|
-
بغداديات بهلول الكظماوي : ( اصلح الرأس يصلح الجسد )
( بغداديات )
بتوقيع : بهلول الكظماوي
( اصلح الرأس يصلح الجسد )
تمهيد :
ورد في الحديث الشريف : الناس على ثلاث (عالم ربّاني , ومتعلّم على سبيل نجاة , او همج رعاع)
وانا لا ادّعي لنفسي اني عالم ربّاني, ولا حتّى باحث حوزوي, بل مكتوي و متحرّق بما شاهدت و لمست عن قرب من مآسي دارت على ابناء جلدتي في ضروف المحنة القاسية التي المّت بنا جميعاً, ولهذا فانا اتعلّم على سبيل النجاة.
امّا موضوع الهمج الرعاع : فليس بالضرورة ان كل من جنت عليهم الضروف و حرمتهم من التعليم الديني والادبي ان يكونوا من الهمج الرعاع, بل اكاد اجزم بانّ الكثيرين من هؤلاء المجني عليهم من غير المتعلّمين دينياً وحسبوا جزافاً على الهمج الرعاع هم اطهر وانظف وانقى سريرة من كثير من ادعياء العلم الديني الذين يتاجرون بآلام ومآسي هؤلاء المستضعفين الممتحنين,
حيث ثخنت رقاب هؤلاء المتاجرين بالدين وكبرت كروشهم وامتلكوا العقارات واففتتحوا البازارات والمشاريع التجارية وتزوجوا النساء و امتلكوا الاماء وكدّسوا الاموال في البنوك و المصارف الاجنبية من الحقوق الشرعية التي هضموها من المستضعفين.
( البغدادية )
( الحوزة العلمية الدينية ..... اصلح الرأس يصلح الجسد )
تعبير ( الحوزة العلمية ) يقصد به مدارس العلوم الدينية عند الشيعة, امّا مدارس العلوم الدينية عند الاخوة ابناء السنّة فلا يطلق عليها تسمية الحوزة .
ولكون مدارس و معاهد تخريج علماء الدين والخطباء عند الطائفة السنية مرتبطة غالبيتها بوزارات الاوقاف الحكومية المتعاقبة , وايضاً لها سلبياتها كما لها ايجابياتها , الا انّي افضّل ترك نقدها و تقويمها الى ابناء طائفتها , فهي اعلم بما يدور بداخلها , واحصر موضوعي هذا في الحوزة العلمية الشيعية فقط .
تقوم الحوزة العلمية عند الشيعة برفد جماهير المتدينين الشيعة بالفتاوى و التعاليم الدينية و تعمل جهدها و اجتهادها لوضع حلول لمشاكل الشيعة ومعالجة امور حياتهم المستعصية , ويتجلّى الابداع العلمي في ملاحقة مستجدّات وطوارئ الامور التي يبتلى فيها المكلّف الشيعي ووضع حلول لها وذلك لانفتاح باب الاجتهاد عند الشيعة وعدم توقفه مقارنة بغيرهم.
كانت و لا تزال هذه المدارس الحوزوية تخرّج المائآت من علماء الدين سنوياّ على مدى العالم الشيعي . لم يكن لعلماء الدين و مراجع الحوزة العلمية القاب تفخيمية مثل : حجّة الاسلام , وآية الله , او آية الله العظمى ...الخ
بل كان من يعتلي قمّة الهرم الحوزوي ( المرجعية ) متواضعاّ في كل شيئ في حياته , كان متقشّفاً يأكل من ادنى ما يأكله طلاّب العلوم الدينية , ويلبس من ادنى ما يلبسون , واذا سألوه بمسألة شرعية او استفتوه بفتوى كان يجيبهم بموضوعية و يذيّل فتواه وجوابه بتوقيع واسم متواضع :
فكان السيد ابو الحسن (رح) يذيّل فتواه وجوابه تحت اسم ( الفقير الى الله السيد ابو الحسن الاصفهاني , وكذلك كان البروجردي و الحمّامي والسيد عبد الهادي الشيرازي وآخرون رحمهم الله يذيّلون اسمائهم بعبارات تصغير لنفوسهم كالاحقر والاصغر و الحقير ...الخ من كلمات التواضع لله و عدم التعالي على الرعية .
