قراءة أولية في سيناريو إعادة نشاط "جيش المهدي"
قراءة أولية في سيناريو إعادة نشاط "جيش المهدي"
[align=center]كتابات - د. رافع الطرفي[/align]
المتابع لحراك وتصريحات بعض القادة المتشددين في التيار الصدري ينبأ بما لا يحمد عقباه ولا شك ان أياما عصيبة تنتظر العراق والعراقيين .. فالتيار الصدري، ومنذ ان صعد من لهجته غير المنضبطة اتجاه الحكومة وافتعل التعرض لها بالنقد غير المبرر في خطوة استباقية لمنع تولي "المالكي" لولاية ثانية بدأت الإحداث تبدو على النحو الذي يكشف عن وجود مخطط تجري حياكة خيوطه في الجوار الإقليمي لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي وسنعطي تحليلا لمجريات الأمور على وفق واقع معطيات ما تمر به العملية السياسية قبل تشكل الحكومة القادمة :-
فشل الرهان الانتخابي :
كنا قد اشرنا في مقالة سابقة كيف ان الدور الأمريكي فشل في إتمام صفقة مشروع إيصال البعثييين إلى واجهة السلطة وكيف أجهزت المحكمة الاتحادية على مشروع أحقية القائمة الأكثر عددا في تولي مسؤولية تشكيل الحكومة، والتي عملت قوى خارجية كبيرة وعديدة على توفير الموارد المالية الضخمة لتعزيز وتنفيذ سيناريوهات إيصال عناصر البعث في القائمة العراقية إلى سدة الحكم، الآمر الذي يسهل للأمريكان من بعده، إعادة ترسيم مخططاتهم في العراق على ضوءه ، بعد ان أقفلت إمامها كل الأبواب بإمكانية البقاء على أراضيه محكومة باتفاقية الانسحاب والموعد المحدد والثابت لإجلاء قواتها منها ، والذي سيحرج إدارة "أوباما" في حال تلكئه والتنصل عن تنفيذه، لاسيما وان الرسالة الانتخابية لحملته الانتخابية اعتمدت على مصاديق الالتزام بمواعيد الانسحاب والتي استحوذ "أوباما" بموجبها على ثقة أصوات الناخب الأمريكي والتملص من هذا الالتزام سيغير قناعته بتقبل أطروحات حكومته.. طالما ان هذا الاحتلال ستخرج منه القيادة العسكرية الأمريكية خالية الوفاض بلا مشاريع إستراتيجية، كالقواعد العسكرية أو مشاريع الاستثمار أو معاهدات تضمن لهم التحكم بزمام الإرادة الوطنية وهو ما تفعله دوما في البلدان التي تحتلها وطالما تحقق لها ذلك في عدة مواطن ....
كما ان الأمريكان يدركون جيدا ان مسالة انسحابهم من العراق من دون تولي السلطة في العراق حكومة قوية تستطيع ان تقود العراق بمعزل عن وجودها في أراضيه وبعيدا عن التدخلات الخارجية ،سيبقي أبوابه مفتحة لتنفيذ سيناريوهات تعدها مختلف الجهات وسيبقي إيران تصول وتجول على ارض العراق وهي صاحبة اكبر قدر من السيطرة على العملية السياسية بفعل أحزاب متعاونة معها ناهيك عن جوار عربي يتخذ من الساحة العراقية مشروعا للمزايدات والتفاوض مع أمريكيا من خلاله وأبرزها السعودية التي لا تريد لقوى شيعية استلام مقاليد السلطة في العراق وبذلت من المال والجهد التخريبي ما يكفي لتحقيق ذلك ،و سوريا التي ما انفكت هي الممثل الشرعي للقوى البعثية والداعم القوي لمشروع عودتهم للسلطة وبتحكمها بهذا المخطط يجعلها تتمسك بورقة تفاوض تلعب بها في الضغط على أمريكيا لإخراجها من دوامة العزلة الدولية التي تشهدها لاسيما وأنها متورطة في العمق اللبناني ودخول تركيا على الخط بأجندة خاصة سيعقد الامور اكثر...
