في الذكرى الثالثة لفاجعة السفينة العراقية في المحيط الهادي
في الذكرى الثالثة لفاجعة السفينة العراقية في المحيط الهادي - الموت قصة عراقية لا تنتهي
كتابات - توفيق التميمي
الى اي مدى من زمن الذاكرة العراقية.. سيظل العراقيون يتذكرون المأساة الفظيعة بغرق” تايتنك العراق “ ذات مساء موحش في مثل هذه الايام قبل ثلاثة اعوام. ليضع في تيه المحيطات
اكثر من 400 حلم عراقي كانوا بين قوسين من” الاستبداد والبطش الصدامي “ وجشع المرابين الذي وجدنا في مأساة العراقيين وتوقهم للنجاة من اسوار الفاشية مصدراً من مصادر ثرائهم الباطل والحرام.
هذا الفصل الدموي الذي شاهده ملايين العراقيين على شاشات التلفاز بعيون تذرف الدمع دماً سيبقى عالقاً في ذاكرة هؤلاء الذين كانوا ينتظرون في مقاهي الغربة وارصفتها الموحشة مقعداً اخر لهلاك منتظر ومصير مفجع اكثر مما ناله ضحايا” السفينة العراقية المنكوبة “.
كنا ونحن نطالع هذا المشهد الفجائعي نشعر بان ثمة ازمة في الاخلاق والقيم الانسانية حصلت، جعلت من فصول المآسي العراقية مادة للفرجة الاعلامية دون ان ترتقي بهذه المأساة الى درجة الاحتجاج والغضب والاستنكار للنظام الوحشي الذي دفع بافواج من عشاق الحرية الى الهرب بحثاً في ارض الله الواسعة عن بقاع اكثر امناً واطمئناناً وكرامة.
ان هذا الفصل الدامي هو فصل تاريخي من فصول الاحزان والفواجع المتكررة بتاريخ هذا الشعب الذي امتزج نحيب امهاته وانين ابائه بايقاع اغانيه ويأبى ان يختم فصول احزانه حتى هذه اللحظة هذا الفصل الذي شهد للدنيا باسرها بان ما جرى على العراقيين من اهوال وما اصابهم من نكبات لم يجرِ على اي شعب من شعوب الدنيا كلها.
ونحن نستعيد الذكرى لهذه الفاجعة.. نؤكد للعالم أحدى العبر المهمة المستقاة من هذه النكبة الاليمة بان توق العراقيين للحرية. وتطلعهم للكرامة لا تقف دونه حيتان المحيطات ولا جيوش المرابين ولا حراس الدكتاتورية كما تؤكد هذه المآساة الطبيعة الشاذة لنظام القسوة والاستبداد الذي كان يحكم العراق. كما يفضح ويعري هذه الانظمة والمشاعر القومية” الزائفة “ التي ينادي لها الان زعماء احزاب، ورؤساء دول، وتجمعات قومية وصحافة مأجورة.. لاستعادة هذا النظام الاجرامي الذي لم تكن” سفينة تايتنك العراق “ سوى حلقة من حلقاته في المسلسل الاجرامي الذي تواصل على طول اربعة عقود مظلمة.
سلاماً للجنين الذي ولد بغضب المياه المتلاطمة.. ليحكي عودة الانظمة التي لا يبشرها دجل المنافقين وفذلكة المأجورين وقيالق المزورين. سلاماً للحلم العراقي في الحرية والكرامة الذي لن يبلغ شواطئه بسبب جشع المرابين في اندونيسيا وافغانستان ومصر..
سلاماً لهؤلاء الذين ابتلعتهم حيتان المحيطات وامواجها دون ان تتوقف مسيرة العراقيين في مسالك المنافي الموحشة في عبور المستحيل لبلوغ ملاذاتها الامنة الاخيرة.
سلاماً لشهداء الحرية والبحث عن رغيف الخبز والكرامة.. الذين بحثوا في مسالك الدنيا عن لمسة حنان فلم يجدوا غير ايادي الرحمن المباركة التي ستمسح الدمع عن عيون العراقيين عند اعتاب القيامة.
من أجل أن لا ننسى اللهم اقبل أنت لجوءهم !
أرض السواد - طاهر الخزاعي
صرتُ أبحث في الدفاتر العتيقة بعد أن جف القلم لفرط ما يمر به العراق من مآسٍ , ولمدلهمات الرزايا التي تنتظر ساعة الصفر لتعصف بالعراق ! .. العراق الذي أعشقه حد الجنون .. الجنون الذي ينتابني مع كل زمجرة دبابة أمريكية في أحد شوارعه ومع كل سيارة مفخخة تحصد رقاب أطفال العراق .. وحين أرى لحية تترس خلفها كل جينات الحقد والبغض والتخلف والانتفاخ ! ..
بين ما تناثر من بقايا دفاتري العتيقة وأنا أعيش ذكرى - تايتنك الفقراء - الثالثة . تلك السفينة التي كان من المخطط أن أكون أنا واطفالي من بين ضحاياها , لولا دفع الله , .. عادت بي الذاكرة الى عاشوراء المحيط الهادي قبل ثلاثة أعوام حين التهم المحيط مئات العراقيين بالتواطيء مع كل دعاة الاسلام والانسانية في هذا العالم الذي يضج بكل شيء ما خلا الاسلام والانسانية ! .. فوجدت هذه السطور التي كتبتها في ذكراهم الأولى ونشرتها في عدة صحف ومواقع .
