معاوية بن هند الملك الاول في سلالة بني أمية معاوية أسلم بعد فتح مكة فهو من الطلقاء الذين عفا عنهم النبي . كان معاوية يأمل في انتصار أبيه المدعيه أبي سفيان في حربه ضدالنبي محمد (ص), وحين يئس أبو سفيان وقرر الرضوخ والسير في ركب المسلمين ,كتب معاوية الى أبيه يحثه على عدم الاستسلام, ويذكره بالاهل والاخوة الذين ماتوا في حروبهم لمحمد :
يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا بعد الذين ببدر اصبحوا مزقا
خالى وعمى وعم الام ثالثهم وحنظل الخير قد اهدى لنا الارقا
لا تركنن الى امر يكلفنا والراقصات به فى مكه الخرقا
فالموت اهون من قول العداه لقد حاد ابنحرب عن العزى اذا فرقا(شرح ابن أبي الحديد ج6 ص288 )
على خطى أبيه وأمه سار معاوية في طريق حرب النبي واله, ولما سنحت له فرصة المُلك حارب الامام علي وكاد له المكائد (راجع فصل أمية). كان معاوية يعاني من عقدة العار فهو لايعلم والده ! دون الزمشخري: (كان معاوية يعزى إلى أربعة إلى أبي عمرو بن مسافر, وإلى عمارة بن الوليد, وإلى العباس بن عبد المطلب. وإلى الصباح مغنى أسود كان لعمارة) ( كتاب ربيع الابرار للزمخشري, باب القرابات والأنساب), هؤلاء الرجال الاربعة ضاجعوا هند بنت عتبة أم معاوية , فلم يعلم معاوية الى أي نطفة صار أنتماءه, وأدعاه أبوسفيان فصار أبنه, تماما كما حصل في جيل سبقه حينما أدعى أمية ابنه ذكوان ( كما في ترجمة عقبة بن أبي معيط في فصلنا هذا), وكما حدث قبل ذلك في جيل اسبق حينما ادعى عبد شمس أمية, وكأن عقدة المجهولية وعار النسب يتوارثها بنو أمية خلفا عن سلف! وتستمر لعنة المجهولية وعار النسب فيقوم معاوية في عهده باستلحاق زياد بن أبيه , فجعله يحمل اسم أباسفيان فصار زياد بن أبي سفيان , ولم يبال معاوية بأحكام الاسلام الذي حرم الاستلحاق وحرم اختلاط الانساب, وسيأتي ذكر ذلك في ترجمة زياد بن أبيه . ثم تتكرر اللعنة أيضا في يزيد بن معاوية, حيث تجد أن يزيدا ليس من صلب معاوية بل دعيُّ هو الاخر! ان عقدة المجهولية لاحقت معاوية دائما وصارت قدراً لامناص منه في تاريخ الامويين, وكأن حتمية الاقدار هذه تفضح وضاعة الامويين وسفالة أصلهم ليفتح الناس أعينهم وبصائرهم ويعرفوا أن الوضيع هو العدو الاول لكل شريف سام. ذكر الكلبي رواية في بلاط معاوية وكما يلي: (وقع بين يزيد بن معاوية وبين اسحق بن طلحة بن عبد الله كلام عند معاوية وهو خليفة، فقال يزيد : إن خيراً لك أن تدخل بنو حرب كلهم الجنة فقال اسحق: وأنت والله خيراً لك أن تدخل بنو العباس كلهم الجنة، فانكسر يزيد ولم يدرِ ما عنى ، ولم يكن سمع ذلك. فلما قام اسحق قال معاوية : يا يزيد أتدري ما أراد إسحاق؟ قال : لا والله، قال : فكيف تشاتم الرجال قبل أن تعلم ما يقال فيك، قال يزيد: وما أراد إسحاق يا أمير المؤمنين ؟ قال : يزعم الناس أن أبي العباس بن عبد المطلب.)