الزرقاوي وتشي غيفارا .. وهمٌ هوى ووهمٌ باق
الزرقاوي وتشي غيفارا .. وهمٌ هوى ووهمٌ باق
منى الطحاوي
يحب بعض العالم الاسلامي من اعماق قلبه ابومصعب الزرقاوي، ومهما فعل ومهما قال، فلا يزال هناك مسلمون يعتقدون انه بطل. الزرقاوي يعلن مسؤوليته عن مقتل 34 طفلا في بغداد، ومع ذلك وما يزالون يحبونه.
ما الذي حققه هذا الرجل، الى جانب، ما قام به من قتل ودمار؟ ما الذي فعله لكسب قلوب هذا العدد من الناس في العالم الاسلامي؟ هل اصبح الزرقاوي تشي غيفارا العالم الاسلامي؟
كنت افكر في هذه المسألة منذ بداية عرض فيلم «يوميات دراجة نارية» في نيويورك مؤخرا. وقد تسبب الفيلم في اطلاق جدل حول ما اذا كان غيفارا شخصية يشعر المرء نحوها بالاحتفاء او الازدراء. والفيلم مقتبس من يوميات كتبها ارنستو تشي غيفارا ديلا سيرنا، طالب الطب الذي بدأ في عام 1952، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، رحلة مع صديقه البرتو غرانادو من بوينس ايرس، لاستكشاف اميركا الجنوبية.
واشتهر غيفارا، كما نعرف، بـ «تشي» ـ أي الرفيق ـ وهو حليف لفيدل كاسترو ورمز ثوري قتل في بوليفيا في عام 1967، وهو يقود حركة مقاومة فشلت في تجنيد أي فلاح من بوليفيا. وحتى يومنا هذا، تزين صورة تشي غيفارا، العديد من غرف الطلاب في جميع انحاء العالم. كما يقلده العديد من الشبان بإطلاق لحية ووضع بيريه على الرأس.
وفي مقال هام في موقع «سليت» على الانترنت، يفكك الكاتب والمؤرخ بول بيرمان، الاسطورة والصورة الرومانسية التي احاطت بغيفارا. عندما اطلعت على المقال وجدت ان من السهل استبدال تشي بالزرقاوي، إذ يكتب بيرمان «ان الأسطورة التي تحيط بأرنستو تشي غيفارا، هي حلقة التبلد الاخلاقي لعصرنا. فتشي كان شموليا، ولم يحقق أي شيء الا الكوارث».
لنواصل استبدال تشي بالزرقاوي في هذه الفقرة التالية من مقال بريمان:
«كان قتل نفسه، وقتل الكثير من الناس، امرا اساسيا في خيال تشي. ففي المقال الشهير الذي اعلن فيه دعوته الى «فيتنام ثانية وثالثة، والعديد من الحالات مثل فيتنام»، تحدث ايضا عن الاستشهاد، وصاغ عدة عبارات مرعبة: الكراهية كعنصر من عناصر الصراع، كراهية مطلقة للعدو، وهو ما يدفع الانسان الى ما وراء حدوده الطبيعية، ويجعله آلة قتل فعالة وعنيفة واختيارية، وهو ما يجب ان يكون عليه جنودنا. . .».
لذا، فإنا اسأل مرة اخرى، هل الزرقاوي هو تشي عصرنا؟ بلحيته وطاقيته ـ مثل لحية تشي والبيريه ـ لقد جعل الزرقاوي نفسه رمزا جديدا، غير ان شعبيته تنبع من نفس الاوهام الضالة التي سمحت للعديد من الناس بالإعجاب بتشي.
فلنستمع الى بول بيرمان مرة اخرى، وهو يعبر عن استيائه من سجل تشي، ومرة اخرى يمكن استبدال تشي بالزرقاوي.
«بالرغم من ذلك، نجح في الهام عشرات الالوف من ابناء الطبقة المتوسطة في اميركا اللاتينية، لترك الجامعات وتنظيم جماعات متمردة خاصة بهم. ولم تحقق تلك الجماعات المتمردة أي شيء، فيما عدا التسبب في موت مئات الالوف من الاشخاص، وعرقلة مسيرة الديمقراطية في اميركا اللاتينية ـ وهي مأساة في غاية الضخامة».
وكيلا نستمر في الجدل حول الزرقاوي بعد 30 سنة من اليوم، يجب ان نطرح على انفسنا، اليوم، اسئلة بخصوص ما الذي يمثله الزرقاوي وما الذي يهدف لتحقيقه؟
اولا: ما الذي يريده الزرقاوي؟
من المفروض ان يقاتل الاحتلال الاميركي في العراق. كيف يحقق هجوم الخميس الماضي هذا الهدف؟ لقد اعلنت جماعته المسؤولية عن ثلاث هجمات في بغداد قتلت 41 شخصا، واصابت 139 شخصا ـ عشرة منهم فقط من الاميركيين.
اذن من هو الهدف الحقيقي لهذه الهجمات: الاميركيون ام العراقيون؟
ذكرت جماعة الزرقاوي في بيان لها، انها كانت تهاجم القافلة الاميركية. واذا كان هذا صحيحا، فلماذا شن هجمتين اخريين بعد الهجوم الاول، الا اذا كان الهدف هو قتل وتشويه هؤلاء الذين هرعوا نحو موقع الحادث الاول؟!
