لا فرق بين الرّجل والمرأة في حركة القيمة
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
إنَّ القرآن الكريم عندما تحدّث عن المسؤوليّات العامّة، لم يتحدّث عن رجل فقط، وإنَّما تحدّث عن رجل وامرأة، عن المؤمن والمؤمنة: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب:36].
فالمؤمن إلى جانب المؤمنة، يتحرّكان في مسؤوليّتهما أمام اللّه لتنفيذ ما أوصى به إلى نبيّه، وخطاب اللّه الحاسم هو للمؤمن والمؤمنة معاً.
وهكذا عندما تحدَّث القرآن عن جهد الخير في الرّجل وجهد الخير في المرأة، فإنَّه خاطبهما معاً {أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثى}[آل عمران:195]. فالمسألة هي أنَّ العمل لا يتميّز فيه الرّجل عن المرأة، فربَّما يكون عمل المرأة أغنى وأسمى وأعمق وأكثر امتداداً في الحياة، من المستوى الّذي عند بعض نماذج الرّجال.
وهكذا عندما نلاحظ التّفاصيل الإسلاميّة حول عناوين الخير وعناوين العمل وعناوين الفضائل بالنّسبة إلى الرّجل والمرأة معاً، نجد أنَّ الإسلام لا يفرّق بين رجل وامرأة في ذلك كلّه، فنحن نقرأ مثلاً في سورة الأحزاب، كيف تحدّث اللّه سبحانه وتعالى عن النّتائج الأخرويّة للصفة الإيجابيّة لدى الرّجل والمرأة: {إنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصّادقين والصّادقات والصّابرين والصّابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصّائمين والصّائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذّاكرين اللّه كثيراً والذاكرات أعدّ اللّه لهم مغفرة وأجراً عظيماً}[الأحزاب:35].
ليس هناك في حركة القيمة؛ قيمة العقيدة، وقيمة العمل الصّالح وقيمة الموقع والموقف، فرق بين رجل وامرأة، لأنَّ إنسانيّتهما هنا وهناك استطاعت أن تغني الحياة بالإسلام والإيمان والقنوت والصّبر والتصدّق والصّيام وذكر اللّه والعفّة، وما إلى ذلك.
فالحديث عن فضل رجل على امرأة بالمعنى الإنسانيّ للفضل، هو ما لا نجده في القرآن الكريـم، وإذا كنّا نقرأ: {الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض}[النّساء:34]، فهي قوامة في داخل البيت الزّوجيّ، قوامة في إدارة البيت في بعض الجوانب، وليست قوامة مطلقة في الحياة كلّها، وأنتم تعرفون أنَّه لا بُدَّ لكلّ مؤسّسة من مدير، ولا بُدَّ لها من مشرف، فإذا تعدّد المدراء، فإنَّ الإدارة تتحوّل إلى مشكلةٍ تطاول كلّ أعضاء المؤسّسة. مع ذلك، عندما تحدَّث اللّه عن الحياة الزوجيّة، تحدّث عن حياة لا تتحرّك من خلال الموادّ القانونيّة؛ المادّة الأولى تسجّلها المرأة على الرّجل، والمادة الثّانية يسجّلها الرّجل على المرأة {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة}[الرّوم:21] فالحياة الزوجيّة هي حياة الحبّ الّذي ينطلق من قلبٍ هنا يعانق قلباً هناك، ومن روحٍ هنا تحتضن روحاً هناك، ومن رحمةٍ هنا تقدّر ظروف هذا الإنسان ليقدّر هذا الإنسان ظروفه.
في النّظرة الإسلاميّة، نجد أنّ قيمة الإنسان هي في إنسانيّته، والذّكورة والأنوثة هما خطّان تفصيليّان في التنوّع الإنسانيّ الّذي يملك كلّ جانب منهما غنى يقدّمه للحياة لتغتني به، فالأنوثة تقدّم حالةً من الغنى الرّوحيّ والعاطفيّ والحركيّ، والذّكورة تعطي نوعاً من الغنى العقليّ والرّوحيّ والعاطفيّ وما إلى ذلك. وهكذا تتكامل الأدوار وتتحقّق إنسانيّة الرّجل والمرأة من خلال هذا التّكامل.
المصدر: محاضرة الزَّهراء(ع) المعصومة