كلام في ولاية الفقيه..

محمد كاظم الشهابي



مؤخرا، أجرت يومية «صوت الناس« المغربية حوارا متشعبا مع المفكر الاسلامي «ادريس هاني«، وقد تركز الحوار على ظاهرة التشيع في المغرب، ولعل أهم ما عالجه المفكر الاسلامي «ادريس هاني« هو كلامه في ولاية الفقيه، تعميما للفائدة وإثراء للحوار حول هذه القضية، أعيد هنا نشر بعض ما ورد في الحوار.

س - هناك نقاش حول ولاية الفقيه وعصمة الإمام. كيف تنظرون إلى هذا الموضوع؟ ج - للأسف، حينما يأتي أناس ويتحدثون حول مفهوم ولاية الفقيه بشكل يغلب عليه التسطيح والجهل المركب، حيث لا يقتربون من الإشكال الحقيقي، ومن جوهر وفلسفة ولاية الفقيه، لذلك لا يمكن أن نأخذ منها موقفا (مع أو ضد) إذا لم نحرز على الأقل محل النزاع.. وثق تماما أن كثيرا من الناس ومنهم بعض الشيعة أيضا، لم يفهموا المقاصد البعيدة لولاية الفقيه إلا لماما، ويحتاج الإنسان إلى أن يدرس كثيرا، ويتخصص كثيرا في الفقه الشيعي، وعلم الكلام الشيعي، حتى يقترب من هذا المفهوم المعقد، ولاية الفقيه لا خلاف حولها عند الشيعة من حيث الأصل، فالخلاف هو حول المساحة التي تعطى لسلطة الفقيه في الحالات التي يكون فيها الفقيه مبسوط اليد، هل ولاية الفقيه موسعة أم مضيقة، هل هي مطلقة أم مقيدة؟ عموم فقهاء الشيعة التقليديين يرون أن هذه الولاية مقيدة، والإمام الخميني قد دقق في هذا الموضوع وطور المبحث انطلاقا من بعض الآراء لفقهاء سابقين، كـ «الملا النراقي«، وآخرون يشتم منهم القول بالاطلاق، لقد كان واقعيا ولم يكن يؤمن بالانتظار على الطريقة التقليدية، ولكي يبرر جدوى مشروعه في الحكم السياسي، كان من الضروري أن يقول إن بإمكان الفقيه أن يحكم، وبالتالي كل ما كان للأئمة من سلطات بما فيها ما يتعدى الأمور الحسبية والقضاء وغيرهما، مما هو ليس مصدر خلاف حتى برسم ولاية الفقيه المضيقة، فيجب أن تكون أيضا للفقيه، ها هنا حقا محل النزاع، إن سلطة الفقيه الحاكم كما نوقشت في إطار ولاية الفقيه التي تجد لها مبحثا في كثير من الأبواب الفقهية مثل المتاجر والبيع، لا تمنح الحاكم أكثر مما منحته نظرية الخلافة للحاكم من سلطات تفرض حق الطاعة على الرعية من دون كفاءة، ولا شرط العلم كالاجتهاد وسعة الاطلاع بمشكلات عصره، أو شرط السلوك كالعدالة، بل لا ترقى إلى مستوى الفيتو الذي قد يتمتع به رئيس في دولة ديمقراطية، مع الفارق طبعا، وهو الفلسفة التي تؤطرها، وتجعلها ذات خصوصية من الصعب أن تطبق خارج المجتمع الإيراني، علينا ألا ننسى أن الولي الفقيه حسب ولاية الفقيه، هو منتخب من قبل مجلس الخبراء، المنتخب بدوره من قبل الشعب، ومتى اختلت شرائط الولي الفقيه، بصدور ما يخدش في عدالته أو ما يكشف عن اتباع هواه في الأمور العامة، أي بروز طبائع الاستبداد على قراراته وسلوكه السياسي، وهكذا في باقي الشروط المقررة، فإن ما يبدو عقدا بين الولي والشعب، ينفسخ تلقائيا، وهي كما ترى أقرب إلى العقد الاجتماعي من المنظور السياسي «الكانتي«، وقبل ذلك «توماس هوبز«.. فلا أحد يملك في الفقه الشيعي بموجب قاعدة التسلط أن يتسلط على الناس من دون دليل، ولا اختيار، وعلى كل حال، فإن