دراسة نقدية عن حزب الدعوة الاسلامية -ضياء الشكرجي
رؤيتي للنظرية السياسية لحزب الدعوة الإسلامية للمرحلة الراهنة
القسم الأول
كتابات - ضياء الشكرجي
طبقا لرؤية حزب الدعوة الإسلامية حسب قراءة كاتب هذه السلسلة، يعني أن الدراسة لا تمثل محض رؤية شخصية للكاتب، ولا هي الرؤية الرسمية للحزب بكل تفاصيلها، وإنما تمثل قراءة الكاتب للنظرية السياسية للحزب في خطها العام على نحو المقاربة التي تكاد تمثل المطابقة. وقد نشرت الحلقات على صفحات "البيان" صحيفة الحزب، رأى الكاتب إعادة نشرها على "كتابات" تعميما للفائدة.
تمهيد
إن العراق يمر بمفصل تأريخي خطير، ومنعطف مصيري، وحزب الدعوة الإسلامية هو واحد من الأحزاب التي كان لها السبق في مواجهة النظام وتقديم قوافل الشهداء من أجل العقيدة والوطن، وهو بالتالي ذو رصيد شعبي كبير، مما يجعل مساحة واسعة من جماهير الشعب تتطلع إليه، منتظرة الموقف النظري والموقف العملي. وحيث أن الحزب يجد نفسه في موقع المسؤولية أمام الله سبحانه، وأمام التاريخ، وأمام الوطن والأمة، كان من اللازم تناول هذه المرحلة، المرحلة الانتقالية، بالتحليل وتحديد الموقف، رابطا إياها بما قبلها من جهة، من أجل تكوين فهم أعمق للواقع الراهن، وبما بعدها من جهة أخرى، لبيان مستقبل العراق السياسي الذي تتطلع إليه الدعوة الإسلامية في سياق الانسجام مع تطلعات الأمة، وذلك من وجهة نظر كاتب هذه السطور المستوحاة من قبله من فكر الدعوة وخطها السياسي ومواقفها من القضايا الراهنةالمتخضة عن التجربة الطويلة والحوارات الداخلية والرؤية السياسية للواقع الراهن. من هنا تبدأ هذه الحلقات بسرد سريع لأهم معالم الحقبة المظلمة الماضية، وتحليل موجز لها، ثم تحديد الرؤية والموقف من الوضع الراهن، ثم تناول التطلع إلى آفاق المستقبل المنشود.
الآثار التخريبية للحقبة الصدامية على جميع الأصعدة
لقد تركت الحقبة الصدامية المشؤومة آثارها التخريبية على جميع الأصعدة، السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. فقد عمد النظام إلى إلغاء جميع الحريات، كحرية الفكر والتعبير، وحرية الصحافة والنشر، وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات، وحرية التظاهر، وحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية. وأحكم النظام قبضته بتبني حكم الحزب الواحد، ولم يكتف بذلك، بل ألغى أو همّش دور الحزب لصالح حكم الفرد الواحد، وأسس لثقافة تأليه الفرد الحاكم الذي انفرد بشكل مطلق بالقرارات السياسية، لا سيما تلك التي تعتبر مصيرية، كإعلان الحروب، إذ شن الطاغية حربين مدمرتين ضد شعبين جارين مسلمين، هذا إضافة إلى حروبه الداخلية ضد الاخوة الأكراد وضد كل فئات الشعب العراقي، وما حلبجة والأنفال وسحق انتفاضة شعبان/آذار 1991 إلا شواهد صارخة لحرب النظام ضد الشعب العراقي. ولم يكتف النظام بملاحقة الإنسان وسلبه أمنه وتصفيته بشتى الأساليب الوحشية، بل عمد إلى تدمير البيئة، وتبذير ثروة البلاد من أجل نزواته المدمرة وترفه اللامحمدود.
