في ذكرى إنتفاضة الصـدر المقدس.....17-3
[align=center]بسمه تعالى[/align]
الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين
لعدة قرون ، قُدّرَ للعراق أن يقبع تحت نير التخلف والجهل من جهة ، والاستبداد والطغيان السلطوي من جهة أخرى...تخلف وظلامية حاولت أن تسلب الإنسان كل شيء حتى كرامته وإنسانيته... وسلطات قمعية توالت على حكم بلاد الرافدين أحرقت الحرث والنسل وجعلت أهلها شيعاً يقتِّلُ بعضهم بعضا،ويظلم بعضهم بعضا ، وكان أن استولت العصابة البعثية على مقاليد الحكم في العراق ، فعاثت في الأرض فسادا ، وأهلكت الحرث والنسل ، وأدخلت البلاد والعباد في متاهات الحروب والقتل الجماعي ، واكتظت السجون بأحرار العراق ، ذُبِحَ ابناءه ، واستُحيَت نساءه ، وظل العراق غارقاً في بحر من الدماء ، وتوالت قوافل الشهداء تشكو الى بارئها ظلم الهدام اللعين وزبانيته الطلقاء ، وتواطؤ الدول الاستعمارية الكبرى ومن تسمي نفسها بالدول الاسلامية ، وتهاون وسكوت من كان يرجى منهم أن لا يقرّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ...
ولما آلت الأمور في النهاية الى أن يواجه حسين عصره (السيد الشهيد محمد باقر الصدر ) الطغمة البعثية بنفسه ، أقدم الهدام اللعين على قتل هذا المفكر العظيم والمرجع الرسالي ليضيف الى سجل جرائمه ما لا تمحيه حوادث التاريخ على مر العصور..
وباستشهاد السيد الشهيد الصدر الأول (رض) أستتب الأمر لحكومة الطلقاء من آل الهدام اللعين ، فرفعوا شعارهم سيء الصيت (لا شيعة بعد اليوم) و غطى العراق صمت رهيب وسكون مرير وفقد الغيارى من أبناءه الأمل في أن تنجلي سحب الهموم والظلام عن قائد رسالي يقود العباد الى التخلص من أئمة الشر والطغيان...
ولكن اللطف الإلهي تدارك العراقيين في نهاية المطاف...
محمد محمد صادق الصدر.....صدرٌ آخر مزق الصمت القاتل وأنبرى بسيف جده أمير المؤمنين ليحق الحق ويزهق الباطل....
محمد الصدر ، وحده من يحمل هموم المسلمين عامة والعراقيين خاصة....
محمد الصدر، وحده من يشعر بثقل المسؤولية الرسالية التي تشرف بها سيد الخلق محمد (ص) وحمّلها أمانة في أعناق الأمناء على البلاد والعباد الى يوم الدين.
وحده محمد الصدر كان يذكرنا برسول الله وبأمير المؤمنين والميامين من ولده...وحده كان يثير في نفوسنا التأهب والاستعداد ليوم الظهور المقدس ولو كلفنا ذلك حياتنا....
محمد الصدر كان يؤدي تكليفه أمام الله....أن ينهض بالمجتمع نهضة اسلامية واعية تزيح عن كاهله ترسبات قرون من الاستبداد والظلم والتعسف ، أن يطلق صيحات الحق في شتى مجالات الحياة....أن يرسل سهام الحق الى الرئيس والى المرؤوس والى الكبير والصغير ، الى المراجع والموظفين والكسبة ورجالات الدولة ...وحتى الى الغجر... (لعلهم يهتدون) ... (لعلهم يتقون) ...(لعلهم يتذكرون).
هكذا كان كليفه الشرعي (قده) ، ومن تكليفه أيضاً أن يواجه النظام!
عاجلا أم آجلا سوف تكون المواجهة الأخيرة....وتتطور الأحداث يوماً بعد آخر وتزداد الحلقة ضيقاً بمرور الوقت...وصولاً الى المواجهة الأخيرة...
إنها سنة الله في خلقه ، إنه العقل البشري بفطرته ، إنه التاريخ يخبرنا بأنه لا بد من اللحظة الحاسمة التي يقف فيها الإيمان كله....بوجه الظلم كله.
ولعلنا كنا موقنين بذلك....السيد نفسه كان يخبرنا...
(سوف أذهب وضميري مرتاح ،يكفي أن في موتي شفوةً وفرحاً لأمريكا واسرائيل وهذا غاية الفخر في الدنيا والآخرة) ، (أين الرصاصة التي تمنحني الشهادة) (لقد استشهد في هذا الطريق الشيخ البروجردي والشيخ الغروي ولعلي أكون ثالثهما..)
أجل كنا موقنين بالشهادة....لأنه أختار طريق الحسين (ع) وطريق الحسين مضرج بالدماء!!!
ولكنا كنا ندعو الله ونمني أنفسنا بأن تطول مدة بقاءه معنا....ذلك العصر الذهبي للدين والمذهب والحوزة الذي ربما لن يتكرر حتى يوم الظهور المقدس...
وكان ذلك اليوم المشهود.....
محمد الصدر لم يكن يمتلك مالاً ولا سلاحاً سوى كفنه !!!
