يا عقلاء الشيعة: أسكتوا هذا الغلام!
يا عقلاء الشيعة: أسكتوا هذا الغلام!
الثلاثاء 06 أبريل 2004 06:36
د. شاكر النابلسي
-1-
ماذا يريد أن يقول الغلام مقتدى الصدر للعراق والعراقيين؟
ماذا يريد الغلام مقتدى الصدر من تحركاته ومظاهراته وجيشه ومكاتبه وصبيانه؟
هل يريد أن تخرج أمريكا من العراق فوراً؟
نعم، فلتخرج امريكا غداً!
ثم ماذا بعد؟
هل يريد الغلام مقتدى عودة العهد المقبور الذي قتل أباه آية الله العظمى محمد صادق الصدر وولديه مجتبي ومؤمل في 1998، في حادث النجف المشهور يوم الجمعة بعد صلاة المغرب، وكان من قبل قد مسح العتبات المقدسة في جنوب العراق ثانية في 1991 مسحاً، وجعل عاليها سافلها، وجعل شيعتها رماداً، وقتل قبلها آية الله العظمى محمد باقر الصدر وأخته العلوية آمنة بنت الهدى في 1980؟
هل يريد الغلام مقتدى أن يعود "صنم الوهم" الأكبر لكي يُحرّم على الشيعة قيامهم وصلواتهم وسجودهم واحتفالاتهم؟
-2-
ألم يرَ الغلام مقتدى كيف رفع الشيعة أعلام الحرية في عاشوراء وقبل عاشوراء، وهم الذين كانوا في مثل هذه المناسبات لا يبرحون بيوتهم خوفاً من المقابر الجماعية؟
أم يريد الغلام حُكماً ملالياً دينياً، كما هو قائم الآن في إيران؟
ماذا يريد هذا الغلام مقتدى؟
هل تراه استحبَّ لعبة الظهور الإعلامي في خطبة كل يوم جمعة، وكل اسبوع على شاشات الفضائيات، لكي يلقي تهديداته هنا وهناك على عواهنها، محتمياً بمنبر الجمعة، دون أي حساب أو عقاب سياسي؟
من الذي انتقم لروح الشهيد العظيم والده آية الله محمد صادق الصدر وأخته آمنة بنت الهدى الصدر غير قوات الاحتلال؟
من الذي أعاد الحرية للشيعة في العتبات المقدسة لكي تمارس حياتها وعبادتها غير قوات الاحتلال التي يريد مقتدى غير المقتدى به أن تخرج اليوم وليس غداً لكي يقتله البعثيون هو وانصاره ويطردوا بقية فلول جيشه غير المهدي، خارج العراق وإلى ايران كما فعلوا في السابق؟
ماذا يريد مقتدى غير المقتدى به من العراق والعراقيين غير زرع الفوضى وعدم الاستقرار تلبية لرغبة الأسياد من الجيران الشيعة، وغير الشيعة ممن لا يريدون أن يكون العراق النموذج المُحتذى في الشرق الأوسط؟
-3-
مقتدى الصدر أصبح اليوم حجر عثرة كبير في طريق تقدم العراق. وعلى العراقيين أن يساعدوا قوات التحالف على إزالة هذا الحجر الكئيب، وإلا فإن هذا الحجر سوف يشق رأس كل عراقي غداً من شيعة وسُنّة على السواء، فيما لو علمنا أن الغلام مقتدى غير المقتدى به، يتحرك بدون خطاب سياسي واضح، وبدون علم ديني رصين، وهو من دعاة الدولة الطالبانية والخلافة العثمانية التي تريد اعادة العراق ليس إلى عهد "صنم الوهم" الأكبر، ولكن إلى عهد القرون الوسطى.
الغلام مقتدى الصدر يريد منصباً فيا أيها البيت البيض أعطه منصباً يلهو به.
والغلام مقتدى يريد جيشاً يلهو به ويلعب به (عسكر وحرامية) فاعطوه.
والغلام مقتدى الصدر يريد مالاً فيا أيها البيت الأبيض أعطه جزءاً من هذه المليارات التي تصبها على إعمار العراق لكي يتسلى بها الغلام مقتدى بدلاً من أن يلاحق بقايا البعثيين في العراق لكي يثأر لدم والده وعمته المهدور، والذي يبدو أن مقتدى قد اكتفى بثأر الامريكيين لدم والده الشهيد وعمته الشهيدة من البعثيين.
