[align=justify]
الحلقة الرابعة : وضع إيران لم يعد كما كان
ـ لماذا اتُّهِم المحتجّون على نتائج الانتخابات الرئاسيّة بالعمل للغرب أو بتنفيذ مخطّطاته، سواء بصورة مقصودة أو غير مقصودة؟
أجاب سماحته قائلاً:
"هذه المسألة أدّت إلى أن تنطلق بعض المفردات في ما يتعلّق بسلوك الحكم، ولم تنطلق من القضيّة الأساس، وهي الخطّ السياسيّ، سواء منه الدّاخليّ أو العلاقات مع الخارج. فعندما حاول البعض مناقشة القضايا المتعلّقة بالانتخابات الإيرانية، فإنّه ناقشها من خلال بعض الجزئيّات في عالم السّلوك، وهو ما لا يُطرح في قضيّة بهذا الحجم. وفي التّجارب السّابقة في الغرب، حين حصل خلاف في أميركا، مثلاً، بين آل غور وبوش، حكمت المحكمة العليا بنتائج الانتخابات الأميركية. وإذا كان حديث الغرب عن القمع والفوضى والتصدّي للأعمال التي فيها شغب داخلي، فماذا يُقال عن القمع الفرنسي للتّظاهرات عندما حُطّمت 1500 سيارة بين ليلة وضحاها، وحين عمّت الفوضى واندفعت الشرطة بقوّة لتقمع التظاهرات المخلّة بالنظام والقانون؟ وكيف نفسّر تظاهرات الغربيين ضدّ العولمة ودول الثماني وغيرها؟ إنّنا لا نبرّر هذه الأعمال، ولكن نحاول القول إن القيادة عندما تشعر بالخطر على النظام، والنظام العام، وأن البلد ربّما يتعرض لسلبيات كثيرة، فإن الجيش والشرطة وقوى الأمن والقيادة تتدخّل لحسم ما يمكن أن يؤدّي إلى تداعيات خطيرة اذا تفاقم وتعاظم".
ـ قلتم إنّ أحد أسباب خلافات المعسكرين داخل النّظام الإسلامي الإيراني، أي الإصلاحي والمتشدّد أو المحافظ، وانحياز المرشديّة إلى فريقٍ منهما، هو انحياز أحد هذين الفريقين إلى الغرب أو اقترابه منه، ويعني ذلك أنّ هناك تطوّراً داخل المجتمع الإيراني الثوري المسلم، أي داخل النظام الإيراني. ألا تعتقدون أن هذا الانقسام داخل النظام الاسلامي الإيراني يجب أن يؤخذ في الاعتبار، أو يُهتمّ به بطريقة مختلفة عن الطريقة المعتمدة حالياً؟
أجاب المرجع الإسلامي الشيعي قائلاً:
"مع الموافقة على هذا الموضوع، أرى أنّ إيران الآن ليست كإيران الإمام الخميني، وأنّ الأجيال الجديدة ليست هي أجيال الثورة، لأنّها لم تعش الثورة، والظروف التي فرضت الثورة. لذلك هناك تغيّر سياسي في الخطوط السياسية في إيران، حتّى مع الفريق الواحد المرتبط بالنظام. فهناك خلافٌ في طريقة إدارة العلاقات مع الغرب، وربّما ترى بعض القيادات الإيرانية خلافاً حتى في إطلاق المشروع النوويّ، وحتى السلمي منه، حيث سمعنا في وقت من الأوقات بعض الأصوات تتحدّث عن عدم الحاجة إلى هذا المشروع مثلاً، وخصوصاً أنّ بعض الخبراء وشهود العيان يقولون إنّ الذين خرجوا بالتّظاهرات ليسوا جميعاً من أنصار الفريق الإصلاحي، بل هناك جماعات من أنصار المرشديّة والولاية مثلاً. حتى تحدث البعض عن تصويت بعض جماعات الحرس الثوري لهذا الجانب دون الجانب الآخر... كل ذلك لا يمكن إنكاره، وهو ما يوحي بأن الوضع في إيران تطوّر سياسياً، ولم يبقَ على ما كان. ولكن أن نتحدّث عن أنّ الوضع وصل إلى مستوى الخطر على النّظام مثلاً، أو على ولاية الفقيه، فالتطورات لم تصل إلى هذا المستوى".