( مثالب العرب لهشام الكلبي, ص36) معاوية في هذه الرواية يرى أن بعض الناس يرونه ابناً للعباس وليس لأبي سفيان وهذه الرواية مصداق لقول الزمخشري الذي قال أن معاوية كان يعزى إلى أربعة, فيالحيرة الرجل في أصله! بدت وضاعة معاوية في مواقف كثيرة تقدم ذكر بعضها في حربه للأمام علي وصي النبي وابن عمه (راجع فصل الامام علي) , ويكفيه وضاعة أنه كان يكني النبي محمد (ص) بلقب جاهلي أخترعه أبوه وغيره من زعماء مشركي قريش , قال معاوية بن هند: (أنَّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات, أشهد أنَّ محمّداً رسول الله , فأي عمل يبقى؟ وأيَّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك! لا والله ألا دفناً دفنأ. )( عن الغدير للعلامة الاميني ,باب معاوية وعن صحيح مسلم بشرح النوويّ ج1 ص 81, المسترشد للطبري ج174 1, راجع فصل الملك معاوية في هذا الكتاب). ليس عجباً أن يتفوه معاوية على سيد الخلائق محمد بن عبدالله الهاشمي ويكنيه بلقب أخترعه زعماء قريش ويتمنى زوال مجده فيقول ( الا دفناً دفناً) ! وكتب لنا البلاذري قصة حدثت في بلاط معاوية حينما عيره الشيخ الضرير عقيل بن أبي طالب بأصله الوضيع فلم يجد معاوية رداً! يقول البلاذري ( (حدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قال : دخل عقيل على معاوية فقال له : يا أبا يزيد أي جداتكم في الجاهلية شر ؟ قال : حمامة!. فوجم معاوية .قال هشام : وحمامة جدة أبي سفيان وهي من ذوات الرايات في الجاهلية )( أنساب الأشراف للبلاذري ج2 ,ص72). أن عقيل يذَّكر معاوية بجدة أبيه المدعيه أباسفيان, واسمها حمامة وكانت من ذات الرايات في الجاهلية !
الخليفة الاموي الثاني يزيد بن ميسون سفاح وقعة كربلاء تقدم ذكر جدته هند بنت عتبة وذكر جده أبوسفيان صخر بن حرب. أما أبيه فهو معاوية كما يقال وتقدم كيف ولد معاوية متحيرا في أصل نطفته, وحمل يزيد تلك الحيرى أيضا فيروى أن معاوية شك بزوجته ميسون فطلقها وهي حبلى بيزيد كما سيأتي! لنقرأ روايات التاريخ في ميسون أم يزيد , فمن هي أم يزيد؟
ميسون بنت بحدل امرأة نصرانية من بني كلب في الشام وقد تقدم أثبات ذلك في فصل ( أمية , باب يزيد ) , كانت ميسون قبل زواجها من معاوية متزوجة من ابن عمها واسمه زامل بن عبد الاعلى ثم مات زامل مقتولا بيد أخيه الذي كان طامعا بالزواج من ميسون! روى البلاذري (وقال المدائني: طلق معاوية ميسون وهي حامل، وكان زوجها الذي قُتل عنها زامل بن عبد الأعلى فرماه بعض الأعراب؛ ولم يقل شيئاً، والصحيح أن الذي قتله أخوه.) (أنساب الاشراف للبلاذري ج 2 ص 129 ,مكتبة الوراق على النت ) وقوله : (أن الذي قتله أخوه) يعني به أن قاتل زوج ميسون هو أخوه الذي كان طامعاً بالزواج منها أيضا فلما تزوجها زامل قتله حسداً , ثم تزوجها معاوية بعد ذلك .
لم يدم زواج معاوية من ميسون , فما أن حملت بيزيد حتى طلقها معاوية وهي في حملها! قال ابن كثير ( طلق معاوية ميسون الكلبية وهي حامل فولدت يزيداً وأبوها بحدل أو بجدل )( البداية والنهاية ج8, ص 155). وقال كذلك في يزيد : (وكان أبوه قد طلق أمه وهي حامل به , وكان يزيد في حداثته صاحب شراب...) ( البداية والنهاية ج8 ص 248).