العراقيون الذين قتلوا في حي العمل كانوا يحتفلون بافتتاح محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي. ترى، لماذا يريد الزرقاوي تدمير كل شيء من شأنه ان يساعد الشعب العراقي؟
شاهدت، في وقت لاحق، اول جولة في المناظرات بين الرئيس جورج بوش والمرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة جون كيري. تركز النقاش خلال هذه الجولة على السياسة الخارجية. وفي التحقيق الذي اعقب المناقشات التي جرت، تطرق صحافيون ومساعدون لمرشحي الرئاسة الى التفجيرات التي اسفرت عن مقتل 34 طفلا في العراق.
من هو المستفيد من موت الاطفال في العراق؟ وما الذي حققته هجمات الزرقاوي الدموية في العراق سوى موت عشرات العراقيين؟
رسالة الزرقاوي ليست موجهة الى الاميركيين فقط، فهجماته الدموية موجهة الى العالم الاسلامي ايضا، فهي تهدف الى تثبيت الزرقاوي كقوة يعمل لها حساب، فضلا عن ان هذه الهجمات الدموية تأتي بمثابة تحذير من مغبة تحدي الزرقاوي.
من جانبنا، ينبغي ان نوجه رسالة واضحة للزرقاوي، نؤكد له فيها اننا، نحن المسلمين داخل العالم العربي وخارجه، نشكل قوة يحسب لها حساب. فالزرقاوي لا يجب ان يظل رمزا لا يمكن تحديه.
ثمة عراقيين شجعان وجهوا رسالة الى الزرقاوي، عندما تظاهروا مرتين في سبتمبر (ايلول) الماضي، ضد عمليات الخطف واحتجاز الرهائن. حمل العراقيون خلال تلك المظاهرة لافتة كتب عليها «لا للعنف وإعدام وخطف الأجانب»، و«دعونا نعيش في سلام ووئام». كان في مقدمة المظاهرة حوالي 50 عراقيا معاقا على كراسي متحركة، وأطفال يحملون باقات من الزهور. يقول باسل عبد الوهاب العزاوي، الذي يمثل تنظيما جامعا للمنظمات المعنية بالحريات المدنية، اذا كان العراقيون قادرين على تسيير موكب عبر الشوارع لتوجيه رسالة شجاعة مثل هذه الى الزرقاوي، وآخرون يزعمون انهم يقاتلون من اجل العراقيين، لماذا لا ينظم المسلمون في الدول الاخرى مظاهرات دعما لهؤلاء العراقيين الشجعان؟ ام ان المسلمين في الدول المحيطة بالعراق، اصبحوا مثل ابناء الطبقة الوسطى المضللين في دول اميركا الجنوبية، الذين انضموا الى تمرد تشي غيفارا، الذي كان من المفترض ان يساند الفلاحين في الوقت الذي قوبل فيه من الفلاحين بالرفض؟
ادرك جيدا ان المظاهرات محظورة في الدول العربية، إلا ان ذلك لم يوقف المظاهرات في السابق، اتذكر ان اول مرة اتعرض فيها للغاز المسيل للدموع كانت في القاهرة، عندما منعت قوات الأمن المركزي طلاب جامعة القاهرة، الذين كانوا في مظاهرة متجهة الى السفارة الاسرائيلية، احتجاجا على مذبحة باروخ غولدشتاين لمصلين فلسطينيين بمدينة الخليل.
هل ينبغي ان يرتكب المذبحة اسرائيليون او اميركيون حتى يخرج المسلمون في مظاهرة ؟
شهدت شوارع العواصم العربية مظاهرات احتجاج ضد الغزو الاميركي للعراق، ولكن أين المظاهرات المؤيدة للشعب العراقي، والمطالبة بأمنه وسلامته من الاحتلال الاميركي، ومن مذابح الزرقاوي على حد سواء؟
تدفق آلاف الفرنسيين في شوارع العاصمة باريس بعد اختطاف الصحافيين الفرنسيين، وحدث الشيء نفسه في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، عندما اختلف مواطنون من هذه الدول، فأين التضامن العربي والإسلامي مع الشعب العراقي؟
اتذكر ان العديد من الحكومات العربية كانت تسمح لمواطنيها، خلال فترة حكم صدام حسين، بالمشاركة في مظاهرات في عواصم هذه الدول، للتعبير عن التضامن مع الشعب العراقي. كانت السلطات تسمح بهذه المظاهرات للاحتجاج على العقوبات المفروضة على العراق، او للتعبير عن الغضب العربي ازاء قصف العراق بالطائرات الأميركية والبريطانية عندما ينتهك العراقيون مناطق الحظر الجوي. يعتبر صدام حسين الآن، الشخص الأكثر أمنا في العراق، فهو يأكل الكعك، ويكتب الشعر، ويهتم بالعمل في الحديقة، في الوقت الذي يموت فيه الأطفال وتتمزق اجسادهم اربا، اين المظاهرات احتجاجا على هذه المذابح؟
لا يمكن ان يظل الزرقاوي رمزا لا يمكن تحديه، إننا في حاجة الى ان نقول له «لا» بالصوت العالي.... العراقيون يجب ان يسمعوا اصواتنا.
monaeltahawy@yahoo.com