وهذا يذكّرني بدعاء الامام زين العابدين ( ع ) : الهمّ ان رفعتني في اعين الناس درجة, فاحططني عند نفسي بقدرها .
وهكذا حذى حذوهم الشهيدان السعيدان السيد محمد باقر الصدر و السيد محمد محمد صادق الصدر الّلذان كانا يكتبان اسميهما على اغلفة مؤلفاتهما مجردين من اي عبارات تفخيم او تعظيم, و الذين كرّسا جلّ اهتماماتهما الابوية لرعاية مصالح الرعيّة و معالجة مشاكل الناس الاجتماعيّة الى جانب البحوث العلمية و الفقه و التدريس .
ابرزت الحوزة العلمية علماء دين واعين ومعاصرين اجلاّء حاربوا البدع و الخرافات المألوفة , كان ابرزهم السيدين الصدرين الشهيدين و الشيخ الخالصي و الشيخ محمد حسن آل ياسين وآغا بزرك الطهراني و هبة الدين الشهرستاني و الشيخ المظفّر و الشيخ كاشف الغطاء و السيد مرتضى العسكري و غيرهم الكثير.
دفع هؤلاء العلماء الاجلاّء ضريبة محاربتهم للخرافة والدجل الديني , وشنّت عليهم حروباً شعواء من خصومهم المتاجرين بالدين الذين كانوا يعتاشون على الخرافة والتخلّف والجهل .
افرزت الحوزة العلمية علماء اجلاّء لم يقيّدوا انفسهم بالجمود المذهبي , بل انفتحوا على المذاهب الاخرى كان ابرزهم السيد عبد الحسين شرف الدين و محمد جواد مغنية والصدرين الشهيدين و السيد محمد حسين فضل الله و السيد مرتضى العسكري: فاتجه هؤلاء العلماء العظام في بحوثهم الفقهية الى الفقه المقارن , ولم يتوقّفوا عند حدود المذهب الواحد .
( الافكار - البراغماتية – النفعية الطارئة على الحوزة)
بعد انقلاب 14 تموز 1958 في العراق , وبعد القضاء على الاقطاع العشائري , و بعد ان كان اقطاع المتاجرين بالدين صنواً للاقطاع العشائري و يعيش كل منهما بكنف الآخر, انفصل كلّ منهما عن الآخر , فضرب الاقطاع العشائري بينما بقي الاقطاع الديني حرّاً طليقاّ ليجد طريقاً آخر يقتات منه .
فبعد ان كان الاقطاع الديني يتغذّى على الاقطاع العشائري , اخذ يتغذّى من مورده الجديد الا وهو ( البازار ) السوق التجاري وخصوصاً بعد النشاط الاقتصادي الكبير والطفرة الاقتصادية و وفرة الارباح من المكاسب التجارية التي عمّت كل نواحي الحياة في العراق آنذاك , وخصوصاّ اذا علمنا ان المكلّف الشيعي يدفع 20% من فائض ارباحه ( خمساً ) تزكية لامواله يستلمها عن المرجع شبكة وكلائه الماليين .
عاشت المرجعية الدينية ( النفعية منها ) حياة الترف و البذخ عيشة طبقيّة مرفّهّه .
و بينما كان بعض المراجع واغلب الحواشي و الوكلاء و المقرّبون منهم يعيشون الحياة الفارهه المنعّمة , كان نصيب صغار طلبة العلوم الدينية يعيشون على الفتاة التي يرمي لهم بها النفعيّون من المتنفذين من المراجع و وكلائهم و حواشيهم .