إن الملك الذي ينتظر ولادة وريثه الشرعي الوحيد يبتهج فرحاً إذا علم بحبل زوجته , لكن معاوية طلق ميسون بعد حملها وهذا يرجح وجود شك في أصل النطفة .
ولدت ميسون المطلقة ولدها في قومها في قرية حوارين ,فنشأ يزيد عند أخواله النصارى من بني كلب , راجع فصل ( أمية ,باب يزيد). بعد زواجها من معاوية , حنت ميسون الى بيئتها البدوية ولها أشعار في ذلك تضمنت تصريحا بعشقها لابن عمها متمنية أياه على زوجها الخليفة معاوية! تقول ميسون
(وخرق من بني عمي نحيف أحب إلي من علج عليف) (تاريخ دمشق لابن عساكر ج70 ص134) وقولها علج عليف تعني به معاوية كثير الاكل ,فوصفته بوصف الحيوان الذي لايفتأ عن علف الطعام, ويروي ابن عساكر أن معاوية لما سمع أشعار ميسون قال : (جعلتني علجاً ! فطلقها وألحقها بأهلها)( تاريخ دمشق ج70 ص134)
وقال معاوية كذلك (طالق ثلاثاً، روها فلتأخذ جميع ما في القصر فهو لها ثم سيَّرها إلى أهلها) ( حياة الحيوان للدميري ص 994). ويروى أن ميسون كان لها أبناء غير يزيد , قال الطبري : (من نسائه ميسون بنت بحدل بن أنيف بن ولجة بن قنافة بن عدي ابن زهير بن حارثة بن جناب الكلبي، ولدت له يزيد بن معاوية. قال علي: ولدت ميسون لمعاوية مع يزيد أمة فماتت صغيرة، ولم يذكرها هشام في أولاد معاوية.) ( تاريخ الطبري ج3 ص 223) . ونقول إذا كانت ميسون هي مطلقة معاوية وهي في حملها فأبنائها أو بناتها ليسوا من معاوية لأنها مطلقته ولم يذكر التاريخ أن معاوية أعادها , بل هو طلقها ثلاثا كما مر بنا . فقد يكون لها أبناء آخرين بعد طلاقها من معاوية , ويروى أنها كان لها بنت أسمها رملة وللشاعر عبد الرحمن بن حسان بن ثابت أشعار يتغزل برملة هذه وهذا خارج بحثنا, ولكنه يدل على أن ميسون كان لها أبناء بعد طلاقها من معاوية .
ما لاشك فيه أن ميسون بن بحدل كانت رائعة الجمال بحيث تقاتل أولاد عمها من أجلها, وقُتل زوجها الاول زامل لذلك كما تقدم أعلاه, وطمع فيها معاوية الذي كان ملكا متوجا قادرا على الزواج من أجمل النساء ,لكن فتنة ميسون طغت عليه فتزوجها .إن اول صفات الجمال عند العرب بل في أغلب الامم هي البياض, فمن المحتم أن ميسون كانت بيضاء جميلة كما وصفها الشاعر : (قال عمرو الزهري من كلب يهجو حسان بن مالك بن بحدل:
إذا ما انتمى حسان يوماً فقل له ... بميسون نلت المجد لا بابن بحدل
بخمصانةٍ ريا العظام كأنها ... من الوحش مكحول المدامع عيطل)( أنساب الاشراف للبلاذري ج2 ص 129)
, وكان معاوية أبيضا جميلا كما قيل فقد أخذ جمال الطلعة والبياض عن عاشق أمه عمارة بن الوليد , وتقدم أن معاوية كان يعزى الى اربع رجال أحدهم عمارة بن الوليد وكان عمارة مشهورا بوسامته وجماله , فورث معاوية البياض عن عمارة بن الوليد عاشق أمه هند بنت عتبة, أما والده الرسمي أبو سفيان فكان دميماً,(كان أبو سفيان دميماً ) (ربيع الأبرار للزمخشري ج1 ص 752). إذن بياض معاوية وبياض زوجته ميسون بنت بحدل يحتم بياض ولدهما! لكن يزيد لم يرث البياض عن ابيه ولا عن أمه فقد كان أسمرا شديد السمرة , قال الذهبي في سيرة يزيد
