المنطق للشهيد مرتضى مطهري
[11]
[glint]الدرس الأول:[/glint]
[glow=CC0000]ما هو المقصود من العلوم الإسلامية؟[/glow]
[align=center]في هذا الدرس لا بد من أن نبحث قليلا كمقدمة حول كلمة "العلوم الإسلامية"، وأن نعطي تعريفا واضحا عنها حتى يصبح معلوما مقصودنا من العلوم الإسلامية أية علوم، وحول ماذا تدور الكليات التي نريد أن نتعلمها في هذه الدروس. العلوم الإسلامية التي هي موضوع البحث تعرف من خلال حدة زوايا ويختلف الموضوع بناء على كل تعريف.
1- العلوم التي موضوعها ومسائلها أصول أو فروع الإسلام أو الأشياء التي تثبت أصول وفروع الإسلام بالاستناد إليها، أي القرآن والسنة مثل، علم القراءة، علم التفسير، علم الحديث، علم الكلام النقلي(1- سيأتي بعد أن الكلام قسمان: عقلي ونقلي وسيأتي الفرق بينهما.) علم الفقه، علم الأخلاق النقلي(2- الأخلاق أيضا مثل علم الكلام قسمان: عقلي ونقلي. وسيبحث أيضا في هذا المجال.).
[12]
2- العلوم المذكورة، إضافة إلى العلوم التي تعتبر مقدمة لهذه العلوم مثل الأدبيات العربية من صرف ولغة ونحو ومعاني وبيان وبديع وغيرها ومثل علم الكلام العقلي وعلم الأخلاق العقلي والحكمة الإلهية والمنطق وأصول الفقه والرجال والدراية.
3- العلوم التي هي جزء من الواجبات الإسلامية أي العلوم الواجب تحصيلها على المسلمين ولو بنحو الواجب الكفائي والتي يشملها الحديث النبوي المعروف: طلب العلم فريضة على كل مسلم. نحن نعلم أن العلوم التي موضوعها ومسائلها الأصول أو الفروع الإسلامية أو الأشياء التي تُثْبت تلك الأصول أو الفروع بالاستناد إليها واجب تحصيلها وبحثها، لإن علم ومعرفة أصول الدين الإسلامي واجب عيني على كل مسلم ومعرفة فروعه واجب كفائي. معرفة القرآن والسنة أيضا واجبة لأنه بدون معرفة القرآن والسنة فإن معرفة أصول وفروع الإسلام غير ميسرة وعلى نفس الأساس العلوم التي هي مقدمة لتحصيل وبحث هذه العلوم، من باب مقدمة الواجب واجب، أي لا بد في الحوزة الإسلامية من وجود مجموعة من الأشخاص المجهزة بهذه العلوم، بقدر الكفاية على الأقل، بل من اللازم أن يكون هناك مجموعة من
[13]
الأشخاص لتوسيع تحقيقاتها في علوم المتن وفي العلوم المقدماتية، وأن تضيف على هذه العلوم. علماء الإسلام في كل هذه القرون الأربعة عشر سعوا معاً من أجل أن يوسعوا أطراف العلوم المذكورة. وفي هذا الجانب حصلوا على توفيقات مهمة. وأنتم أيها الطلاب الأعزاء، سوف تتعرفون تدريجيا على نشوء ونمو وتحول وتكامل هذه العلوم. الآن نقول أن علوم "الفريضة" الواجب تحصيلها والبحث فيها على المسلمين ليست منحصرة بالعلوم المذكورة، بل كل علم يقف الحصول على الحاجات اللازمة للمجتمع الإسلامي على العلم به والتخصص والاجتهاد فيه.
فإنه واجب ولازم على المسلمين من باب ما اصطلح عليه "المقدمة التهيوئية".
الإيضاح المطلوب هو أن الإسلام دين جامع وشامل لكل الأطراف، دين لا يكتفي فقط بسلسلة من المواعظ والنصائح الأخلاقية والفردية والشخصية هو دين صانع للمجتمع. ذلك الذي يحتاجه المجتمع فإن الإسلام يفرضه كواجب كفائي. مثلا المجتمع يحتاج إلى الطب، من هذا الباب فإن العمل الطبي واجب كفائي أي واجب قدر كفاية الطب، وإذا لم يصل الطب إلى قدر الكفاية فإنه يصبح واجبا على كل الأفراد أن يبتكروا وسيلة ما كي يصبح مجموعة من الأشخاص أطباء وأن ينجز هذا الشيء المهم.
[14]
ولأن الطب موقوف على تحصيل العلوم الطبية فإن تحصيل علم الطب ضرورة من الواجبات الكفائية، كذلك فن التعليم، فن السياسة، فن التجارة، وأنواع الفنون والصنائع. وفي الموارد التي يكون فيها حفظ المجتمع الإسلامي وكيانه موقوف على تحصيل العلوم والصنائع في أعلى حد ممكن فإن هذه العلوم واجبة بهذا الحد.
