بناء العراق الجديد بين التطرف والاعتدال
امضى العراق و العالم الاسلامي قرنا من الزمان بعيدا عن الاسلام ، و في بعض الاحيان وبعض الأماكن في عداء ضد الاسلام ، وذلك بسبب تخلف الفكر السياسي لدى كثير من المسلمين من مختلف الطوائف الاسلامية ، فمن جهة كانت تقول بعض الطوائف بشرعية الحاكم الظالم او حكومة القاهر المتغلب و عدم الحاجة الى اكتساب رضا الناس ، و من ناحية أخرى كان بعض المسلمين من طائفة أخرى يقولون بنظرية التقية و الانتظار و تحريم العمل السياسي في عصر غيبة الامام الاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، وكان بعض آخر يقول بنظرية ولاية الفقيه التي تحولت عند تطبيقها الى حكومة ديكتاتورية لا تقيم كثير وزن لمجس الشورى او ارادة الأمة.
وبعد ان عدنا الى نقطة الصفر و فقدنا حريتنا و استقلالنا و كرامتنا نحاول ان نعيد بناء مجتمعنا الاسلامي و دولتنا وحضارتنا ونوحد بين أبنائنا و اخوتنا ، و لكن الفكر المتخلف و المتطرف لا يزال يهيمن علينا ويحاول مقاومة اية عملية للتجديد و التغيير ، و يرفض اية محاولة و لو صغيرة للاجتهاد و التصحيح
وابرز مثل على ذلك موقف رجال المؤسسة الدينية من اعادة النظر في بعض فقرات الفكر السياسي الموروث و العقيم و المخدر ، و بدلا من قيامهم بأنفسهم بمراجعة تلك الأمور ، الا انهم ونتيجة لمراعاة مصالحهم و عواطف الجماهير التي تدفع لهم الأموال ، يتهربون من الحوار الجاد ويلجئون الى التهريج و التطبيل و التزمير
أثناء الحوار بيني و بين الشيخ الكوراني ، اصدر مكتب السيد محمد تقي المدرسي بيانا حول الحوار ، هذا نصه
أصدر مكتب المرجع الديني سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي البيان التالي بمناسبة ما تردد في فضائية (المستقلة) مؤخراً ..
الحمد لله و صلى الله على محمد و آله :
أولاً : إن اثارة الشبهات بالنسبة الى ضرورات الدين ونفث الشكوك في عقائد المسلمين لا يخدم الا اعداء الامة والمتربصين دوائر السوء بها ،كما ان هذا المنهج التشكيكي سوف لا يتوقف عند عقيدة دون اخرى ولو لم نقف عنده سوف يطال المزيد من ثوابت الشريعة ومقدسات الامة.
ثانياً : إن التشكيك في الامامة الاسلامية كمحور اساسي للقيم الدينية السامية يهدف هدم بنيان الدين من الاساس . ذلك إن الامامة حسب مذهب اهل البيت عليهم السلام هي ذروة العقائد وتمام القيم ومصدر كل خير وينبوع كل رحمة .. وقد تواترت روايات النبي صلى الله عليه واله وسلم في محورية اهل بيته المعصومين لهذه الامة . مما يعتبر الريب فيها تشكيكاً في ضرورة اساسية من ضرورات الدين وثابت من ثوابت المسلمين . بل ردةً عن رسالة النبي الامين صلى الله عليه واله .
ثالثاً : إن الايمان بعقيدة الامام المهدي عج الله تعالى فرجه الشريف محور لمذهب اهل البيت عليهم السلام ومن يرتاب في ذلك يعتبر خارجاً من المذهب الحق بل من الدين المبين .
رابعاً : إن مثل هذا التشكيك قد إنتشر سابقاً في مذاهب مبتدعة مثل البهائية وقد تبين إنها كانت حصان طروادة للأعداء قلباً وقالباً .
خامساً : إن سماحة المرجع المدرسي لا يرى احمد الكاتب اهلاً للخوض في هذه المسألة لإفتقاره الى الموأهلات العلمية بتاتاً ولا يحمل شهادة المرجع المدرسي .ولا من اي مرجع آخر علماً بأن من عادة المراجع تزويد طلابهم بشهادات ومن هنا فإن إدعاءاته تصبح باطلة .
ونعوذ بالله من مضلات الفتن والله المستعان .
