قمة الدوحة: القذافي يخطف الأضواء من البشير
rnw
قمة الدوحة: القذافي يخطف الأضواء من البشير
تقرير: عمر الكدي
30-03-2009
يبدو أن الكلمة المرتجلة التي كان العقيد القذافي قد ألقاها في مؤتمر قمة الدوحة، قد أثمرت بسرعة على مصالحة سريعة، بعد أن عقدت قمة ثلاثية ضمت إلى جانب القذافي العاهل السعودي وأمير قطر، ويبدو أن الخلافات العميقة التي استمرت ست سنوات بين السعودية وليبيا قد طويت، وكان العقيد القذافي قد خطف الأضواء من الرئيس السوداني عمر البشير، عندما قاطع رئيس المؤتمر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وشن هجوما وديا على العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، عارضا عليه المصالحة وتبادل الزيارة، بعد العداوة المريرة بينهما. لم تكن كلمة العقيد المرتجلة على جدول الأعمال، وحاول الشيخ حمد بن خليفة ضبط الجلسة طالبا من العقيد القذافي الهدؤ، إلا أن القذافي واصل حديثه، الذي لم يكن وديا بشكل كامل، فقد ذكر العاهل السعودي بالعبارة التي قالها للقذافي، عندما كان وليا للعهد في مؤتمر شرم الشيخ، عندما قاطع كلمة القذافي قائلا له "الكذب من أمامك والقبر وراءك"، وهي العبارة التي كررها القذافي اليوم قائلا "بعد ست سنوات وأنت هارب من المواجهة ثبت فيها إن القبر من أمامك والكذب وراءك، وانك أنت من صنعته بريطانيا وحماتك أمريكا". وقال القذافي "باعتباري قائد أممي وعميد الرؤساء العرب، وملك ملوك إفريقيا وإمام المسلمين فإن مكانتي لا تسمح له بالنزول إلى مستوى آخر". وفي نهاية كلمته عرض القذافي المصالحة مع العاهل السعودي، وطلب منه تبادل الزيارات، وعلى الفور غادر القذافي قاعة المؤتمر، بينما كان أمير قطر يعتذر منه لأنه لم يفهم في البداية مغزى كلمته.
السن بالسن
وكانت إشاعات كثيرة قد راجت في المركز الإعلامي بالدوحة، وخاصة بعد أن شاهد الصحافيون العاهل السعودي يغادر القاعة بعد أن غادرها القذافي، وثمة من قال إن الملك عبد الله غضب من مداخلة القذافي، وأيضا من قال أن العاهل السعودي خرج ليصافح العقيد، ولكن الأخير اختفى بسرعة وسط حراسه ليظهر في المتحف الإسلامي.
وكانت العلاقات بين البلدين قد ساءت بشدة بعد محاولة الاغتيال الفاشلة عام 2004، والتي كانت تستهدف الملك عبد الله عندما كان وليا للعهد، والتي كان يقف وراءها جهاز الأمن الخارجي الليبي، وكانت السلطات السعودية قد ألقت القبض على عميلين ليبيين أحدهما العقيد محمد إسماعيل، قبل أن تطلق سراحهما في فترة لاحقة، كما اعترف عبد الرحمن العمودي، وهو أمريكي من أصل صومالي بتورطه في هذه المحاولة، عقب إلقاء القبض عليه في أحد المطارات الأمريكية، ومعه كمية كبيرة من النقود، قال أن مصدرها ليبيا. وكان حضور العقيد القذافي هذه القمة مؤشرا على أنه سيسعى للمصالحة مع العاهل السعودي، وذلك لأن السعودية هي من يدفع إلى المصالحة بين كافة الفرقاء، وتدعو إلى عدم التصعيد الإعلامي حتى إذا حدثت خلافات، وتأمل أن يخرج العرب من هذه القمة أقل فرقة، وإذا كان القذافي يسعى لعرقلة الجهود السعودية لقاطع القمة، ولسافر إلى القاهرة ليجتمع مع الرئيس مبارك، الذي قاطع بدوره القمة، إلا أن طريقة القذافي في عرض المصالحة على العاهل السعودي لا تخلو من ضربات مبطنة تحت الحزام، فقد أعاد نفس الكلمات التي قالها في حقه العاهل السعودي، وعقب مغادرة القذافي ظهر نشاط دبلوماسي محموم، وهو النشاط الذي نجح أخيرا في ترسيخ المصالحة التي دعا إليها القذافي.