ولاية الفقيه في إيران، هي قضية دستورية، وقد أقرها الشعب بالاستفتاء قبل أن يستتب الأمر للإمام الخميني، حيث كان وضع الدولة لايزال هشا.. هذا وفي المقابل ثمة آراء مخالفة، فطالب الحوزة في «قم« لايزال يقرأ في كتاب «المكاسب« عبارة شهيرة للشيخ «مرتضى الأنصاري« وهو من علماء القرن التاسع عشر الميلادي، مفادها أن إثبات باقي السلطات التي يتمتع بها الإمام للفقيه عدا أمور القضاء والولاية على اليتيم والأمور الحسبية المضيقة، دونها خرط القتاد.. لا تعتقد أن النقاش ليس موجودا، والأدلة معدومة عند هذا الطرف أو ذاك.. أردت من هذا أن أقول: إن المسألة ليست بالبساطة التي يتحدث بها الناس، فهي قضية علمية فقهية، ويمكن للنقاش أن يكون مشروعا متى كان كذلك، وإذا كان لا بد من مناقشتها، وهذا أمر ممكن، فعلينا أن نناقشها بالمستوى والشروط التي تفرضها قيمة الموضوع، وقبل ذلك كله، أن نفهمها أولا. س - الانتقاد الذي يوجه لهذا المبدأ هو أنه يعطي الصلاحيات للفقيه ويعطيه العصمة. ج - أبدا، هذا خلط كبير.. تارة نحن نتحدث عن المعصوم، وتارة نحن نتحدث عن الفقيه في زمن غيبة المعصوم، فهل الفقيه عندما يشغل هذا المنصب يجب أن يشغله بنفس السلطة الموسعة التي كان يتمتع بها الإمام؟ هنا محل النزاع كما ذكرنا، بل لا ننسى أن تولي الفقيه لمناصب الإمام حتى بشروط ولاية الفقيه المطلقة، هي ولاية بالعرض لا بالذات.. بل إن المسألة إجرائية بحتة، وهذا لا يمنع من وجود مجلس خبراء أو مستشارين، نحن في هذا المورد نتحدث عن الجانب الشكلي، وأعتقد أن الموضوع قابل للأخذ والرد، ولكن بالدليل والتحقيق والتفهيم. س - هل قول الفقيه مقدس، وهل الفقيه معصوم؟ ج - هذا من أغرب الخرافات، الفقه الشيعي فقه اجتهادي ولا وجود للقداسة في مجال الاجتهاد الشيعي، ولا يمكن للفقيه أن يثبت اجتهاده إلا إذا استطاع التفرد برأي جديد.. فيكون أفقه المجتهدين من استطاع هز الصرح الفقهي هزا.. ولقد ارتفع مقام «ابن ادريس الحلي« عند الإمامية حينما غير وجهة الاجتهاد وحررها من هيمنة مبنى «الشيخ الطوسي«، فعلمية وقيمة المجتهد تزداد بقدرة الفقيه على التجديد والتطوير وتحقيق القطائع الفتوائية.. الناس تقدس الدليل والبرهان الذي يستطيع أن يستند إليه كل فقيه في فتواه وآرائه الصناعية.. فما يبدو تقديسا بهذا المعنى هو تقديس بالعرض. س - هناك خلاف تاريخي بين الشيعة والسنة حول الأحقية بالخلافة. ج - إذا سألتني شخصيا سأقول إن علي بن أبي طالب هو أكبر من أن نقول عنه إنه أحق أو غير أحق بذلك المنصب، فهذا رجل من أي زاوية أتيته، ستجده رجلا عظيما، لقد كان تكليفا على الصحابة أن يعتبروا رأيه ويتبعوه، فهو رجل عبقري بكل المقاييس.. وأنت ترى، أن الرجل لم يحضر أساسا في سقيفة «بنو ساعدة« ولم يؤخذ برأيه ولم يلتفت إليه، ولم يجدوا ما يحاجون به ولم يجدوا كفاءة تسمو عليه، سوى انهم قالوا: «انه أقل سنا«.. وهذه تتعلق بالنزعة الأبوية في الثقافة العربية. إن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، هو ضحية النزعة الأبوية التي وسمت العقل العربي منذ ذلك الوقت إلى اليوم.


أخبار الخليج 6 - 7 - 2006