسة طقوسه الخ من الأسطوانة التي صدعوا بها رؤوسنا ، فما أن استلموا دفتر الشيكات و سوط الشرطي و مسدسه حتى عاثوا نهباً و اجراماً و إفساداً لا يقل عن إفساد آل المجيد إن لم يفوقه بمراحل ، حتى صار حال العراقيين كما قال الشاعر : دعوت على عمرو فمات فسرني *** فلما ابتليت بغيره بكيتُ على عمرِ!
ليست مشكلتنا أن البلد يحكمه سنة أو شيعة ، فهذه أدوات مرتبطة بأجندات خارجية ، مشكلتنا هو انكفاء الرابطة الوطنية و هيمنة العصابات الدينية على مقدرات البلد و على شعبه . أحزابك الشيعية يا سيدي العزيز ليس عندها مشروع يخدم وطن و لا خطة انقاذ لهذا البلد، و لم تقدم لنا بديلاً سياسياً وإدارياً و أخلاقياً في مقابل نموذج العهد البائد ، بل هي مشغولة - منذ أن تقافزت فرحة خلف بساطيل المحتل - بنهب ما يمكن نهبه ، و النهب و الفساد الإداري و المالي الهائل الذي يجري تحت مظلتها و أمام ناظريها ضرب كل الأرقام القياسية عرض الحائط و وضع العراق في مقدمة الدول التي ينخرها الفساد نخراً ، و ست سنوات عجاف من انفراد "الموالين" بفتات السلطة التي يلقيها لهم الأميركان شهدت حرباً أهلية جبانة و اهدرت فيها مليارات الدولارات من أموال الشعب ضاعت بين صفقات مشبوهة و اختلاسات علنية و رواتب فلكية للبرلمان و المجالس الرئاسية الثلاث و على حفلات الراقصات و الماجنات في الوزارات ، و لحد هذه اللحظة لا كهرباء و لا ماء في بلاد النهرين ، و الحصة التموينية تحولت من 16 مادة غذائية في عهد صدام إلى 4 مواد الآن في عهد حكم "أهل الولاية" ... ! فعن أي حكم سني نتحدث؟
الشعوب يا عزيزي لا تنهض و لا تتقدم بحسابات الأغلبية و المحاصصة كي نبحث عن صبغة مذهبية أو عرقية نصبغ العراق بها ، بل تسيرها و تنهض بها معايير الكفاءة و الصلاح و المسؤولية المشتركة ، و تقديم مصلحة البلد على المصالح الشخصية و المنتفعات الآنية. لقد نهضت الشعوب اليابانية من تحت رماد قنبلتين نوويتين و شقت طريقها بثبات إلى أعلى سلم الحضارة بين أطلال الدمار دون أن تلتفت للماضي و دون أن تتسابق إلى نهب البلد و تمزيقه كما تفعل الإحزاب الدينية و السياسية العراقية اليوم. و هذا يشير إلى حيوية هذا الشعب و ما يزخر به من طاقات تسعى للبناء و لنكران الذات وظفها لصالح مجتمعه و بناء وطنه. فهو شعب ينظر إلى الأمام بعيون مفتوحة ليبني مجداً هو ثمرة جهود متكاتفة و مواصلة حثيثة ، شعب يعمل و يرفض حتى أن يأخذ الإجازات احتراماً للعمل ، في الوقت التي يسعى فيه شعبك المحترم إلى ترك وظائفه و مسؤولياته و مواقعه من أجل مسيرة شعبانية و أخرى أربعينية يعطلون فيها المصالح و يسدون الطرق و يملأؤونها نفايات و قاذورات و يحولون الجامعات و المعاهد العلمية إلى حسينيات لطم أو مواخير متعة ! لاحظ شعبك هذا الذي تتحسر عليه ، يتملك ناصيته كاهن أبهم جاء من جبال سستان مع مد "السادة" الذي رافق هجرة الغجر الهنود ، لا يتكلم لغته و لا تسمع له صوتاً و لا همساً ! هل رأيت شعباً رأسه من غيره؟ هذه الحالة لا تجدها إلا عن عند العراقيين الذين بسبب أنهم لم يستطيعوا تجاوز خلافاتهم المذهبيه استقبلوا و ملكوا "شريفاً" هاشمياً حجازياً عليهم !
عندما يصحو شعبك المحترم من "غيبوبته الكبرى" عن واقع الحياة و يعيشها كما يعيشها البشر من بني آدم و ينظر إلى الأمام بأفق واسع يغطي كل ألوان الطيف – بدل أن يتباكى إلى الخلف - و يقدم لنا نموذجاً بناءً حول التفاني من أجل مصلحة البلد و احترام حقوق شعبه و مواطنيه ، عندها فقط يحق للأصلح أن يطالب بزمام الأمور ، و عندها كلنا سنقف خلفه و نشد من أزره ، و البقاء للأصلح. أما بوجود هكذا أحزاب ترأسها هكذا مسوخ و شواذ على المستوى السياسي و الإداري و الديني و الأخلاقي لا يقفون عند حرمة من أجل مغانمهم و استحواذهم على السلطة في الوقت الذي لا يزال العراقي يتحسر على ساعة كهرباء أو لتر بنزين أو شارع نصف مبلط ... فأستميح مظفر النواب عذراً و أستعير من قصيدته بيتاً و أقول ليس السنة أو البعثيين فقط ، و إنما حضيرة آل المجيد أشرف من أطهرهم !
[/align]