ففي بداية الستّينات حيث كان الراتب الشهري لطالب العلوم الدينية يتراوح ما بين الدينار وربع الدينار الى الدينار و ثلاثة ارباعه كحد اعلى , يضاف له تموين الخبز اليومي الذي يأخذه طالب العلوم الدينية ب ( الجوخه... و يقال لها ايضاً جوقه ) وهي عود الرمّان لا يتجاوز طوله الشبر الواحد يذهب به الى الخبّاز بن القاموسي او ابو زكيّة ليأخذ منه الخبز , فيطلب منه الخبّاز ( الجوخه ... او الجوقة ) و هي بديل للبطاقة التموينية اليوم, ليحزّ الخباز على هذه العودة ( الجوقة ) بالسكين بعدد اقراص الخبز المخصصة له من قبل الحوزة على عدد افراد عائلته .
ثمّ تطوّرت الجوخة الى المهر ويعني ( الختم او الورقه المختومة ) و جمعها ( امهاره ) و هي بطاقة صغيرة من الورق او الكارتون مدموغة بختم المرجع و بها علامة تدل على عدد اقراص الخبز المعيّنة له ( لطالب العلم ) .
كان هذا الراتب الذي يستلمه طالب العلوم الدينية يعتبر حقيراً تجاه اقل راتب في العراق , وهو الراتب الذي تعطيه الدولة للجندي المكلّف وهو ثلاثة دنانير وثلاثة ارباع الدينار 3.750 شهرياً, فلم يكد هذا الراتب يكفيه ( لطالب العلوم الدينية ) تمراً و لبناً ( روبة ) يشتريه من ( معميله ) زبونه الحاج محسن الدجيلي البقال .
ظل الوضع على هذه الحالة الى ان كسر هذا التقشّف في راتب الطالب الحوزوي جزئياً عندما حلّ السيد الخميني بالنجف ( واؤكّد هنا كلمة جزئياً لان السيد الخميني والسيدين الصدرين -رح- كانوا محاربين من قبل الحوزة الكلاسيكية التقليدية ولا يجرؤ الكثيرون للانضمام لحوزتهم ) فأعطى السيد الخميني راتباً مضاعفاً ثم تصاعد هذا الراتب تدريجياً ليصل الى ثلاثين ديناراً بالشهر و تبعه السيد الشهيد الصدر(رض) ,وبالرغم من ان مورد الشهيد الصدر كان ضعيفاً قياساً بمورد الخميني ( رض ) الا ان الصدر كان يعطي راتباًقدره خمسة وعشرين ديناراً شهرياً .
( و مّما يذكر ان طلبة الخميني و الصدر كان يعتمد فيهما على النوعية لا على الكمّية ) .
من كل ما تقدّم نجد ان طالب العلوم الدينية بعد 1958 عاش عيشة الحرمان و العوز المادّي, فتركت اثراً مؤلماً هذه الحالة في نفسيته , ولهذا نجده بعد الهجمة الشرسة والمجازر و المذابح الجماعية التي ارتكبها نظام ( هدام العراق ) بحق ابناء الرافدين و من ضمن من لحقهم الحيف والاذى و المطاردة كانوا طلاب العلوم الدينية ( الحوزة ) .
فبعد هجرة هذه الحوزة الى خارج العراق في سني الثمانينات و حدوث التسلّق الحوزوي , اذ ارتقى قسم من هؤلاء الطلبة المستضعفين سابقاً و تسلّموا مقاليد الحوزة ولزموا زمام جمع الحقوق الشرعية لاحقاً, نراهم استمرؤا اكل الحقوق الشرعية للفقراء و المستضعفين من المسلمين, تلك الحقوق التي جعلها الله في ذمّة الموسرين ليدلوا بها الى علماء و مراجع الدين الذين جعلهم الله امناءً و اوصياء عليها لتوصيلها الى مستحقيها فابتلعوها ( ابتلعها من يسمون انفسهم بعلماء و مراجع ) ابتلعوها تحت ستار العاملون عليها .
بل الانكى و الادهى و الامرّ من ذلك كلّه ان كثيراً من هؤلاء المتاجرين بالدين لم يكتفوا باكل اموال الناس بالباطل , فبدؤا بالجلوس على موائد السلاطين والحكّام مخالفين تعاليم الدين الاسلامي الحنيف حيث يقول الرسول محمّد ( ص ) :
اذا رأيتم العلماء على ابواب السلاطين فبئس العلماء و بئس السلاطين , واذا رأيتم السلاطين على ابواب العلماء فنعم العلماء و نعم السلاطين .