هذا الكفن الذي واجه به الشر في كل صوره....أمريكا واسرائيل والاستعمار والشيطان !!!
(...نحن ماذا عندنا ؟! ...الله تعالى )..
في ذلك الوقت كان هناك شد وجذب مفتعل بين النظام العفلقي وبين إدارة ( كلينتون) وكان من تداعيات هذه الأزمة المفتعلة أن قام النظام بتدابير أمنية ووقائية ملحوظة ومثيرة للإنتباه بصورة لم يسبق لها مثيل في عقد التسعينات الذي شهد الكثير من الأزمات والمشادات المفتعلة بين النظام وبين الولايات المتحدة .
ولم تكن تلك التدابير ونصب السيطرات ونشر قوات الأمن و الحزب والجيش في كل مكان لا سيما في المحافظات الوسطى والجنوبية إلا بمثابة رأس (جبل الجليد) الذي يظهر للعيان وأما ما خفي فهو الاستعداد والاستباق الذي كان يهيء له النظام لاقتراف الجريمة العظمى بحق الولي الطاهر...
لقد أدرك النظام أن جريمة كهذه لن تمر دون مضاعفات قد تؤدي الى نهاية حكم فراعنة البعث الكافر، ولذلك قام بتلك الاجراءات الاستباقية كي يسيطر على الشارع المتفجر والغاضب حين يقوم بتنفيذ جريمته النكراء.
وأريقت الدماء الزكية الطاهرة....السيد الشهيد الصدر مع نجليه الطاهرين دفعوا ثمن الثورة الاصلاحية العظمى التي قادها أعظم مرجع عرفته النجف على الإطلاق.
وكان وقع الخبر على الموالين كالصاعقة....البعض لم يصدق ، والبعض لم يستوعب هول الصدمة إلا بعد حين....، والبعض الى الآن لا يستطيع أن يتصور أن قبراً في الأرض يمكن أن يحوي كل هذه المبادئ والقيم والشجاعة!!
لقد بدء محمد الصدر بنفسه وانتهى الى أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ولا تهادن الباطل ولا تسكت عن قول كلمة الحق ولن يهدأ لها بال إلا بظهور الموعود (عج)!
ترنح النظام فيما سبق نتيجة سلسلة من الخطوات التي قام بها المصلح العظيم السيد محمد الصدر ،وباتت مسألة إزاحته عن صدر العراق مسألة وقت ليس إلا .وكانت عملية الاغتيال الآثم هي وحدها المخرج للنظام من محنته مع قائد المجاهدين .ولذلك تصور النظام انه بعملية الاغتيال سيتخلص من التهديد المستمر الذي كان يمارسه السيد الشهيد (قده) على سلطته الغاشمة.ولكنه لم يدرك بأن النخبة المؤمنة التي رباها محمد الصدر على رفض الباطل وأهل الباطل لن يقرّ لها قرار إلا بأخذ الثأر من أزلام البعث المجرم وقواه الأمنية.
وكان للبصرة الحظ الأوفر من ثورته (رض)...من حيث الولاء والمسارعة الى طاعة الحوزة العلمية الناطقة المجاهدة متمثلة بالسيد الشهيد (قده) ، ومن حيث وقع الخبر والزلزال الذي احدثه ، و الأنتفاضة الشعبية الكبرى فيما بعد.
كان أئمة الجمعة في البصرة أو (القادة الراشدون) كما كان السيد الشهيد يسميهم هم المفزع الوحيد في هذه المصيبة الكبرى للموالين والمجاهدين...تماماً كما كاونا في حياة السيد الشهيد (رض).
كانوا هم قادة المجتمع الحقيقيين ..وكانت مهمتهم هي الأصعب في هذا الجزء الحساس والمهم من حياة الأمة...
كان لا بد لهم من أن يهدءوا النفوس ريثما تهدأ الأوضاع قليلاً...وكانت مهمة صعبة بحق، فعلى الفرد منهم أن يكابد لوعة فقد المولى المقدس ويكظم غيظه ويحبس دموعه وصولاً الى أن يهدئ من روع مقلدي ومحبي السيد الشهيد حتى يستطيع التفكير بصورة صحيحة عما ينبغي ان تكون الأمور عليه...
ويا لها من مهمة شاقة....فلم تكن تلك المصيبة تفارق خيال كل من عرف السيد الشهيد الصدر المقدس....كان يرونه في عيني كل من يلتقونه ...وكانوا يشعرون به عند كل أذان وتكبيرة للصلاة!
لقد وصل الأمر بمحبي السيد الشهيد أنهم جنـّوا به كما جنّ عابس بمولانا الحسين سلام الله عليه...
لقد فقدوا الإمام والأب والموجه والقائد والأخ الناصح والمرجع المهيب...الذي كان بحق سلطان المراجع...أبيض الحية والوجه والقلب.
ولهذا كانت مهة أئمة الجمع غاية في الصعوبة...اجهزة النظام كانت تعد عليهم أنفاسهم، ومجبي ومقلدي السيد الشهيد (قده) يطالبونهم بالقصاص والثأر من البغاة البعثيين...
