أضحوكة العالم المثالي / رواية / ح31
أضحوكة العالم المثالي / رواية / ح31
كتابات - حسين كاظم الزاملي
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
(نبارك لكل مضطهد ومظلوم من أبناء شعبنا إعدام طاغية العصر.)
ضحك الضابط ، ضحك كثيرا ، قال وهو يضحك.
ــ هل تسخر مني أيها العجوز القذر ، أين كان هذا السجن اللعين؟.
ــ لا أدري سيدي ولكن كان في صحراء طويلة جدا ليس لها نهاية.
ضحك مرة أخرى ، قال .
ــ هل نحن في سيناريو فيلم مرعب؟.
ــ لا يا سيدي ولكن هذه هي الحقيقة .
قال بغضب.
ــ أي حقيقة يا مجنون، أنا ضابط برتبة رائد وأخي عميد في أمن الموصل وكل أصدقائي مراتب ولم اسمع بهذا الصرح المزعوم ، كم سنة سجنت هناك ؟.
ــ واحد وعشرون عام.
ــ كم ؟.
ــ واحد وعشرون عام.
راح الضابط يتأمل في إبراهيم وهو يرتجف وأسنانه تصطك من البرد والخوف وكان إبراهيم قد بدأ يسمع صراخ أحد السجناء فزداد ارتجاف جسده وكان الضابط يلاحظ أن جسم إبراهيم مليء بالبقع السوداء بقع لا تنتهي من رقبته حتى ألاماكن التي يخفيها السروال ، ومع أن أثار السلك الكهربائي طغت على جسده إلا أن البقع يمكن ملاحظتها ، فكر أن هذا العجوز ربما يكون مجنون وأنهم قد أذوه دون مبرر، سأله.
ــ ما هذه البقع السوداء التي تملأ جسدك ؟.
ــ سيدي إنها النفاضة البشرية.
صاح بصوت فظ وقاسي جدا.
ــ ماذا ؟.
ــ ألنفاضة البشرية.
ــ لماذا تتكلم بلغة لا افهمها.
ــ سيدي لا أدري ، ربما لأنني جئت من عالم مختلف.
قال الضابط بهدوء.
ــ تبدو لي أنك رجل مثقف ولكن أحيانا اشعر أنك مجنون.
ــ سيدي المجنون لا يشعر بنفسه مجنونا ، أنه يرى أن كل الناس مجانين ، أتدري لماذا .
أخذه السعال مرة أخرى ، ولكنه لم يتقيأ هذه المرة ، قال الضابط وهو يبتسم وإبراهيم ما زال يرتجف والسجين ما زال يصرخ بقوة وجسد إبراهيم يزداد ارتجاف كلما ازداد صراخ السجين.
ــ نعم أكمل ، لماذا ؟.
ــ سيدي لأنه يعيش عالمه ، عالمه الخاص جدا، لو دخلت إلى عالمه لحكمت على ما حولك مثله تماما ،إنه تنوع المناخ ، إنك تقول لا يوجد الصرح الكبير بينما أنا أنهيت واحد وعشرون عاما فيه ، ماذا لو كل الذين أراهم مستقبلا يقولون ذلك ، مؤكد سيحكمون علي إنني مجنون وأحكم عليم أنهم يجهلون ذلك المكان.
ــ أيهم أكبر الصرح الكبير أم أبو غريب ؟.
ــ سيدي لم أرى سجن أبو غريب، ولكن أعتقد أن الصرح اكبر بكثير.
ــ وعلى ماذا بنيت اعتقادك؟.
ــ سيدي كنا نراه كبيرا جدا حينما نخرج للأشغال في الشقوق.
ــ وهل كنتم تخرجون للأشغال؟.
ــ نعم سيدي.
ــ ما رأيك بصفحة الغدر والخيانة؟.
ــ ماذا قلت سيدي ؟.
ــ صفحة الغدر والخيانة ألم تسمع بها ، ما رأيك بها وهل للإيرانيين دخل بشعل فتيلها؟.
ــ سيدي لم أسمع بها.
