لماذا لا يمكن ردع العراق؟
لماذا لا يمكن ردع العراق؟
نيويورك تايمز
في الوقت الذي تمضي فيه الولايات المتحدة قدما في اتجاه الحرب مع العراق، اقترح البعض الاعتماد على أسلوب الردع في التعامل مع التهديد الذي يمثله صدام حسين· ويقر الأشخاص الذين يحبذون استخدام أسلوب الردع بأن نظام الاحتواء الذي تم اتباعه في تقييد حركة العراق خلال عقد التسعينيات قد أصابه العطب، وأصبح غير قابل للإصلاح· ولكنهم يذهبون مع ذلك إلى أنه ما زال بالإمكان كبح الرئيس العراقي بتوجيه تهديدات إليه بالرد بالقوة على أي اعتداء عراقي، بما في ذلك استخدام القصف النووي إذا ما استدعى الأمر·
بالطبع يجب أن تكون الحرب خيارا أخيرا، أما الردع كما يبدو فهو الخيار المعقول· والمدافعون عن أسلوب الردع يذهبون إلى أن صدام حسين لن يقوم بأي اعتداء جديد، حتى بعد حصوله على سلاح نووي لأنه ليس من النوع الذي يقدم على الانتحار عمدا وبالتالي فإنه لن يخاطر بالتعرض لرد أميركي نووي ·
ولكن الشيء الذي يغفله هؤلاء هو أن الرئيس العراقي من النوع الانتحاري دون أن يقصد ذلك لأنه عادة ما يخطئ في حساباته، وقياس فرص نجاحه، كما يقوم عادة بالتغاضي عن احتمالات التعرض لإخفاق كارثي· وهو، بالإضافة إلى ذلك منقطع الصلة إلى حد كبير بالعالم الخارجي·
فعندما قام إيفيجيني بريماكوف الموفد الروسي بزيارة بغداد عام 1991 محاولا تحذير الرئيس صدام بضرورة الانسحاب من الكويت، فإنه دهش عندما اكتشف إلى أي حد كان صدام منقطع الصلة عن حقائق الواقع· وقال بريماكوف فيما بعد:
لقد أدركت أنه من المحتمل ألا تكون لدى صدام معلومات كاملة، وأضاف بريماكوف: كان صدام يعطي أولوية للتقارير الإيجابية، أما التقارير السلبية والأخبار السيئة التي يحملها له أي شخص فقد كانت كافية لكي تكلف هذا الشخص ثمنا باهظا· كل هذه العوامل تجعل من الصعوبة بمكان ردع صدام حسين لأن حساباته تعتمد على أفكار ليست لها علاقة بالضرورة بالواقع كما أنها غير معرضة للتأثر بالمؤثرات الخارجية·
إن نجاة صدام حسين من الأزمات المتلاحقة ترجع في المقام الأول إلى عامل الحظ أكثر مما ترجع إلى أي نوع من الحصافة والبراعة من جانبه· هكذا قام صدام عام 1980 بمهاجمة إيران تحت افتراض مضلل بأن الجمهورية الإسلامية الجديدة لم تكن تحظى بأية شعبية وأنها ستتهاوى إذا ما قام بتوجيه ضربة واحدة محكمة إليها· وبقيامه بذلك فإنه زج بالعراق في حرب أوشكت على إسقاط نظامه· وفي عام ،1991 وبدلا من الانسحاب من الكويت وتجنب الحرب، أقنع صدام نفسه بأن التحالف الذي يقوده الأميركيون لن يهاجم العراق، وأنه حتى إذا ما قام بذلك، فإن جيشه سيخرج من الحرب منتصرا· وهكذا سار بثقة في الطريق الذي اختاره مما عرضه مرة أخرى إلى خطر جسيم كاد يودي بنظامه وبه هو شخصيا·
وأفضل دليل على أن صدام حسين قابل للردع هو الدليل الذي تقدمه لنا حرب الخليج، وذلك عندما امتنع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل بسبب التهديدات الأميركية والإسرائيلية بالانتقام النووي· ومع ذلك فإننا لو تفحصنا هذا الدليل بإمعان فسوف نخرج منه بدروس تنذر بالشر·
عندما التقى وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر بطارق عزيز في جنيف عشية الحرب، كان الخطاب الذي قدمه بيكر والموجه من الرئيس بوش الأب يحتوي على تهديدات بعواقب وخيمة للغاية إذا ما قام العراق باختيار مسار من المسارات الثلاثة الآتية: استخدام أسلحة الدمار الشامل، تدمير حقول النفط الكويتية، أو القيام بعمل إرهابي ضد الولايات المتحدة·