ـ هل إنّ المرشديّة التي تُعتبر مسؤولةً عن النظام الإسلامي في إيران لم تضع في حسابها التغيير الحاصل في الشارع الإيراني، أو لم تأخذه في الاعتبار، أو لم تره، أم أنها لا توافق على هذا التغيير؟
أجاب المرجع الديني:
"في تصوّري، كانت الحوادث أسرع".
ـ هناك مثل فرنسي يقول: أن تحكم هو أن تتوقّع. فالقيادة الحاكمة أو المرشدية يُفترض أن تكون لها نظرة شاملة إلى التطوّرات الحاصلة في الوضع الإيراني، وخصوصاً بعدما شعر الجميع داخل إيران وخارجها بوجود انقسام عمودي داخل النظام. فأجيال الشباب مؤمنة وتربّت في ظل النظام. لكنّها لا تعرف الثورة، كما قلتم، هذه الأجيال لديها تساؤلات، وآخرون من داخل النظام لديهم أيضاً تساؤلات، وهناك من النظام مَن خرج على الناس بشعار "إيران أوّلاً"، وهناك من داخل النظام مَن تساءل ويتساءل عن اسباب صرف أموال طائلة في الخارج رغم الحال الاقتصادية الصّعبة داخل إيران. فأنا سمعت أسئلةً كهذه من إيرانيين عاديين أثناء زيارتي إلى طهران أوائل صيف العام 2006م. ما تعليقكم على ذلك؟
ردّ المرجع الأصولي الأبرز:
"هناك نقطة في الاتّجاه الذي يُثيره السؤال، هي أن هذا الحادث في مرحلة الانتخابات لم تكن له سابقة في كل الانتخابات، ففي فترة الإمام الخميني، وخلال الحرب العراقية - الإيرانية، كانت الأمور تسير بشكل طبيعي وعادي، سواء لدى هذا الفريق أو ذاك. ولذلك لم يُنتظر أن تتطوّر المسائل في الانتخابات حتى يبادر فريق إلى هذا النّوع من الهجوم على النتائج وطلب إعادتها. فليس في الدستور الإيراني ما يُلزِم ويدعو إلى إعادة الانتخابات كما هي الحال في العالم كلّه. فأميركا لم تُعِدْ انتخاباً في حال الخلاف. ولكن عندما يقال إنّ ثمّة تزويراً، يدعى إلى إظهار هذا التزوير وإمكانيته، وكيفيّته، ومكان حصوله مثلاً. لذلك، فإنّ خطّ الانتخابات مثّل خطاً مستقيماً لم يكن منتظراً أو معهوداً أن يتطوّر إلى هذا المستوى.
كان من الممكن أن يتطوّر في جانب آخر، في مجلس الشورى أو من خلال المعارضات المختلفة، كما كان يحصل ولو بشكلٍ جزئي سابقاً.
إن الأوضاع في إيران لم تكن في تلك المرحلة تبعث على نوع من التخوّف أو انتظار شيء يمكن أن يحدث بهذا المستوى، ولا أظنّ أنّ القيادة الإيرانية كانت تفكّر بهذه الطريقة، لأنّها طريقة غير مسبوقة".