إذن كل العلوم ا للازمة والضرورية للمجتمع الإسلامي فإنها تعتبر جزءا من العلوم الإسلامية المفروضة والمجتمع الإسلامي يعتبر هذه العلوم بمثابة فرائض. على هذا فإن العلوم الإسلامية حسب التعريف الثالث تصبح شاملة لكثير من العلوم الطبيعية والرياضية التي هي مورد حاجة المجتمع الإسلامي.
4- العلوم التي نمت في الحوزات الثقافية الإسلامية أعم من كونها واجبة ولازمة في نظر الإسلام أو غير واجبة ولازمة، وأعم من كونها ممنوعة في نظر الإسلام أو غير ممنوعة، ولكنها على أي حال قد طوت طريقها في المجتمع الإسلامي وفي وسط المسلمين مثل علم النجوم الأحكامي (ليس الرياضي) وبعض العلوم الأخرى.
نحن نعلم أن علم النجوم حتى الوقت الذي كان فيه مربوطا بالمحاسبات الرياضية ويبين ميكانيكية السماء ولديه
[15]
سلسلة من التكهنات الرياضية من قبيل الخسوف والكسوف فإنه كان مباحاً، ولكن عندما خرج عن حدود المحاسبات الرياضية وأصبح مربوطا ببيان الروابط الرمزية بين الحوادث السماوية والمجريات الأرضية وانتهى بكونه سلسلة من توقع المغيبات حول الحوادث الأرضية فإنه أصبح بنظر الإسلام حراماً، ولكن كلا من العلمين وجد في حضن الثقافة والتمدن الإسلامي.
الآن حيث أعطينا تعاريف مختلفة عن كلمة "العلوم الإسلامية" وأصبح معلوما أن هذه الكلمة تستعمل في موارد مختلفة، في معاني مختلفة، بعضها أوسع أو أضيق من الآخر، يجب أن نقول أن المقصود من العلوم الإسلامية التي قيلت هذه الكليات بناءً عليها هي التي عرفناها في التعريف رقم (3) أي التي تحسب بنظر الإسلام على أنها "فريضة" وأن لها تاريخ طويل في الثقافة والتمدن الإسلامي، والمسلمون كانوا يحترمون ويقدسون تلك العلوم من جهة مساعدتها على رفع حاجة من الحاجات، ولكونها وسيلة لأداء فريضة ما.
في هذا الدرس الذي هو أول دروسنا على الطلاب الأعزاء أن يلتفتوا إلى هذه الملاحظة وأن يدرسوا ويبحثوا أكثر وأن يجهزوا أنفسهم بشكل كامل، وهي أن الثقافة الإسلامية ثقافة خاصة ومتميزة بالنسبة إلى الثقافات العالمية بروح خاصة وسلسلة مشخصات مخصوصة بها، إذا أردنا أن
[16]
نعرف هل أن ثقافة ما أصيلة ولها شخصية مستقلة وتتمتع بروح وحياة خاصة أم أنها صرفاً التقاطية من ثقافات أخرى أحيانا تكون أدامة واستمرارا للثقافات السابقة، يجب أن نعرف الدوافع الحاكمة على هذه الثقافة، الجهة والحركة، سكة الرشد، وأيضا أن نأخذ بعين الاعتبار عناصرها البارزة فيها. إذا كانت ثقافة ما تتمتع بدوافع خاصة ولها جهة وحركة خاصة بها وسكة حركتها متفاوته مع سكة حركة سائر الثقافات، وتدخل فيها عناصر متميزة لها بروز خاص، فإن هذا دليل لهذه الثقافة أصالتها وشخصيتها. من البديهي أنه ليس من الضروري لثقافة وتمدن ما كي يكونا أصيلين الا تستفيد تلك الثقافة من الثقافات والتمدنات الأخرى بل إن هذا الشيء غير ممكن، لا يوجد ثقافة في العالم لم تستفد من الثقافات والتمدنات الأخرى، ولكن الكلام في كيفية هذه الاستفادة.
فهناك نوع من الاستفادة بأن يجمد الثقافة والتمدن الآخر من دون أي تصرف في وسطه ولكن النوع الآخر هو أن يتغذى من الثقافة والتمدن الآخر، أي مثل موجود حي هو بنفسه يأخذ ويهضم الطعام ويظهر بالتالي كموجود جديد. الثقافة الإسلامية من النوع الثاني هي مثل خلية حية نمت ورشدت وهضمت الثقافات الأخرى من يونانية وهندية وإيرانية وغيرها وظهرت بصورة موجود جديد بوجه وسيماه خاص،
[17]
وباعتراف محققي التاريخ والتمدن فإن التمدن الإسلامي رديف لأكبر الثقافات والتمدنات البشرية. هذه الخلية الحياتية الثقافية بأي محل وبيد من ومن أي نقطة بدأت رشدها.