(وكان ضخماً كثير الشعر شديد الأدمة بوجهه أثر جدري فقال الناس: هذا الأعرابي الذي ولي أمر الأمة) ( سير أعلام النبلاء للذهبي ج4 ص35 سيرة يزيد , التنبيه والإشراف للمسعودي ص264), وقوله شديد الادمة أي أنه داكن اللون شديد السمرة أقرب للسواد. فمن أين أتت هذه السمرة الداكنة لطفل أبواه من البيض؟ لابد أن واضع النطفة في رحم أمه أسود اللون من عبيد كلب ولهذا أشار البحراني فدون
(قد رووا أن أمّه ميسون بنت بحدل الكلبية ، أمكنت عبد أبيها من نفسها فحملت بيزيد ، والى هذا المعنى أشار النسابة البكري فقال :
فـان يكـن الزمـان أتى علينا بقتل الترك والمـوت الوحيـيّ
فقد قـتل الدّعـيّ وعبد كلب بأرض الطــف أولاد النّــبي
أراد بالدعي عبيد الله بن زياد .. ومراده بعبد كلب يزيد بن معاوية لآنه من عبد بحدل الكلبي) ( الزام الناصب لابن راشد البحراني ص 170), فالنسابة على لسان البحراني يقول أن يزيد هو مولود لعبد أسود من عبيد قبيلة كلب , وليس من معاوية ولهذا سماه ب (عبد كلب). إن هذا يبين سبب طلاق معاوية لميسون وهي حامل , فمن المحتم أنه شك في زناها مع رجل آخر وإلا كيف يطلق الملك زوجته وهي حامل وهو ينتظر ولادة ولي عهده! إن النشأة المنحلة التي نشأ فيها يزيد وشعوره بالنقص لاصله الوضيع ,وحيرته في معرفة أبيه لابد أن كانت لها وقع على نفسه حتى أنغمس في تعاطي الخمور وليالي المجون. ويالحكمة الاقدار التي حيرت يزيد في معرفة أبيه كما حيرت أباه معاوية وكما حيرت جده الاكبر أمية الذي أدعاه عبد شمس وألحقه به. إن السقوط الاخلاقي ليزيد يصل به الى أحط المنكرات ,فقد ذكر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في خطبة له يزيداً ,ونوه للناس بشذوذ يزيد ولواطه فيا لها من شهادة من البيت الأموي نفسه .قال الذهبي واللفظ له ( عن ابن جريج، عن أبيه قال: خطبنا عبد الملك بن مروان بمكة، ثم قال: أما بعد، فإنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من هذا المال ويؤكلون، وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، ولست بالخليفة المستضعف يعني عثمان ولا الخليفة المداهن يعني معاوية ولا الخليفة المأبون يعني يزيد)( تاريخ الاسلام للذهبي ج 5 ص 325, ومثله في المناقب والمثالب للقاضي النعماني ص 326, النزاع والتخاصم للمقريزي ص42, شرح النهج للمعتزلي ج6, البداية والنهاية لابن كثير ج9ص78)
قال الشراح أن قوله ولست بالخليفة المستضعف عنى به الخليفة عثمان, ومر بنا ضعف عثمان في حكمه وتقريبه لعشيرته حتى ذبحه الناس وقوله :ولا الخليفة المداهن فقد عنى به معاوية ,وكان معاوية يداهن ويسايس الناس, فهو القائل أن بينه وبين الناس علاقة لاتنقطع قد تكون أحيانا أدق من الشعرة ولكنه يسعى لأبقاء تلك العلاقة بسياسته ومداهنته, حتى أطلق المؤرخون على حكمته في مداراة الناس مصطلح ( شعرة معاوية), أما قوله :ولا الخليفة المأبون , فقد عنى به يزيد بن معاوية, والمأبون في اللغة هو الشاذ الذي يلوط ويلاط به. قال الزبيدي ( المأبون الذي تفعل به الفاحشة )( تاج العروس للزبيدي ج18ص5). لقد جمع يزيد الرذائل فوق وضاعة أصله ففاق الجميع في بغضه للنبي وآله (ص) , ووقعة كربلاء شاهد على ذلك.