ــ أيعقل انك لم تسمع بها؟.
ــ نعم سيدي لم أسمع بها.
ــ هل كنتم مقطوعين عن العالم الخارجي؟.
ــ نعم سيدي لا نسمع ولا نرى ولا نتكلم هذا هو شعار من يدخل الصرح .
ــ من أوصلك إلى هنا؟.
ــ سيدي شاحنة الخضار ، سائقها من بابل أنزلني هنا وذهب إلى أهله وأعطاني بعض النقود؟.
هز الضابط رأسه وهو ينظر إليه ، لاحت له البقع السوداء مرة أخرى، قال.
ــ لم تقل لي ماذا تعني النفاضة البشرية ؟.
ــ سيدي ممنوع علي أن أتكلم بهذه الأمور.
ــ من منعك؟.
ــ السيد عدي خليفة أمر السجن، وهو الذي وقع كتاب إطلاق السراح ، قال لي إياك أن تتكلم بكلمة واحدة عما يجري هنا و إلا أرجعناك إلى هنا هكذا قال لي وهو يضع يده بيدي ويودعني.
ــ ودعك أيضا يبدو انه كان يحبك.
ضحك الضابط وقال للجندي الذي كان واقفا وبيده القماشة السوداء منتظرا أن يتقيأ إبراهيم.
ــ اذهبوا بهذا المجنون إلى الغرفة ودعوه يرتدي ملابسه ولا تضربوه حتى نرحله إلى مديرية الأمن.
ـ 34 ـ
مرت على إبراهيم ثلاثة أيام في مركز الفدائيين وفي تلك الغرفة العارية من إي فراش والباردة جدا ، كان ينام واضعا رأسه فوق يده وكانت ما تزال برودة الماء الذي القوه عليه في التحقيق تدب في بدنه وكذلك الآم السلك الكهربائي ، وكانت الغرفة قد امتلأت تماما، بحيث أن الزاوية التي كان يجلس فيها إبراهيم وحده ويمد رجليه كيف ما يشاء شاركه بها الآن أربعة متراصين تماما ، أراد إبراهيم ذات مرة أن يعد السجناء إلا إنه لم يفلح ، ذلك لأن السجناء كانوا يتحركون بكثرة، منهم من وقف قرب الباب واضعا أذنه على الباب وكأنه يريد أن يستمع لشيء ما وكان لا يوجد أي صوت غير صيحات السجناء الذين يأخذونهم إلى التحقيق ، هذه الصيحات يمكن أن تسمع بوضوح ، ومنهم من كان يتمشى لخطوات ومنهم من جلبوه من التحقيق قريبا وهو يئن وحده وهناك صبية يبكون ، أخر مرة بلغ في حسابه وهو يعدهم إلى الأربعين ثم فتح أحد الجنود الباب فحدثت حركة سريعة وتقافز السجناء فتاه عليه الحساب ، وكانوا يخرجونهم على شكل وجبات إلى المراحيض ، كل وجبة بها خمسة سجناء وكانوا لا يقيدون السجناء حين يخرجونهم من الغرفة.
