الراي العام الكويتية 14-1-2004
واشنطن حائرة في تطويق تبعات تصريحات السيستاني: إمكانية تعديل الخطط للانتخابات أو تأجيل تسليم السلطة
واشنطن ـ من مفيد عبدالرحيم: ذكرت تقارير نقلا عن مصادر مطلعة في واشنطن، إن مسؤولي إدارة الرئيس جورج بوش بدأوا يبحثون خططا لتطويق الأضرار التي ألحقتها تصريحات آية الله العظمى علي السيستاني الأحد الماضي، حول عدم مشروعية الانتخابات إذا ما تمت بالطريقة التي يعمل الأميركيون على عقدها بها، في العراق, واشارت إلى قلق أميركي من جزء آخر في تصريحات المرجع الشيعي المتعلقة بضرورة موافقة العراقيين المنتخبين بصورة حرة على طبيعة وشكل الوجود العسكري الاميركي بعد تسليم السلطة في يونيو المقبل، كما هو مخطط,
وافادت التقارير إن مسؤولي الإدارة عقدوا سلسلة اجتماعات محمومة في واشنطن وبغداد خلال اليومين الماضيين لبحث رفض السيستاني الخطط الأميركية لإجراء الانتخابات على طريقة التجمعات الانتخابية لانتخاب هيئة برلمانية في كل محافظة لتقوم هذه الهيئات لاحقا بانتخاب هيئة حاكمة للعراق ككل، وليس بصورة مباشرة, ويقول المسؤولون الأميركيون، إن الإدارة تعمل الآن على «تعديل» خطط الانتخابات الحالية بحيث يتم فتحها أمام مشاركة عدد أكبر من المواطنين وجعل عملها أكثر شفافية، من دون الموافقة على إجراء انتخابات مباشرة، كما يطالب الزعيم الشيعي.
ورغم التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أميركيين في بغداد، وقلل فيها هؤلاء من أهمية الخلاف مع المرجع الشيعي، فإنهم يعترفون في مجالسهم الداخلية بأن اختلافات السيستاني معهم، هي من الصعوبة بمكان بحيث يصعب التغلب عليها, وكان السيستاني أصدر فتوى الأحد قال فيها إن أعضاء البرلمان الانتقالي الذي يُعتزم انتخابه هذا الصيف يجب اختيارهم عبر انتخابات مباشرة,
وجاءت تلك التصريحات بعد محاولات أميركية مكثفة منذ أكثر من شهرين من أجل تعديل موقف المرجع الشيعي الأعلى وإقناعه بأن إجراء انتخابات موسعة ومباشرة في هذا الوقت ليس أمرا يمكن القيام به لأسباب عملية, ويقول الأميركيون إن من بين هذه الأسباب عدم وجود إحصاء حديث للسكان، كما ليست هناك سجلات انتخابية أو أي شيء آخر يمكن اعتماده للشهادة بديموقراطية هذه الانتخابات لو عقدت في الوضع الحالي,
كما أن المسؤولين يقولون إن الوضع الأمني، خصوصا في المنطقة التي يطلقون عليها «المثلث السني»، لا يسمح بعقد انتخابات واسعة النطاق ومباشرة الآن.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤول رفيع المستوى في الإدارة لم تسمه: «إننا ندفع قدما بخطتنا مع محاولة التصدي لدواعي قلق السيستاني»، مضيفا «أننا نعمل بموجب الخطة نفسها مع محاولة جعلها أكثر انفتاحا وديموقراطية ومشاركة».
وتقول المصادر إن المسؤولين الأميركيين، بعد رفض السيستاني للخطة الأصلية، بدأوا يخططون لعقد لقاءات محلية في المحافظات والمدن العراقية لاختيار مندوبين إلى التجمعات الانتخابية التي ستنتخب بدورها أعضاء البرلمان الانتقالي الجديد, ويأملون في أن يؤدي هذا التعديل إلى المحافظة على الملامح الأصلية للخطة الأميركية من دون تعديلها مع إضفاء طابع أكثر ديموقراطية بحيث تصبح أكثر مقبولية لدى السيستاني وأتباعه.
ورغم التصريحات الأميركية العلنية، فإنه بدا أن واشنطن فوجئت بالطريقة العلنية التي أعلنت فيها تصريحات السيستاني، خصوصا أنها جاءت بعد أسابيع من تلميح المسؤولين الأميركيين بأن رئيس الإدارة المدنية بول بريمر، سيتمكن من إقناع السيستاني بتغيير مواقفه, ويقول بعض هؤلاء إن المفاوضات تمت إعاقتها بسبب عدم قبول السيستاني التحدث مباشرة إلى أي مسؤول أميركي، وهو ما اضطر الأميركيين إلى نقل رسائلهم إلى المرجع الديني وتلقي رسائله منه عبر قنوات عدة.