هل يمكن في رأيكم توقّع حركة تصحيحية من داخل النظام بعد الذي حصل في إيران في عقب الانتخابات الرئاسية، ولكن ليس على طريقة الحركات التّصحيحية في العالم العربي؟
الحلقة الخامسة: العلماء الكبار مع السّلطة والدولة
ـ أجاب المرجع الديني الأبرز في التيّارات الإسلامية الأصولية الشيعية اللّبنانية عن احتمال حصول حركة تصحيحية في إيران من داخل النظام الحاكم بعد الذي جرى في انتخاباتها الرئاسية، قال:
"في اعتقادي، ومن خلال قراءة بعض المداخلات، هناك نوعٌ من أنواع دراسة التطورات المستقبلية، أو الصدمة لكلّ الأطراف، ولهذا رأينا بعض الاجتماعات بين الفريقين، حيث بدأ الفريق المعارض - إن صحّ التعبير - يتحدث عن ضرورة إطلاق المعتقلين، وأصبحت المسألة شبه محصورة في الأمور المطلبية أكثر من اتّصالها بالمسألة السياسية الحركية. ولهذا يبدو أنّ التظاهرات السلميّة التي يدعون إليها قد أخذت حجمها، وأصبح الناس في حالة عدم رضا عن التظاهرات التي تعطّل حياة الناس اليومية وأسواقهم وتجارتهم وأعمالهم. وقد قال بعض الأشخاص إن قسماً من "البازار" الإيراني كان مع الإصلاحيين، ولكن حين تطوّرت الأمور إلى الفوضى عادوا عن موقفهم، والأمر نفسه بالنسبة إلى الحرس الثوري. وفي تصوّري، إنّ المسألة وصلت إلى مرحلة الهدوء السياسي، ولكن بقيت بعض التصريحات هنا وهناك.
وأظنّ أنّ هناك حركةً لعقد اجتماعات مغلقة بين الفريقين لدراسة الموضوع، حيث لم تصل المسألة بين المعارضة والموالين - إذا صحّ التعبير - إلى مرحلة القطيعة.
إن دراستنا للشعب الإيراني توحي بأنه لا يسمح بأن تتحوّل القضية إلى ما كانت عليه الثورة ضدّ الشاه، لأن هناك نقطةً مهمّةً لاحظناها، وهي أنّ التظاهرات كانت في معظمها في طهران، فأصفهان لم تعرف ذلك، وأيضاً مشهد، مع خصوصية تبريز، وهي بلد المرشّح مير حسين الموسوي. فحتى الأرياف بمعظمها لم تكن مع هذا الفريق، لهذا لا يمكننا القول إنّ الشعب الإيراني يريد ذلك التوجه، فحتى في طهران تميّزت الحركات، بين شمال طهران حيث ما يعرف بـ"منطقة النخبة"، وجنوبها الّذي هو منطقة الفقراء والعمّال. فهذه المفردات تجعل الإنسان يؤمن بأنّ ما جرى لم يبلغ مرحلة الخطورة المؤثرة سلبياً على النظام".
الحلقة السادسة: هديّة إيران لأميركا: لا نريد "القنبلة"
ـ في النّظام الإيراني حلقتان متكاملتان: الأولى: حلقة العلماء المؤلّفة من المرشدية أو الوليّ الفقيه، والثانية: هي حلقة العسكر، أي "حرس ثوري" وباسيج" وجيش. لاحظنا أنّ علماء كباراً في الحلقة كانوا مع الإصلاحيين، ولاحظنا ذهاب علماء كبار آخرين مثل حجّة الإسلام رفسنجاني إلى قمّ، أهمّ حوزة دينية في إيران، للتشاور في الأوضاع الراهنة. هل كان التشاور لإيجاد حلّ للأزمة كي يؤمّن علماء كل فريق، إذا جاز التعبير، الدعم لفريقه؟
أجاب سماحة السيّد: "هناك قضية لا بدّ من فهمها، وهي أنّ العلماء كغالبية، ومنهم علماء كبار يتميّزون بمرجعية واسعة، هم مع السلطة والدولة، لا يتدخّلون تدخّلاً سياسياً بالمستوى الذي يكونون فيه عناصر فاعلة على مستوى الشارع. نعم، قد تجد البعض، ومنهم الشيخ المنتظري المعارض منذ البداية للمرشدية والولاية، وهو من آباء الثورة ومنظّريها، لا يتمتعون بحركة شعبية يمكن أن يدخلوا بها إلى العمق الشعبي وأن يجعلوا المسألة تتحرك وفق نظرتهم. لهذا فإنّ تأثير العلماء ليس تأثيراً مباشراً، بل هو تأثير معنوي أكثر منه سياسياً".