لم يذق إبراهيم طعم النوم في تلك الأيام الثلاثة ، وكان إذا أراد أن ينام على يمينه ألمته الجراح التي تركها السلك الكهربائي وهكذا كان يقضي الليل كله يتقلب يمينا وشمالا على تلك الأرض الباردة جدا والتي عبدت بالاسمنت وكان يقول في نفسه ( إذا لم استطع النوم هنا أيعقل أن أستطيع النوم في مديرية الأمن ، لا يعقل هذا ) ، ثم تذكر خديجة على نحو السرعة وتبعثرت أفكاره
حينما دخل الجنود يحملون سجينا وكان شابا في مقتبل العمر ، كانوا يحملونه في بطانية صفراء اللون رثة جدا وكان يرتدي ذلك السجين بنطلون أسود وقميص ذات مربعات بنفسجية قد مزق تماما وكانت سترته قد رميت في الغرفة قبل نصف ساعة ، وراح الحرس ينظف بها بعض بقع الدم التي تقع من السجناء أثناء الاستجواب داخل الغرفة، وكانت يده اليمنى قد كسرت من المرفق وهو يصيح من الألم ، كان إبراهيم متكأ في الزاوية واضعا يديه بين ركبته يراقب ما حوله بهدوء وهناك عجوز أخر قد نام واضعا رأسه على متن إبراهيم الأيمن دون أن يصدر أي شخير وإبراهيم يتحاشى الحركة خشية أن يستيقظ العجوز من نومه وكانوا قد أخذوه إلى التحقيق عصرا وفي ذات اليوم الذي اخذوا به إبراهيم ، وكان إبراهيم يقول في نفسه ( أول مرة أرى عجوزا ينام دون أن يصدر شخيرا ) ألا إن العجوز فتح عينيه ببطء حينما دخل الجنود وهم يحملون ذلك الشاب إذ إنهم صرخوا أول ما دخلوا ( ابتعدوا عن الباب أيها الحيوانات ) حينها صاح الجندي الذي كان يحمل مجموعة من الأوراق بيده ، صاح .
ــ منعم سوادي علي ؟.
وهو أخر شخص لم يذهب إلى التحقيق
ــ نعم .
ــ اقترب هيا تعال .
يتبع إنشاء الله.....
أضحوكة العالم المثالي - رحلة الضحايا والمظلومين في عهد الطاغيه صدام
أضحوكة العالم المثالي / رواية / ح32
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
(نبارك لكل مضطهد ومظلوم من أبناء شعبنا إعدام طاغية العصر.)
35 ـ
في هذا الصباح كانت صحيفة الجمهورية قد نشرت خبرا مفاده إن البطاقة التموين الغذائي والتي تملكها كل عائلة وعلى موجبها تعطى العائلة حسب عددها بعض الحصص الغذائية ذات السعر المنخفض ، إن البطاقة الخاصة بعائلة السيد الرئيس قد فقدت فعلى من يعثر عليها تسليما إلى اقرب مؤسسة حكومية ويقول الخبر ان السيد الرئيس إذا لم يحصل على مثل هذه البطاقة ستحرم عائلته من حصتها الشهرية وستتعرض إلى الجوع خلال هذا الشهر ونقلت الصحيفة كذلك إن السيد الرئيس لا يملك إلا بذلة واحدة وكذلك زوجته ولو كان يملك بذلتين لباعة واحدة لكي يشتري بها طحين وبعض مستلزمات الحياة ، كان الضابط المكلف بنقل السجناء من المركز يطالع ذلك ، يطالعه بحسرة وتأسي على عائلة السيد الرئيس وهو يشاهد كيف يتم إخراج السجناء وذلك بضربهم بأعمدة حديدية حتى بوابة العجلة الصغيرة جدا والتي يمكن لها أن تقل خمسة عشرة سجينا في أحسن حالاتها إلا أنهم في هذا الصباح وضعوا بها خمسة وثلاثون سجينا وكان الضابط قد أطلق سراح بعض السجناء لسبب أو لأخر فبقى هذا العدد الذي توجهت به العجلة في حدود الساعة الثامنة وعشر دقائق من صبيحة اليوم الرابع إلى مديرية الأمن والتي تقع على يسار الشارع الرئيسي حينما تتوجه من المدينة قاصدا الكوفة وكانت البناية الجديدة للمديرية مكونة من ثلاثة طوابق وأجزاء أخرى كالسجن الذي يقع في المؤخرة ، وكان للمديرية باب خلفي خاص بدخول وخروج عجلات السجناء وهناك باب أمامي خاص بدخول وخروج رجال المديرية أو لمراجعة الموطنين التي هي قليلة وشحيحة كشحة الماء الذي يجري في نهر الفرات في هذا الصباح ، وكانت تحفها أشجار الكالبتوز الكبيرة جدا وذات اللون الأصفر ، وكعادة البنايات الحكومية هنا وهناك لا بد من صورة كبير للسيد الرئيس وشعارات تتناغم مع طبيعة عمل المؤسسة فمثلا يمكن لك أن تقرأ تحت الصورة التي تصدرت واجهة بناية مديرية الزراعة وكان بها السيد الرئيس يعمل مع بعض الفلاحين والفلاحات وهو يحمل منجلا كبير ( أن النفط قد ينتهي في يوم ما ولكن الزراعة لا تنتهي لأنها باقية ما بقى الإنسان ، وبما إننا بلد زراعي إذا لنولي جل اهتمامانا على الزراعة) ، وكانت صورة السيد الرئيس الخاصة بمديرية الأمن تتوسط الجدار المطل على الشارع العام وكان بها مبتسما وكتب تحتها بخط أحمر (رجال الأمن عيون ساهرة لحماية شعبنا العزيز من مكائد الأعداء ).
