لمحة موجزة عن النَّجف الأشرف

النَّجف الأشرف، مهوى الأفئدة، إليها تشخص عيون المحبّين، هي حاضرة علميَّة ودينيَّة عريقة من حواضر العالم الإسلاميّ منذ القدم.. وفد إليها، كما تخرَّج منها، أسماء وأسماء لمعت في سماء الفكر والعلم، وتركت تأثيرها وبصماتها واضحة جليّة على جبين الإنسانيّة، بما قدَّمت من إنجازاتٍ واجتهادات... تاريخيّاً، نشأت المدينة المقدَّسة في ظهر الكوفة في أواخر القرن الثَّاني للهجرة حول مرقد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)... وتقع على حافة الهضبة الصحراويَّة الغربيّة من العراق، على بعد 160 كلم من العاصمة بغداد، وترتفع فوق مستوى سطح البحر 70 متراً تقريباً، وتبلغ مساحتها 1328كلم، أمّا حدودها الإداريّة كمحافظة، فهي كالتّالي: من الغرب والشّمال الغربيّ: المملكة العربيَّة السعوديّة ومحافظة الأنبار، ومن الشّمال الشّرقيّ: محافظة كربلاء، وبين الشَّرق والجنوب الشّرقيّ: محافظتا بابل والقادسيّة... وللنّجف عدّة أسماء، فاسمها عند أهل اللّغة يعني التلّ، والمكان الّذي لا يعلوه الماء المنقاد، ومن أسمائها "الغريّ"، وهو الحسن من كلّ شيء، و"المشهد"، وهو ما ذكره ابن جبير وابن بطوطة في رحلتيهما، وهو تسمية للكلّ باسم البعض الأظهر والأشرف فيها، وهو مشهد القبر المقدّس... نزل الإمام عليّ(ع) بعد واقعة الجمل، واتّخذها عاصمةً لخلافته سنة 36هـ، وأصبح ظهر الكوفة (الثوية) مقبرةً للمسلمين في الكوفة، وفيهم عدد كبير من الصّحابة والتّابعين... ولقد تقاطر الزوّار على مقام أمير المؤمنين(ع) من الأئمّة(ع) والسّلاطين والأعيان والشّعراء والخلفاء، وفي نهاية القرن الثّاني، بدأ بعض الشّيعة يسكنون عنده ويدفنون أمواتهم حوله، ولم ينته القرن الثّالث، حتّى أصبحت النّجف مدينةً صغيرة.. وذكر المؤرّخون أنّ محمد بن زيد العلويّ، صاحب "طبرستان"، المتوفّى سنة 278هـ، بنى زمن المعتضد على القبر الشّريف طاقاً للفقهاء والقرّاء والفقراء، وفي سنة 338هـ، أقام عضد الدّولة البويهي، المتوفّى سنة 372هـ، عمارةً كبيرةً وقبّةً أعظم وأفخم من القبّة السابقة، وشيَّد أوّل سورٍ يحيط بمدينة النّجف الأشرف... تعرّضت النّجف الأشرف في تاريخها لعدّة نكبات واعتداءات من قِبَل بعض المغالين والملحدين، كما عانت في القرنين العاشر والحادي عشر من وقوع عدّة طواعين وأوبئة شديدة الوطأة، وكابدت من آثار الحروب الصّفويّة ـ العثمانيّة، وأرهقتها غارات رؤساء بعض القبائل، ما حمل أكثر أهلها على الهجرة عنها، حتى إنّ الرحّالة البرتغالي (تكسيرا)، الّذي زارها سنة 1013هـ، قال "إنّ بيوتها المسكونة لا تزيد على الستمائة بيت، بعد أن كانت تزيد على ستة آلاف أو سبعة آلاف بيت مبنيّة بإتقان". ولكنّ هجرة أهلها كانت مؤقّتة، فما يلبث السكّان أن يعودوا عندما يتلمّسون انفراجاً في ظروفهم... وتضم مدينة النجف الأشرف ، في ثناياها حوزة النجف الشهيرة ، والتي تأسست في القرن الخامس الهجري ، حسب قول بعض المؤرخين ، بعد وصول كبيرُ علماء المسلمين الشيعة الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي إلى المدينة . وقد نمت الحوزة بعد ذلك بعلمائها وحلقات التدريس فيها ، حيث أصبحت محجة طالبي العلم من مختلف الأقطار الإسلامية. كما خرجت الكثير من العلماء والمجتهدين الّذين برعوا في إغناء الفكر الإسلاميّ الأصيل، وحافظوا على رسالة الإسلام ومفاهيمه إلى اليوم، إضافةً إلى العديد من الأسماء اللامعة في دنيا الأدب والشّعر والمعارف الأخرى، وكان لهذه الحاضرة تجربتها الفريدة والمميّزة بخصائصها وعطاءاتها.. والجدير ذكره، أنّه تمّ اختيار النّجف كعاصمة للثّقافة الإسلاميّة للعام 2012م من قِبَل المؤتمر الإسلاميّ السّادس لوزراء الثّقافة في منظمة "الإيسيسكو"...

مؤسسة سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (ره) التاريخ: 1 ربيع أوّل 1433 هـ الموافق: 24/01/2012 م

يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......
شكر للموضوع