ـ ماذا عن الحلقة الثانية، أي حلقة العسكر، وتحديداً "الحرس الثوري"؛ أين هو من كل ما جرى ويجري؟
أجاب المرجع الأصولي الأبرز:
"مشى الحرس الثوري مع السلطة والمرشدية رغم وجود أصوات فيه تؤيّد الإصلاحيين".
في كلّ دول العالم، أو بالأحرى في العالم الثالث، يصبح الجيش هو الحلّ لكل أزمة كبيرة، أو المنقذ إذا تفاقمت الأوضاع. هل هذا الأمر ممكن في إيران؟
أجاب سماحته: "لا. من المستحيل أن يقع انقلاب عسكري في إيران، والسّبب هو أن هناك جيشين، هما الجيش النظامي الإيراني، والحرس الثوري الإيراني، وقد طعّم الجيش بشخصيّات من الثورة. والحرس الثوري هو حامي النظام. لذلك من الصعب جداً أن يقوم فريق من الجيش بذلك، أمّا الحرس الثوري، فلا يمكنه أن يقوم بحركة عسكرية ضد الولاية والمرشدية".
ـ رغم كلّ شيء، أعيد انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية، وسيتعامل معه العالم كرئيسٍ لإيران، بصرف النظر عن كلّ ما جرى في الأسابيع الماضية. الغرب الأميركي عرض الحوار مع إيران، فهل سيكون نجاد في ولايته الثانية، ومن ورائه المرشدية، كما كان في ولايته الأولى، أي فوقياً ومتحدّياً ذا نبرة عالية وهجومية ومتشدّداً، أم سيخوض ومن وراءه محاولة حوار جدّية مع الغرب تؤمّن المصالح الإيرانية؟
قال: " في تصوّري أنّ إيران، سواء من خلال المرشديّة أو من خلال الحكومة والرئاسة، تحاول أن توحي بالقوة إلى الآخرين، بحيث تملك القدرة على ازعاجهم وإرباكهم. وهذا ما لاحظناه في حركة إيران في العراق ضدّ الأميركيين، وفي أفغانستان وباكستان بما لها من امتداد فيهما، مع الاختلاف بين الموضوع العراقي وغيره. لذلك اضطرت أميركا بين وقت وآخر إلى أن تطلب من إيران الحوار حول العراق لجهة التّهدئة، وكذلك بالنسبة إلى أفغانستان، فيما سمح لإيران بالتدخّل، وحصل الاجتماع بين باكستان وإيران وأفغانستان أخيراً.
وأيضاً هناك الصمود الإيراني في ما يتعلّق بالمشروع النوويّ وإدارة إيران للّعبة السياسية بشكلٍ دقيق. فهي باتت تملك مجلساً للأمن القومي يتمتّع برشد سياسي، ويعرف أصول اللّعبة الدولية. ولذلك اقتنعت أميركاـ أوباما، بأنّه لا يمكن تحقيق أيّ استقرار في المنطقة يتعلّق بالموقع الأميركي وبحلف شمال الأطلسي إلا إذا تمّ التفاهم مع إيران. وقد لاحظنا أنّه رغم تصريحات أوباما، والطريقة التي أدار بها الاتّحاد الأوروبي المسألة الإيرانية بشكل عنيف، فقد لعب أوباما على الألفاظ حين قال آخر الأمر أن لا مشكلة في محاورة إيران. وهكذا بالنسبة إلى العراق، حيث بدأت القضية تتخذ مساراً معيناً.