فهل يحفظ الغلام مقتدى هذا الجميل للأمريكيين الذي ثأروا لمقتل والده ولعشرات الآلاف من الشيعة، وحرروه وأعادوه إلى وطنه، بعد أن كان مطروداً ومهدداً بالقتل من قبل العصابة البعثية في العراق؟
-4-
على عقلاء الشيعة أن ينصحوا الغلام مقتدى ويزجروه، ويهدأوا من روعه، حتى لا يؤخذوا غداً بجريرة هذا الغلام الطائش.
ألم يسأل الغلام مقتدى لماذا غزا الأمريكيون العراق الذي يطالب الغلام مقتدى بانسحابهم فوراً من العراق؟
هل لأن العراق كان يحكمه الخليفة عمر بن الخطاب؟
أم لأن العراق كان يحكمه الخليفة عمر بن عبد العزيز؟
أم لأن العراق كان يحكمه ملك صالح؟
أم لأن العراق كان يحكمه الشهيد آية الله العظمى محمد باقر الصدر، أم محمد صادق الصدر؟
-5-
يا شيعة العراق يجب أن تفهموا إن بريمر (باشا) عندما أصدر أمراً باعتقال الغلام مقتدى، لم يصدر أمراً باعتقال زعيم ديني شيعي، وانما أصدر أمراً باعتقال سياسي عراقي، حاول أن يثير الفتن والفوضى وعدم الاستقرار في العراق. ولو أن أي سياسي عراقي آخر جرؤ على الفعل ذاته، لكان مصيره نفس مصير مقتدى.
والغلام مقتدى سوف يحاكم غداً سياسياً وليس دينياً، باعتباره رجل سياسة، وليس رجل دين.
فافهموا هذا جيداً يا معشر الشيعة في العراق.
ولكن الغلام مقتدى يريد أن يلعب بالبيضة والحجر، بيضة الدين وحجر السياسة.
يريد أن يكون السياسي المختبيء في عباءة الدين. حتى لا يُمسُّ ولا يُجسُّ مثله مثل أي نص ديني، حتى ولو وقف على رأس المئذنة وقال ما يريد وما يشتهي وما يبلغ به من الخارج من الجيران الذين لم يحترموا حرمة الجار المنكوب.
الم تروه عندما لوحق أين اختبأ؟
لم يحتمِ الغلام مقتدى بمكتب حزب، أو في جريدة حزب، أو في نادٍ سياسي أو في مجلس الأمة.
لقد اخبتأ واحتمى بمسجد في الكوفة.
ومن هنا تأتي خطورة عمل رجال الدين بالسياسة، فلا تستطيع أن تحاسبهم لا كرجال سياسة ولا كرجال دين.
ومن هنا قلنا في مقال سابق أن الديكتاتورية الدينية في العراق المتمثلة برجال الدين أخطر على العراق من الديكتاتورية السياسية التي سقطت فجر التاسع من نيسان 2003 بسقوط "صنم الوهم" الأكبر.
-6-
إن مسؤولية كافة زعماء الشيعة اليوم من سياسيين ورجال دولة وعلماء ومشائخ ومثقفين وأفراد أن يأتوا بهذا الغلام، ويحجِروا عليه حجْراً، حتى لا يقال غداً أن الشيعة في العراق قد قتلوا أو عذبوا بجريرة هذا الغلام .
لقد كان موقف العاقل الأكبر والمرجعية الشيعية العليا الشيخ علي السيستناني هو موقف الشيعة حافظي الجميل، المبصرين الواقعيين، الذين يعرفون من هم أعداء الشيعة ومن هم اصدقاؤهم، وذلك عندما دعا معشر الشيعة في العراق إلى عدم الرد على جنود الحلفاء حتى ولو ضربوهم.
فهل يتطاول الغلام على آية الله العظمى السيستاني، ويتخذ لنفسه خطاً معاكساً، يؤدي إلى إيذاء جمهور الشيعة في العراق، وتدمير بيوتهم وقتل أولادهم ونساءهم؟
إن في شيعة العراق من العقلاء الكثير الكثير. وهم - إن أرادوا – قادرين على لجم هذا الغلام واسكاته من أجل مصلحة الشيعة أولاً ، ومن أجل مصلحة العراق ثانياً.