الخروج عن النص
يذكر أن العقيد القذافي عرف بالتزامه في المؤتمرات الإفريقية، وخروجه عن النص في المؤتمرات العربية، منذ أن دخن السيجار في قمة الجزائر، وعندما وضع يده اليمنى في قفاز أبيض ليتحاشى مصافحة الملك الحسن الثاني، ومشادته الكلامية مع العاهل السعودي في شرم الشيخ، وكلمته التي أثارت ضحك الحاضرين في قمة دمشق، أما في قمة بغداد فقد حاول الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وضع حد لتدخلاته المتكررة، قائلا له "ممكن أخ العقيد اذكرنا بالاسم الرسمي لدولتك".
أجواء متفائلة
ووفقا للصحافية الليبية هدى السراري، الموجودة داخل قاعة المؤتمر، التي أكدت على المصالحة الليبية السعودية، فإن العقيد القذافي لم ينسحب من القمة، وإنما لا يزال موجودا في الدوحة، وأنه على طريقته نجح في خطف الأضواء من الرئيس السوداني عمر البشير، الذي كان نجم القمة حتى صباح اليوم، وأن الأجواء في الدوحة متفائلة بإتمام المصالحة العربية، وخاصة بين السعودية وليبيا، بعد أن تمت المصالحة بين السعودية ومصر من جهة، وسورية من جهة أخرى.
قبل كلمة القذافي استقطب الرئيس السوداني الأضواء بحضوره المفاجئ، متحديا محكمة الجنايات الدولية، ومذكرتها الصادرة في حقه، ولكن حضوره إلى الدوحة ليس مثل سفره إلى إرتريا وليبيا، فقد تحصل البشير على دعم القمة العربية له، بما في ذلك الدول العربية الثلاث التي وقعت على معاهدة روما، الخاصة بإنشاء محكمة الجنايات الدولية.
مصالحة شكلية!
وكان الرئيس المصري حسني مبارك أبرز الغائبين عن القمة، التي حضرها سبعة عشر زعيما عربيا، ويبدو أن سبب غياب مبارك يعود إلى خلافات مع قطر التي استضافت القمة، ومثل مصر في هذه القمة، وزير الشئون البرلمانية، مفيد شهاب، الذي صرح بأن مصر لا ترحب بالمصالحات الشكلية، وإنها مع مصالحة حقيقية تتم فيها مناقشة الخلافات بكل شفافية، ولكن حتى الآن لم توضح مصر سبب غياب رئيسها، الذي سبق له مقاطعة قمة دمشق بسبب الخلاف مع سورية، وإن كان المراقبون قد أشاروا إلى أن الخلاف بين مصر وقطر حول الملف الفلسطيني هو الذي جعل الرئيس المصري يقرر عدم الحضور، وكما مثل مصر في تلك القمة بوفد من مستوى أدنى حدث نفس الشيء في قمة الدوحة، وكان المتحدث باسم الخارجية المصرية، حسام زكي قد أوضح للصحافيين، بأن سبب مقاطعة الرئيس مبارك للقمة معروف للأطراف المعنية، دون أن يوضح من هي هذه الأطراف، فهل سيؤدي غياب الرئيس مبارك إلى فشل المصالحة، وهو ما تدعو له السعودية حليفته الأهم؟ وبالتالي سيستفيد من القمة الممانعون، ومن يعتبرون أنفسهم صقور العرب. كما قاطع هذه القمة الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة، الذي شغلته الحملة الانتخابية الرئاسية، وآخر القادمين إلى القمة رئيس الصومال، شريف شيخ أحمد، الذي لم ينجح حتى الآن في إرساء المصالحة في بلده، ليساهم في المصالحة العربية.