,ألآن و قد سقط نظام هدام المجرم في العراق
وتبدّلت الكثير من المعادلات , ومن هذه المعادلات التي في طورها الى التبديل هي الحقوق الشرعية التي يبتلعها النفعيّون و الطفيليون من الحوزويين و التي حتماً سيوضع لها حد اثناء او بعد الاحتلال الاجنبي انشاء الله.
فطيلة سنوات المحنة كشف العراقيون حقيقة الطفيليين المتاجرين بالدين , ولديهم ألآن سجلاّت و احصائيآت كاملة غير منقوصة بممتلكات واموال و ارصدة مصاصي دماء الشيعة هؤلاء , واخوتنا حفظهم الله و رعاهم ليسوا في طور اشهار هؤلاء النفعيين على رؤوس الاشهاد فحسب , بل لمحاسبتهم و مقاضاتهم شرعياً و قانونياً, وبطريقة علنية امام الجماهير الشعبية , وحينئذ يفرح المستضعفون.
تنويه واستدراك :
بالوقت الذي نوهنا فيه الى تفاقم ازمة الحوزة العلمية النفعية و انحدارها الذي ارجعناه الى سنة 1958 , فهذا لا يعني انها لم تكن هناك ازمة ولم يكن هناك انحدار قبل سنة 1958, فاصلاحات السيد ابو الحسن الاصفهاني دعته الى مغادرة النجف الاشرف و الهروب بمرجعته الى سامرّاء ليكون بمنأى عن تأثير المتاجرين بالدين , و قدوم الشهيد محمد باقر الصدر من بغداد الى النجف الاشرف بعد سنة 58 ليكون قريباً من قلب الحوزة العلمية ليؤثّّر فيها.
ختاماً عزيزي القارئ الكريم :
ونحن مقبلون على الانتخابات بعد ايام قليلة , وبعض المتاجرين بالدين قد حشروا انفسهم ضمن قوائم انتخابية يتواجد فيها مواطنين عراقيين مخلصين, ناضلوا و جاهدوا قوى الاستكبار العالمي و عميلهم المعتّق هدّام العراق لعنه الله.
وهذه الانتخابات وان كان البعض يعارضها الا اني انا شخصياً اعتبرها ( شرّ لابد منه ) وذلك لاستحالة طرح المتاجرين بالدين من بقية القائمة الانتخابية التي حشروا فيها.
ولهذا اعتبرها شرّ لابد منه او ( اهون الشرور ) اذ آمل ان تؤسّس هذه الانتخابات الحالية لانتخابات لاحقة يكون المرشّح فيها نازلاً باسمه الشخصي غير حاشراً نفسه ضمن قائمة انتخابية مع مرشحين آخرين.
و حتّى لا نرسّخ للعوائل و للاقطاعيات المالكة للحوزات العلمية التي حاربها الشهيد الصدر الاول باطروحته ( اطروحة المرجعية الرشيدة ) , وحاربهاالشهيد الصدر الثاني بمشروعه ( مشروع المرجعية الناطقة) , والتي جاء استشهادهما فرجاً و مخرجاً للمتاجرين بالدين .
و حتى لا تتكرر مقولة المتسلّطين دينياً على العباد والبلاد الذين اعلنوها جاهلية صريحة :
تلقّفوها يا بني امية
تسلّقوها يا بني العباس.
وفي نهاية المطاف : لا يسعني الاّ ان اسجّل اعتزازنا واجلالنا و تقديرنا لفخر الحوزة الاسلامية ومفخرة الاسلام و المسلمين سماحة المرجع الكبير ( السيد علي السيستاني ) حفضه الله وسدّد خطاه وادامه صمام امان لوحدتنا واتحادنا انه سميع مجيب .
ودمتم لاخيكم : بهلول الكظماوي/ امستردام في 11/1/2005
e- mail : bhlool2@ hotmail.com
-
احسنت اخي على نقل هذا الموضوع وجزاك الله الف خير.
[align=center] [/align]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
|