هذه الحكمة الرائعة " الظلم من كوامن النفوس القوة تبديه والضعف يخفيه " إن كانت منسوبة لفولتير فهي للإمام علي عليه السلام ولابد لفولتير أنه قد أخذها من مصدرها .. وقد كان له إحتكاك بالتراث الشرقي .. فهي موجودة في الف ليلة وليلة بهذا اللفظ " الظلم كمين في النفس القوة تظهره والعجز يخفيه " ودون ذكر قائلها وقد ترجمت الى الفرنسية بعيد ولادة فولتير على يد المستشرق الفرنسي انطوان جالان كما ان احمد بن عبد الكريم الغزي العامري المتوفي عام 1143 هجرية - أي قبل ولادة فولتير - قد أوردها في كتابه " الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث " فنفى أن تكون حديثا نبويا شريفا وعزاها الى حكيم لم يذكر له إسم .. وقد قال المتنبي متأثرا كما عهد عنه بقول الإمام عليه السلام : الظلم من شيم النفوس فإن تجد .. ذا عفة فلعلة لا يظلم .. وعلى أية حال أتفق معك في ما تذهب اليه من أن الخيرين لم يتأثروا بموجات الديكتاتورية والإستبداد ولا بأثير الديمقراطية .. وهؤلاء الخيرين لا تخلو منهم أمة " ولو خليت قلبت " كما يقال ولكن لا مكان لهم اليوم ..
بمن تأثر من قدموا من الخارج وقد بزوا من سبقهم .. حتى صار يقال بأن ما نراه اليوم لم يعرفه العراق من قبل .. مع خصوصية نظام آل المجيد .. الا في ظل عصور الإنحطاط التي كنا نسمع ونقرأ عنها في التأريخ كدولة الخروف الابيض ودولة الخروف الأسود .. هؤلاء ليسوا خارج السياق التأريخي والثقافي للمجتمع وصدام مع تميزة بخواص لم يعرفها أحد لا على مستوى الجغرافيا ولا التأريخ .. لم يكن الا نتاج مجتمع وإن كان بدوره أبدع وأضاف وخلق اجيالا طبعها بطابعه .. كذلك هؤلاء فليسوا غرباء عن مجتمعنا .. فضلا عن ذلك حتى الصالح منهم حينما عاد لم يستطع ان يشكل أكثر من أن يكون قشرة أو غطاء لبنية هي في كل الأحوال إمتداد للفترة التي سبقت .. ناهيك عن أن المعارضة في التسعينات خصوصا وبعد أمرين الأول هو إنتهاء الحرب العراقية - الايرانية بالنتائج التي إنتهت اليها وعجزها عن إنهاء نظام الطاغية صدام وحالة الإحباط التي سادت بعدها وإنهيار المشروع الإسلامي " مشروع تصدير الثورة " وإنكفاء الثورة الى بناء الدولة القومية الإيرانية هذا من ناحية .. وإنتهاء التجرية العقائدية الإشتراكية بإنهيار وإختفاء الدولة السوفيتية وملاحقها الإشتراكية .. لتنتهي أحزاب العقيدة على إختلاف مشاربها ويحل محلها تجمعات المصلحة .. المعارضة العراقية في التسعينات هي غيرها تماما في الثمانينات .. وقد إزدهرت مهنة المعارضة وما تدره من موارد .. وتحول أناس معدمون الى أصحاب أملاك وحسابات .. وصارت الدول تتنافس في إتخام المعارضة بالمال .. وكثر الإنتهازيون وصاروا يحتلون دورا مدعوما بالأموال الخليجية وبعدها الأمريكية .. لهذا لم يكن سلوك هؤلاء في السلطة غريبا عن سلوكهم في المعارضة في العقد الأخير الذي سبق سقوط طاغية العراق .. مع هذا فلو أخذنا الموضوع من زاوية بحثية صرفة غير مسيسة لوجدنا ان الأخلاق والقيم التي أشاعها صدام في المجتمع العراقي لم تقتصر على سلطته فحسب وإنما على معارضته أيضا .. ولا شك وفي كل مرحلة من التأريخ تضيف المجموعة المؤثرة آثارا وتراكمات في السياق العام للمجتمع وتكون لها إبداعاتها الخاصة بها مع أن إنحطاط العراق بدأ مع تولي البعث السلطة وإستمر منذ ذلك اليوم خط الإنحدار وقد جاء خلفاء ذلك العهد الأسود ليواصلوا المسير على نفس المسار الذي سيأخذ العراق نحو المنحدر الى يوم قد نراه بعيدا والعلم عند رب العالمين .. وسلام على أمير المؤمنين وعلى محبيه ..