الدليل الأول الذي يمكن تقديمه هو: أن تلك الرسالة لم تحل بينه وبين القيام بتدمير حقول النفط الكويتية، أو إرسال فرق ضاربة للولايات المتحدة، لذلك فإن التصور المتعلق بأن ردع صدام حسين أمر ممكن هو تصور أو فكرة يحيطها الشك· وهو لم يقم باستخـدام الأسلحة الكيمياوية ضد القوات البرية التابعة لدول التحالف خوفا من انتشار تأثيرات تلك الأسلحة· ومع ذلك فإنه احتفظ بأكداس من هذه الأسلحة في المناطق الخلفية بعيدا عن الجبهة موحيا بذلك بأنه ســيقوم باستخــدامها إذا لم تمض المعركة كما كان يتوقع·أما السؤال المتعلق بما إذا كان صدام حسين في ذلك الوقت ينوي استخدام هذه الأسلحة حقا أم لا؟ فيبقى سؤالاً تختلف حوله الآراء· ويمكن تقديم دليل أفضل بالقول إن الشيء الذي ردع صــدام حســين وحال بينه وبين القيــام بإطــلاق صــواريخ ســكود محملة برؤوس كيمــياوية وبيولوجية نحو إسرائيل هو خوفه من أن يقوم الإسرائيليون بالانتقام بأسلحة نووية·
وبعد حرب الخليج، قام مفتشو الأسلحة التابعون للأمم المتحدة، والمنشقون العراقيون بالكشف عن مجموعة من الخطط السرية والأوامر التي أصدرها صدام حسين، والتي أقل ما يمكن أن يقال عنها هو أنها مزعجة· فقد تبين أن صدام قد قام بإنشاء وحدة صواريخ سكود خاصة مزودة برؤوس كيمياوية وبيولوجية وأصدر أوامره بإطلاق هذه الصواريخ باتجاه إسرائيل في حالة وقوع هجوم نووي على العراق، أو في حالة قيام قوات التحالف بالزحف على بغداد·
ونظرا لأنه لم يكن هناك أحد خارج العراق يعرف في ذلك الوقت شيئا عن أمر هذه الوحدة ولا الأوامر التي أصدرت إليها، فإنه يتبين لنا الآن أن الغرض منها كان واضحا حيث لم تكن وحدة مخصصة للردع وإنما كانت تمثل قوة للانتقام·
الدليل الثاني: في أغسطس ،1990 وبعد أن أدرك صدام أن الولايات المتحدة قد تعارض قيامه بغزو الكويت، أمر بتنفيذ برنامج مكثف وسريع لبناء سلاح نووي واحد، كاد ينجح بالفعل· والسبب الوحيد الذي جعل ذلك البرنامج يخفق هو أن العراقيين لم ينجحوا في تخصيب كمية كافية من اليورانيوم خلال الوقت المحدد·
وقال الشخص المسؤول سابقاً عن الصناعات الحربية في العراق في ذلك الوقت إن صدام حسين كان ينوي استخدام هذا السلاح النووي كسلاح انتقامي ضد تل أبيب إذا ما أحس بأن نظامه قد بدأ في التداعي· كما أن رئيس استخباراته السابق قال إنه يعتقد أن صدام كان ينوي صنع سلاح نووي لردع الولايات المتحدة عن القيام بعملية عاصفة الصحراء·
الدليل الثالث: أن المنشقين العراقيين، ومصادر أخرى، قد أفادوا بأن صدام قد أخبر مساعديه بعد الحرب أن خطأه الأكبر كان في القيام بغزو الكويت قبل أن يقوم بتصنيع سلاح نووي، لأنه لو كان فعل ذلك لما تجرأت الولايات المتحدة على معارضته·
إن ما يشير إليه كل ذلك هو أن صدام حسين إذا ما كان قادراً على الحصول على أسلحة نووية، فإنه سينظر إلى تلك الأسلحة كأدوات لتحقيق أهدافه التي تتمثل في الهيمنة على العالم العربي، وتدمير إسرائيل، ومعاقبة أميركا· ونظرا لأن خيار الاحتواء الذي كان سائدا في التسعينيات قد بدأ في التلاشي تدريجيا، ومن الصعب الاعتقاد بإمكانية إحيائه، فإنه يتوجب القول إن الخيارين المتبقيين فيما يتعلق بالسياسة تجاه العراق، وهما خيار الغزو وخيار الردع، يحملان في طياتهما مخاطر جسيمة وتكاليف باهظة، ولكن القيام بغزو مخطط له جيدا، ويقوم بحشد قوة هائلة، ويحظى بدعم من الحلفاء الرئيسيين أمر يمكنه تقليل المخاطر إلى أدنى حد·