وكان أئمة الجمعة يحاولون الظهور بمظهر الهادئ والمسيطر على أعصابه...وحقيقة الأمر أنهم كانوا كالثكلى التي قتل وليدها في حجرها....على أنها لا تستطيع أن تندبه وتبكيه كما ينبغي!!!
وذلك لأن الظرف السياسي والاجتماعي آنذاك كان يملي عليهم هذا التصرف لأنه التصرف الوحيد الذي يمكن أن يحفظ دماء الثلة المؤمنة التي رباها قائدهم ومرجعهم.
وهنا تتدخل العناية الإلهية مرة أخرى ، السيد كاظم الحسيني الحائري يلقي خطاباً في الرابع عشر من ذي القعده /1419 هـ على مجموعة من مجاهدي العراق جاء فيه :
(ان الجهاد والمواجهة المسلحة هو الطريق الوحيد للنصر وهو واجب وضروري ومهم إلا أنه يجب ان يكون بتدبير وحكمة وحساب وتخطيط حتى يكون مضمون النتائج وان السبيل المناسب لنا في المهجر هو الإرتباط بأية جهة مجاهدة منضوية تحت راية الولاية وأما أخواننا المجاهدين في العراق فلهم تكليفهم الخاص ).
و(ان جميع وكلاء المرجع الشهيد الصدر الثاني (رضوان الله عليه) في داخل العراق هم وكلائي بشرط ان يراجعوني لإمضاء الوكالة ).
ثم جاء البيان الذي وضع النقاط على الحروف وهو ما يعرف بالبيان الثالث الى الشعب العراقي الثائر الذي اصدره آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري حيث تعرض فيه الى خطط النظام العفلقي الكافر في تصفية الحوزة العلمية ورموزها ، ومما جاء فيه :
(فعليكم يا أبطال الجهاد ويا فرسان الهيجاء أن تحصدوهم حصداً وتلاحقوهم حتى في بيوتهم ما لم يتوبوا الى الله من جريمتهم النكراء وذلك حفاظاً على حوزتنا العلمية المباركة ومراجعنا الاعلام الذين ينيرون طريق الحق فلقد قتل منهم في الآونة الاخيرة كما تعلمون ثلاثة ممن كانوا يتلألؤون في سماء العلم والتقى وكان آخرهم سماحة آية الله العظمى المجاهد السيد محمد الصدر تغمده الله برحمته.
يا أبنائي المجاهدين الأعزاء عليكم بضرب مصالح النظام العراقي اللئيم وتأديب هؤلاء الأقزام لعلهم ينتهون عن غيّهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
وهكذا أستعد الأحرار والمجاهدين من ابناء الرافدين الغيارى لأخذ الثأر لمرجعهم وليردوا الصاع لمن عاث في الأرض فساداً وقتل الأخيار والعلماء وزج الفضلاء في أتون سجونه الرهيبة.
بسم الله الرحمن الرحيم
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39)
وكانت الإنتفاضة التي هزّت عروش الظالمين وزلزلت الأرض تحت أقدام العفالقة وكادت أن تطيح برأس النظام وتقتلع البعث الكافر من أرض الرافدين الى الأبد.
لقد مر العراق بتجارب ثورية كثيرة استخدمت الجهاد المسلح كوسيلة للتغيير أو التعبير عن الرفض ...لكن إنتفاضة أبناء البصرة في 17/3/1999 تميزت بالدقة والتخطيط المنظم ولأول مرة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العراق تشهد الساحة عمليات إنتحارية-استشهادية غاية في التخطيط والذكاء.
ففي الساعة الحادية عشر من مساء 17/3 /1999 إنطلق أبطال الجهاد وفرسان الهيجاء ليلقنوا النظام البعثي الباغي الدرس الأكثر تأثيراً في عمر النظام عسكرياً وسياسياً وليثبتوا للعالم أن ابناء العراق لم ولن يسكتوا عن ظلم الظالمين وبطش المجرمين.
ولم تفلح كل اجراءات النظام ومفارزه الأمنية التي كان يشرف عليها رؤوس النظام القذر ،لم تفلح في السيطرة على الأوضاع المتفجرة،وخرجت الامور من زمامها فتساقطت الرؤوس العفنة لزبانية البعث الكافر وقواته الأمنية تحت نير ضربات المهاجمين الأبطال الذين اختاروا طريق الحسين في مواجهة الظلم والأنحراف.
أستشهد في هذه الإنتفاضة التي أطلق عليها فيما بعد (إنتفاضة الصدر المقدس) خيرة المؤمنين من مجاهدي البصرة العزيزة....
والتحقوا بمولاهم ومرجعهم المولى المقدس (رض) فرحين مستبشرين شاكرين الله تعالى أن وفقهم الى الشهادة التي يقول عنها السيد الشهيد (قده) بما مؤداه :( إذا كان الموت هو النتيجة الطبيعية لحياة الفرد ، فمن الأجدر بالانسان أن يختار الميتة التي ترضي الله سبحانه وتعالى وترفع من شأن الفرد في الدنيا والآخره).
بسم الله الرحمن الرحيم
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(الأحزاب:23).