الحكم بن العاص بن أمية وابنه مروان بن الحكم
الحكم من ألد اعداء النبي (ص), دخل الاسلام بعد فتح مكة حاله حال طلقاء قريش . لشدة خبثه طرده النبي ونفاه الى الطائف مع ولده مروان, و مروان حينها صغيراً. كان الحكم خبيثاً يتسمع ما يسره النبي إلى أصحابه ويسترق السمع والنبي في بيته مع أهله ثم يفشي ذلك للناس ، وكان يقلد النبي (ص) في مشيته سخرية ، فالتفت النبي (ص) يوما فرآه يحاكيه في مشيته ويختلج سخرية فقال النبي: ( فكذلك فلتكن ). فصار الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ، فعيره الشاعر عبد الرحمن بن الشاعر حسان بن ثابت: فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه ويذكره بأبيه الحكم: إن اللعين أبوك فارم عظامه إن ترم ترم مخلجا مجنونا يمسي خميص البطن من عمل التقى ويظل من عمل الخبيث بطينا ( بتصرف عن الغدير للعلامة الاميني ج8 ص 344, وعن أسد الغابة ج2 , ص 38) وفي روايات أخرى يقال أنه ظل شهراً مريضا من دعاء النبي عليه, وظل يرتعش ويختلج الى أواخر عمره كالوزغ . وقول الشاعر ( يمسي خميص البطن من عمل التقى ويظل من عمل الخبيث بطيناً) فيها تعريض خفي بشذوذ الحكم, فالشاعر يوحي للسامع بأن كبر بطن الحكم أنما هي من عمل الخبائث واللواط. ذكر الاميني : (قال ابن حجر في الصواعق ص 108, قال ابن ظفر: وكان الحكم هذا يرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل كذا ذكر ذلك كله الدميري في حياة الحيوان) (الغدير ج8 ص 250). . وفي طبعة مكتبة المصطفى على النت لكتاب الصواعق المحرقة لابن حجر ذُكرت العبارة أعلاه في الصفحة 253. ونقول هذا تصريح بشذوذ الحكم مثله مثل أبو جهل , فالداء العضال في لغة العرب كناية عن الفاحشة بين الذكور وهو فعل قوم لوط.
روى الدميري في الحكم مايلي: (ثم روى الحاكم عن عمروبن مرةالجهني وكانت له صحبة،قال: أنالحكم بن أبي العاص استأذن على رسول الله (ص)،فعرف صوته فقال (ص) :ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلاالمؤمن منهم،وقليل ماهم يشرفون في الدنيا،ويضيعون في الآخرة ذوومكروخديعة يعطون في الدنياومالهم في الآخرةمن خلاق, قال ابن ظفر:وكان الحكمب ن أبي العاص يرمى بالداء العضال وكذلك أبوجهل.) ( حياة الحيوان للدميري ص 1076) تأمل أن ابن ظفر قرن الحكم مع أبي جهل في خصلة الشذوذ وقد تقدم ذكر شذوذ أبي جهل . يقول ابن حجر لدفع تهمة اللواط عن الحكم فيقول : ( ومانقله( الدميري) عن أبي ظفر في أبي جهل لا تأويل عليه فيه بخلافه في الحكم , فأنه صحابي وقبيح أي قبيح أن يرمى صحابي بذلك فليحمل على أنه إن صح ذلك كان يرمى به قبل الاسلام) ( الصواعق المحرقة لابن حجر ج2 ص 527) . تأمل الرد المتهافت لابن حجر بقوله: (إذا كان شذوذ الحكم حقيقة مسلم بها فإنما كان كذلك كان قبل الاسلام) , وزد عجباً! ان الذي يتجسس على النبي في بيته, ويقلد مشيته سخرية ,ويحاكي حركاته وسكناته يُذكر كل صاحب عقل أن هكذا سلوك لا يخرج إلا من متخنث شاذ خبيث, فأصحاب الشذوذ يتفوقون على باقي الناس في فن التقليد والمحاكاة والتفكه والسخافات, وتلك فنون أتقنها الحكم الشاذ فأظهر مواهبه الخسيسة في تقليد خير الخلق.
