إنهيار القيادة الشيعية في العراق ..
لا يمكن لأي متابع أو معايش لأوضاع الشيعة في العراق الآن إلا أن يخرج بنتيجة محزنة و مفزعة للوضع الحالي المأساوي ، و هو وضع أقل ما يوصف بأنه فوضوي و منقسم على نفسه و متخلف. فوضوي لأنه ليس له وجهة ثابتة و منضبطة بسياسة واضحة و معلنة ، و ليس له برنامج متكامل أو متناسق مع ظرفه الذي يمر به.
و منقسم على نفسه ، و هذه أوضح من الشمس وقت الضحى ، فالشيعة ككيان لا تجمعه الآن إلا الشعارات و اللافتات و المناسبات و القتل الجماعي الذي لا يفرق بينهم ، و لكنهم في الحقيقه تيارات بدأت تتصارع و تتنافس لفرض نفوذها على حساب الأخرى ، و هذا أحد أسباب ضعفها. و لا يوجد إشكال في تعدد الإجتهادات و إختلاف الرؤى ، لكن المصيبة أن يتحول ذلك إلى صراع يقوض وحدتهم و يشرخ صفهم. و أوضح مثال على ذلك أن الشيعي العراقي أصبح ينابز أخيه الشيعي بأنه "حكيمي" أو "ًصدري" أو "سيستاني" ، و شهدت بعض مساجدهم تلاحماً و شقاقاً بسبب الإختلاف في من يقلد هذا أو ذاك من المراجع. و لأول مرة في تأريخ شيعة العراق الحديث ينقسم الشيعة في تحديد أول أيام العيد ، فيعيد هؤلاء في يوم ، و يعيد الآخرون في اليوم التالي و هم يعيشون في الحي نفسه!
و متخلف لأنه أغلق على نفسه اسطورة هيمنة "المرجع" و "العالم" و "الآية" و "المعمم" و "السيد" كطريق وحيد للتلقي عن الله و لفهم الواقع و الحياة التي يعيش و يرى في أشخاصهم رمزاً لفكره و عقيدته ، و لأنه رضي بأن يكون من العوام الذين لا يفقهون في أمور الدنيا و الدين أكثر مما يفيض عليه المستعمم ، فكان طبيعياً أن تنعكس ثقافة هؤلاء المستعممين و رؤيتهم المتخلفة و القاصرة للحياة على ثقافته و سلوكه .. هذا أولاً ، وثانياً لأنه يعيش حالة الإنفلات من الكبت الذي لاحقه لعدة عقود و الرغبة في ممارسة كل ماكان يعد ممنوعاً منه حتى و إن كان يمس بانسانيته و كرامته التي تفضل الله بها عليه. و لأن كان السبب الأخير ممكن أن يتعرض إلى الزوال حال عودة الوعي و مراجعة النفس ، فإن هيمنة الكادر "الديني" و سطوته و تعظيمه كفيلة برده القهقرى كلما أراد النهوض و التفكير خارج إطار (( إنا أطعنا ساداتنا و كبرائنا فأضلونا السبيلا )). و الملاحظ أن العلاقة بين العامي و المستعمم هي علاقة جدلية ، فلا يجرؤ العامي على مخالفة المستعمم حتى في نحنحته ، و لا يجرؤ المستعمم في تعكير مزاج و هوى العامي في ممارساته و انحرافاته عن صلب ما يدعو إليه لئلاً يفقده ذلك مركزه و سطوته.
هل هذه أسباب أم نتائج ؟
برأيي أن الأوليان – الفوضى و الإنقسام - نتيجة لغياب المرجعية و القيادة الواعية الموحدة ، أما التخلف فهو سبب و نتيجة معا و هو برأيي العصب الذي يملك التغيير في كل هذا. فالذي يجمع هذه الظواهر الثلاث هو نتيجة غياب المرجعية عن الواقع الحركي المؤثر و انهيارها تماماً. المرجعية لا تعني أشخاصاً بألقاب و كنى تقطع النفس قبل أن تصل لأسمائهم ، إنها تعني إنتماءً ، و مسؤولية ، و وجوداً حقيقياً فاعلاً ، و واقعاً ، و متابعة للأحداث ، و إحاطة كفوءة بمشاكل الناس و متطلبات الواقع ، و تسييراً حكيماً و حازماً لأمور المؤمنين ، و فوق هذا كله تعني جهاداً ، و إيثاراً ، و تضحية. إن هذا كله لا يمكن أن يأتي به شبح لا يعرف منه إلا إسمه ، و لا كاهن لا يجيد سوى هضم أموال الناس بالباطل و المتاجرة بدمائهم و التسلق على جماجمهم و المراهنة على تخلفهم و لا بصبي ليس له حظ من علوم الدنيا و الدين سوى إرث و أتباع إرث لايجيدون سوى فن الدعاية و التنفير!