مكتب المرجع الديني
سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي
7 محرم الحرام 1424 هـ
والملاحظ ان السيد المدرسي نفسه لم يوقع البيان و انما قام بالنيابة عنه مكتبه ، حتى يعطيه فرصة للتنصل منه اذا استدعت الضرورة في المستقبل ، هذا أولاً
اما ثانيا فقد اعتبر البيان " التشكيك في الامامة الاسلامية كمحور اساسي للقيم الدينية السامية يهدف هدم بنيان الدين من الاساس "
رغم ان هذا الموضوع كان محل خلاف بين المسلمين و بين الشيعة انفسهم بين الامامية و الجعفرية و الزيدية الذين لا يؤمنون بنظرية النص و لا العصمة ، مما يعني ان الامامة لم تكن ضرورة من ضرورات الاسلام يوما ما و لا ثابتا من ثوابت الدين ، فضلا عن ان تكون ردة عن رسالة النبي الأمين ، والا فماذا نعتبر بقية المسلمين؟ هل نعتبرهم كفارا و مرتدين؟ وخارج اطار المسلمين؟
وهل يوجد تطرف و عنف اكثر من هذا ؟ وما هو اذن الفرق بين هؤلاء وبين الوهابيين ؟وهل يمكن بناء حضارة جديدة و دولة جديدة بهذا الفكر العنيف الارهابي المتطرف؟ الذي لا يقبل اي اختلاف في وجهة نظر؟
ثالثاً : لم يكن الايمان بوجود وولادة الامام الثاني عشر محورا لمذهب أهل البيت يوما ما ، و انما هي فرضية فلسفية وهمية اخترعت بعد وفاة الامام الحسن العسكري و لا يوجد عليها اي دليل علمي شرعي ، وقد آمن بها فقط الاثنا عشريون من الامامية وليس كل الامامية ولا كل الشيعة ولا كل المسلمين ، فكيف يصبح من لا يؤمن بها خارجا عن المذهب الحق بل الدين المبين؟ وعلى اي اساس من القرآن الكريم او من السنة النبوية او احاديث اهل البيت الصحيحة؟
رابعا _ البهائية فرقة تفرعت من الشيخية التي كانت تبشر بقرب ظهور المهدي الغائب على رأس الألفية للغيبة ، و لما لم يتحقق ذلك ظهر محمد علي الباب ثم ظهرت الحركة البابية و البهائية ، واذا كانت قد اصبحت حصان طروادة ضد الشيعة و الاسلام ، فلا بد من معالجة جذور الخرافات و الاساطير التي أدت بهم الى ذلك المصير المؤسف.
خامساً : اذا كان سماحة المرجع المدرسي يرى نفسه أهلا للخوض في هذه المسألة ، و يعتقد ان لديه المؤهلات العلمية و يحمل شهادات المراجع العظام فليتفضل ببحث هذا لاموضوع او الرد على كتاب أحمد الكاتب ، و لا يكتفي بالقاء خطاب عام يتحدث فيه المهدي لدى السنة وبصورة عامة من دون تحديد هويته او اسمه او انه ولد ام لم يولد؟
سادسا : أحمد الكاتب ليس لديه اي ادعاء و انما هو يطالب المدعين الذين يزعمون وجود ولد مخفي و مستور للامام العسكري ويدعون انه و لد قبل اكثر من الف و مائة عام و لا يزال عائشا الى اليوم ، ان يثبتوا دعاواهم بالأدلة الشرعية العلمية التاريخية ، و لا يكتفوا بالنظريات الوهمية و الفرضيات التعسفية.
سابعا: قد يكون المدرسي مجتهدا في ابواب عديدة من الفقه ، و لكنا لم نر منه اجتهادا او بحثا في موضوع اساسي يشكل قاعدة ضرورية للاجتهاد ، و هو الاجتهاد في موضوع الامامة او وجود الامام الثاني عشر ، ولا يمكن ان يكون مجتهدا مطلقا او مجتهدا حقيقيا الا بالاجتهاد في تلك الأمور العقائدية ، التي لا يجوز فيها التقليد ، و لكن المشكلة تكمن في ان كثيرا من المجتهدين في الفقه يقلدون في امور العقيدة و يطالبون الجمهور بتقليدهم فيما لم يجتهدوا فيه
ثامنا:اذا كان المدرسي يعتبر من يتساءل عن الأدلة الشرعية العلمية التاريخية حول مسألة جزئية تاريخية ضالا مضلا ، فماذا يعتبر بقية المسلمين من مختلف الطوائف و الاحزاب العراقية؟ وكيف يريد ان يتعاون معهم ويبني معهم بلدا قادما حرا و ديموقراطيا و عادلا؟
أم انه يريد بناء حكومة ارهابية ديكتاتورية متخلفة باسم الدين ، ومعادية في جوهرها للدين و العلم و الحق ومذهب اهل البيت؟
وبعد فان المسألة لا تخص المدرسي وحده ، و انما تشمل طيفا من المعممين الذين يدعون المرجعية و العلم والدين و هم ابعد ما يكونون عن كل ذلك
أحب في الله من يبغضني في الله