هل فعلاً أن (( القرآن حمّال أوجه )) ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرة هي المفاهيم التي تسللت إلى ثقافتنا إلإسلامية و اندست لهدف خبيث ساهم في تحييد مسار هذه الأمة التي لم تعرف لها شكلاً و لا هوية حقيقة ذات بال إلا بهذا الدين و بهذا القرآن ، و إذا كان الأنبياء من قبل قد حوربوا و تعرضوا هم و رسالتهم لما تعرضوا اليه لأنهم كانوا يتكلمون بكلام الله و ينقلون رسالته ، فلا عجب أن يكون القرآن الكريم هدفاً لحملة مشابهة امتدت منذ نزوله ، و هو كلام الله الناطق بين أظهرنا و المبلغ لنا أمر الله و لي رسالته منذ قرون ... و كأنه نبي مرسل !
من هذه المفاهيم أو الألفاظ المحيرة المعنى و الدلالة هي لفظة أن (( القرآن حمال أوجه )) و التي غدت تكثر في الخطابات الإسلامية و غير الإسلامية لمعانٍ عده ، أخبثها هي للتمويه على مقصد النص القرآني ، حتى ليلاحظ المتابع لكتابات بعض العلمانيين و الإلحاديين مثلاً في الأونة الأخيرة بالذات استشهادهم أمام المسلمين بهذه اللفظة للتدليل على أن القرآن لا يصلح لجمع الخصماء لأنه يحمل وجوهاً كثيرة متناقضة لا تجمع المختصمين على مرجع واحد يحتكمون اليه ، و كأن كل متخاصم سيجد بغيته من كتاب الله يحاجج بها الآخرين كما يحاججونه هم بها!
إن لهذا التعبير أثراً في انفعال المسلمين مع قرآنهم الذي يجمعهم و يوجههم و من الأولى أن يكون منهجه هو المنقذ لهم ، لكن هذا التعبير يقف حجر عثرة أمام هذا الأمر لأنه يوحي بعدم جدوى الرجوع اليه ، و يعطي أعداء الله و المتربصين بالمسلمين وجهاً يجادلون به عن دعواهم عجز القرآن في أن يكون منهجاً يوحد المؤمنين به. و هذا ما أصاب بعض المسلمين أنفسهم و صاروا يصدقونه من حيث لا يشعرون ، إذ أن هذه الألفاظ - أو المفهوم الذي يراد له أن يستخرج منها - و غيرها قد عزلته عن ساحة الأحداث و أبعدت كل تأثير له في حيات المسلمين حتى بات مهجوراً فعلاً ، يطرب لسماعه و إيقاع كلماته من دون أن يكون هناك انفعال حركي بتعاليمه و أوامره و نظمه و آدابه ! و بت تسمع من بعض الكهنة و الدجالين – بطبيعة الحال - عبارات النهر و النهي عن الإقتراب من ساحة الكتاب للتدبر الحر و التفكر فيه إذا كانت فيه فضيحتهم بحجة أنه "حمال أوجه" و أنه من اختصاص العلماء لا الرعاع !
من أين جاء هذا التعبير الوصفي ؟ و إن صح التعبير بهذه الكلمات ، فما هو المعنى الحقيقي المراد بها ؟
ينسب هذا الأثر إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله و سلامه عليه - حين أرسل ابن عباس لمجادلة الخوارج حيث ورد أنه قال له (( لا تجادلهم بالقرآن فإنه "حمال أوجه" ولكن ألزمهم السنة )).
هذا الخبر بحاجة إلى مناقشة ، هل صدر فعلاً هذا التعبير من الإمام أم لم يصدر ، و إن كان قد صدر فما المقصود به؟
هناك اشكالات عدة حول صحة صدور هذا التعبير عن الإمام بهذا اللفظ ، ذلك أن ربيب القرآن و الناطق به و الذي يدور حيث يدور القرآن هو خير العارفين بالقرآن و العاملين به ، و الآمرين بالأخذ عنه و الرجوع اليه و قت الفتن و المحن بالذات ، و ليس أدل على هذا من حديث الحارث الأعور الشهير :
(( عن الحارث الأعور قال: مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي فقلت: يا أمير المؤمنين ألا ترى الناس قد خاضوا قال: أو قد فعلوها؟ قلت: نعم، قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنها ستكون فتنة قلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: (( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به)) من قال به صدق ، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى الصراط المستقيم. خذها إليك يا أعور. سنن الترمذي 2831. ))
فها هو ذا يقول أن (( فيه حكم ما بينكم )) و (( من حكم به عدل )) فكيف يليق به أن يقول بعد ذلك لا تجادلهم به فإنه حمال أوجه و لكن جادلهم بالسنة؟ و هو الأعرف بكتاب الله الذي يصفه الله بأنه (( مبين )) .. فهو مبين الحجة و القصد و الدلالة و المعنى ، و لا يسمى مبينا ًمن يحتمل المتناقضات!
