شارع المتنبي.. يزهو ويستعيد تألقه من جديد
شارع المتنبي.. يزهو ويستعيد تألقه من جديد
شارف العمل على الانتهاء في شارع المتنبي، حيث أكملت الملاكات الهندسية والفنية في أمانة بغداد أعمال تطوير هذا الشارع المهم في الحركة الثقافية في العراق.
وفي جولة في شارع المتنبي الذي يشهد اللمسات الأخيرة على انجازه، قال المهندس صباح هليل، المشرف على المشروع: كما تشاهدون ان كوادرنا الهندسية والفنية تضع لمساتها الاخيرة لرصف أرضية الشارع الرئيسي مع الأرصفة الجانبية واستخدمنا أرقى انواع المرمر في أرضياته الممتدة من بداية شارع الرشيد حيث مدخله الرئيسي، وتمت إضافة النافورات بين أعمدة البنايات وبمحاذاة المكتبات المطلة على الشارع ووضعت السنادين الكبيرة والزهور حيث صممت هذه السنادين على شكل الاعمدة البغدادية الاصلية والتي كانت تضع من الاخشاب والزجاج الملون في الطراز المعماري القديم.
وأضاف هليل: أشرف فنياً على هذه الاعمال المكتب الاستشاري الهندسي في الجامعة التكنولوجية وبالتعاون مع دائرة الآثار والتراث وساهمت فيه ايضاً عدد من الوزارات والدوائر الحكومية المختصة مثل الكهرباء والماء والاتصالات ودائرة الموارد المائية من أجل ان يعود هذا الشارع الى سابق عهده ليستقبل عشاق الثقافة.
وقد اتخذت اجراءات امنية جديدة في عملية الخروج والدخول لمنع أعمال الارهاب من أن تطاله مرة أخرى، وأصبح في حلته الجديدة حيث يمنع منعاً باتا دخول المركبات، فقد أصبح ممراً للسير والتجوال فقط للمواطنين للمحافظة على جماليته وقد اعتمدت مواصفات الفولكلور البغدادي في تصميمه.
كلفة اعمار الشارع تبلغ أكثر من 5 مليارات دينار عراقي، وسيكون هذا الشارع من ابرز شوارع الثقافة وقبلة المثقفين والطلبة والباحثين من كافة انحاء العراق.
مثقفون يرحبون بعودة الحركة الى شارع المتنبي في بغداد
مثقفون يرحبون بعودة الحركة الى شارع المتنبي في بغداد
بغداد/ أصوات العراق: رحب مثقفون بعودة الحركة الى شارع المتنبي الذي يمزج التراث بالروح البغدادية المحبة للتمدن، ودعا بعضهم الى تحويله الى ملتقى تقام فيه فعاليات ثقافية ومعارض تشكيلية.
وقال الشاعر والصحافي كاظم غيلان لوكالة (أصوات العراق) ان “عودة شارع المتنبي بهذا الشكل اكثر من مقنعة بالنسبة لنا كمثقفين، إلا ان المجحف على المستوى الإعلامي ألا يشار لإمتداد جديد له متمثلا بتمثال المتنبي ومرساه على نهر دجلة، الذي من الممكن استثماره كفسحة سياحية”.
وشارع المتنبي الذي يحمل اسم الشاعر العباسي الكبير (أبو الطيب المتنبي)، والمحصور بين سوق السراي من جهة نهر دجلة وشارع الرشيد، فيه يتركز بيع الكتاب ببغداد، ويأتيه رواده من المحافظات المختلفة.
وقد أطلق عليه خلال الحكم العثماني اسم الخامنيه التي تعني ثكنات الجيش. وتشير بعض الدراسات والمصادر التاريخية الى انه يعود الى العصر العباسي، إذ كان مركزا للتأليف والترجمة والمعارف.
واضاف غيلان ان “اعادة اعمار المتنبي هي خلاصة تحد كبير عبر رئة الثقافة التي استعادت وجودها بهمة من تبقى من الخيرين، فتجد فيه اليوم هذا الإرتياد القوي من قبل رواده كون المتنبي ليس شارعا طارئا استحدثته ظروف ما، انما هو أحد مكونات الذاكرة الثقافية العراقية”.
واعرب عن تطلعاته بأن يتم “تطوير الشارع وأن يضم كاليريات (معارض) في فضائه وقراءات شعرية متروكة للمستقبل”.
بينما عدّ الكاتب جمال العتابي ان “عودة الشارع مهمة جدا للحياة الثقافية العراقية ولتجديدها في وقت لم ينقطع فيه المثقفون العراقيون عن شارعهم بالرغم مما تعرض له من عمل ارهابي، فكان قريبا ومرتبطا دوما بالكتاب وبرواد الشارع”.
وأوضح لوكالة (أصوات العراق) أن “عودته تمثل تأكيدا على التصدي لكل محاولات طمس هذا الأثر الحضاري المرتبط بتاريخ العراق منذ عقود، فرؤيته بهذه الهيئة تدخل السرور الى النفس للدلالات والمعاني الكبيرة التي يحملها كمرآة لحياة اكبر في فضاء أوسع هو العراق”.