وإيران بالنّسبة إلى المنطقة دولة عظمى، فهي تمتدّ إلى الهند وروسيا. وفي تصوّري، أن لا مانع لدى الإيرانيين في محاورة أميركا، ولكنّهم يريدون حواراً بالمستوى الذي يحتفظون فيه بموقع القوّة. وسوف يأتي الوقت الذي يمكن حصول حوار فيه بين إيران وأميركا، وخصوصاً عندما نلاحظ أن أميركا بين وقت وآخر تلجم اسرائيل عن التّصريح بأنّها سوف تضرب إيران. إنّ المسألة قد تصل الى نتائج إيجابية تتعلّق بهذه القضية المثارة، وهي الحوار الأميركي ـ الإيراني".
ـ هل يمكن أن "تخربط" إسرائيل الاستقرار الثنائي الأميركي ـ الإيراني للحوار؟
أجاب سماحته: "أشكّ في ذلك، باعتبار أنّ المسألة الإيرانية في هذا الموضوع ليست بسيطةً على الإطلاق، إذ إنّ أيّ عملٍ عسكريّ تقوم به إسرائيل سوف يهزّ المنطقة. وحتى الإيرانيون قالوا: "إذا لم نستقرّ، فلن يكون هناك أحدٌ مستقراً". ولذلك، فإنّ دخول إسرائيل على الخطّ يعني الدخول الأميركيّ، وهذا ما سيعرّض الخليج برمّته للخطر.
ونحن لا ندّعي أنّ إيران ستنتصر على أميركا والعالم، ولكن لا إشكال في أنّ المصالح الأميركيّة والأوروبيّة ستتأثّر بشكلٍ فوق العادة، مع وجود نقطةٍ تتمحور على أنّ إيران تخبّئ ما ليس في الحسبان، فهي لا تريد أن تصنع القنبلة الذرّية، للحوار مع أميركا ربّما، وقد سمعنا من المرشد قبل مدّة أنّه "لو قدّمت إلينا القنبلة الذرّية على طبق لرفضناها".
إنّ الأوروبيين لم ينفتحوا حتى الآن على هذه القضيّة، ولكن في تصوّري، إنّ الحوار الإيراني ـ الأميركي قد ينفتح على هديّة إيرانيّة لأميركا، هي أنّنا لا نريد أن نصنع القنبلة الذرّية المرتبطة بالملفّ النووي".
ـ كيف سيكون تأثير الحوار الأميركي ـ الإيراني المنتِج على الخليج وعلى ما ذكرتموه من دول، مثل أفغانستان وباكستان والهند؟ وفي أيّ مكان تتركّز المصالح الإيرانية، في رأيكم؛ في الجانب العربيّ من الخليج ومحيطه، أم في الجانب الآسيوي من محيط إيران؟
أجاب المرجع الأصوليّ الشيعيّ:
"في تصوّري، إنّ المنطقة العربيّة لا تملك أيّ موقع للقوّة، ولذلك أرى أنّ هذا النّوع من الأحاديث العربيّة عن الخطر الإيراني، ينطلق من الخوف المصطنع من إيران، كما نرى بعض الباحثين والمحلّلين يعتبرون موقف مصر من إسرائيل نابعاً من خوفها منها، وليس من خلال صداقة أو معاهدة صلح، بل لجهة قوّة إسرائيل التي فرضت نفسها على مصر التي تحاول التحرك بهذا الاسلوب من موقع الخوف لا من موقع آخر، ولذلك تخاف أن تترك قضية "حماس" أو "حزب الله" أو غيرهما، ولا تريد أن تترك أي خللٍ يمكن أن تستغلّه إسرائيل للضّغط عليها في هذه الجوانب وغيرها. ربما كان البعض يبرر هذا الانفتاح على إسرائيل بهذه الطريقة. وفي المقابل، نعتقد أن الواقع العربي سوف يضطر إلى أن ينفتح على إيران بطريقة وأخرى، سواء لجهة أخذ العرب عنصر القوةّ الإيراني في الاعتبار، أو لجهة رصدهم مسار الأمور في نهاية المطاف. وصحيح أنّ العرب يملكون بعض عناصر القوّة، ولكنهم لا يحسنون استخدامها، وليست عندهم مشكلة في الانفتاح على من تنفتح أميركا عليه.
