http://store2.up-00.com/2014-11/1416689289651.jpg
http://store1.up-00.com/2014-11/1416688880381.jpg
في العالم الإسلامي هناك سرد للتاريخ و ليس هناك فقه للتاريخ بل و هناك محاولات مستميتة تبذلها بعض المدارس الفكرية القديمة و الحديثة على حد سواء للتعمية على هذا التاريخ و تقديمه للناس بصورة انتقائية تقتصر على إبراز مناطق الروعة و الجمال التي تخدم أصحاب تلك النظريات و الأطروحات. آخر هذه المحاولات لطمس الحقيقة هو ما أقدم عليه (أزهرنا المبجل) (رمضان 1424 الموافق نوفمبر 2003) من حذف فقرات كاملة من مسلسل عمرو بن العاص المسمى (برجل الأقدار) تلك الفقرات المتعلقة بالتحكيم و ما أطلق عليه الفتنة الكبرى أي فتنة و أي كبرى لا أحد يعلم أو يمكن له أن يعطيك تعريفا لهذه الكلمات وكل ما يقدر عليه هؤلاء السادة هو إطلاق تلك التهويمات عن الفتنة والمصلحة و عدم تفريق الأمة من خلال الحفاظ على الصورة (المضيئة) لمن قاموا بتمزيق الأمة بعد أن مزقوا كل القيم و أولها حرمة كتاب الله العزيز و قدسية التحاكم إليه يوم أن حملوه على أسنة الرماح ثم داسوه بالأقدام.
كان من المفترض أن يقوم المسلسل (بتحسين) صورة الرجل و لكن يبدو أن الحقيقة كانت أقوى من محاولات تحسين الصورة فاضطر القوم إلى استخدام مقص القداسة الوهمية الشهير.
و كان أن قامت الدنيا و لم تقعد و كتب من كتب في صحافتنا قائلا (لا يجوز التعتيم على جزء مهم من تاريخنا الإسلامي و لا يصح تضليل و تجهيل المشاهدين... تجديد الخطاب الديني يحتاج إلى المصارحة و المكاشفة و لا بد من إعادة النظر في موقف الأزهر من تاريخ الصحابة).
إذا فهناك إصرار على ذلك الطمس و تلك التعمية.... لماذا يخاف هؤلاء من فتح الملفات؟ الإجابة معلومة لأن فتح الملفات يهدم الكثير من النظريات و يغلق الكثير من الدكاكين و البنايات و خاصة تلك التي اعتمدت المدرسة الرسمية في قراءة التاريخ مدرسة توزيع القداسة بالجملة و كيل المدائح بلا قيد و لا شرط و لا ضابط و لا رابط و خاصة لأولئك الذين لا يستحقونها و على الجانب الآخر هناك مدرسة وقفت موقفا نقديا من قراءة التاريخ و لكنها لم تطور تلك القراءة لاستخلاص النتائج الفكرية و الفقهية المترتبة على تلك المواقف و الأزمات العصيبة التي عاشتها الأمة الإسلامية و التي تشكل من دون أدنى شك حصيلة تجارب الأمة كنزها الحقيقي ذلك الرصيد الذي كونته من عذابات وتضحيات وشهادات تلك الكوكبة الرسالية المؤمنة من رعيلها الأول و نعني بكل تأكيد أولئك العظماء الذين يجهلهم و يتجاهلهم خطباء المنابر و محدثي إذاعة القرآن الكريم أو إذا مروا على ذكر واحد منهم مروا مرور الكرام عمار بن ياسر و أبي ذر الغفاري و كميل بن زياد ومالك الأشتر و محمد بن أبي بكر و حجر بن عدي الكندي أولئك الأبطال الحقيقيون الذي حاولوا الإبقاء على دولة الحق دولة الإمام علي عليه السلام متواصلة و لكن التيار الانحرافي الأموي اجتاحهم و اجتاح تلك الدولة فلم يكتب لها البقاء أكثر من خمس سنوات و لكن الحق أبقى و سيبقى فقد نجح أن يقدم الكثير و الكثير من الدروس التي نحرص على تقديمها في صورتها الإيجابية لا في صورتها البكائية السلبية.
ليس بنا حرص على المشاركة في مواكب البكاء على الحق الضائع و إن كان البكاء -و ربما ما هو أكثر من البكاء- حقا لأن احتياجاتنا الفعلية تتخطى البكاء و تحتم على البعض أن ينحوا عواطفهم حتى حين و أن يجمدوا دموعهم في مآقيهم لفترة من الوقت و أن يقوموا بالتصدي لاحتياجات الأمة الإسلامية المتعددة سواء كانت احتياجات نفسية و عاطفية و هي مطلب حيوي أو جهادية من خلال بذل الروح و النفس في ساحات الجهاد المقدس أو لتلبية احتياجاتها الفكرية و السياسية و قطع الطريق على المتفيهيقين من أدعياء المعرفة الذين يفسدون في الأرض و لا يصلحون و الذين يعتقدون أن الطريق أصبح ممهدا لهم على طريقة التجار الذين باعوا مليون قطعة من بضاعتهم الفاسدة و يتوهمون أن بإمكانهم رفع مبيعاتهم إلى مليوني قطعة و ربما عشرة ملايين لأنهم نجحوا في عقد بعض صفقات و الحصول على بعض توكيلات من هنا و هناك.
اللهم لا ذا و لا ذاك فهناك أحفاد محمد عليه و على آله أفضل الصلاة و أتم السلام و هناك أولياء علي قادرون على إيقاف ذلك المد الانحرافي التزويري وإفساد تلك الصفقات.
(اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله و بيناته).
دكتور أحمد راسم النفي
المنصور مصر
نوفمبر 2003 _ رمضان 1424
إضغط وأقرأ ...