بل أن المفارقة في الأمر ، أننا نجد أن ابن عباس قد حاجج الخوارج بالقرآن ما داموا هم من القراء و من المتهمين علياً بمخالفته و من الأولى أن يخاصمهم فيه ! قالوا له : كيف يحكم الناس في حكم الله ؟ فاحتج عليهم أن الله قد حكم الناس في كتابه في الزوجين المتخاصمين فقال (( و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )) .. فخصمهم ، فهل خالف أمر إمامه و ابن عمه ؟
هذا الكتاب يسره الله للذكر (( و لقد يسرنا القرآن للذكر )) و أمر بتدبره و العمل به (( أفلا يتدبرون القرآن )) و قال عنه أنه نور و كتاب مبين ، فهو إذن نص لا يمكن أن نتهمه بأنه حمال أوجه و لابد من تنزيه ساحته عن أن يكون سلاح صراع و جدل يحتمل الشيء و نقيضه ، و بالتالي علينا أن نتجاوزه لنذهب إلى ما لا يحتمل إلا وجها واحدا لهذا التعبير ، و لابد إذن أن يكون المعنى الوحيد المستخلص منه – إن صحت نسبته - هي سعة النص و انفتاحه على البيئة و المجتمع و العرف إضافة إلى التاريخ الماضي، و هذا جزء من إعجازه. فإن تعددت وجوه النص فإنما هي تصب في اتجاه واحدٍ و غايةً واحدةً لا معاني متناقضة ، كما يروج له البعض.
يتخيل أنه مجتهد في القرآن .. ولا يعرف أنه حمال وجوه وأن له وجوهاً وبطوناً..!
* في المجازات النبوية للشريف الرضي ص 251 :
قوله عليه الصلاة والسلام : " ما نزل من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن " .
وقد قيل في ذلك أقوال : منها أن يكون المراد أن القرآن يتقلب وجوها ، ويحتمل من التأويلات ضروبا كما وصفه أمير المؤمنين علي عليه السلام في كلام له ، فقال : القرآن حمال ذو وجوه ، أي يحتمل التصريف على التأويلات ، والحمل على الوجوه المختلفات .
* وفي نهج البلاغة :3/ 136 :
( لما بعثه للاحتجاج على الخوارج ) لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال ( 2 ) ذو وجوه تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا )
* وفي تفسير الميزان: 5 /220 :
وربما ذكر بعضهم أن " إلى " في الاية بمعنى مع كقوله تعالى : " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " ( النساء : 2 ) وقد استند في ذلك إلى ما ورد في الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغسلهما إذا توضأ ،
وهـــــــو مـــــــن عجيــــــب الجرأة في تفسير كلام الله ،
فإن ما ورد من السنة في ذلك إما فعل والفعل مبهم ذو وجوه فكيف يسوغ أن يحصل بها معنى لفظ من الالفاظ حتى يعد ذلك أحد معاني اللفظ ؟
* وفي البرهان للزركشي ج 2 ص 163 :
وقوله ذووجوه ثم يحتمل معنيين أحدهما أن من ألفاظه ما يحتمل وجوها من التأويل والثانى أنه قد جمع وجوها من الأوامر والنواهي والترغيب والترهيب والتحليل والتحريم....
* وفي الدر المنثور للسيوطي ج 1 ص 15 :
وأخرج ابن سعد عن عكرمة قال سمعت ابن عباس يحدث عن الخوارج الذين أنكروا الحكومة فاعتزلوا على بن ابى طالب قال فاعتزل منهم اثنا عشر ألفا فدعاني على فقال اذهب إليهم فخاصمهم وادعهم إلى الكتاب والسنة ولا تحاجهم بالقرآن فانه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة
* وأخرج ابن سعد عن عمران بن مناح قال فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين فانا أعلم بكتاب الله منهم في بيوتنا نزل فقال صدقت ولكن القرآن جمال ذو وجوه يقول ويقولون ولكن حاججهم بالسنن فانهم لن يجدوا عنها محيصا فخرج ابن عباس إليهم فحاجبهم بالسنن فلم يبق بايديهم حجة .
* وفي فتح القدير للشوكاني ج 1 ص 12 :
وأخرج ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة قال قال أبو الدرداء لا تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوها
وأخرج ابن سعد أن عليا قال لابن عباس اذهب إليهم يعني الخوارج ولا تخاصمهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة فقال له أنا أعلم بكتاب الله منهم فقال صدقت ولكن القرآن حمال ذو وجوه .
---------------------------
* الذي يدعي فهم القرآن ، لابد أن يعرف المحكم والمتشابه منه ،
ويحصر استدلاله بالمحكم ،
ووالله ما عرف اللاري ذلك ؟!!
بل هو من الذين يخرصون ، ويتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة !
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران:7)
Re: يتخيل أنه مجتهد في القرآن .. ولا يعرف أنه حمال وجوه وأن له وجوهاً وبطوناً..!
اقتباس:
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة العاملي
[B
* الذي يدعي فهم القرآن ، لابد أن يعرف المحكم والمتشابه منه ،
ويحصر استدلاله بالمحكم ،
ووالله ما عرف اللاري ذلك ؟!!
بل هو من الذين يخرصون ، ويتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة !
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران:7) [/B]
و الله إنه لمن السخرية أن يتحدث خبير الفتنة العاملي عن المحكم و المتشابه و لم نره يوما ًيحتج لا بمحكم و لا حتى بمتشابه ! بل ما أبعده عن القرآن و لو كان لبان ، فهو مغرم بقصص المجلسي و يتلقف الروايات الهورقليائية على علاتها و يبني عليها عقيدته و خرافاته!