لقد نجح وكلاء السيد الشهيد (قده) وأئمة الجمع في التخطيط والتنفيذ والمشاركة في هذه الثورة الصدرية المباركة ولكن الوسائل التي اتبعها النظام الملعون في التنكيل والتعذيب للمؤمنين وعوائلهم وحملات الأعتقال التي طالت المؤمنين والمجاهدين وعمليات تهديم الدور جعلت البعض منهم يلجأ الى إيران الإسلام حفاظاً على البقية الباقية من طلاب السيد الشهيد (قده) ووكلاءه ومن كان له التأثير الكبير فيهم وذلك لشعورهم أن المسألة لم تنتهي بعد ، وأن النظام الكافر لا بد أن يزول عن صدر العراق الحبيب.
وفيس مواجهة هذه الانتفاضة المباركة لجأ النظام الى اسلوبه التاريخي القذر في مواجهة الرفض الشعبي العارم له ....الأعتقالات العشوائية ، والتنكيل بالمؤمنين وذويهم ، وهدم الدور التي تأوي عوائل المجاهين كانت سلاح النظام في مواجهة الانتفاضة المباركة.
وقد بلغ عدد الدور التي تم هدمها في محافظة البصرة وحدها أكثر من ثمانين بيتاً توزعت على مختلف أنحاء المدينة....
وهنا وبإيعازات من النظام والبعض من ذوي النفوس الضعيفة بدأت الشائعات والتشويه تأخذ طريقها في الشارع العراقي وذلك لأمرين غاية في الأهمية بالنسبة للنظام :
الأمر الأول : تشويه صورة الإنتفاضة عن طريق الطعن في شرعيتها وأن الذين قتلوا فيها ليسوا بشهداء وهي الوسيلة الأكثر تأثيراً في القضاء على حيوية الأنتفاضة وآثارها الآنية والمستقبلية .
الأمر الثاني : محاولة تسقيط أئمة الجمعة وتشويه صورتهم في الرأي العام العراقي خصوصاً ، وهذا الأمر غاية في الأهمية بالنسبة للنظام خصوصاً أنهم قد أفلتوا من قبضة النظام ولا يعلم على وجه التحديد ما يخططون له أو ما يسعون اليه في المهجر.
وفي هذه المرحلة كانت أجوبة السيد الحائري حازمة وتقطع الطريق على كل من يريد أن يسيء الى أبناء الصدر المقدس ،ففي استفتاء وجه الى سماحته حول تشكيك البعض بشرعية الانتفاضة وأن الذين قتلوا ليسوا بشهداء أجاب بما نصه :
(إنهم شهداء عند الله ومن أفضل الشهداء لأنهم أدوا ما عليهم من الواجب وبقي علينا أن نؤدي واجبنا أسأل الله تعالى أن نوفق لذلك كما وأسأل الله تعالى أن يوفق المتقولين للتوبة).
وفي استفتاء أكثر تفصيلاً وجه الى سماحته من قبل أئمة الجمعة في البصرة بتاريخ 24/ربيع الأول/1420 هـ أجاب سماحته بما نصه :
(ما قام به أئمة الجمعة في البصرة لضرب مصالح النظام البعثي من أفضل القربات الى الله وهم مأجورون عند الله أجراً عظيماً ومن سقط منهم أو من أتباعهم قتيلاً فهو شهيد عند الله وترويج الإشاعات ضد عملهم الذي كان على خلاف مصالح النظام من أعظم الحرمات).
هذه –باختصار- قصة مدينة مجاهدة عانت الأمرين من الحكومات المتعاقبة التي انفردت بالسلطة في العراق ، ولما منّ الباري عليها وعلى المؤمنين في العراق بالشخصية الأكثر تأثيراُ في الشارع العراقي منذ زمن الغيبة وعلى الاطلاق ،اغتالته يد الشر والظلام فما كان من ابناء الصدرين العظيمين إلا أن يهبوا ليثأروا لمرجعهم وقائدهم ووهبوا الغالي والنفيس في سبيل ذلك ولسان حالهم يردد:
يا نفس من بعد الحسين هوني فبعده لا كنتِ ولا تكوني
فحري بنا ونحن نمر على الذكرى العطرة لانتفاضة الصدر المقدس في 17-3 أن نسلط الضوء على مظلومية هذه الانتفاضة من ناحيتين:
الناحية الأولى: وتتعلق بالظلم البعثي التسلطي الذي وقع على المجاهين الغيارى وعلى عوائلهم والأساليب القمعية التي مارسها بحقهم وبحق عوائلهم ومحبيهم حتى بلغ عدد الدور التي تم هدمها أكثر من ثمانين داراً ،عدا الاعتقالات العشوائية والإعدامات التي طالت خيرة ابناء هذه المدينة المجاهدة.
الناحية الثانية: المظلومية (التاريخية) أو ما وقع على هذه الانتفاضة المباركة من تعتيم إعلامي .سواء في زمن تسلط البعث الكافر ، أو حتى بعد زواله .فإن كان الاول له ما يبرره من تسلط ودموية وقمع النظام ، فإن الإهمال الإعلامي لا زال يلقي بظلاله على هذه الانتفاضة التي تمثل بحق مرحلة مشرقة ونقطة تحوّل في تاريخ العمل الجهادي.