خبيث يلد خبيثاً, مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية(ابن المذكور أعلاه) أخرج الحاكم في المستدرك من طريق عبد الرحمن ابن عوف وصححه أنه قال: كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلا أتي به إلى النبي (ص) فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم عند ولادته فقال النبي فيه : (هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون) ( عن قراءة في المسار الأموي لمروان خليفات , الغدير للعلامة الاميني ج8, الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج5 ص526) . هذه الرواية تبين معجزة من معجزات النبي (ص) , فليس للطفل الوليد ذنباً حتى يستحق تلك اللعنة , فلم يكن النبي يوما ظالماً لأحد فكيف يسمي النبي وليد الحكم بالوزغة الملعون ؟ لقد أثبتت الوقائع أن مروان كان أخبث الناس كأبيه في حربه للنبي ولال بيته ,وتلك معجزة نبوية برهنت أن النبي لم يقل كلمة الا في صواب. لقد لعن النبي مروان وأبيه الحكم في أكثر من موضع وهذه عائشة أرملة النبي محمد ترد على مروان عندما عاب على أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر فتقول عائشة لمروان في حديث طويل و منه قولها: ( ....ولكن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله)( ذُكرت هذه الرواية في أكثر من عشرين مصدر منها:(الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 16 ص131 , الكشاف للزمخشري ج4 ص304 , شرح النهج لمعتزلي ج6 ,ص 150, تفسير ابن كثير ج4 ص 159). ومن المفيد ذكر أن البخاري في كتابه صحيح البخاري وكعادته في تجميل بنو أمية أنفرد عن غيره فحورَّ الرواية وأهمل ذكر لعن النبي للحكم ولأبنه مروان. لم تكتف عائشة بذلك بل قالت لمروان يوماً: (سمعت رسول الله يقول لأبيك وجدك - أبي العاص بن أمية -أنكم الشجرة الملعونة في القرآن) ( تفسيرالقرطبي ج 10 ص 158, تفسير روح المعاني للالوسي ج15 ص 107).
كانت أعمال مروان وألاعيبه من اسباب مقتل الخليفة الثالث عثمان . يقول ابن كثير (ومروان كان أكبر الأسباب في حصار عثمان لأنه زور على لسانه كتابا إلى مصر بقتل أولئك الوفد، ولما كان متوليا على المدينة لمعاوية كان يسب عليا كل جمعة على المنبر)( البداية والنهاية لابن كثير ج8, راجع فصل الخليفة عثمان), ولايسب علي بن أبي طالب سوى صاحب الاصل الوضيع .
للعصبية القبلية والحسد دور كبير في حرب النبي وآله كما تقدم , لكن ما يعنينا هو أصل النسب لمروان ولأبيه,
فماذا كان منبت مروان وماهي نشأته؟
أبوه الحكم , وقد مر ذكر شواهد لواط أبيه الحكم وشذوذه ويكفيه هذا وضاعة. أما جده لأمه فهو صفوان بن أمية بن محرث الكناني , فأم مروان هي آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية بن محرث الكناني ( وهو غير صفوان بن أميه الجمحي الذي تقدمت ترجمته ). يقول عالم الانساب الكلبي في صفوان والد أم مروان , بأنه كان خليعاً يكنى بأبي الفواحش( مثالب العرب للكلبي). إن الذي يكنى بأبي الفواحش في مجتمع قريش آنذاك, لابد أن يكون قد بلغ من الفاحشة مبلغاً لم يطيقه الناس, لأن انتشار الزنا واللواط وزواج المحارم وتواجد صاحبات الرايات في ذلك المجتمع كان مقبولاً, فكيف يُسمى صفوان بأبي الفواحش ؟ لابد أنه قد حاز كل رذيلة و فاق الاخرين في أنحطاطه الاخلاقي حتى كناه الناس بأبي الفواحش . ويذكر الكلبي أيضا أن آمنة أم مروان اشتهرت بسرقة غزال من الكعبة فعوقبت بقطع يدها في الجاهلية ,وكان قطع اليد ساريا للسارق قبل الاسلام. فقال حسان بن ثابت في مروان وفي أمه وأبيه:
وماطلعت شمس النهار وما بدت عليك بمجد يابن مقطوعة اليد( البيت عن كتاب مثالب العرب )
وفي ديوان حسان بن ثابت عند تقصي قصيدة حسان تجد أن بيتها الثاني يقول: أبوك لقيط الأم الناس موضعاً تبنى عليك اللؤم في كل مشهد( ديوان حسان بن ثابت)
وهذا يعني أن البيت في مروان حتماً لأن حسان يقول في أبي مروان وهو الحكم بن أبي العاص بأنه لئيم وكان الحكم معروفاً بلؤمه وخبثه , وتأمل تسمية الشاعر له باللقيط!
