مقال له علاقة غير مباشرة بالموضوع00
مقال نشر قبل سنة على خلفية تصريحات فضل الله المثيرة حول دور ايران وحزب الله في تحجيمه
----------------------
الـــســـلـــفـــيـــة الـــشـــيـــعـــيـــة ! فضل الله في حوار (mbc)عندما يُقرع الجرس بقوة
حسن المصطفى
بالرغم من كون السيد محمد حسين فضل الله رجل المفاجآت بامتياز، ومطلق الآراء الجريئة و"الانقلابية" على الكثير مما هو سائد ومألوف، وما اعتاده الناس من "مشاغبات" فكرية وفقهية وعقدية تدخل في باب إعادة "القراءة" و"التأويل" للنص الديني، إلا أن ما تحدث به لفضائية mbc حول علاقته بإيران و"حزب الله"، كان مفاجأة لم تكن بالحسبان، بل لم يتخيل كثيرون – إن لم يكن الكل- أن يأتي يوم يتحدث فيه على هذا النحو. في حوار mbc مع فضل الله، نقطتان هامتان، تتعلق الأولى بعلاقته مع إيران والمرجعية الدينية هناك، والثانية، بعلاقته بـ"حزب الله" وما يجري على الساحة اللبنانية، وتحديدا داخل الدائرة "الشيعية". في النقطة الأولى، أشار فضل الله، لما يمكن تسميته بـ"احتكار المرجعية داخل إيران من قبل بعض الجهات"، وبالتالي رفضهم لأي مرجعية تكون في الخارج سواء في العراق أو لبنان، لذا ستندرج مرجعية فضل الله ضمن هذه المرجعيات المرفوضة، لا بالمعنى الشخصي، أو بالمعنى المعنوي – الحب والكراهية- وإنما بالمفهوم السياسي والفكري لهذه المقولة. ما يمكن تسميته بـضرورة كون المرجعية "داخل إيران"، لم تكن فكرة وليدة يومها، بل كانت بوادرها منذ أيام مرجعية الإمام الخميني، إلا أن وجود مرجعية موازية فقهيا وشعبيا كمرجعية آية الله الخوئي، جعلت الفكرة متعذرة وصعبة التطبيق، إلا أنه وبعد رحيل آية الله الخوئي، وجد الكثير من الفقهاء والسياسيين في إيران الجو مهيأ لطرح الفكرة من جديد، خاصة مع وجود مرجعية آية الله الكلبيكاني وما امتلكته من حضور شعبي كبير داخل وخارج إيران، وبعد رحيله مرجعية آية الله الأراكي، وكلاهما من ذات طبقة الخميني والخوئي. أضف لذلك وجود رؤية فقهية دعمها ونظر لها مجموعة من الفقهاء في قم مثل آية الله فاضل لنكراني، تذهب هذه الرؤية لضرورة كون المرجعية داخل إيران، لا خارجها لتصبح أكثر قوة وبسطة في اليد. بعيدا عن كل هذه الجدل الفقهي والفكري للموضوع، فإن ما يهم فيه هو الشق السياسي، والذي تهدف من خلاله بعض التيارات والمجموعات في الداخل الإيراني إلى احتكار وحصر "مراكز القوى"، لتصبح موارد هذه القوى ومقاليدها بيدها. هذا التداخل السياسي، غذاه تعقيد حزبي متجذر، يتعلق بثنائية "حزب الدعوة" وما يمكن تسميتهم بمجموعات "السائرين على نهج الإمام"، وهي مجموعات تنطوي بداخلها على بعض الفصائل الردكالية الإقصائية، قد تصل في بعض ممارساتها لمستوى العنف والتصفية الجسدية في بعض الحالات، كما حدث لبعض المعارضين والصحفيين الإيرانيين. هذه المجموعات الضاغطة، وما تحمله من فكر متشدد التقت أفكارها مع رؤية فقهية شكلت لها غطاء دينيا، ومع رؤية سياسية لدى بعض صناع القرار، جعلت من السهل الترويج للفكرة وتعزيز رسوخيتها. في مرحلة تالية، وبعد أن طرح فضل الله مرجعيته، وأصبح له "مقلدون" في مناطق مختلفة من العالم، جاء من حاول أن يلعب بكل هذه التعقيدات، مضيفا لها المزيد من الإشكاليات التي من شأنها أن تربك وتُشغل