من هو زيد الشهيد ؟ في ذكرى استشهاده
هو زيد بن علي زين العابدين بن الامام الحسين سيد الشهداء عليهم السلام .يقع مزار ومقام الشهيد على مسافة (7) كم من مفرق طريق الكفل قرب الكوفة.ولد سنة 79هـ في مدينة الرسول (ص) ولما بشر به الامام علي بن الحسين زين العابدين (ع) اخذ القرآن متفائلا به فخرجت الاية الكريمة (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة ) فطبق المصحف وفتحه ثانية فخرجت الاية الكريمة ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون ) وطبق المصحف مرة اخرى وفتحه ثالثة فخرجت الاية(وفضل الله المجاهدين على القاعدين درجة) فبهر الامام وراح يقول (عزيت عن هذا المولود وانه من الشهداء) .وقد تنبأ الامام السجاد (ع) بشهادته واحاط الصحابة علما بها , وعن جابر (رض) عن ابي جعفر الباقر (ع) قال: قال رسول الله (ص) ((يقتل رجل من اهل بيتي فيصلب , ولا ترى الجنة عين رأت عورته)).لقد نشأ زيد في بيت النبوة والرسالة واغترف من علوم آبائه واجداده , ولازم اخاه الامام الباقر (ع) منذ نعومة اظفاره فكان له الاثر الكبير في تكوين شخصيته وسلوكه ,فكان في هديه يضارع هدي سلفه الطاهر, تعلم القرآن في سنيه الاولى واصبح متضاعا به وفقيها وهو في سن مبكرة , توفي ابوه وهو في الرابعة عشر من عمره فتعهده اخوه الباقر (ع) تدريسا وتوجيها فزوده بالفقه والحديث والتفسير حتى اصبح من علماء عصره البارزين , ويقول زيد عن نفسه (والله ما خرجت ولا قمت مقامي هذا حتى قرأت القرآن واتقنت الفرائض واحكمت السنة والادب وعرفت التاويل وكما عرفت التنزيل وفهمت الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والخاص والعام وما تحتاج اليه الامة في دينها مما لابد منه ولا غنى عنه واني على بينة من ربي ) وعندما اطلق رسول الله (ص) الحديث الشريف (يأتي زيد واصحابه يوم القيامة يتخطون رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير حساب ), انما كان صلوات الله عليه وآله يرسم مجدا عظيما لحفيده الثائر الكبير زيد بن علي .
وعن جده الامام علي (ع) قال : (سيكون منا رجل اسمه زيد يخرج فيقتل فلا يبقى في السماء ملك كقرب ولا نبي مرسل إلا تلقى روحه يرفعه الى كل سماء , يبعث هو واصحابه يتخطون رقاب الناس فيقال هؤلاء دعاة الحق ..) اما الامام الصادق (ع) فيقول (كان عمي زيد عالما صادقا ولم يدع الى نفسه وإنما دعى الى الرضا من آل محمد (ص) ولو ظفر لوفا بما دعى اليه وقد خرج الى سلطان مجتمع لينقذه )..وحينما ثار زيد (رض) انما رأى منكرا اراد تغييره فخرج داعيا الى الله , خرج وقد امتلئت نفسه حماسا وعزما وكان بحق يطلب الرضا لأهل البيت ويطالب بكرامة الناس وتحريرهم من قيود العبودية والهوان , وقد اعلن شرارة الثورة ايام هشام بن عبد الملك الاموي . في كلمة خالدة اصبحت شعارا للثوار (ما كره قوم حر السيوف الا ذلوا)وعندما حدد زيد يوم الاربعاء اول ليلة صفر /122هـ موعدا لانطلاق حركته كان يدرك مشروعية نهضته واتساع ومساندة كبار الشخصيات الاسلامية لها وانجذاب اهل العلم والفقه والتقوى لها فقد اعلن امام المذهب الحنفي الامام ابو حنيفة النعمان بن ثابت سنة 150هـ مساندته لثورة زيد وامده بعشرة الآف درهم من ماله الخاص ليتقوى به وبعد ان بايع الناس زيدا وسمع ابو حنيفة بذلك قال (ضاهى خروج رسول الله يوم بدر ) وقد سانده ايضا من الاتقياء : زبيد الإمامي وهلال بن حباب قاضي المدائن وعثمان بن عمير ابو اليقظان , ويحيى بن دينار الواسطي وغيرهم.يقول الاصفهاني في مقاتل الطالبيين (وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون اليه ويبايعون , حتى احصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من اهل الكوفة خاصة , سوى المدائن وواسط والموصل وخرسان والري وجرجان ..)