يستدرك هذا المعنى للأبيات المدعو البرقوقي شارح ديوان حسان بن ثابت المطبوع في مصر عام 1929 ميلادية. وكأي مدافع عن أنظمة السلطة يشرح البرقوقي أبيات الشعر أعلاه ويقول أنها في أبي البختري الأسدي . هذا التأويل في شرح الابيات مثال على التزوير الذي يسعى به وعاظ السلاطين لتقديم صورة محسنة للطغاة وأولاد البغايا الذين حكموا المسلمين مثلما قال ابن حجر فيما سبق ذكره مدافعا عن الحكم الشاذ (وقبيح أي قبيح أن يرمى صحابي بذلك فليحمل على أنه إن صح ذلك كان يرمى به قبل الاسلام) ( الصواعق المحرقة لابن حجر ج2 ص 527) , إن الاجيال المتعاقبة لهذه الامة تشعبت بالذلة ولاتقدر على قبول المثالب في حكامها وسادتها, فالذلة يرضعها العربي وينشأ عليها مستكينا للحكام الظلمة فيتقن الفقيه أو الاديب أو الشاعر مدح الحكام ,فعنده أن ذلك من التقوى ! الكلبي صاحب مثالب العرب الذي توفي سنة 204 هجرية هو أعلم في أشعار حسان بن ثابت وأقرب عهداً لذلك التاريخ من البرقوقي المتوفى في العهود المتأخرة, فما ندري كيف أهمل البرقوقي ذكر مروان وأمه السارقة ووضع بدلا من ذلك أسماً لرجل آخر؟ إن العارف بحيل التحريف وطمس الحقائق, يدرك أن وعاظ السلاطين الذين دونوا تاريخ الخلفاء وأعمالهم , درَّسوا فن تذلل الناس للطغاة, فنشأت أجيال تحكي ذلك الذل وتدافع عن حكام ظلمة وأولاد بغايا, وحاضرنا يشهد بذلك ويشهد المتكسبون وشعراء البلاط والمدونون بأعمالهم وبأدبياتهم في تمجيد طغاة العرب المعاصرين. وكذلك هم مع الطغاة في أجيال أندثرت , فما أن ترى رواية تحكي أنحطاط خليفة أوسلطان ألا وينبري لها متكسب بقلمه فيجملها ويزخرفها ويؤولها لصالح الحاكم الظالم.
إن الذي يأتي من أب شاذ منحرف, ومن رحم أم سارقة, ومن جد يكنى بأبي الفواحش في بيئة العرب تلك يظل يحمل عقدة وضاعة المنبت والاصل , وفوق هذا كله كانت جدة أم مروان بغية من صاحبات الرايات في الجاهلية. واسمها مارية بنت موهب الكندي وكانت تسمى بالزرقاء لشدة سوادها
(آمنة بنت علقمة الكنانية، وهي أم مروان، وأمها صفية بنت أبي طلحة من بني عبد الدار، وأمها مارية بنت موهب الكندي وهي الزرقاء التي يعيرون بها) ( أنساب الاشراف للبلاذري , ج2 ص 325 باب أولاد الحكم, ومثله في مثالب العرب للكلبي)
كان المسلون يعيرون مروان بن الحكم بجدة أمه الزرقاء , فكانوا اذا ذكروه قالوا ابن الزرقاء , وفي مايلي نتفٌ من تلك الشتائم:
شتم عمرو بن العاص مرة مروان بن الحكم فقال له : (يا ابن الزرقاء)( أنساب الاشراف للبلاذري , ج 5, ص 126 ). ويذكر ابن ابي الحديد قول عبد الله بن الزبير لمروان : (ما أنت وذاك يا بن الزرقاء) ( شرح ابن ابي الحديد) .