آثار الحربين على الشعب العراقي
وقد تركت الحربان التي شنهما النظام ضد الجارتين إيران والكويت، إضافة إلى الدمار والتخريب في البلدين المعتدى عليهما، آثارها التخريبية على الشعب العراقي، فأدخل العراق في أزمة اقتصادية، حولت الطبقة المتوسطة إلى طبقة فقيرة، والطبقة الفقيرة إلى معدمة، بينما أخذ النظام يبالغ في تشييد عشرات القصور للطاغية بدرجة من البذخ الذي يتجاوز كل حدود المعقول واللامعقول، كما في تبذير أموال الأمة في التسلح الذي فاق الاحتياجات الطبيعية التي تتطلبها قضية درأ المخاطر عن شعب وتراب العراق، وكلك التبذير في شراء الذمم من وسائل إعلام وأحزاب وسياسيين خارج العراق للأغراض الدعائية للنظام. ولكن لم يترك النظام آثاره على الحياة الاقتصادية والسياسية فحسب، بل شمل التخريب جميع أصعدة الحياة للمجتمع العراقي، كالصعيد الاجتماعي والثقافي والأخلاقي وغيره.
الدعوة والوضع السياسي الراهن
إن مرحلة ما بعد سقوط النظام الدموي المقبور للطاغية صدام، اقترنت بواقع انتصار عسكري حققته قوات الائتلاف، وما يترتب على هذا الواقع من تواجد قوات الائتلاف الأجنبية، بما يصطلح عليه وفق القانون الدولي بالاحتلال، ومن تبعات واستحقاقات هذا التواجد. وكان على الدعوة الإسلامية أن تحدد موقفها بشكل واضح ومدروس ومسؤول من هذا الواقع الطارئ الجديد.
من الطبيعي أن حزب الدعوة الإسلامية لا يتعامل مع واقع الاحتلال من موقع الرضا به والتسليم له، وإنما من موقع التعاطي الواقعي، الذي يأخذ بنظر الاعتبار الحقائق التالية:
- الاحتلال من حيث المبدأ أمر مرفوض، ولا يمكن لأي شعب من شعوب العالم أن يرتضي لنفسه الخضوع لاحتلال قوى أجنبية لأرضه وشعبه وثرواته، لا سيما شعبنا الذي عرف بجهاده وبطولاته وتضحياته من أجل حريته وكرامته ومبادئه.
- واقع الاحتلال في العراق لم نصنعه نحن ولم يأت باختيارنا، بل يتحمل النظام المقبور وبشكل أساسي مسؤوليته.
- الاحتلال كواقع مرفوض اقترن بسقوط نظام صدام الدموي، مما يجعله يُنظر إليه من هذه الزاوية كفرصة جديدة للشعب العراقي، ونعني هنا سقوط النظام الذي اقترن بالاحتلال، لا الاحتلال نفسه.
- كان علينا أن نتعاطى مع هذا الواقع الجديد الذي لم نصنعه نحن بإرادتنا، بطريقة للخروج منه بأفضل النتائج الممكنة.
- قوى الاحتلال أكدت وتؤكد دائما أنها لم تأت محتلة للعراق، ولا تنوي البقاء إلا بمقدار ما تتطلبه طبيعة الظروف لغاية الوصول إلى مرحلة اختيار الشعب العراقي للقوى السياسية الوطنية لقيادة البلاد وتكملة أشواط إعادة البناء، وهذا جعل الدعوة، وعملا بقاعدة درء أقوى الضررين بأصغرهما، تتخذ قرار التعاطي الإيجابي مع هذا الواقع، من أجل الوصول إلى الهدف المنشود في تحقيق عراق حر ديمقراطي مستقل، وتتناسب درجة إيجابيتها في هذا التعاطي مع درجة وفاء قوى التحالف بوعودها.
قرار إسهام الدعوة في المرحلة الانتقالية
للأسباب أعلاه اتخذت الدعوة الإسلامية قرار الإسهام في المرحلة الانتقالية، ليكون لها مع القوى الوطنية دورها الإيجابي الفاعل لتأهيل العراق للمرحلة الدستورية الدائمة، لأن غياب قوة سياسية كحزب الدعوة الإسلامية عن العملية السياسية في هذه المرحلة الحساسة، لا بد أن يترك آثاره السلبية على المستقبل السياسي للعراق، وعلى دور الدعوة السياسي المستقبلي. ومن هنا فإن الدعوة لم تضع في حسابها المكسب الحزبي، بقدر ما اسشعرت مسؤوليتها في الحضور الفاعل في هذه المرحلة، وهي تعي جيدا أن هذا الحضور يمكن أن تكون له انعكاساته السلبية على الدعوة. ولكن حيث أن الدعوة منحت دائما اعتبارات مصلحة العراق والشعب العراقي، ومصلحة الإسلام موقعا متقدما في سلم أولوياتها على الاعتبارات الذاتية الحزبية، وضعت نفسها في هذا الموضع الحساس، دافعة ضريبة ذلك.