هذه الخلية مثل كل خلية أخرى في البداية تكون صغيرة وغير محسوسة وفي المدنية وُضع الأساس بواسطة شخص الرسول الأكرم(ص) وبدأ النوع الأول من العلوم الإسلامية بالعمل، وللاطلاع أكثر يجب أن ترجعوا إلى الكتب المختصة(1- ارجع إلى كتاب "كارمانه إسلام" تأليف الدكتور زرين كوب و"تاريخ التمدن الإسلامي" جرجي زيدان، المجلد الثالث و"الخدمات المتقابلة بين إيران والإسلام" مرتضى مطهري، القسم الثالث).
لابد أن نتذكر ضمناً أن كليات العلوم الإسلامية تنقسم إلى قسمين العلوم العقلية والعلوم النقلية.
والآن نبتدأ من المنطق الذي هو جزء من العلوم العقلية.
[18][/align]
القسم الأول: المنطق
[glint]الدرس الثاني:[/glint]
[glow=FF0000]علم المنطق[/glow]
[align=center]علم من العلوم ورد من العالم الأجنبي إلى الحوزة الثقافية الإسلامية وحصل على قبول عام حتى أصبح من حيث كونه مقدمة للعلوم الدينية جزءا منها، نقصد به علم المنطق.
ترجم علم المنطق من المتون اليونانية، واضع ومدون هذا العلم أرسطاطاليس اليوناني وقد حصل هذا على نفوذ وانتشار غير عادي، وطرأت عليه بعض الإضافات وقد وصل إلى حد الكمال. وأكبر منطق أرسطي دُوّن في وسط المسلمين هو منطق الشفاء لأبي علي سينا وحجم "منطق الشفاء" أكبر بعدة مرات من نفس "منطق أرسطو".
والمتن اليوناني والترجمة العربية وأيضا ترجمات أخرى لمنطق أرسطو بلغات مختلفة هي الآن في متناول اليد. وقد ترجم منطق أرسطو حنين بن إسحاق ونفس الترجمة موجودة الآن.
[19]
المحققون العارفون باللغة اليونانية والذين قارنوا ترجمة حنين بن أسحاق مع سائر الترجمات يدعون أن ترجمة حنين هي من أدق الترجمات. وفي القرون الجديدة تعرض منطق أرسطو بقوة للهجوم والإنتقاد من قبل فرنسيس بيكن الإنجليزي ودكارت الفرنسي، فأحيانا اعتبروه باطلا وأحيانا أخرى اعتبروه بلا فائدة. ولسنوات بل لقرنين أو ثلاثة قرون خلت كانت فيها أوروبا قد فقدت إيمانها بشكل كامل بالمنطق الأرسطي ولكن شيئا فشيئاً أخذت تخف شدة الهجوم عليه. نحن يجب ألا نقبل المنطق الأرسطي بعيون مغلقة كما يجب ألا ندينه بعيون مغلقة أيضا بل يجب أن نحقق ونرى القيمة التي يدعيها المنطق الأرسطي لنفسه. فلابد أولا من أن نعرفه ثم نبين غرضه وفائدته حتى تصبح قيمته واضحة. ونحن سننقل في باب القياس الإشكالات التي أخذت على المنطق الأرسطي، وسوف ننقدها ونبين هناك حكمها النهائي.[/align]
[blink]تعريف المنطق:[/blink]
المنطق "قانون تصحيح الفكر" أي القواعد والقوانين المنطقية التي هي بمنزلة مقياس ومعيار وآلة الوزن التي نوزن ونقيِّم استدلالاً بها دائماً عندما نريد أن نفكر أو نقيم استدلال ما حول بعض الموضوعات العلمية أو الفلسفية، حتى لا نستنتج بأسلوب خطأ، المنطق بالنسبة للعالم والفيلسوف الذي يستفيد منه مثل الشاقول(خيط البناء) أو الزئبق (الآلة
[20]
الزئبقية) التي يستفيد البناء منها للأبنية ويقيس بها هل الحائط الذي يرتفع عمودي أم لا ؟ وهل الحائط الذي يُمد أفقي أم لا؟.
لذا يقولون في تعريف المنطق: آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر.
[blink]فائدة المنطق:[/blink]
[align=center]من التعريف الذي ذكرناه للمنطق تتضح فائدة المنطق فمن المعلوم أن فائدة المنطق منع الذهن عن الخطأ في الفكر، ولكن لا يتضح من التعريف المذكور كيف يمنع المنطق الفكر من الخطأ التوضيح الكامل لهذا المطلب موقوف على أن نتعرف قبلا ولو أجمالا على المسائل المنطقية. ولكن سنبين هنا هذا المطلب بشكل مجمل.