تكفي الإشارة الى عدم وجود الرواية (الرسمية) أو التاريخية لتفاصيل هذه الصرخة الحسينية في وجه الذل والانحراف.
أن تسليط الضوء على جزئيات الانتفاضة لا يكفي وحده ، بل أن رعاية عوائل المجاهدين من الشهداء الذين ضحوا بدمائهم الزكية لينيروا لنا الطريق هي مسؤولية الجميع ممن يدعي الولاء لنهج المولى المقدس (رض) .
حريّ بنا أن لا نهنأ بمأكل أو ملبس وأولاد شهدائنا يعانون ضيق المعيشة في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم.لأنهم أمانة في أعناقنا ولسوف نًسأل عنها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين .
مقتطف مما كتبه الشيخ اليعقوبي عن الدور المشهود الذي لعبه السيد الصدر في الانتفاضة
وقد سبقت مدينة البصرة في حصول الانتفاضة حيث حصلت مواجهات مسلحة بدأها الجيش المنسحب من الكويت بكل مهانة واحتقار والذي نجا باعجوبة من قصف الطائرات الامريكية وحليفاتها التي كانت تحصد العراقيين وهم يلوذون بالفرار حفاة منهوكين حيث اعلنت القيادة العراقية الانسحاب من طرف واحد قبل ان يعلن الحلفاء وقفاً لاطلاق النار وحين دخول الناجين من هؤلاء مدينة البصرة حصل ارباك وفوضى فارادت القوات المرابطة بالبصرة وقوات الأمن والجيش الشعبي التي تدافع عن النظام السيطرة على الموقف ومنع التدهور فحصل اشتباك مسلح حتى بالاسلحة الثقيلة بين الطرفين واشتعلت المواجهة وأمتدت إلى مدن البصرة الاخرى واما النجف فقد انطلقت المظاهرات فعلاً ظهر يوم الاحد 3 / 3 / 1991 المصادف 16 شعبان 1411 ولم يكن الشعب مسلحاً بشكل معتد به الا ان معاقل السلطة في مركز المدينة كمديرية الشرطة وبعض مراكزها ومقرات الحزب سرعان ما تهاوت امام تضحيات الشعب الاعزل فغنم المجاهدون اسلحتهم ثم اتخذوا الصحن الحيدري الشريف مقراً للقيادة وباتت الانفاس محبوسة تلك الليلة فغداً يوم المواجهة بين الشعب والنظام الذي ما زالت الكثير من اوكاره كمديرية الامن ومقر الجيش الشعبي ومقر ادارة المحافظة قائمة وما ان حل صباح يوم الاثنين حتى انطلقت جماهير الشعب بموكب حسيني يردد شعارات الولاء والثار لأهل البيت ((عليهم السلام)) ويتقدم الموكب مجموعة من المسلحين وقد اعتلى بعضهم سيارة اطفاء وتابع الموكب سيره على شارع الكوفة الذي تقع عليه اكثر مراكز النظام كمديرية الامن ومقر قيادة الجيش الشعبي ومقر ادارة المحافظة مع بعض جيوب المقاومة لأفراد الحزب المغرر بهم الذين تحصنوا في بعض الابنية لمقاومة زحف الثائرين واخذ المجاهدون يطهرون الموقع تلو الاخر حتى تمت السيطرة عليها جميعاً عصر ذلك اليوم فعاد المجاهدون الى الصحن الحيدري الشريف ليحتفلوا بالنصر وتخليص المدينة المقدسة من براثن النظام.
وهنا بدأ التساؤل عن المرحلة التالية فلم تكن الانتفاضة مخططاً لها ولمستقبلها ولم تكن لها قيادة تذكر فكان من الطبيعي ان يلتجأ زعماء الحركة الجماهيرية الى علماء الدين وظنوا انهم سيستقبلونهم بالزهور لما حققوه من نصر لكن الامر كان بالعكس فقد قوبلوا ـــ بحسب ما نُقِل لي ـــ بالاعراض والجفوة والاستهجان والتقريع على هذه التصرفات واختفى كثير من ائمة الجماعة في بيوتهم ولم يبق احدٌ منهم مستمراً على صلاة الجماعة إلا السيد الصدر فيما اعلم حيث كان يقيم صلاة المغرب والعشاء في الروضة الشريفة وصلاة الظهر والعصر في مسجد الهندي وسارع الى اصدار بيان يدعو فيه الى نصرة الثورة الإسلامية المباركة في العراق وكان الاخ زيد البغدادي احد المجاهدين المتحمسين ومن الساهرين على حماية الصحن الحيدري الشريف ولعله الذي استصدر هذا البيان من السيد لايمانه بجدارة السيد للقيادة ولكي يطرح اسمه على الساحة اذ لم يكن السيد معروفاً اجتماعياً او حوزوياً بشكل واضح وان كان اسمه لم يغب عن ذهن الواعين وان غاب شخصه عقداً من الزمان، وكان بيان السيد السبزواري ((قدس سره)) حماسياً ايضاً اما بيان السيد الخوئي فقد كان متحفظاً يدعو الى الحفاظ على النظام الاجتماعي العام وصيانة ممتلكات الشعب وعدم ارتكاب مخالفات للشرع المقدس ونشرت البيانات جميعاً في العدد الاول من الصحيفة التي اصدرتها قيادة الانتفاضة واستمرت اربعة او خمسة اعداد، وكنت احتفظ بها الا انني اتلفتها مع امور اخرى حينما اقتحمت قوات النظام بيوتنا للتفتيش.
