ضــــرب الاطفــــال ســـلوك تربـــوي خــــاطئ

كنت في عيادة الطبيب فجاءت جارتي ومعها سما تلك الطفلة الصغيرة التي هي في الخامسة من العمر , لكنها تكثر من البكاء ودموعها كالنهر تنهمر بسبب يدها المكسورة , سألت جارتي عن السبب قالت والدها ضربها بعصا لانها ازعجته بصوتها وهو يشاهد التلفاز!!
ضرب الاطفال بقصد التربية حالة منتشرة في مجتمعنا في البيت , وفي المدرسة , بل ان نظرية ان العقاب يربي الانسان نظرية تقرب لليقينيات عند الاغلبية . مع ان الدراسات والبحوث العلمية اكدت على الاثر السلبي للعقاب على التكوين الشخصي للطفل ..لكن حال مجتمعنا بعيد عن الحقائق العلمية يسبح في بحر متلاطم الامواج بفعل ترسبات الظروف المتراكمة ..
والحقيقة ان من يقع عليه العقاب الجسدي والنفسي سيحاول ان يفرغ الاذى النفسي بالاعتداء على الاخرين مما يعني تربية الطفل على الانتقام والعنف واعتبار العقوبة وسيلة للانسان الناجح . مفاهيم بالمقلوب تجد لها بيئة للظهور في عالم لا ينشد اليوم الا المنهج العملي كطريقة للحياة بعيد عن الفوضوية التي تلازم حياتنا , والاسلوب الناجح في التربية هو منهاج الاخر بخلاف ما نحن عليه .. تساؤلات تحير العقل , وتدفع للكتابة والتحقق بحثا عن العلل ومسبباتها ثم البحث عن الحلول..
اول لقاءاتنا كانت مع المواطن قاسم سالم , موظف حكومي , فاجابنا : العنف الجسدي الصادر من قبل الاباء هو طريقة لكي لا يكرر الطفل نفس الخطأ بعد ان ترتسم في مخيلته نتيجة ذلك الفعل .. وهي من اقدم الافكار في التربية .. وهذا يدلل على عدم محاولة مجتمعنا الرقي بنفسه والتمسك بافكار قديمة وغير مطلقة , بل يصاحبها الكثير من الاخطاء .. فهذه النظرية لم توضح هل علينا مثلا ان نكرر الضرب كلما اخطأ الطفل ؟؟ وماذا نفعل للطفل العنيد هل نبرحه ضربا إلى ان يستسلم لارادة الاب المتسلط ؟؟ وماذا سيولد العنف في التركيبة الشخصية للطفل ؟؟ اليوم العالم من حولنا اصبح يسير بطريق غير الذي نحن سائرون به بعد ان تمسكوا بالعلم ومناهج التربية الحديثة .. نحتاج ان نقصي الافكار الخاطئة التي تسيطر على فكر الاباء وننتهج الاساليب الصحيحة والتي تنتج نتائج افضل بكثير من اسلوب العنف مع الاطفال ..
وتضيف ام هند , وهي ربة بيت : الضرب اجده الوسيلة الافضل في تقويم سلوك اطفالي واذا الطفل لم يهاب والديه يصبح من دون رادع يفعل كل الاخطاء بشكل مستمر ... فاذا لم اعاقبه بالضرب يرفض الاستجابة لاوامري وينفلت الامر من يدي . وهذا الاسلوب توارثناه جيل بعد جيل , ونحن نشاهد ان الطفل المدلل يفسد ويصبح بناؤه الشخصي غير متكامل لذلك ياتي اسلوب العقاب بالضرب من اولويات التربية الصحيحة .
والتقينا مجيد رضا ( وهو طالب دراسات عليا في اختصاص علم نفس الطفل ) فقال : لقد الغيت العنف مع اطفالي من قاموسي في التربية بعد ان وجدت ان هناك اساليب تعطي نتائج افضل مثل اسلوب اظهار عدم الرضا عن الطفل في حال صدر منه فعل سيئ , او معاقبته بتكليفه بواجبات بيتية لانه اخطأ , او عدم التحدث مع الطفل المخطئ إلى ان يتعلم من اخطائه ... ووجدت نتائج لمثل هذه العقوبات هي افضل واسرع .. واعتقد ان الضرب يتسبب بتكون عقد نفسية للطفل تؤثر على تكوينه الشخصي . .. المشكلة اراها مشكلة وعي فاغلب العوائل تمارس العنف ضد اطفالها كاسلوب متوارث للتربية مما تولد اطفالاً معاقين نفسيا وما مشاكلنا الاجتماعية الا نتيجة التخبط في التربية وعدم اتباع الاساليب العلمية الصحيحة في التربية .. نتمنى لو تقوم الدولة بتاسيس هيئة تثقف العوائل في كيفية التعامل مع الاطفال وكيفية تربيتهم . اما رؤى فاضل ,وهي معلمة في التعليم الابتدائي , فلها رأي اخر , تقول : اجد اغلب الطلاب في الصف الذين مستوى تحصيلهم متدنياً او منعزلين في قاعة الصف هم من الطلاب الذين يتعرضون للعنف المنزلي مما جعل منهم شخصيات مريضة تخشى الاخرين وترغب في الانعزال , مما ينذر بولادة شخصيات مريضة والسبب التخلف الاسري في التربية . فلو كان بدل الضرب زرع الثقة بالطفل , واحترام شخصية الطفل , وعدم اتباع اساليب الاهانة , لأمكن ولادة جيل قوي الشخصية , لكن هذا حال مجتمعنا الذي يحمل بذور التدمير للاجيال القادمة .. ونحن في المدرسة نحاول ان نصلح ما امكن لكن عندما يعود الطفل للبيت تضيع كل جهودنا سدى ..
واخيرا كانت لنا وقفة مع الدكتور صادق البياتي استاذ علم تربية الطفل فقال حول الموضوع : قد تجد الطفل بعد الاهانة والضرب والتعنيف يستجيب لما تريد لكن هذا يكون في الظاهر اما كقناعات فالامر غير هذا .. والاكيد انه سوف تتولد عقد نفسية تصاحب الطفل بقية حياته نتيجة سلوك الاباء الخاطئ .. لكن على الاباء ان ينتهجوا اسلوب المحبة والاحترام والاهتمام بافكار الاطفال فكان هكذا اجدادنا وهكذا يريد ديننا ولم نجد مجتمعاتنا في القرون الماضية تميل للعنف مع الاطفال انما هذه الحالة وليدة ظروف غريبة .. وعلينا ان نحترم شخصية الطفل فلا نضربه ولا نسبه ولا نهينه لكن لا يصبح مهزوزا وذا شخصية ضعيفة او مريضة .. علينا ان نمدح فعله الجيد ونصحح له فعله الخاطئ على اساس المحبة والاحترام.
كل هذه لاساليب البسيطة يمكن ان تصنع لنا طفلا ذو شخصية سليمة , لكن من يطبق هذه الافكار التربوية البسيطة؟
اسعد عبدالله عبدعلي

جيييييييييييييييييد