والمراقب للإحداث يلحظ تصاعد وتيرة سبك السيناريوهات المعدة للعراق والمترتبة على هذا الانسحاب وهو ما يجعلنا نثبت القراءة التالية:-
- ليس من مصلحة إيران التخلي عن مشروع التدخل في العراق في هذه المرحلة التي تشهد فيها تصعيدا دوليا ضد سياستها النووية ، وبالتالي فان وجود ورقة ضغط على الإدارة الأمريكية نواتها العراق سيجعلها قادرة على المناورة لعرقلة عملية إخراج الولايات الأمريكية من مستنقعها في العراق وسيكون معقول جدا تصور قبول الأمريكان بإبقاء ظهير لإيران في العمق العراقي مقابل تراخيها في "حلحلة" مشروعها النووي الذي يبقي الأبواب مفتحة على أي احتمال مستقبلا في المواجهة مع الأمريكان لكن تبرز إمامها إشكالية تتعلق بحليفها الاستراتيجي في العراق فقد أصبحت إيران بعد نتائج الانتخابات الأخيرة في موقف يتطلب منها إعادة ترتيب أوضاع القوى الساندة لها بعد أفول هيمنة المجلس الأعلى على الساحة العراقية، وتوالي انكساراته في جولتين انتخابيتين يصبح معها من المتعذر إبقاءه حليفا قادرا على الوقوف ندا للمشروع الأمريكي من هنا برز الدور الإيراني في إعادة ترتيب أوضاعه داخل المشهد السياسي في العراق على ضوء مستجداته الراهنة ، تحتاج بموجبه إلى بديل نوعي يحضا بجماهيرية قوية ، حليف شرس لا يدخر جهدا في إشعال فتيل الأزمات وقت ما أريد لها ، حليف لديه من نقاط الضعف ما يجعل إيران قادرة على فرض أملاءاتها ومطالبها عليه وتسيره وفق إرادة التهديد والوعيد من هنا يبرز التيار الصدري عنوانا واضحا لهذا البديل الذي تتفق كل معطياته على القبول به مشروعا لحليف جديد .. فبالإضافة إلى ورقة مذكرة الاعتقال الصادرة بحق زعيم التيار السيد مقتدى الصدر والتي تثبت مصادر التحقيق ان جريمة اغتيال نجل المرجع الديني الإمام الخوئي كانت بإشراف مباشر وبتحريض من السيد مقتدى نفسه ،الآمر الذي جعل الرجل يدرك جيدا ان وجوده في العراق مهدد بالاعتقال فلجأ إلى إيران التي رحبت بهذا اللجوء لتمارس فعلها المستقبلي من وراءه بالإضافة إلى ان التيار الصدري لا يجد في أي مشروع أو جهة أخرى باستثناء إيران داعما ومساندا لجيشه وتمويله بالمال والعتاد وهو ما لا يستطيع التيار إخفاءه آو إنكاره لأنه ان فعل ، فهو يدلل على التصريح بوجود تمويل آخر لا يريد الصدر يون التورط في الإشهار به ..
كل هذه المعطيات سترجح تحليلنا ان إيران هي من يقف وراء إثارة وتحريض التيار الصدري ورسم مسار حراكه وخاصة في الآونة الأخيرة التي أدركت فيه ان"المالكي" لن يسهل قضية تمرير مشاريعها في العراق ولن يكون مشروعا طوعيا لأجنداتها ناهيك عن انهيار قوة ومكانة الظهير والحليف التاريخي وهو المجلس الأعلى في الشارع العراقي ، ومن جانب آخر، بروز التيار العروبي وتصاعد حظوظ القوى العلمانية والقوى الليبرالية والإسلاميين المعتدلين في خارطة نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، كل ذلك سيوفر الأرضية الكاملة أمام الشعب الإيراني للمضي بالمشروع الإصلاحي الذي بدأت قوى كثيرة من داخل إيران المناداة به وبدأت تتصاعد وتائره يوما اثر يوم.
والنتيجة ان إيران تقف في مواجهة هذا التحدي وبالتالي هي تحتاج إلى خلط الأوراق وابتكار الأزمات لعرقلة المشروع الوطني الذي بدأت بوادره واضحة في العراق خاصة وهي تتوجس خيفة من أي احتمال لتقارب القائمتان الكبيرتان ، دولة القانون والعراقية والدخول في حلف لتشكيل الحكومة القادمة .
لذا هي تجد في سيناريو إعادة جيش المهدي إلى الواجهة مجددا فرصة ثمينة لخلط الأوراق لتفويت الفرصة أمام الأمريكان في تحقيق إستراتيجية الانسحاب المريح لقواتها بوحي الانتصار لا الهزيمة مستفيدة من تأخر المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات وعرقلة تشكيل حكومة شراكة وطنية يجد فيها الإسلاميون أنفسهم بمصاف العلمانيين والليبراليين يمضون في تنفيذ مشروع الحكومة المقبلة وهو نفس المناخ الذي ستصحو إيران عليه يوما لتجده قد تحقق في مناخاها السياسي أيضا، وهو ما لا ترغب فيه الأقطاب المتشددة في إيران وبالتالي فان إرسال جيش المهدي في هذا التوقيت وإعادة قياداته إلى العراق بعد ان استكملت تدريب سراياه الخطرة ( الفرقة الذهبية ) وإرسالها إلى العراق بدعوة من السيد مقتدى له ما يبرره في هذه المرحلة ، وما الانتشار الأخير لهذه العناصر في شوارع بغداد كما أفادت الأخبار من هناك بحجة دعم الحالة الأمنية فيها إلا دليلا قاطعا على ما نذهب أليه....
كما يجعلنا نتردد من قبول حقيقة ان من يقف وراء الإحداث الأخيرة في العراق ليس القاعدة وعناصر البعث فحسب كما هو معلن في الإعلام ، بل أجندات إيرانية تركب الموجة لإكمال سيناريو إعادة جيش المهدي إلى الساحة العراقية وهو ما سيجعل الأيام القادمة على مستوى من الخطورة إذا لم يتم الانتباه إلى هذا المخطط الخطير، الآمر الذي يدفعنا لمطالبة القوى الوطنية للاصطفاف بقوة وتناسي هوامش الخلاف والاختلاف بالرأي والإسراع لتشكيل حكومة شراكة وطنية تتمثل بتحالف استراتيجي بين مختلف القوى الفائزة شريطة ان تشذب عناصر الضعف والخلاف من داخلها ، والعمل على توحيد رؤى الإطراف السياسية المختلفة لتغليب المصالح الوطنية وتفويت الفرصة على تنفيذ سيناريو سيكون من أسوء المخططات وأخطرها في تاريخ العراق السياسي ويجعل من الحكمة إرسال إشارة تحذير إلى القيادات الواعية في التيار الصدري لتجنب الوقوع في +الفخ الإيراني مجددا !!