يُذكر أن السيستاني رفض حتى الآن الاجتماع إلى أي مسؤول أميركي، عسكريا كان ام مدنيا، وهو ما يُفسر على أنه نوع من رفض قبول الاحتلال الأميركي وعدم رغبة في منحه أي مشروعية, ونقلت «التايمز» عن مسؤولين أميركيين إنه تم تبادل رسائل عدة بين السيستاني وبريمر خلال الشهرين الماضيين، لكن «ثلثي هذه الرسائل يتم تبليغها، كما أن الإشارات الواردة إلى الأميركيين منه تبدو مشوشة».
وكان الأميركيون تلقفوا قول السيستاني في وقت سابق الشهر الماضي، إنه إذا كان الأميركيون يقولون إنهم لا يريدون إجراء انتخابات مباشرة بسبب أنها لن تكون «عملية»، فيجب على جهة مستقلة أن تشهد بذلك, واتصل الأميركيون بالأمين العام للأمم المتحدة للقيام بهذا الدور, وتقول التقارير إن انان وجه رسالة الأسبوع الماضي إلى رئيس مجلس الحكم العراقي عدنان الباجه جي، الذي سيزور الأمم المتحدة في وقت لاحق هذا الشهر للاجتماع مع الامين العام,
وتفيد التقارير إن انان أبلغ الباجه جي أن «في حين أنه قد لا يكون من الممكن إجراء الانتخابات في هذا الوقت، فإن من المهم مع ذلك أن تكون هذه العملية شاملة تماما وشفافة».
ونقلت المصادر عن مسؤولين أميركيين، إن الرسالة تم نقلها من الباجه جي إلى السيستاني شخصيا، على أمل أن تقنعه بوجود جهة مستقلة تؤيد الموقف الأميركي, لكن رفض السيستاني للمشروع الأميركي اول من امس، حتى بعد رسالة انان، كان بمثابة رسالة للأميركيين بأن عليهم أن يعملوا على تغيير خططهم.
ونقل عن السناتور جون روكفلر، الذي اطلع على اتصالات الإدارة بالسيستاني، إنه لا يرى أن «أمام الإدارة أي خيار»، في ضوء الوضع الحالي، موصيا بأن تقوم الإدارة بتأجيل موعد نقل السلطة, وقال «إنه لا يبدو أن السيستاني سيغير رأيه، وعليه فإنه يمكن أن يكون علينا أن نغير أسلوب انتخاب التجمعات الانتخابية هذا أو تعديله، وهو أمر أعتقد أنه سيكون من الصعب جدا إنجازه بحلول الثلاثين من يونيو».
ونصح السناتور الأميركي الإدارة بتأجيل موعد تسليم السلطة، إلا أن المسؤولين الأميركيين قالوا إن هذا ليس واردا حاليا.
وفي هذه الأثناء، يعرب المسؤولون عن قلق من جزء آخر من تصريحات السيستاني، وهي تلك التي أشار فيها إلى ضرورة أن يتم التفاوض بين الأميركيين ومجلس حكم «منتخب انتخابا مباشرا» في شأن طبيعة ومدة الوجود العسكري الأميركي بعد تسليم السلطة في يونيو, ويقول المسؤولون إن ذلك سيمثل مشكلة لهم، خصوصا أنهم يريدون الإبقاء على ما يقرب من 100 الف جندي أميركي في العراق حتى بعد ذلك التاريخ، كما أنهم يريدون أن يظل بمقدورهم القيام بنشاطات غير مقيدة في مطارة العناصر المعارضة للوضع الجديد، سواء من أنصار الرئيس المخلوع صدام حسين أو حزب البعث أو الإسلاميين, ويقولون إن التفاوض مع مجلس منتخب حول هذه القضايا مباشرة سيلقي ظلالا من الشك على القدرة على التوصل إلى اتفاق كهذا.
وتقول المصادر إن واشنطن تجابه مشكلة أخرى مع الأكراد في شمال العراق الذي يطالبون بأن تكون المناطق الكردية، المكونة من ثلاث محافظات وربما كركوك أيضا، «ولاية كردية واحدة موحدة» في إطار فيديرالية, ويهدد الأكراد بأنه إذا لم تنصع واشنطن لمطالبهم فإنهم قد يقررون سحب ممثليهم في مجلس الحكم، الذي كانت واشنطن اختارته في مطلع يوليو الماضي، وهو ما سيكون مدعاة إحراج كبير للإدارة.