البصرة الفيحاء، ثغر العراق الباسم
في أتون الحر والقيظ البصري الشديد. تتألق البصرة الفيحاء، إنها مدينة جميلة، قديمة، تجبرك أن تعجب بها رغم عوادي الزمن، وآثار الدهر.
الخدمات شبه معدومة تقريباً، وغذا كانت أزمة الكهرباء مبرمجة بشكل أكثر تنظيماً في بغداد، فإنها في البصرة أكثر قسوة، الإنقطاع شبه مستمر، ومن يتحدث عن البرمجة، فإن القطع المبرمج هنا يعني إنقطاع 22 ساعة وكهرياء لمدة ساعتين. وليفرح أهل البصرة بالكهرباء.
قال لي سائق التكسي وهو يتصبب عرقاً في تنور سيارته الرمادية تحت وهج الشمس وهو ينتظر عبور جسر التنومة، البصرة تعودت أن تعطي دون مقابل. كهرباء البصرة تذهب إلى بغداد، بينما أهل البصرة لا يحصلون على ساعتين من الكهرباء يومياً فقط. (لم أستطع التأكد من صحة هذه المعلومة).
هذه المدينة الجميلة، تحولت إلى مكب للنفايات. نفايات من جميع الأنواع، تتعرض إلى التحلل تحت اشعة الشمس الحارقة، دون حسيب ولا رقيب. نهر العشّار هذا النهر الجميل الذي ينساب هادئاً في المدينة، يشكو من القذارة، والإهمال. وتقف قبة مسجد الإمام علي عليه السلام شامخة، ربما تبرز أيضاً نوعاً من عدم الرضا من الحال التي وصلت إليه المدينة. المدينة التي ذاقت تعسف الحكّام وجبروتهم.
الصور تملأ كل حارة وشارع. صور الخميني والقديسين الخمسين من المراجع، من أول مرجع إلى آخر مرجع. سوق "الورّاقين"، الذي ربما يقع في نفس المكان الذي وصفه الجاحظ في كتبه، يبيع اصحاب المكتبات فيه بوسترات عملاقة، لمقتدى بكافة الأوضاع، متكئاً ومضطجعاً، ومشيراً بإصبع وإصبعين. مع رسوم تقترب من رسوم المقدّسين، وهو يحمل أباه، مع علامات غضب بادية على وجهه.
رسوم لعلي بن أبي طالب وقد إمتشق سيفاً، وجلس بقرب أسد، وأخرى لمقدسين آخرين لم أعد أميز بينهم سوى انهم مقدسون. المصدر لهذه البوسترات "جمهورية الولاية" بالطبع. تبحث متلهفاً عن الكتب، فلا تجد سوى الغث منها. كتب عن الخيرة، والسحر والشعوذة، وضرب الرمل وإستخراج الطالع، جنباً إلى جنب كتب فتاوى سيستاني وولي أمر المسلمين الصرخي الحسني والصدر الثاني والمدرسي.
تشعر بالحزن عندما تتجول في أزقة البصرة، وتتصفح وجوه أناس أعياها الفقر والحرمان. وتكتشف أن المدينة العراقية الثانية تستخدم لحد اليوم الحمار وسيلة للنقل. ولم يتوقف العراقي عن الإبداع في هذه المدينة. فقد إخترع
"الستّوتة" وهي وسيلة نقل عملية جداً للحارات المتربة، والتي تسير فيها مياه المجاري. والستوته عبارة عن دراجة حورت عجلاتها إلى أن تكون دواليب سيارات بدلاً من الإطارات العادية للدراجة. مع مساحة خلفية لنقل البضاعة والركاب وكبار السن. سبحان مغير الأحوال.
المدينة في حالة نمو، ولكن كما هو الحال في كل العراق إنه نمو غير منظم، تشكو من الخدمات الرئيسية، وهنالك عدم ثقة بالمسؤولين الكبار لمستها واضحة.
ويبقى شط العرب يسير بقوة منحدراً نحو الخليج، بلونه الأخضر الفستقي الجميلن ربما معطياً من ينظر إليه ببارقة أمل نحو المستقبل.
الأحزاب السياسية والإسلامية منها على وجه الخصوص يبدو أنها تتوفر على واجهات أبنية. ولم ألمس لحد هذا اليوم نشاطاً حضارياً تطور فيه المناطق التي تتواجد فيها. لماذا ؟؟
وإلى لقاء قريب