مرجعية فضل الله بمعارك هامشية وصغيرة لكنها طاحنة وقادرة على استنزاف الكثير من طاقاته. فتداخلت مصالح مرجعية، تمثلت في رغبة كثير من بطانة بعض المرجعيات في التخلص من مرجعية فضل الله وتقليصها، لأنها ستشكل منافسا لها، وهذه البطانة يهما أن تستأثر بالمرجعية المطلقة، لأن معنى هذا الاستئثار هو مزيد من "الأخماس"، و"المال" و"الطاعة" من قبل المقلِدين، ومزيد حضور شعبي في الشارع الشيعي. بداية التحالف كانت على هذا النحو، وكان من الضروري أن تجمع لذلك كثير من الهمم والقضايا التي تحقق أهدافهم، ولم يكن أفضل من أن يُضرب على وتر "العقيدة"، كونها تلامس مشاعر الناس وتمثل خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه والمساس به. فكانت عملية "النبش" و"التنقيب" و"القراءة المضمرة المستبقة" لكتابات ومقولات فضل الله، لتكون المحصلة النهائية فتاوى بـ"التخوين" و"التضليل" و"ضعف العقيدة" شكلت نواة تشكلٍ جديدٍ وإعادة بعثٍ لما يمكن تسميته بـ"السلفية الشيعية"، وهي سلفية إقصائية عقديا، تقوم على علاقة عمياء بين "الشيخ والمريد" تحركها مصالح مبطنة من جهة، وجهل مركب من جهة أخرى. هذه "السلفية الشيعية"، بدأت تتشكل وتنتظم أكثر ووجدت من موضوعة فضل الله حقلا خصبا لها تعيد من خلاله إنتاج أفكارها. وكان لمحاباة ومصالح بعض الأطراف الإيرانية وسكوت مرجعيات دينية عما حدث خوف "أن تكون فتنة" مغذيا أكبر لهذا التطرف، مما جعله الآن أكثر وقوة، في الوقت الذي كان بالإمكان احتواءه في بداياته. هذه الإشكالية، لم تقتصر على الحوزة في قم وبعض أطرافها، بل امتدت للشارع الشيعي في الخليج ولبنان وكثير من بلدان العالم، ومما جعلها أوسع انتشارا، أن أجهزة المخابرات وجدت فيها مادة دسمة تستطيع من خلالها أن تشغل الساحة الإسلامية وتغتال فضل الله معنويا بعد أن فشلت في تصفيته جسديا. على المستوى الثاني، فيما يتعلق بلبنان والعلاقة مع "حزب الله"، يتشابه المشهد اللبناني في كثير من مفرداته مع المشهد الإيراني، فهنالك جناح بداخل "حزب الله" – وهو الذي أشار له فضل الله في حديثه- يبدي تعصبا لمرجعية آية الله خامنئ، ولا يقبل بأي مرجعية سواها، وخصوصا مرجعية فضل الله كونها في داخل لبنان، إضافة لوجود عدد من مناصري الحزب أو بعض المنتمين له يقفون من فضل الله موقفا عقديا سلبيا، ويمارس جزء آخر توزيع المناشير والفتاوى التي تصدر من بعض الأطراف في قم –آية الله ميرزا جواد تبريزي وحاشيته- ضد فضل الله. إن خطأ إيران، أنها لم تقدر حساباتها بشكل جيد، وخافت من أن يسبب تحركها ضد بعض الأطراف في قم فتنة في الحوزة العلمية، وتعاملت مع الموضوع دون حزم، فيما كان من الصحيح أن يغلق ملف "التضليل والتفسيق" منذ بداياته. هذا التعامل يطرح سؤالا عن مدى صدق النوايا لدى بعض المسؤولين الإيرانيين تجاه فضل الله، وهل صحيح أن التدخل في الموضوع كان من شأنه أن يسبب فتنة؟. ربما يمكن القول إن مقولة "الفتنة" تتضمن مبالغة كبيرة، كون إيران تعاملت بحزم مع مرجعيات سابقة، أقوى من مرجعية آية الله جواد تبريزي التي تقود الحملة ضد فضل الله. فالراحل آية الله شريعة مداري، كان من الطبقة الأولى مرجعيا، وكان له ملايين المقلدين، ومع هذا تعامل معه النظام بحزم، وكذلك آيات الله: حسن القمي، وصادق