متى يخرج الطائفيون من كهوفهم؟
متى* يخرج الطائفيون من كهوفهم؟
لو لم تكن لمبادرة حزب الله باختطاف الجنديين الإسرائيليين أية فائدة سوى عملية توحيد الأمة الإسلامية التي* قامت بها،* لكانت تستحق كل الدعم والتقدير رغم الدمار الهائل الذي* حل بلبنان*. فقد كان من الواضح في* الأيام التي* سبقت الاختطاف والحرب أن الأمة الإسلامية وخاصة في* الشرق الأوسط كانت تنحدر سريعاً* نحو هاوية الحرب الطائفية* (الشيعية* *-* السنية*)بفعل عمليات التفجير والقتل على الهوية في* العراق،* والتي* ابتدأتها جماعة الزرقاوي* منذ ثلاث سنوات وما أعقبها من ردود فعل شيعية مؤخراً،* وخصوصا بعد تفجير سامراء في* شباط الماضي،* حيث قام بعض الجهلة أو المشبوهين بالانتقام من المساجد والمراكز والشخصيات السنية*. وما رافق ذلك من تهجير متبادل وتطهير لمناطق عديدة في* بغداد والبصرة،* مما فتح أبواباً* واسعة للفتنة الطائفية،* وهدد بانتشارها الى الدول المجاورة،* وإدخال المنطقة برمتها في* أتون حرب مستعرة* يضطر فيها كل فريق لطلب النجدة من القوات الأجنبية المحتلة،* بعد أن* يصبح* ''العدو*'' الطائفي* شرا من اليهود والنصارى والاحتلال*.
ولم تفلح مبادرة رئيس الوزراء العراقي* السيد نوري* المالكي* للمصالحة الوطنية بإيقاف مسيرة الانحدار السريع نحو الهاوية،* بالرغم مما قيل بتلبية فصائل عديدة في* المقاومة لها*.
ورغم أني* أعرف جيدا عدم وجود عناصر واقعية أو جدية لقيام حرب أهلية طائفية في* العراق أو في* المنطقة،* بالإضافة الى معرفتي* بوشائج الوحدة الإسلامية والوطنية التي* تربو على مبررات الحرب،* إلا أني* كنت أرى العراق والمنطقة كلها تنحدر حثيثاً* نحو هاوية الحرب الطائفية في* حركة* غير عقلانية وغير طبيعية،* وهو ما كان سيسدد ضربة قاصمة لجهود النهضة الإسلامية والوطنية في* عموم المنطقة،* والتي* كانت تحاول منذ عقود بناء أرضية صلبة لنظام إسلامي* عادل ومستقل وموحد*. وكان من المتوقع أن* يضيف على عوامل الهزيمة عاملاً* جديداً* هو الفتنة الطائفية التي* سوف تقسم المقسم وتجزىء المجزأ وتشرذم الدول المجهرية التي* لا حول لها ولا طول*.
وبدلا من أن تقوم الحركة الإسلامية المعاصرة،* التي* كانت ترفض الوحدة القومية،* بتوحيد الأمة الإسلامية،* فإذا بها تقوم بتقسيم البلاد العربية والإسلامية الى خطوط جديدة،* وهو ما كان سوف* يعد وصمة عار في* جبين الحركات الإسلامية كلها،* الداخلة في* الفتنة أو المتفرجة عليها،* لأنها لم تستطع الحيلولة دون وقوعها*.
وبناء على سير الأحداث،* وتطور النزاع الطائفي* كنت أتوقع،* بل كنت أرى بوادر ردة شعبية عن الإسلام* ،أو بالأحرى عن ما* يسمى تيار الصحوة الإسلامية،* ولا سيما بعد نجاح الفتنة في* ضرب أمل الشعوب ببناء نظام إسلامي* ديموقراطي* عادل ومستقل*.
ولعلي* لا أعدو الحقيقة إذا قلت إن بعض الحركات الإسلامية وقع في* الفخ الطائفي* من دون أن* يشعر،* وأصبح أداة بيد القوى المعادية للشعوب ولحريتها واستقلالها وتمتعها بحقوقها الديموقراطية،* والخائفة على عروشها أو الطامحة بإعادتها الى الوجود مرة أخرى*. وفي* حين كان* يفترض بأي* مقاوم مخلص وصادق وشريف أن* يعمل من أجل بناء الجبهة الوطنية ويتعالى على أية خلافات واقعية،* حسب المنطق الثوري،* فقد رأينا بعض أدعياء المقاومة* يبالغون في* إثارة الخلافات القديمة والميتة ويشنون حرباً* على أكبر طائفة في* البلد،* أجل تخويفها من* ''المقاومة*'' وإجبارها على الاحتماء بالوجود الأجنبي،* أو إطالة فترة بقائه في* البلاد ريثما تتم تصفية* ''الإرهاب*'' ويستتب الأمن والسلام*.