دخلت العجلة من الخلف أي من الباب التي يقع مباشرة على شارع فرعي ويوجه مباشرة حي الغدير ، وكان السجناء كأنهم كتلة واحدة ولم يشعروا أنهم دخلوا المديرية إلا حينما توقفت العجلة وفتحت الأبواب وكان معظمهم يتمنى لو تنقلب السيارة فيموتوا وكان هناك العشرات من الشرطة الأمنيين يحملون هراوات وأعمدة خشبية ، كل سجين ينزل من العجلة يأخذونه ضربا إلى الزنزانات القريبة جدا من المكان الذي توقفت فيه العجلة.
دخل إبراهيم إلى الزنزانة وكان قد تعثر فوقع مما جعلهم يضربوه أكثر من غيره إلا انه وصل إلى الزنزانة وكان يركض وكأنه في ريعان شبابه وكان عليه أن يركض كالغزال لأن الشرطة كانوا يتسابقون في ضرب السجناء على أي مكان وكأنهم أمروا أن يقتلوا هؤلاء ، وضعوا معه في الزنزانة خمسة سجناء ثلاثة من القدامى واثنان كانا معه في مركز الفدائيين دخلا بعد أن دخل إبراهيم مباشرة ، قعد في الزاوية كعادته وراح ينظر إلى كل ما هو موجود في الزنزانة ، أنه منظر مألوف بالنسبة لإبراهيم ، سجناء قدامى شاحبين الوجوه ونظراتهم مليئة بالتساؤلات والحيرة يجلسون متباعدين عن بعضهم وكان احدهم يتمشى ، بطانيات نتنة ورائحتها تشم من خارج الزنزانة ، جدران فارغة إلا من بعض الكتابات الصغيرة المنزوية في الأركان ( الجماهير دائما أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة ) ، هذه الكلمة يتذكرها إبراهيم جيدا فقد قراءها في أحدى زنزانات الصرح ذات مرة وكانت غير هذه فهناك زيادة وقد حفظها إبراهيم ، حفظها جيدا ، كانت الكتابة التي قراها في يوم ما في الصرح ( الجماهير دائما أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة وقد تضعف لكنها لن تستسلم) و كانت الكلمة تلك جنب إبراهيم تماما قرائها وهو جالس مع انه لا يقرأ إلا حين تكون الكلمات قريبة منه ، مرة به فكرة هذه الكلمة تمنى لو يعرف قائلها إلا إنه سرعان ما وجد نفسه يفكر في أشياء أخرى ، مثلا فكر في المرحاض قال في نفسه ( لا يوجد مرحاض في الزنزانة كما هو في الصرح ، ربما سيخرجوننا إلى خارج الزنزانة وهذا سيكون مؤلما جدا لأنهم مؤكد سيضربوننا بقسوة ) الباب صبغت بلون رمادي غامق وكأنها طليت قبل ايام وهي تشبه إلى حد بعيد أبواب الزنزانات في الصرح من حيث البوابة الصغيرة المتحركة والتي يمكن أن يرمى الطعام من خلالها ، هي مغلقة دوما ، تفتح أحيانا للسؤال والاستفسار من السجناء عن أسمائهم ، رآها إبراهيم فتذكر كيف كانت هناك ، كانت تغلق لأي سبب تافه ، أحيانا تغلق عام كامل وكان إبراهيم يقول يوم كان في الصرح كيف يعرفون الجنود الذين لم يشهدوا الحادثة إن عقاب هذه الغرفة هو غلق الباب الصغيرة