وأضاف العتابي أن “عودة المتنبي عودة للتواصل الابداعي بين المثقفين، ومن هنا فان هناك ضرورة تبرز الآن بتحول الشارع الى ملتقى ثقافي اكبر، ومن خلال فعاليات ونشاطات متنوعة لا تقتصر على مجرد عرض الكتاب وانما كمكان لنشاطات في التشكيل والتراث والموروث الشعبي بتوفر مستلزمات اقامة مثل هذه النشاطات”.
من جهته، قال الشاعر نصير فليح لوكالة (أصوات العراق) إن “هذا التجمع المكثف للمثقفين العراقيين في الشارع يمثل عودة تدريجية للحياة الى كل مفاصل المجتمع، فالحيوية والنشاط اللذان يبثهما الشارع في حياة المثقفين لها دور ملحوظ”.
واعرب عن امله بأن “يتحول ذلك الى تفاصيل مجسدة عن طريق منظمات او تجمعات ونشاطات ثقافية متنوعة بحيث يتحول الشارع والملتقيات التي يوفرها الى منبع لتجدد دائم في الحياة الثقافية واثرها في المجتمع العراقي”.
واتفق الكاتب المسرحي صباح المندلاوي مع رأي زميله نصير فليح، وقال لوكالة (أصوات العراق) إن “يوم الجمعة بالذات هو ملتقى للكثير من المعارف والاصدقاء ممن لا تراهم يوميا”.
وأضاف “لا بأس، وخصوصا مع العودة الميمونة لشارع المتنبي، ان تنظم هنا فعاليات ثقافية ومعارض تشكيلية وغيرها من النشاطات التي لاأشك للحظة في نجاحها الكبير، ومع كل هذا فان عالم (بسطات الكتب القديمة) يبقى محطة لاكتشاف كنوز ثمينة فيها”.
أما المصور الفوتوغرافي الفنان فؤاد شاكر فأوضح لوكالة (أصوات العراق) “يجب ان يكون للمشهد الثقافي العراقي حضورا في الشارع ليس مجرد زيارات وارتياد تقليدي، فالعناية بالثقافة لابد لها من ان تبدأ من قبل وزارة الثقافة كون امانة بغداد اهتمت بالمعالم العمرانية”.
وتساءل قائلا “لا اعرف ماسبب هذا التردد في احتضان الثقافة بشكلها العام، لإن الكثيرين اليوم يسألون أين هي النشاطات الثقافية في شارع الثقافة الذي هو بحاجة اليها؟”.
بينما عبر الكاتب والاكاديمي عامر حسن فياض عن اعتقاده بأن عودة الشارع تعني للعقل العراقي وعودة للحياة والمعنى معا، فهذه العودة لابد وان تكون مأمولة لإن العلامات الفارقة للتمدن عند الشعوب هي ان تكون المدرسة في مأمن والمعبد والمحكمة في مأمن، كذلك سوق الثقافة في مأمن”.
وأضاف أن “الحلة الجديدة للشارع هي بمثابة شكل يزين المضمون، فالعبرة فيه، طالما بقي لا ضرر ولا ضير في أن يكون الشكل (الحلة الجديدة) جميلا”.
وفي ذات السياق، قال الشاعر والمترجم سهيل نجم لوكالة (أصوات العراق) “لاغنى للمثقفين العراقيين عن شارعهم المتنبي،على الرغم من الغصة التي في داخلنا، وكأنه لو لم يستشهد هؤلاء الأعزاء من الأصدقاء في تفجير الشارع لما شهدناه بهذه الحـُلة الجديدة”.
وأضاف “لقد دفعنا ثمنا باهضا عندما سفكت الدماء وزهقت الأرواح حتى انتبه المعنيون الى اعادة اعمار الشارع، لإننا لانحصل على شيء إلا وندفع ثمنا غاليا”.
وشهد شارع المتنبي 5-3-2007 تفجيرا راح ضحيته 35 شخصا بين قتيل وجريح وألحق به أضرارا بالغة وخاصة بمقهى الشابندر الذي يقع في نهاية الشارع مقابل سوق السراي، ما دفع الكثيرين الى العزوف عن ارتياد الشارع الذي كان ملاذا للمثقفين من شتى انحاء العراق.
وأعرب نجم عن تفاؤله بأن “العراقيين سيعيشون زمنا آخر يبنون من خلاله مستقبلهم الجديد من دون تضحيات أخرى، فالشارع من ناحية شكله العمراني الجديد ظهر اليوم بشكل أفضل، لكننا نتعطش الى انفتاح اكبر على عالم الكتاب العربي والعالمي، إذ ما تزال الكتب المعروضة محلية او قديمة وغير مرتبطة إلا بحدود ضيقة مع العالم فكريا وثقافيا”.
واعلنت امانة بغداد في 14-12-2008 انجازها كافة اعمال اعادة اعمار وتأهيل شارع المتنبي التراثي وسط بغداد بكلفة خمس مليارات دينار(4,2مليون دولار)، وافتتحه رئيس الوزراء نوري المالكي بتاريخ 18-12-2008، بحضور عدد من المسؤولين والمثقفين العراقيين.