ولست أدري* لماذا كان رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري،* الذي* يزعم التصدي* للاحتلال الأمريكي،* بالعزف دائماً* على وتر الطائفية،* الى درجة أخذ* يطلق فيها شعارات تحريضية سرعان ما تلقفها دعاة الطائفية،* بأن الشيعة قد قتلوا مائة ألف من أهل السنة بينما قتل الاحتلال مائة ألف آخرين،* دون أن* يشير الى قتلى الشيعة خلال السنوات الثلاث الماضية سواء من الاحتلال،* أو من الإرهابيين الذين ما فتئوا* يفجرون المساجد والحسينيات والأسواق والمدارس والبيوت والمقاهي* والمآتم والأعراس،* ويقتلون مئات الألوف من الشيعة بالجملة والمفرق*. وقد كان آخرها تفجيرات مدينة الصدر والمحمودية والكوفة التي* ذهب ضحيتها المئات والمئات*. وعندما* يقتل هذا العدد الكبير من الناس فلا بد أن نتوقع بعض الردود من أهليهم وذويهم،* مثلما حدث في* حي* الجهاد عندما قام بعض الشباب المنفعل بالثأر لأقاربهم الذين سقطوا بتفجير انتحاري* أمام أحد المساجد في* اليوم السابق*. وبدلاً* من أن* يدعو الشيخ الضاري* الى الوحدة والعض على الجراح ودعوة الناس الى الهدوء،* إذا به* يشارك في* حملة تحريض دولية ضد الشيعة،* ويشعل المنطقة كلها*.
وإذا كان زعماء القوم* ينخرطون في* عملية التحريض فماذا كنا نتوقع من الشباب والجهلة والبسطاء؟* غير الانخراط العنيف في* عمليات الثأر والانتقام،* والانغماس في* الحرب الطائفية المقيتة؟ ولهذا* غلب عليَّ* التشاؤم في* الأيام الأخيرة قبل أن* يقوم حزب الله باختطاف الجنديين الإسرائيليين وإشعال الجبهة الإسرائيلية اللبنانية*.
وبغض النظر عن النتائج التي* ستسفر عنها الحرب الدائرة الآن في* لبنان،* أعتقد أن أولى ثمارها الإيجابية التي* تحققت قبل أن تنتهي* الحرب،* هو تعزيز الوحدة الإسلامية في* كل المنطقة،* وقد رأينا المظاهرات الشعبية الحاشدة تخرج في* كثير من البلاد العربية والإسلامية وهي* تتوجه الى العدو الرئيسي* وتنصرف* نفسياً* عن الانخراط في* الحرب الأهلية الطائفية*.
ولكن هذا لا* يعني* أن مشروع الحرب الطائفية قد طوي* تماماً،* إذ لا* تزال بعض العقول الطائفية المتحجرة تصر على توجهها الطائفي،* وتحسب لكل شيء حساباً* طائفياً،* رغم أن بعضها* يدعي* مقاومة أميركا والعداء للصليبيين واليهود،* إلا أنه لملم كل شعاراته السابقة وأخذ* يوجه الاتهام لحزب الله بأنه* يحول خدمة مصالح طائفته،* قبل أن* يحاول تسديد ضربة لليهود،* بالرغم من أن فتح الحزب لجبهة الجنوب كان بهدف التخفيف عن الشعب الفلسطيني* وحركة حماس بالدرجة الأولى*.
وقد قرأت* *-* مع الأسف الشديد* - في* موقع عراقي* يدعي* الانتماء للمقاومة،* ما* يلي*:
*''ان الصفويين أوكلوا حزب الله نيابة عنهم لكي* يقوم بعملية الجنوب اللبناني* وخطف الجنديين الإسرائيليين في* محاولة للتأثير على الجماهير المذبذبة،* والتغطية على جرائمهم الهمجية بحق أهل السنة في* العراق*. وكبح جماح أي* عملية فدائية قد تدور في* مخيلة التنظيمات الفلسطينية في* لبنان على ضوء تطورات الأحداث في* غزة،* ومشاغلة مشاعر الأمة الإسلامية وشل قدرتها على تحديد موقف ثابت من التشيع الصفوي* لحساب المشروع الإيراني* الجاري* تنفيذه في* العراق على* يد عصابات إيران في* بلاد الرافدين لتهيئة الأجواء لقيام دولة شيعية صفوية تكون شوكة في* حلق الأمة العربية والإسلامية وقاعدة لنشر مذهبها في* أخطر بقاع الأرض وأكثرها ثراءً* على الإطلاق*''.
ومن* يقوم بجولة سريعة على عدد من المواقع الطائفية والتي* تغذي* العنف الطائفي* في* العراق والمنطقة،* يجد أنها مشغولة هذه الأيام بحساب مدى الخسارة التي* سوف* يمنى بها أهل السنة،* ومدى الربح الذي* سيحققه الشيعة في* المستقبل،* بعد فوز حزب الله في* تحقيق النصر على إسرائيل،* دون أن تحسب مدى العزة والكرامة والاستقلال الذي* ستتمتع به الأمة الإسلامية كلها*.
ويا ليت هؤلاء الطائفيين* يخرجون من كهوفهم ساعة ليروا أن الشيعة الذين* يعادونهم اليوم هم* غير الصورة النمطية السلبية التي* يحملونها في* أذهانهم منذ القرون الوسطى،* وأن مشروعهم الوحيد ليس التبشير بمذهبهم وإنما العمل مع إخوانهم* ''السنة*'' لتحقيق العزة والحرية والاستقلال والديموقراطية والعدالة لجميع أبناء أمتهم*.
ahmad@alkatib.co.uk
www.alkatib.co.uk
http://ahmad_alkatib.maktoobblog.com