عام ولم يكن يدري أن هناك كارت صغير يعلق جنب الباب مكتوب به كلمة عقوبة ثم كلمة عام أو عام ونصف أو نصف عام وموقعة من رئيس الصرح وبها تأريخ بدأ العقوبة وكان الجندي الذي يعطي الأرزاق أو يفتح الباب لأي سبب يقرأ ذلك فيغلقها ويمضي ، مسك رقبته من الخلف وراح يدلكها بيمينه وهو مغمض العينين فقد تعرضت إلى ضربة قاتله ، قال في نفسه ( كل يوم سيخرجوننا إلى المرحاض وهناك سيضربوننا ، كم سأبقى هنا يا ترى ، لا، أعتقد إن الآمرلا يستحق الأعوام ، ربما شهور ، هذا في أسوء الحالات ، سيتصلون بقيادة الصرح ) صمت قليلا وهو يبتسم ثم أردف وهو يضع رأسه بين ركبتيه ( ولكن هنا يجهلون الصرح يقول لي ذلك الضابط ، إنه رائد وأخوه ضابط كبير وكل أصدقائه ضباط كبار ولم يسمع كلمة الصرح ، أيعقل إنني كنت أحلم ، واحد وعشرون عاما من المرارة والحرمان والخوف كلها حلم ، وإذا كان الصرح حلم فوجودي هنا ماذا يسمى ، لا ادري والله لا ادري ، لعلي أجد هنا من يعرف شيء عن الصرح ، ذلك الشاب الصغير لا يعني نهاية المطاف ، لو بت في المقبرة مع الموتى لكان خير لي والله أن المقبرة أأمن مكان في المدينة ، الله كم كان جميلا لو بت مع الموتى ، لو بت هناك لكنت ألان مع ابنتي وخديجة ، ربما كنا قد خرجنا إلى بساتين دجلة ، وكنت قد بدأت اشرح قصتي ، نعم لابد لسحر وخديجة من معرفة قصتي ، سأقول لها حينما أراها وهي تغفو في حضني وأنا العب في شعرها ، كان قصيرا جدا ، ربما هو الآن طويل وجميل ، سأقول لها أن أباك رأى من العجائب ما لا ترينه في ألف ليلة وليلة ، سأقص عليها كيف كان يمضي الليل وينتهي النهار، لقد كنت مخطئا حينما جاءتني فكرة المبيت في المقبرة وطردتها ، كنت غبيا حينما طردتها ، إلى متى تبقى يا إبراهيم ترتكب الأخطاء ، أما آن الوقت لتصحو ، أجلس من غفلتك أيها المجنون أما ترى إلى أي نقطة وصل العراق ، ما عاد هناك مجال لان يخطأ أمثالي ) رفع رأسه ينظر في وجوه السجناء ، قال له احدهم ، من القدامى وليس من الذين جاءوا معه.
ــ ما بك أيها الأستاذ ، لماذا أنت مطرق ؟.
قال إبراهيم .
ــ لا شيء يا بني.
قال ذلك بنبرة حزينة ، قال الشاب .
ــ هل أذوك في المركز؟.
ــ لا اعتقد أن الأمر طبيعي ، نحن يجب أن نُضرب وهم يجب أن يضربوا ، حينما يكون هناك قانون يحكم الحالة ، فلا عجب من ذلك.
ــ ولكن يجب أن يغير القانون .
ــ القانون لا يغير لابد من ضارب ومضروب قاتل ومقتول ولكن تقصد أن يكون تبادل في الأمكنة والناس والنظريات .
نهض ذلك الشاب وراح يدنو من إبراهيم حتى جلس أمامه راح يبتسم في وجه ، قال.
ــ ما هي قضيتك؟.
أجابه ولكن بعد لحظات من الصمت والتأمل في جدران الغرفة.