وقال عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان يوما معيراُ أياه بأصله الوضيع :( يا ابن الزرقاء )( العقد الفريد لابن عبد ربه ج4 ص 371). وقال الحسين بن علي (ع) عندما هدده مروان بن الحكم : ( يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو ؟) ( أنساب الاشراف للبلاذري ج 5 ص 126 )
ودخل مروان بن الحكم على معاوية بن يزيد فقال له: (لقد أعطيت من نفسك ما يعطي الذليل المهين ثم رفع صوته فقال: من أراد أن ينظر في خالفة آل حرب بن أمية فلينظر إلى هذا ! فقال له معاوية: يا ابن الزرقاء ! أخرج عني لا قَبِلَ الله لك عذراً يوم تلقاه ).( جواهر التاريخ للكوراني ج3 ونقله عن أنساب الاشراف للبلاذري)
وقال سيد الشهداء الحسين بن علي لمروان : (يا ابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز صاحبة الراية بسوق عكاظ ، ويا ابن طريد رسول الله ولعينه ! إعرف من أنت ومن أمك ومن أبوك؟) ( جواهر التاريخ للكوراني العاملي ج3, وعن هامش بحار الانوار )
قام المحرفون ووعاظ السلاطين بأسدال مايستطيعون على عار مروان بن الزرقاء ومجدوه ومجدوا أولاده ملوك بني أمية, وكيف لا والتاريخ يكتبه الغالب والحاكم , فمما قالوه في رد تهمة المومس الزرقاء زعمهم أنها زرقاء العينين ! ( وكانت تسمى الزرقاء من حسن عينيها)( جواهر التاريخ للكوراني ج3 نقلا عن كتاب الاحاد والمثاني ص 394). ونقول فات صاحب الاحاد والمثاني إن الذين كانوا يشتمون مروان لم يكونوا يمتدحوه بل هم ذكروا معايبه فإذا كانت زرقة العين من المحاسن فلماذا يذكرونها في شتمهم لمروان؟ لقد عنوا بشتائمهم جدته المومس فعيروه بها تذكيراً له بأصله الوضيع. ويغنينا ابن الاثير في تاريخه فيقول(وكان يقال له - أي لمروان ولولده بنو الزرقاء يقول ذلك من يريد ذمهم وعيبهم وهى الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لابيه وكانت من ذوات الرايات التى تستدل على بيوت البغاء )( الكامل لابن الاثير ج4 ص160) لم يترك مروان بن الحكم بن الزرقاء المومس فرصة ألا وانتهزها في حرب النبي محمد وآله, فبعد استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب في موقعة كربلاء يبعث الخليفة يزيد بن ميسون برأس الحسين الى المدينة , فقال مروان بن الحكم متشفياً : (يا حبذا بردك في اليدين ولونك الاحمر في الخدين.) ( انساب الاشراف للبلاذري ص 217, تاريخ الا سلام للذهبي ج2 و ص351) , فتأمل.
ولما رأى نساء آل أبي طالب رأس الحسين صرخن حزنا ,فقال مروان بن الحكم تشفياً
عجت نساء بني زبيد عجة كعجيج نسوتنا غداة الارنب
وقال مروان بن الزرقاء كذلك فرحاً بمقتل الحسين:
ضربت دوسر فيهم ضربة اثبتت اركان ملك فاستقر.( انساب الاشراف ص 218 ) , ولا يشتفي بموت أشرف الناس وخيرهم سوى صاحب الاصل الوضيع!
يتبع...