هل كتب على الواقع الشيعي أن ينقسم بين قيادة لا تمثلها إلا "مرجعية" معممة و بين مقلدين لا يجيدون سوى الهتاف و التقليد ؟ أين الكادر المثقف و الواعي و المتمرس في الحياة و المتمكن من تحمل مسؤولية المجتمعات و نموها بالشكل الصحيح كما هو حال بقية الأمم و المجتمعات التي شقت طريقها و نهضت من نكباتها لتتعلم منها و تتلافى الأخطاء التي تكبها على وجوهها ، و هي بعد لا تملك رصيداً فكرياً إلهياً كما ندعي نحن؟! هل عَدِمَ المجتمع الشيعي بروز هكذا كادر قادر على أن يضع الأمور في نصابها الصحيح و يأخذ بزمام الأمور من أيدي الكهنة الذين كانوا كالسندان لمطرقة صدام التي أهلكت جيلاً من العلماء و المثقفين الأكفاء الذين كانوا مرشحين لقيادة الجماهير و توحيدها و توجيهها إلى المسار الصحيح.
إن الواقع اليوم يجعل الأمل في أو المراهنة على المراجع و المستعممين في تصحيح المسار و تلافي الإنهيار هي مراهنة خاسرة على عاجز و قاصر و معدوم الكفاءة ، و الحياة لا تتوقف باختفاء هؤلاء أو تثاقلهم إلى الأرض ، بل هنا يبرز دور الجيل المصلح و الواعي لزمنه و مشكلاته ليمارس دوره أولاً في توعية الناس لضرورة التغيير ، تغيير ملامح القيادة و سماتها في عقل الشيعي و نزع اسطورة "المعمم" و قدسيته و استبدالها بسمة الإنسان الكفوء و الواعي و المتقي ، و ضرورة محاسبته على أساس الكفاءة والعمل. و هذه تتطلب مراجعة شاملة للمفاهيم و عرضها للإختبار أمام القرآن ،و العقل و تجارب الأمم!
لقد حدثت مجزرتان كبيرتان للشيعة في العراق بعد سقوط نظام أحرق أخضرهم و يابسهم ، فماذا قدمت هذه "القيادة" المتمثلة بالمرجعية للضحاياً و ماذا عملت من تدابير من أجل تلافي هذا الجرم من جديد ؟ لاشيء ! ماذا قدمت أمام الدستور الذي صمم لإهدار حقوقهم و تهميشها ؟ لا شيء ، بلا .. قدمت لنا عرضاً مسرحياً في تذبذبها و تخبطها و طفولة تفكيرها! هذه قيادة غير موجودة و مرجعية منهارة و فاشلة.
إن القيادة الناجحة لأي مجتمع اليوم لا يقوم بها شخص واحد و ليس في مستطاعه ذلك ، بل لابد من وجود مؤسسة من ذوي الخبرة و الإختصاصات المختلفة المتعلقة بكل مفاصل الحياة السياسية و الإجتماعية و العلمية و غيرها تقوم بخدمة الناس – و لا يخدمها الناس – و تثبت هي ولائها لقيم الدين و المجتمع و ليس المجتمع هو من يقوم بتقديم ولائه لها.
الانهيار اصاب القيادات الخاصة بابناء العامة
من العجيب ان يحكم احدهم بانهيار القيادات الشيعية والتي تعيش الان في قمة ازدهارها رغم الاختلاف والخلاف الموجود في كل زمان ومكان ولا نعتقد بعدم وجوده لدى اي من المذاهب والتيارات الدينية والسياسية .
ثم اذا كانت هذه القيادات المتعددة والمتفقة على قضية رئيسية هي الحرص على مصلحة العراق والعراقيين بخلاف القيادات الكردية والسنية التي لا تفكر الا بتحقيق مصالحها الخاصة ...
ووجود قيادات دينية ذوات شعبية كبيرة كسماحة السيد السيستاني وسماحة الشيخ اليعقوبي وسماحة السيد مقتدى الصدر وسماحة السيد المدرسي بالاضافة الى القيادات السياسية كالاستاذ ابراهيم الجعفري والسيد عبد العزيز الحكيم والاستاذ موفق الربيعي ...الخ ، هو شيء رائع ومفرح.
ثم اذا كان الانهيار حاصل فمتى كان لهذا البنيان موجود قبل سقوط نظام العوجة الملعون
النظام الذي استطاع من قمع كل القيادات الشيعية مقابل تنصيب ابناء السنة امراء وقادة على كل العراقيين .
اما الانهيار فهو حاصل فعلا في القيادات السنية التي لم تتفق ولن تتفق الى حد الان على العمل المشترك وان كان التيار القوي يميل نحو مقاطعة الشيعة وعدم خلق محاور للتعاون معهم .
السلام على ابي الضيم الحسين الشهيد (ع)
الفاضل السيد مهدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله حير الجزاء وأوفره
انا خادم لكل عراقي شريف ولكل موالي لمحمد وال محمد صلى الله عليه واله
واطلب من الله لك التوفيق والعمل لصالح الدين والمذهب وصاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف
ودمتم سالمين