وبعد يوم او اكثر ارسل اليَّ سماحة السيد سيارة من تلك التي غنمها الثوار من المؤسسات الحكومية وفيها ولده السيد مؤمل والاخ زيد البغدادي يدعوني للاجتماع به فذهبت فوراً والتقيت به في داره وقال ان الذي دعاني الى هذا اللقاء امران :
احدهما : ضرورة تعيين قائد مدني او قل سياسي للثورة ولا يمكن ان تبقى الامور بلا قرار سياسي بعد استقرار الوضع العسكري في النجف.
وثانيهما : ضرورة الاتصال بايران وطلب النصرة والنجدة منهم، وحول الامر الاول فقد رشح الاخ الاستاذ محمد عبد الساعدي([9]) لذلك المنصب ولكنه اعتذر من قبول ذلك وكان السيد ((قدس سره)) متوقعاً لذلك فأمرني بتولي المنصب في حال رفض الاستاذ محمد ذلك، فابلغت السيد بالخبر وقلت له ان الخطوة الأولى هي التعرف على العناصر الرئيسية في الانتفاضة ودراسة ان كان بالامكان التأثير فيهم بهذا الاتجاه وذهبت الى الصحن الشريف واطلعت على الوضع عن كثب فوجدت ان فرصة السيد في ممارسة دور قيادي بعيدة فقد كان الاتجاه العام نحو السيد الخوئي ((قدس سره)) ولا يمكن تجاوزه او تحييده واصبح القرار فعلاً بيد مكتب السيد الخوئي وبالذات السيد محمد تقي الخوئي ((رحمه الله)) ومارس شيئاً من ذلك خلال ايام الانتفاضة وأخبرت السيد بذلك وقلت له باختصار ان دور العلماء يتسم بالحذر الشديد بانتظار انجلاء الموقف قال ومن الذي يجلي الموقف ؟! أي اليس العلماء هم الذين يقومون بتسيير الامور وقيادتها نحو وجهتها الصحيحة وليس دورهم التفرج.
وفي احد الايام لم يحضر السيد الى صلاة الجماعة في الروضة الحيديرية وسألته بعدئذٍ فقال ان السيد الخوئي دعا مجموعة من علماء وفضلاء الحوزة ليخبرهم بعزمه على تشكيل لجنة لادارة شؤون المجتمع في هذا الوضع المتأزم ودار النقاش ست ساعات وقد اقترح ان يكون السيد الصدر منهم الا انه رفض وقال لي ان السبب هو انه علم ان هذه اللجنة يكون دورها هامشياً وانما الأمر والنهي بيد السيد محمد تقي نفسه الذي كان سكرتير اللجنة ورفض معه السيد حسين بحر العلوم والسيد مهدي الخرسان ووافق الآخرون وكان بعضهم حياءاً من السيد الخوئي نفسه وهم جميعاً من تلامذته واتباعه (كالسيد محي الدين الغريفي ((قدس سره)) كما اخبرني هو فقد كانت تربطني به علاقة وطيدة وكان يائساً من استمرار الثورة فضلاً عن نجاحها بشكل كامل) وضمت اللجنة ايضاً السيد محمد رضا الخرسان والسيد عز الدين بحر العلوم والسيد جعفر بحر العلوم والسيد محمد رضا الخلخالي والشيخ محمد رضا شبيب الساعدي.
ولما بدأت قوات الحرس الجمهوري بالزحف على كربلاء ومحاصرتها نادى منادي الجهاد من اذاعة الانتفاضة ومقرها الصحن الحيدري الشريف وانطلق الآف المجاهدين من النجف باسلحتهم من مختلف الصنوف بما فيها الثقيلة وقد غنموها من قوات القدس التابعة للحرس الجمهوري التي كانت مرابطة حول مدينة النجف وكان في قيادتهم السيد عبد المجيد الخوئي وسبقهم العلامة الشهيد السيد محسن الغريفي فقرأ بيان السيد الخوئي من مكبرات الصوت في الحرم الحسيني الشريف وقال لي ((رحمه الله)) (وهو صهري والد زوجتي) انه رأى خلو شوارع مدينة كربلاء الا من المسلحين المستعدين للدفاع عن المدينة ونزح اغلب اهلها نحو الجنوب مروراً بالنجف وان الوضع متوتر، وخرجت مع قافلة غير المسلحين اذ لم اكن احمل سلاحاً ولا متدرباً على استعماله وكان معي ايضاً الشيخ قاسم الطائي (وهو زوج اختي، وكان مقيماً معنا في البيت طيلة مدة الحرب ولم يكن قد ارتدى الزي الديني)، ولا انسى الروح الثورية الجامحة والرغبة في الاستشهاد او النصر التي كانت تنطلق من حناجر الثوار وهم يقطعون الطريق من النجف الى كربلاء بالاهازيج والشعارات بما فيهم الصغير والكبير والشيخ الفاني والشاب وكنّا على طول الطريق نشاهد النازحين من كربلاء طلباً للنجاة وهم سائرون على الاقدام باتجاه النجف في ظل برد الشتاء وليس معهم الا ما خف حمله ويلّوحون بايديهم تشجيعاً للمجاهدين وكأنهم يخاطبونهم بقوله تعالى : ((ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء ... )). حتى وصلنا مشارف كربلاء وانتشرت القوات في مراكزها اما نحن غير المسلحين فاعادونا الى النجف لعدم الحاجة الينا في المعركة ورجع هؤلاء على مضض وكلهم شعور بالخسران واخبرت السيد ((قدس سره)) ـــ حيث كنت اواصل زيارته ومراجعته ـــ بهذه التطورات فشعرت منه بعدم الرضا على زّج نفسي في المكان غير اللائق بي فلكلٍ دوره المناسب له ولما كتبت مقالاً حماسياً بعنوان (حيّ على الجهاد ايها العراقيون) الى صحيفة الثورة وسمعت بعض فقراته تتلى من الاذاعة المنطلقة من الصحن الشريف وسجلّت فيه بعض عواطف المجاهدين اخبرت السيد بذلك فرأيت علامات الارتياح عليه وان هذا هو العمل المناسب لي.