أما بالنسبة إلى أفغانستان وما يجاور إيران، فأظن أن التسوية الأميركية في أفغانستان وباكستان، سوف تدخل إيران فيها، تماماً كما هي التسوية بين موسكو وواشنطن بالنسبة إلى القضية الأفغانية ـ الأميركية، أي المتعلّقة بحاجات الجيش الأميركي".
ـ هل تعتقدون أنّ الدّول العربيةّ تخاف من إيران مثلما تخاف من إسرائيل؟ وهل تعتقدون أنّها بسبب هذا الخوف تحاول استخدام السّلاح المذهبي في حربها مع إيران وإخافة العالم العربي كلّه منها؟
الحلقة السّابعة : إيران لا تحتاج إلى وسيطٍ مع الغرب
ـ هل تخاف الدّول العربيّة من إيران مثلما تخاف من إسرائيل؟ وهل تحاول بسبب هذا الخوف استخدام السّلاح المذهبي في حربها مع إيران، وإخافة العالم العربي كلّه منها؟
عن هذين السّؤالين، أجاب المرجع الديني السيّد محمّد حسين فضل الله، فقال:
"أتصوّر أنّ السّلاح المذهبيّ هو سلاحٌ يتطاير في الهواء، وينعكس سلباً على علاقات النّاس بعضهم ببعض، ولكنّه لا يترك أيّ تأثير سياسي، بمعنى أنّه لا يصير عنصر قوّة يترك تأثيره السلبي على القوّة الإيرانية بالنّسبة إلى المنطقة التي يعيشون فيها. وقد استخدم هذا السّلاح الذي أظهرت التجارب أنّه يحرق المنطقة ولا يعود بالخير على أحد، وبالتّالي، فالمفترض أن تتّعظ الدول من تجاربها".
ـ هل تعتقدون أنّ سوريا تستطيع القيام بدور الوسيط بين إيران والغرب، وخصوصاً أميركا، في هذه المرحلة؟
أجاب: "أنا لا أرى المسألة بهذا الحجم. فصحيحٌ أنّ العلاقات السوريّة ـ الإيرانيّة هي علاقات استراتيجية بكلّ ما للكلمة من معنى، ولكنّي أرى أنّ إيران لا تحتاج إلى وسيط".
ـ هل ستجد سوريا نفسها محرجةً في مرحلة من المراحل رغم براعتها واستعادتها موقعها ودورها حيال علاقتها الإيرانية، وهي تقول إنها في حلفٍ استراتيجيّ مع إيران، وإيران تقول إنّ العلاقة استراتيجية لكنها ليست حلفاً. ربما ستجد سوريا نفسها يوماً مضطرّةً إلى الاختيار بين إيران و"أخصامها"، فهل ستقبل إيران أن تكون سوريا معتمدةً عليها دائماً لتنفيذ سياساتها الخاصّة، ولا سيّما في لبنان؟
أجاب: "إنّ مسألة العلاقات السوريّة ـ الإيرانيّة وصلت إلى حدّ التكامل، ولذلك، ليست المسألة أنّ سوريا سوف تعتمد على إيران في قضاياها الحيويّة، لأنّ سوريا تحاول أن تؤكّد استقلالها كبلدٍ عربيّ له تأثيراته في العالم العربيّ، وقضيّة لبنان لا تختصّ أو تنحصر في مسألة العلاقات الإيرانيّة ـ السوريّة، باعتبار أنّ علاقات سوريا بلبنان هي علاقات تاريخيّة وقبل علاقتها بإيران. لكنّ العلاقات سوف تبقى باعتبار الحاجات المتبادلة، ومنها الحاجة السوريّة إلى إيران عسكريّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، والحاجة الإيرانيّة إلى سوريا باعتبار سوريا بلداً عربياً منفتحاً على إيران، وهذا ما اكتشفه الرئيس حافظ الأسد، الذي كان يؤكّد في موقفه خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، أنّه يريد أن يكون هناك أفق إيرانيّ يؤيّد القضايا العربيّة والإسلاميّة".