من هنا اتخذت الدعوة الإسلامية قرار المشاركة في الهيئة السباعية، ثم في مجلس الحكم الانتقالي، وهيئته الرئاسية، وسائر مؤسسات وهيئات المرحلة الانتقالية، باعتبار أن المرحلة الانتقالية ستترك بصماتها على المرحلة الدستورية.
الدعوة الإسلامية ومجلس الحكم الانتقالي
وهنا لا بد من بيان نظرة الدعوة إلى مجلس الحكم الانتقالي وشرعيته وشرعية الوزارات التي شكلها. من الطبيعي أنه لا يمكن أن ندعي أن مجلس الحكم يملك شرعية دستورية بالمعنى الدقيق والكامل، باعتبار أننا ما زلنا في المرحلة الانتقالية، التي تكون سابقة للمرحلة الدستورية الدائمة وممهدة لها. ولكن الأطراف المتمثلة في مجلس الحكم الانتقالي على الأعم الأغلب هي أطراف سياسية معروفة بتأريخها، ولها امتداداتها في المجتمع العراقي وجذورها الراسخة في أرض الواقع العراقي. وطبيعة المرحلة الموقتة التي تعقب سقوط الديكتاتورية، لا تسمح عادة بإجراء انتخابات حرة ديمقراطية، ومن هنا اعتبرت موقتة وليست دائمة، إذ مهمتها أصلا هو - كما مر - التمهيد للمرحلة الدستورية الدائمة، التي تكون من لوازمها الانتخابات البرلمانية الحرة. إذن المرحلة الموقتة تنتهي باستكمال دورها المحدد لها بالتأهيل للمرحلة الدائمة، بشرط ألا تمتد مدة المرحلة الموقتة إلى أكثر مما يحدد لها، أو مما تحتاجه طبقا للحسابات التي تفرضها طبيعة الأشياء للمرحلة، وفترة هذه المرحلة الانتقالية لا تكون عادة أقل من سنة واحدة، ولا تزيد على السنتين. من هنا كان من الطبيعي أن تصاغ المرحلة الموقتة وتحدد الأطراف الفاعلة فيها عن طريق التوافق الناتج عن التفاهم والحوار بين الأطراف السياسية الوطنية الفاعلة، وليس عن طريق الانتخاب، باعتبارها تمثل مرحلة استثنائية وحالة طارئة. ويمكن القول أن الأطراف المتمثلة في مجلس الحكم الانتقالي بمجموعها تمثل غالبية الشعب العراقي بقومياته ومذاهبه وتياراته الساسية، وإن كنا نقر بغياب بعض الأطراف والتيارات السياسية أو الاجتماعية، مما طالبت الدعوة دائما بتمثيلهم أو بزيادة نسبة تمثيلهم في المجلس.
وحيث أن المرحلة الموقتة في ظل واقع الاحتلال تأخذ بنظر الاعتبار أنه لا يمكن إلغاء تأثير هذا الواقع على بعض مفردات هذه المرحلة، تعاطت الدعوة مع هذه الحقيقة بواقعية، بشرط أن تكون حصة الإرادة العراقية هي الطاغية على قرارات مجلس الحكم ومسار المرحلة الموقتة. وما كانت الدعوة لتسمح لنفسها أن تشارك في المرحلة الموقتة وصيغها ومؤسساتها، لو أنها شعرت أن كل شيء يجري بإرادة المحتل، وأن إرادة القوى الوطنية مصادَرة بشكل تام، وليس لها سوى دور تنفيذي، أو دور إضفاء الشرعية لواقع الاحتلال. فالدعوة الإسلامية ساهمت مع القوى المخلصة من أجل أن تكون لمجلس الحكم صلاحيات حقيقية وواسعة، وأن يكون للعراقيين الدور الأساسي في رسم مسار هذه المرحلة وما تهيؤه للمرحلة الدائمة المقبلة، والتي ستتخللها مرحلة ممهدة أخرى هي مرحلة الانتقال من صيغة مجلس الحكم الانتقالي إلى صيغة الحكومة الانتقالية، التي سينتهي بها الاحتلال طبقا لمعايير القوانين الدولية. وبقيت الدعوة تسعى لاستحصال المزيد من صلاحيات مجلس الحكم من أجل ترجيح كفة الإرادة العراقية في قرارات المرحلة الانتقالية.
d-alsh@web.de