ولما شعر بعض زعماء المجاهدين ان الثورة بدأت تضمحل وتتميع في ظل هذه القيادة الدينية وقد جُردوا من الصلاحيات كما انهم لم يروا أي تفكير في توسيع الثورة الى بقية المحافظات والزحف نحو بغداد وتدعيمها أحسّوا بالحاجة الى قيادة (حركية) جديدة تجتمع فيها صفات الوعي والشجاعة والحزم والرصيد الاجتماعي فوجدوها متمثلة في شخص السيد الشهيد الصدر ((قدس سره)) ولا ادري ان كان ذلك باشعار من الأخ زيد البغدادي الذي كان معهم او غيره، المهم انهم التفتوا الى السيد ((قدس سره)) وعرضوا عليه الأمر فوافق عليه، لكن بعد فوات الاوان.
هذا وقد بدأت قوات الحرس الجمهوري بالزحف نحو مدينة النجف وبدأ قصف مدفعي بعيد يطول احياناً البيوت المتطرفة في شمال شرق المدينة (باتجاه مثلث الحدود بين النجف والحلة وكربلاء حيث عبرت القوات نهر الفرات جنوبي مدينة الكفل) كان ذلك بعد ظهر يوم الثلاثاء 12 / 3 / 1991 وفي يوم الاربعاء التالي وكانت اصوات قذائف المدفعية والدبابات تُسمع في ارجاء المدينة لكن من دون ان يطالها والشارع العام يتحدث عن معارك بالاسلحة الثقيلة وتراجع قوات الحرس الجمهوري الزاحف على النجف، أقول في ذلك اليوم صليت الظهر والعصر خلف سماحة السيد ((قدس سره)) في جامع الهندي وبعد انتهاء الصلاة أحيط بحماية مكثفة ورجال مسلحين وصيحات التكبير والتهليل والصلاة على النبي وآله تشايعه حتى الحرم الشريف ومذيع الانتفاضة يطلق كلمات الترحيب واستقبال الزعيم المجاهد سماحة آية الله السيد محمد الصدر وكنت ضمن المجموعة التي رافقته بعد أن صليت خلفه ولكن من دون ان اعلم بسر هذا التغيير الذي حصل اليوم رغم انه كان يخرج من المسجد يومياً بشكل اعتيادي من دون هذه الهالة والضجيج ومن غير حماية مسلحة.
وصعد السيد على سطح (الكشوانية) المواجهة لباب القبلة والناس تجتمع في الصحن الشريف وهم يقابلونه بالهتافات والقى كلمة ارتجالية مختصرة حثَّ فيها على نصرة الثورة الإسلامية المباركة ودعمها والمشاركة فيها لعل الله سبحانه يرحم هذا المجتمع وينشر لواء الاسلام في ربوع هذا البلد المقدس.
ثم نزل السيد ((قدس سره)) وركب سيارة (شوفرليت ـــ جي.ام.سي) وصعدت معه وشخص آخر عرفني عليه السيد هو (عبد الرسول الكرمي) واكتظت السيارة بالمسلحين واوصلنا السيد الى داره وامرني بمرافقة الكرمي وقال : انه سيعرفك على المطلوب، فاصطحبني الى بيته في الشارع الخلفي لدار السيد. هذا وقد اشتدّت اصوات القصف وبدأت بالدنو من المدينة فقال الكرمي: هذه قواتنا تحاصر قوات الحرس المهاجمة وقد امهلوهم حتى الساعة الواحدة ظهراً فاما ان يستسلموا او القضاء عليهم وبدأ الكرمي يشرح لي خطة الحركة بتشكيل مجموعة من اللجان تكون اشبه بالوزارات المصغرة واحدة للشؤون العسكرية وتشمل القوات التي بدأت الانتفاضة ولا زالت تقاتل في عدة جبهات واخرى لشؤون الدفاع المدني والمليشيات وأخرى لجنة الارتباط بالحوزة العلمية الشريفة والعلماء المجاهدين وأخرى اللجنة السياسية والاعلامية وأخرى لجمع التبرعات المالية ومساندة الثورة اقتصادياً، وكنت على رأس اللجنة السياسية والاعلامية، وأوكل اليَّ امر اختيار العناصر الكفوءة التي تنفع في هذا الاتجاه.