ـ هل تعتقدون أنّ إيران يمكن أن تضحّي بـ"حزب الله"، وفي أيّ ظرف؟
أجاب المرجع الدينيّ:
"لا يمكن لإيران أن تقدم على أمرٍ كهذا، فهي تريد أن تحافظ على دورها، وأن تكرّس الانطباع بأنّها رائدة وستبقى رائدةً في تبنّيها قضايا التحرير والقضيّة الفلسطينيّة، وخصوصاً أنّ العلاقات بين إيران وإسرائيل خطيرة، وهي على مستوى الخطورة الكبرى. لذلك من الطبيعي أن تكون المقاومة في صلب الموقف الإيراني الداعم للمقاومة في لبنان وفلسطين".
ـ هل يمكن أن ترى في يومٍ من الأيّام علاقات إيرانيّة ـ إسرائيليّة غير خطيرة؟
أجاب: "هناك فرقٌ بين أن نقول إنّ المسألة خطيرة، أو أن نقول إنّها تمرّ بمرحلة من الهدوء".
ـ هل سينجح الرئيس الأميركي باراك أوباما في إيجاد حلّ للموضوع الفلسطيني _ الإسرائيلي؟
أجاب: "أستبعد ذلك، باعتبار أنّ أوباما شخص وليس مؤسّسة. ولعلّنا لاحظنا في البداية، أنّه عندما تحدّث عن حلّ الدولتين، وجاء حديث بنيامين نتنياهو عن دولةٍ لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، وهي أقلّ من الحكم الذاتي، رحّب أوباما بطرح نتنياهو واعتبره مهمّاً، وكذلك الحوارات بين جورج ميتشل وإيهود باراك، تدلّ على أنه يصعب على أوباما التخلص من الضغط الإسرائيلي من خلال الكونغرس وجماعات الضّغط المتعددة، بما فيها اللّوبي الإسرائيلي في الولايات المتّحدة الأميركية".
• هل ستعيد إسرائيل الجولان إلى سوريا؟
أجاب: "من الصّعب أن تفعل ذلك في المستقبل المنظور، ولكن يمكن لتطوّر الأوضاع في المنطقة، وعودة العلاقات السورية ـ الأميركية، أن يحدثا تغييراً في هذا المجال. وقد يحدث ذلك".
ـ كيف ستتطوّر الأوضاع بين سوريا ولبنان؟
أجاب: "إن سوريا لن تتدخّل في لبنان بشكلٍ يوحي بالسّيطرة على الوضع اللّبناني. ولكنّ السؤال هو: كيف سيتعامل اللّبنانيون الذين تعاملوا مع سوريا سابقاً، ومكّنوها من السّيطرة على لبنان؛ كيف سيتعاملون معها؟ فالمشكلة أنّ الكثير من اللّبنانيين، حتّى الذين يتحدّثون عن الخصومة مع سوريا، كانوا عملاء لها. ونحن عندما نتابع مسألة تأليف الحكومة، نجد أنّ اللّبنانيين لا يملكون تأليف حكومة تسمّى حكومة وحدة وطنية إلا بعد اتفاق سعودي ـ سوري، وربما مصري وأميركي".
• هل ستؤلَّف حكومة وحدة وطنيّة في لبنان؟
أجاب المرجع الديني الأصولي:
"نأمل ذلك. ولكن هناك عدم راحة، باعتبار أنّ الكلام المطروح في السّاحة دبلوماسي وسياسي، ولكن في واقع الأمر هناك عقدٌ قوميّةٌ، ومصالح إقليمية ودولية معلنة وغير معلنة".
انتهى
[/align]