ــ قضيتي هي إنني لم استوعب التجربة ، لو استوعبتها لما كنت هنا الآن.
ــ أراك متعب جدا ووجهك اصفر كأنك كنت مع الموتى وخرجت، هل هذا صحيح يا رعد ألا تنظر إلى وجه الأستاذ .. لم تخبرني عن أسمك ما هو أسمك؟.
ــ إبراهيم.
ــ اسمي حمزة وهذا صديقي رعد وهذا صاحب ، نحن هنا منذ شهر ونصف وأنتم ما هي أسمائكم.
أنتبها الشابان اللذان دخلا مع إبراهيم وكانا صامتين خائفين منذ أن دخلا وحتى تكلم معهم ذلك الشاب ، قال أحدهم بصوت متقطع.
ــ جابر.
وأردف الأخر بذات النبرة.
ــ محمد.
أعاد عينيه إلى إبراهيم بعد أن كان ينظر إلى السجينين وهما يتكلمان ، قال.
ــ يقولون إنني مشارك في الغوغاء وكذلك هؤلاء ، لم نعترف ولكن أحد الشرطة قال سينقلوننا إلى الرضوانية ، تعرف إذا نقلونا إلى ..
قطع حديثه وقفز ليضرب صرصرا كبيرا كان قد خرج من ثقب في الجدار الذي يتكأ عليه إبراهيم ، جلس ، ولم يجلس في مكانه بل غيره حيث جلس على يمين إبراهيم وكان يجلس أمامه قبل ذلك ، قال بعد أن استقر في جلسته.
ــ كل يوم اقتل مئة صرصر لعين هذا ونحن في الشتاء فكم اقتل في الصيف ، سيقطعوننا إربا إربا ، هناك لا يوجد شيء أسمه الرحمة ، سمعت من صديق لي إن الحرس الخاص هناك يتراهنون على قنينة خمر أو ليلة مع ساقطة وذلك بضرب السجين بعمود على رأسه أو بصخرة كبيرة .
يتبع إنشاء الله.....
أضحوكة العالم المثالي/ رواية - ح33//(نأسف لحدوث التأخير في نشر حلقات الرواية
أضحوكة العالم المثالي/ رواية - ح33
كتابات - حسين كاظم الزاملي
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
(نأسف لحدوث التأخير في نشر حلقات الرواية)
صمت قليلا ثم أردف.
ــ هل تعلم كيف ذلك ، أنا سأقول لك ، يضعون سجينين على الأرض هكذا.
ومد الشاب جسمه على الأرض ، ثم قال .
ــ هكذا نعم هكذا ويأتون بالمتراهنين فيقول أحدهم للأخر بكم من الضربات تقتل هذا القرد ، هناك يسموننا قرود ، لا تتضجروا من هذه التسمية أيها الأخوة الأعزاء ، هناك نظرية تقول إن أجدادنا القدامى جدا كانوا قرود .
ضحك الشاب وهو ينطق بالكلمات الأخيرة ، راح يكمل .
ــ فيقول له صاحبه بضربة أنا اقتل هذا القرد ثم يقول الثاني بضربتين اقتل هذا القرد ، فيضربونهم على رؤوسهم ، كلٌ يضرب القرد الذي إختاره حينها يذهب الخاسر بالجماعة إلى الملهى ليخسر الرهان هناك.
قال أحد السجناء القدامى.
ــ لقد خسرنا المعركة وعلينا تحمل ضريبية ذلك ، إنها ضريبة قاسية جدا ولكن علينا ان نقتنع بذلك ، لي شقيق تم اعتقاله واعتقد انه أعدم مع الذين أعدموا في فندق السلام.
قال إبراهيم بنبرة واطئة.
ــ ولماذا في رأيك خسرتم المعركة.
ــ لم تكن لدينا أي قيادة ، كنا لا نعرف ماذا نصنع.
ــ حينما كنت مسجونا هناك ، كنت أسمع عن رجال دين ثوريين يقودون الناس ، يا ترى ألم يشاركوا معكم ، حسب علمي أن الدين يحرك الناس نحو التحرر .