وغادرت بيته بعد انتهاء اللقاء والقذائف وشظاياها تنزل على المدينة كالمطر وازيزها يصك مسامعي والمسافة الى داري تحتاج الى ثلاثة ارباع الساعة بالسير الحثيث، وكنت قد تركت دراجتي الهوائية ـــ التي كانت وسيلتي للتنقل يومئذٍ بعد خلو الشوارع من السيارات الا قليلاً بسبب نقص الوقود الناتج من قصف الحلفاء ـــ قرب الصحن الشريف عند ما رافقت السيد الى بيته، وكثيراً ما أخذت وضع الانبطاح على الارض عند سماع ازيز القذائف، وفكرت بالاسماء التي يمكن ان تساعدني في هذه اللجنة وعرض الأمر عليهم الا ان القصف اشتد بشكل منع من الحركة واستمر الأمر كذلك صباح اليوم التالي وانا مهتم بتنفيذ الأمر فاستخرت الله تعالى في ان اقصد احدهم فكانت النتيجة غير جيدة ولم اكن اعلم ان السر في ذلك اعتقال السيد الشهيد الصدر ((قدس سره)) ووأد القيادة الجديدة في مهدها فقد دخل الجيش مدينة النجف من جهة شمال الشرق يوم الخميس 14 / 3 واسترجع المراكز الرئيسية على شارع الكوفة ووصل الى جامعة النجف الدينية حيث كان السيد وعائلته مع السيد محمد كلانتر وعائلته وبعض طلبة الجامعة يختفون في السرداب تحاشياً للقصف واعتقلوا جميعاً وسيقوا الى منطقة الرضوانية في الضواحي الشمالية الغربية لبغداد حيث خصصت لاحتواء (المعارضة) وكان وفد السيد ومن معه أول الداخلين الى المعسكر المخصص لاعتقال القادمين من النجف اما المعسكر المعد لأهالي كربلاء فقد كان يغصّ بالمعتقلين ـــ هكذا نقل لي ((قدس سره)) ـــ وفوجئت ظهر الخميس وانا استمع الى الراديو بالمذيع يجري لقاءاً مع السيد الصدر وتوقعت انه لقاء قديم اعلنوه للتمويه على المجاهدين الذين لا يزالون يقاومون حول بيت السيد الخوئي وقد حفروا الخنادق ووضعوا المتاريس لمواجهة القوات المهاجمة كما ان الصحن الحيدري وشيئاً من مركز المدينة كان لا يزال تحت سيطرة المجاهدين ولكنني لما انصتُ اليه وجدته جديداً فعلاً ويذكر احداث البارحة (ظهر الاربعاء) ويسأله المذيع عنها، ولم تنته المقاومة الا يوم الأحد 17 / 3 بعد ان هددوا باستعمال الغازات السامة في مركز المدينة وهددوا السيد الخوئي ان استمرت المقاومة حول داره فطلب من المجاهدين التفرق عن الدار وايكال الأمر الى مدبره الحقيقي وكنت أرى من سطح الدار الطائرات السمتية (الهليوكوبتر) وهي تحوم حول منطقة بيت السيد الخوئي والصحن الحيدري وترمي بصواريخها.
وليس هذا محل ذكر ما حل بالمدينة واهلها من فضائع، اما السيد فقد اخبرني انه أُجريَّ اللقاء التلفزيوني معه وهو بين مجموعة من الضباط بعضهم برتب عالية ثم حققوا معه وسجلوا بيانات كثيرة وأملوا صحائف عديدة وبعد ايام اطلقوا سراح السيد فطلب منهم امرين :
احدهما: اطلاق سراح جميع من اعتقل معه ففعلوا ذلك الا (الشيخ طالب اللبناني) حسبما علمت. وكانت نقطة القوة للسيد في التحقيق انه مجتهد مستقل وليس تابعاً للسيد الخوئي فهو ليس مشاركاً في قيادة الانتفاضة كما انه رفض الانضمام الى اللجنة التي شكلها ((قدس سره)) وكل هذه المعلومات انقلها عنه ((قدس سره)) بعد زيارتي له وفرح كثيراً بسلامتنا انا وابن عمي الشيخ حيدر وزيد وقد عبّر باسى عن ايام الانتفاضة قائلاً : ((ان الذين حولي لم يكونوا مخلصين الا اثنين وهما : زيد البغدادي ومحمد اليعقوبي)).
وبعد استقرار الوضع لصالح النظام طلبوا من المحافظات ان ترسل وفوداً الى بغداد للاعتذار من (صدّام) وتجديد الولاء فاجبر السيد على ان يكون ضمن وفد النجف ولم يجد بداً من الموافقة فقد كانت حياته على خطر شديد وهو مدان في نظرهم بما اصدر من بيان وخطاب لنصرة الانتفاضة.