عبدالرحمن الراشد: لصوص الغذاء والدواء
لصوص الغذاء والدواء
عبدالرحمن الراشد
اول الحرامية في قائمة فضيحة رشاوى برنامج النفط مقابل الغذاء هو رئيس الخاصة بالبرنامج نفسه، الرجل الذي كلفته الامم المتحدة بمهمة ايصال وحراسة قوت الشعب العراقي، وشركاؤه في القائمة اناس كبار بينهم زعماء دول، مثل رئيسة اندونيسيا ميغاواتي التي خرجت من الحكم قبل ايام، ربما في اتفاق لدرء فضيحتها.
وهناك وزير الداخلية الفرنسي السابق شارل باسكوا الذي صار حينها متحمسا فجأة جدا للدفاع عن حقوق العراقيين بعد ان كان لا يبالي بحقوق المسلمين الفرنسيين، اتضح ان الثمن 11 مليون دولار من برنامج الغذاء. ولا ننسى العنصري الروسي الشهير جيرنوفسكي الذي زار بغداد وعاضد صدام بعد ان كان يروج لفكرة إفناء شعوب دول الجنوب المسلمة. السر في تحول موقفه نفس الثمن الذي زاد في حب الوزير الفرنسي لنا.
وهناك قائمة طويلة من العرب الذين بحت اصواتهم متباكين على الحصار في حين ان اسماءهم ظهرت ضمن اسماء الذين حولت الى حساباتهم اموال الاغذية والادوية، حولوها عن طريقهم لشراء اسلحة او ضمائر، واقتطعوا لانفسهم نسبة مالية منها.
صدام انفق اكثر من 11 الف مليون دولار منحها في هيئة كوبونات مالية لحكومات وشركات ونحو مائتي شخصية «محترمة»، وهي اموال اقرتها الامم المتحدة لتأمين طعام ودواء لعشرين مليون عراقي. ولهذا السبب صارت ضمائرنا ميتة ومواقفنا اصبحت انتقائية، فرغم هول مناظر المقابر الجماعية المنتشرة ونحيب الامهات عند الاف الاكياس التي تضم عظام ابنائهن، لم تتحرك الا ضمائر القلة، ولم تثر غضب غيرهم، بل ولم يتوان بعضهم عن تبرير تلك الجرائم التي لم يكشف عن مثلها في منطقتنا من قبل.
الآن وعقب الكشف عن فضائح تقرير لجنة التحقيق في ممارسات اللجنة المشرفة على برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء، الذي صمم ايام العقوبات لصالح الشعب العراقي أيضا، لم تتحرك سوى بضعة سطور استنكارية، وهنا لا نلقي اللوم على المؤسسات العربية الرسمية لأنها بحكم وظيفتها الادارية ليست ضمير الناس ولا مرآة لمشاعرهم، لكن المعني بالازمة هو القطاع العريض من الناس الذين اتخذوا مواقف اخلاقية معبرة ضد الحصار وتعاطفوا مع معاناة العراقيين.
الآن بعد صدور التقرير الفضيحة هم في صمت مريب. وطالما ان هذا الموقف صار شائعا ومقبولا يبقى الدور على المؤسسات العراقية في ان توثق الاكاذيب الكبيرة وتعلنها على الملأ رسميا. ما حدث في الموضوع العراقي، اكثر من أي نزاع عربي آخر، انه ربى جيلا كاملا متعدد الجنسيات يكذب ويزور الحقائق، لن يلاحق أحد هؤلاء المزورين، لكن من حق الناس ان تعرف طبيعة المواقف وحقيقتها. فالذين وقفوا الى جانب صدام عن قناعة معذورون ويقدر لهم رأيهم، اما الذين باعوا مواقفهم مقابل كوبونات فان الناس اولى بمعرفتهم.