ضحك صاحب وشاطره رعد بينما لا يزال حمزة جالسا قرب إبراهيم قال وهو ينهض.
ــ نعم كانوا هنا ، ولكنهم ماتوا ، كلهم ماتوا لم يبقى منهم أحد ، قتلهم سكوت هؤلاء الذين سكتوا عنا في شعبان ، هؤلاء الرجال الذين تتحدث عنهم لو كانوا معنا لما حدث هذا ولما أغتصبت أخواتنا أمام أعيننا ، لا يوجد أحد منهم وحتى أولئك الذين في الخارج ، كانوا يزعقون قادمون قادمون ولم يأتي أحد منهم ، لابد ان نحاكمهم في يوم ما وذلك لأنهم خذلوا شعبهم .
هز إبراهيم رأسه ، كان يفكر في كلمات ذلك الشاب ، كان يتكلم بحرقة وأحيانا تخرج من عينيه بعض الدموع ، تذكر أنه التقى في زنزانات الصرح عدد كثير من رجال الدين وقد سمع في يوم ما أحد الجنود يحدث جنديا من الحرس يقول له ( أخذته إلى ممر الرعب ) وبعد عام تقريبا عرف إبراهيم ان ذلك الممر كان مخصص لرجال الدين الثوريين ، خصصه شمران في أول عام أتى به إلى الصرح ، قال في نفسه ( تذكرتهم الآن ، ألله كم كانوا رائعين ، كانوا يهونون علينا الصعاب ، الشيخ عارف ، سيد محمد ، نعم تذكرته جيدا الآن ، كان يقول دوما لا ينبغي على العالم الرباني ان يسكت على الظالم وهو يراه يسلب قوت الفقراء ويبدد ثروات الشعب ويسفك الدماء ويستحل الفروج ، ولو سكت ذلك العالم يكون أشد عقابا عند الله من الظالم نفسه ، على العالم الرباني أن يتكلم وإلا فليس بعالم وعليه يقع وزر من يضل بسكوته وتقاعسه ) تبسم إبراهيم في نفسه ، صمت قليلا ثم أردف قال ومازال الحديث في روحه ( يرحمك الله يا سيد محمد ، لقد ذكرني هذا الشاب بك لقد مر سنوات كثيرة وراح كثير مما كنت أتذكر ، يرحمكم الله جميعا اعتقد ان شمران أجهز عليكم ).
صاح الشاب .
ــ إيه أيها العجوز أين ذهبت؟.
قال إبراهيم وهو يبتسم.
ــ لا ، لازلت معكم ولكن من الحكمة ان لا نتكلم هنا في مثل هذه الكلمات وبصوت مرتفع.
قال الشاب.
ــ لا توجد لاقطات إنهم زرعوا الشوراع والبيوت بلاقطات بشرية فهم لا يحتاجون إلى هذا الشيء ، في كل بيت هناك لا قطة تنقل الأخبار ، إنهم يعلمون بكل شيء عنك ، حتى يعلمون كم ذبابة دخلت بيتك ، إنهم يعرفون كل شيء عنا ، لقد واجهوني بحقائق لا يعرفها إلا المقربون من أصدقائي.
صمت ، أطرق قليلا وهو يمسح قطرات دمع من عينيه ، حرك رأسه بتأسي ، قال بنبرة شجية جدا.
ــ لماذا أخاف لقد اعتقلوا شقيقاتي وكنت هاربا في الصحراء ، واحدة لا يتجاوز عمرها الرابعة عشر ، تصور أربعة عشرة.
صمت وهو ينظر في وجوه السجناء حيث تحركت أجسامهم عن غير شعور، وكان ثمة حرس بدئوا يدخلون في الممر ويمكن سماع أصوات أحذيتهم بوضوح وكذلك أصوات المفاتيح تتراقص في أيدي أحدهم حيث راحوا يفتحون الباب الصغيرة لأول زنزانة في الممر.