وكان من جملة الذين اتبعوا زيدا خلق كثير من الاشراف والعلماء ودارت المعركة بينه وبين الامويين بقيادة يوسف بن عمر الثقفي امير العراقيين من قبل الشام , فأنهزم اصحاب زيد ولم يبق معه الا قليل منهم فقاتلهم اشد قتال , وحال المساء بين الفريقين .قال الشيخ ابو زهرة في كتابه (الامام زيد ): (وتقدم زيد عترة النبي وحفيده علي الى الميدان ومعه عدد دون عدد اهل بدر او نحوه , وجيش عدوه كثيف قوي يجيئه المدد في كل وقت , وقاتل بهذا العدد القليل في الحساب , ولكنه كان اقوى قي اليدان , راجح الكفة في الميدان فأقتتلوا وهزموا جناح جيش الامويين , وقتلوا منهم اكثر من سبعين رجلا وعجز العدو بكثرته عن قتال اولئك المؤمنين الصابرين بالسيف , فأستعان جيش الامويين بالرمي يرمون بسهامهم اصحاب زيد (رض) , ولم ينالوا منهم الا بالسهام , ونال زيد سهم في جبهته , وعن انتزاعه كانت منيته , وبذلك لم يستطيعوا ان ينالوا منه الا بالطريقة التي نالوا بها جده الحسين (ع) , لان احفاد علي لا يلاقيهم احد الا صرعوه , ولقد كان صنيع هشام في جثته هو عين صنيع يزيد وابن زياد في جده الحسين (ع) , فقد مثل بجثته , بعد ان دفن , ولقد كان ابنه يحيى حريصا على ان يدفن اباه بحيث لا يعلم بموضعه احد , فدفنه في ساقية وردمها ووضع عليها النبات لكي لا يعلم احد بمكان جثمانه الطاهر , لكن احد الذين عرفوا ذلك انبئوا الامويين , فارتكبوا اثما كبيرا فوق آثامهم نبشوا القبر , واخرجوا الجثمان الطاهر ومثلوا به ونصبوه بكناسة الكوفة بأمر هشام بن عبد الملك .بعد ذلك قطعوا رأسه وصلبوه على خشبة وبقي خمس سنوات مصلوبا عريانا الى ان جاء الوليد بن يزيد , فكتب الى عامله بالكوفة ان احرق زيدا واذر رماده , ففعل واذرى رماده على شاطيء الفرات وكانت العنكبوت تنسج على عورته فتسترها , وكان جنود الامويين يهتكون النسيج بالرماح فأذا جاء الليل عادت العنكبوت الى النسيج وعادوا هم في الصباح الى الهتك .. وكانت الخشبة تضيء في الليل فيسير الركبان على ضؤها وكانت تفوح منه رائحة المسك , وكان الناس يؤمون خشبة زيد للتبرك , قال ابن تيمية في منهاج السنة ,لما صلب زيد كان اهل الكوفة يأتون الخشبة ليلا يتعبدون عنها ..., وكان تاريخ استشهاده سنة 122هـ وعمره (42) سنة .ومن الخير ان نقتطف بعض الكلام للشيخ ابي زهرة من كتابه (الامام زيد) حينما قال استشهد زيد في المعركة ومات في الميدان , وفي مشتجر السيوف ومرمى السهام فمات شجاعا حرا ابيا لم يرض بالدنية في دينه , ولم يرض بأن يرى باطلا يرتفع وحقا ينخفض وسنة تموت وبدعة تحيا وشرعا يهدم وظلما يقوم , لم يرض بأن يرى استبدادا يرهق النفوس , فملت ذلك الموت الكريم الذي ارتضاه لنفسه ودينه , ونال الدرجة الرفيعة التي لا ينالها الا الصديقون , والشهداء المقربون , ولكن في النفس حسرة بل ان نفس المؤمن لتذهب حسرات على عترة الرسول وما نزل بهم ولا ندري لماذا كتب في لوحه المحفوض وفي قدره المقدور ان يكون هذا مآل الذين يطالبون بالحق من ابنائ الحسنين (عليهما السلام )وهما سيدا شباب اهل الجنة كما جاء في الحديث الشريف عن الرسول الكريم .. وان العقل ليلتمس في ذلك عبرة يعتبر بها ولا يجد في ذلك الا ان يضرب المثل للاستشهاد في سبيل الحق والنطق بكلمة الحق , لقد قال النبي الكريم (ص)(سيد الشهداء عمي الحمزة بن عبد المطلب , ورجل قال كلمة حق امام سلطان جائر )ولقد ضرب الله سبحانه مثلا في الاستشهاد يقتدى بهويهتدى بنوره في هؤلاء الابرار لقد فدوا الاسلام بأنفسهم والحق بأرواحهم وكان حقا على كل مؤمن ان يطالب بما يطالبون به ويقول كلمة الحق في كل مقام وحسبه ان ينال شرف الشهادة كهؤلاء )انتهى كلام ابو زهرة .ومن هنا لا قبر لويد ... حيث احرق الجسد ونثر في الهواء , ولكن له مقام ومزار ... اما روحه فهي حية لا تموت بل تعطي وتحرك وتورق وتثمر جهادا وفداء وصبرا في مواجهة التحديات.
https://fbcdn-sphotos-c-a.akamaihd.n...200011c5023a47