من أجل أن لا ننسى : اللهم اقبل أنتَ لجوءهم
ونحن الذين نتميز بثقافة النسيان واللف والدوران , وهاهي ذكراهم السنوية تمر شاهدة على مظلومية الغرقى ! فقد
انتفضوا في شعبان جميعهم .. استشهد أخوتهم وآباؤهم , لم يلقوا سلاحهم واتخذوا من الاهوار عرينا لمواصلة المسير .. لكن الأهوار استسلمت لماكنة التجفيف الصدامية , فخوى قصبها وشحّ ماؤها وما كان الا أن يولوا وجوههم شطر حلم الانبياء ! .. ومنهم من ساقته الأقدار الى رفحاء ليفتح لهم الغرب أبوابه فآثروا الا أن يختاروا من القرى أمها ! .. ومنهم من عبر حبواً على الثلج يريد وصلاً بليلى , ليلى التي طالما تغنى بها في أقبية السجون وعانى من التعذيب أقساه ايمانا بحبها! لكنها هي الحلم وأم القرى تنصلت وكشحت عنهم وجها فحلوا عليها ضيوفاً غير مدعويين ! بلعوها على مضض وشمروا عن سواعد كفاح مرير من أجل العيش ومراقبة احداث بلادهم عن كثب على أمل أن تتذكر ليلى أيام الوصال .. لكن الحقيقة طفحت كالطوفان , حقيقة تفوق مرارتها سجون صدام وقساوة معارك الأهوار ومعاناة رفحاء .. حقيقة أثقل من جبال الدنيا حين أطلقها أنصار القرن العشرين بوجه المهاجرين مطالبين إياهم بالحياء والخروج من بلاد الهجرة !.. وفتحت التصريحات أبوابها وطردت المصانعُ الأجانبَ من عمالها ! ..
فروا على وجوهمم بحثاً عن نجاشي معاصر في زمنٍ ملئت به الأرض ظلماً وجوراً .. ولأنهم أحرار فإن ( ظلم ذوي
القربى أشد مضاضة ) عليهم ( من وقع الحسام المهندِ ) .. ولأن أرض الأنصار لا تسمح بوجود مكاتب تنظيم الهجرة على طريقة ( لا أغنيك ولا أسمح لك بأن تشحذ ) .. ولأن بعض الحكماء _ بلا حكمة _ يَعدُ مثل هجرتهم فراراً من الزحف ! وقد زحف - الحكماء - اليوم على بطونهم مرددين : سلامٌ على بوش في المنقذين !! .. ولأن .. , ولأن .. والكلام يطول , فقد استقرت بهم النوى على سواحل اندنوسيا شهور عديدة شابحة عيونهم الى الضفة الأخرى من المحيط يحدوهم الأمل للقاء والد هناك قد مضى من بين تلك الأمواج ! .. زوجات تخفق قلوبها الى هناك .. وهناك قد استشاطوا غضباً من المهاجرين الجدد ! لكن الخطب يهون فظلم الغريب أخفف مضاضة ! ولا عودة الى ليلى فقد قطعت كل علائق الوصل !.. ولا بقاء على السواحل دون أمن ولا أمان وأدنى مقومات العيش !.. وكل ما هناك في الضفة الأخرى أمن مؤقت على فرض الوصول على متن سفينة أنهكتها سني البحر كما أنهكتهم سني الظلم والضيم ! .. و ( ما حيلة المضطر الا ركوبها ) بعد أن تململت منهم كثبان رمال أبناء العمومة والعروبة في رفحاء وبعد أن ذبحهم أخوة العقيدة بقطنة - كالعادة - ! .. وتنصل أحفاد النجاشي عن عدل جدهم ! فلم يبق الا أنت ! لم يبقَ الا أنت
هاجروا اليك غرقى .. تحتضن الأم رضيعها متلفعة بعبائتها العراقية !.. وتشتبك أذرع الصبايا على رقاب الآباء !
يتوسدون جميعا قاع المحيط .. تذرف الحيتان وأسماك القرش الدموع عليهم لفرط ما ارتسم على وجوههم من الهموم ! ليسجل التاريخ أوضح وصمة عار وشنار في جباه دعاة الإنسانية !
قد لجأوا اليك اللهم فاقبل أنت لجوءم وامنحهم الأمن والاقامة الدائمة في جنائن أعددتها للمظلومين المشردين من ديارهم ظلماً وجوراً ..
20 تشرين الاول 2002
طاهر الخزاعي
واليوم وهاهي الذكرى تمر في العراق الجديد يأتي السؤال مُلحاً : ماذا قدم العراق الجديد الى هؤلاء معنويا ؟ هل أفردت قناة العراقية برنامجا مصوراً عن هذه الفاجعة ؟ وهل خصصت الشرقية دقائق من بين بثها اليومي على مدار الساعة بين أغنية البرتقالة وعكد المكبسلين والافطارات وحملات البطاقة التموينية الدعائية , هل خصصت لهؤلاء دقائق لإحياء ذكرى نكبتهم ؟ وماذا عن قناة الفيحاء ؟ وجل ضحايا السفينة من البصرة ومن مدن الجنوب العراقي المنكوب في كل العهود بما في ذلك عهد العراق الجديد ؟! .