ـ 36 ـ
قال جندي الذي فتح البوابة الصغيرة ونظر في وجوه السجناء وكانت حوالي خمس ساعات قد مرت على وجودهم في المديرية .
ــ من فيكم إبراهيم رشاد ذ النون .
ــ نعم سيدي
ــ أقترب ، أقترب ، أفتح الباب ، هذا هنا.
حينما كان الجنود يفتحون الباب في المركز كان إبراهيم يقف دون شعور ولما أعاب عليه السجناء ذلك قال لهم ممتعضا.
ــ أنكم لا تفهمون أي شيء.
وحتى هنا ، أي في مديرية الأمن قال ذلك لمن أعاب علي النهوض ، قال لهم ( إنني أعرف ماذا اصنع الرجاء لا تتدخلوا في هذا الموضوع ) ، سأله أحدهم وهو الذي قص ماذا يمكن أن يحدث في الرضوانية والذي تحدث عن اعتقال شقيقاته.
ــ لماذا يكون الشاب أشجع من العجوز ؟.
قال له إبراهيم وهو يبتسم.
ــ هذا ليس ثابتا عندي ولكن على أي حال حينما تكون عجوزا ستفهم ذلك ، أن كثيرا من الأسئلة أجوبتها لا تكمن في الكلمات وإنما في الزمن ، لو يدخل الزمن كعامل رئيسي في تفكيرنا لحلت كثير من مشاكلنا ، ومنها هذا الالتباس أيهم أشجع الشاب أم العجوز مع أنني رأيت شيبة أشجع بكثير من بعض الشباب ، أعتقد أن الموضوع لا يتعلق بالعمر بقدر تعلقه على خلفيات متعددة ينبغي أن تؤخذ بنظر الأعتبار.
لم تكن هناك مسافة شاسعة بين السجن والطوابق الثلاثة حيث ضباط والتحقيق ، كانت هناك فسحة صغيرة بحجم كرة الطائرة مرتين ، يستعرض فيها الجنود صباحا ومساءا وحيث يقام التعداد الصباحي والذي يشرف عليه بعض الضباط الكبار ، وأحيانا يمرح بها الجنود وذلك بأن يلعبوا كرة القدم أو الطائرة عصرا حينما لا يكون هناك إنذار وهي معبدة بالإسفلت وعليها تقع فتحات التهوية الصغيرة لخمسة عشر زنزانة من بينها كانت زنزانة إبراهيم ورقمها ستة ، إما الخمس عشرة الأخرى فتقع على مكشوفة ترابية عرضها ثلاثة أمتار يحيطها سياج بارتفاع أربعة أمتار وضعت فوقه على نحو المتر أسلاك شائكة ، وكان بعض السجناء الجريئين جدا يصعدون ، أحدهم على ظهر الأخر ليروا من خلال الكوة ماذا في الخارج ولكنهم لم يكن باستطاعتهم أن يروا أي شيء .
كل سجين يخرج يقيد إلى الوراء وتعصب عينيه ثم يقوده جندي إلى الأعلى حيث يجلس مقدم رأفت ونقيب كريم وهما يشرفان على الملف السياسي في هذه المديرية ، حينما وصل أجلسوه في أحدى الأبواب ، كان إبراهيم لا يرى أي شيء ، أي شيء ، لأنه كان معصب العينين ، لقد تسارعت نبضات قلبه ليس بسبب السلم الطويل ولكن بسبب الصراخ الذي كان ابراهيم قد بدأ بسماعه منذ أن وضع قدمه على السلم وكان الجندي بين لحظة وأخرى يفشر عليه ويطلب منه الإسراع.
ــ إنهض أيها العجوز هيا إنهض.
نهض إبراهيم وسار عدة خطوات ثم استدار به الجندي إلى اليمين حيث أدخله إلى غرفة أحس إبراهيم إنها كانت دافئة جدا ، قال الجندي الذي أدخل إبراهيم.
ــ سيدي هذا إبراهيم رشاد ذ النون.
ــ طيب افتح عينيه وحول قيده إلى الإمام .
ــ نعم سيدي.
يتبع إنشاء الله.....