الروحاني، وحسين علي منتظري.... مع ملاحظة أن آية تبريزي، ليس له حضور الأسماء السابقة، كما أن الحوار معه واحتواء المسالة كان ممكنا وبشكل هادئ وودي. في لبنان، كان لوجود السيد حسن نصر الله والشيخ نعيم قاسم دور في عدم زج "حزب الله" كفصيل سياسي في التصادم مع فضل الله، لكن التنظيم الذي يمنع محازبيه من حمل السلاح، ويحرر الجنوب دون ضربة كفٍ واحدة لعناصر جيش لبنان الجنوبي "لحد" وأهالي المناطق المحررة، بإمكانه أن يمنع بعض المنضوين تحته وبعض محازبيه من توزيع المنشورات وإطلاق المواقف السلبية ضد فضل الله. وبإمكان "الحزب" الذي قبل بالتعددية السياسية والطائفية أن يقبل بالتعددية الدينية والمرجعية، إلا إذا كان هناك ما يشبه لعبة "الجزرة والعصا"، و"يد تصافح وأخرى تصفع"!!. رغم كل هذه التعقيدات السابقة، كان فضل الله طوال الفترة السابقة هادئا في مواقفه، ولم يحاول أن يتناول أي جهة بالتنكيل أو المثل. لكنه هذه المرة خرج عما اعتاد عليه، وتخطى "الخط الأحمر" بجرأة وصراحة، فما هو السبب الذي جعله يقوم بذلك، ولماذا الآن؟. للإجابة على ذلك يمكن وضع الاحتمالات التالية: 1- إن فضل الله ليس خارج المنظومة "البشرية" وهو إنسان له طاقته على التحمل والصبر. وما يواجهه من حملات التشهير والتفسيق، ربما أفقدته صبره وجعلته يخرج عن صمته. لكن هذا الرأي يفقد رجاحته، كون الحملات كانت أشد في فترات سابقة، وهو اعتاد عليها، ويمتلك موقفا بعدم الدخول فيها وتصعيدها. 2- قرب ضرب "العراق" والإطاحة بنظام صدام، وبالتالي عودة وهج المرجعية لمدينة "النجف"، وفضل الله حاول أن يستبق الحدث، ويرجح من كفة النجف قبالة قم، خاصة وأنه يرى في قم بعضا من السلبيات التي ربما لا تكون موجودة في النجف. هذا الرأي أيضا لا يمكن التعويل عليه، كون العراق فضلا عن النجف سيحتاج لفترة طويلة جدا كي يتعافي، هذا إذا قدر له أن يستقر، وإذا لم تندلع نزاعات داخلية وإقليمية تكون لبداية حالٍ من عدم استقرار طويل الأمد. 3- قد يكون هذا التصريح محاولة لوضع حد لما يجري، وبالون "اختبار" وجرس "إنذار" للإيرانيين و"حزب الله" كون المسألة تعدت المعقول، وأثارت العديد من الفتن، وجرت كثيرا من التعقيدات. وآن الأوان لأن يتدخل الطرفان لحلها، وإلا فإنهما سيفقدان سندا مهما لهما يتمثل بمرجعيته وشخصه، مخيرا بينه وبين المناوئين له من جهة ثانية. 4- وجهة النظر الرابعة، تتداخل مع سابقتها، وترتكز على محاولة فضل الله أن يقرع الجرس وبقوة، وأن يقول رأيه وبصوت مرتفع، انطلاقا من مبدأ "الصدمة" الذي يؤمن به. ويريد فضل الله من ذلك أن يحذر من خطر "السلفية الشيعية" ومن يوجهها من منتفعين وأميين، لأنها بلغت مدى لا يمكن السكوت عليه، معلنا أنه لن يكون الضحية الوحيدة، بل جميع المتنورين والمصلحين، وهو الأمر الذي إذا حصل سيكون انتكاسة للفكر الشيعي. ربما لام الكثير فضل الله على تصريحاته، كونه صبر طول الفترات السابقة، وكونه الطرف الأكثر وعيا، خاصة في هذه الظروف الدولية الحساسة والمعقدة، والحال الحرجة التي تعيشها الدول والحركات الإسلامية العامة من استهداف أمريكي يصبو لتصفيتها. لكن الأهم – من كل هذا العتب المتبادل- أن تتعامل الأطراف المعنية بجدية مع هذه التصريحات، لأن مزيدا من التداعي لن يكون في مصلحة الجميع.