هنا لا بد من تعريف الفكر لإنه لم يتضح تعريف الفكر بمفهوم معتبر منطقيا، آلية المنطق للفكر وبعبارة أخرى "وزن خطأ" الفكر من قبل علم المنطق لم يتضح إلى الآن.
الفكر عبارة عن ارتباط بعض المعلومات بالأخرى للحصول على معلوم جديد، وتبديل مجهول ما إلى معلوم. في الحقيقة التفكر عبارة عن سير وحركة الذهن من مطلوب مجهول إلى سلسلة من المقدمات المعلومة إلى ذلك المطلوب لتبديله إلى معلوم. لذلك يقولون أحياناً في تعريف الفكر "ترتيب أمور معلومة لتحصيل أمر مجهول".
[21]
ويقولون أحيانا "ملاحظة المعقول لتحصيل المجهول". وأحيانا أخرى يقولون "الفكر حركة إلى المبادى ومن المبادى إلى المراد". عندما يفكر الذهن ويريد أن يبدل المجهول إلى معلوم من خلال تركيب وجمع معلومات يجب أن يعطي تلك المعلومات شكلا ونظما وصورة خاصة. أي أن المعلومات القبلية الذهنية لا تصبح منتجة إلا إذا أعطيت شكلا وصورة خاصة. المنطق يبين قواعد وقوانين هذا الشكل والنظم، أي أن المنطق يوضح لنا أن المعلومات الذهنية القبلية لن تكون منتجة إلا على أساس المقررات المنطقية للشكل والصورة. أساساً عمل الفكر ليس سوى تنظيم المعلومات وترتيبها لكشف أمر جديد. إذن أحيانا نقول أن الفكر عبارة عن حركة وسير الذهن من المقدمات إلى النتائج. فيصبح معنى هذا أن "عمل المنطق هو الدلالة على قوانين تصحيح حركة الذهن". وتصحيح حركة الذهن ليس سوى تصحيح ترتيب وتصحيح إعطاء شكل وصورة المعلومات.
إذن عمل المنطق هو أن يضع حركة الذهن تحت سيطرته أثناء التفكير.
خطأ الذهن:
الذهن عندما يفكر ويضع أموراً كمقدمة لأمر آخر من
[22]
الممكن أن يعمل بشكل صحيح ومن الممكن أن يقع في الخطأ، منشأ الخطأ من الممكن أن يكون واحدا من هذين الأمرين:
1- أن تكون المقدمات التي توضع كأساس والتي تعطي المعلوم، خطأ. أي أن تكون المقدمات التي تشكل مواد استدلالنا فاسدة.
2- أن يكون النظم والشكل والصورة التي أعطيت للمقدمات خطأ. أي أن مواد الاستدلال صحيحة ولكن شكل استدلالنا خطأ.
الإستدلال في عالم الذهن مثل البناء. البناء يكون كاملاً عندما تكون مواده كما شكله من دون أي عيب. فعندما لا يكون واحد منهما بدون عيب فإن البناء لا يكون قابلاً للإعتماد عليه. مثلاً إذا قلنا "سقراط إنسان وكل إنسان ظالم إذن سقراط ظالم" هذا الإستدلال من ناحية الشكل والصورة صحيح ولكنه من ناحية المادة غير صحيح لأنه ليس صحيحا أن نقول أن "كل إنسان ظالم". أما إذا قلنا "سقراط إنسان، وسقراط عالم إذن الإنسان عالم" فإن مادة الإستدلال صحيحة ولكن شكله وتنظيمه ليس منطقياً.
لهذا كانت النتيجة خطأ. أما لماذا الشكل والتنظيم ليس منطقيا فإن هذا سيتضح في باب القياس.
[23]
زنة خطأ المنطق الأرسطي ترتبط بشكل وصورة الإستدلال فقط، أما زنة خطأ المادة فهي خارجة عن عهده المنطق الأرسطي، لذلك يسمون منطق أرسطو بمنطق الصورة. أما هل ظهر في العالم منطق يزن خطأ مواد الإستدلال أم لا؟ فإن هذا المطلب سوف نبحثه في باب القياس. من مجموع ذلك الذي قيل أصبح معلوما أن قيمة المنطق الأرسطي هي في زنة خطأ عمل الفكر أي زنة خطأ صورة وشكل الاستدلالات الإنسانية. أما ما هي القوانين التي كان يظهرها المنطق لتصحيح الإستدلال فإن هذا المطلب يتضح من المطالعة التفصيلية للمنطق.[/align]