قصيدة المخبر
بدر شاكر السيـّــاب
[poem=font=",6,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
أنا ما تشاء , أنا الحقيرْ=
صبّاغ أحذية الغزاة، وبائع الدم والضمير=
للظالمين. أنا الغراب=
يقتات من جثث الفراخ=
أنا الدمار، أنا الخراب!=
********************************=
شفة البغي أعف من قلبي، وأجنحة الذباب=
أنقى وأدفأ من يدي=
لكنَّ لي من مقلتيّ إذا تتبَّعتا خطاك =
وتقرّتا قسمات وجهك وارتعاشك إبرتينِ=
ستنسجان لك الشراكْ=
وحواشي الكفن الملطخ بالدماء، وجمرتينِ=
روّعان رؤاك إن لم تحرقاك!=
وتحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة=
فتند آهتك المديدة=
وتقول: أصبح لا يراني.. بيد أن دمي يراك=
إني أحسّك في الهواء وفي عيون القارئين=
لِمَ يقرؤون وينظرون إليّ حيناً بعد حين=
كالشامتين؟=
سيعلمون من الذي هو في ضلال=
ولأيّنا صدأ القيود.. لأيّنا صدأ القيود..=
لأيّنا..=
********************************=
نهض الحقير=
وسأقتفيه فما يفرّ، سأقتفيه إلى السعير=
أنا ما تشاء: أنا اللئيم، أنا الغبيّ، أنا الحقود=
أنا حامل الأغلال في نفسي، أقيّد من أشاء=
بمثلهنّ من الحديد، وأستبيح من الخدود=
ومن الجباه أعزَّهنّ، أنا المصير، أنا القضاء=
الحقد كالتنور فيّ: إذا تلهّب بالوقود=
ـ الحبر والقرطاس ـ أطفأ في وجوه الأمّهات=
تنورهنّ، وأوقف الدم عن ثديّ المرضعات=
في البدء كان يطيف بي شبحٌ يقال له: الضمير=
أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير=
شبحٌ تنفس ثمّ مات=
واللص عاد هو الخفير=
********************************=
في البدء لم أكُ في الصراع سوى أجير=
كالبائعات حليبهنّ، كما تؤجّر ـ للبكاء=
ولندب موتى غير موتاهنّ ـ في الهند النساء=
قد أمعن الباكي على مضضٍ، فعاد هو البكاء!=
الخوف والدم والصغّار، فأي شيء أرتجيه؟=
فعلى يديّ دمٌ وفي أذنيّ وهوهة الدماء=
وبمقلتيّ دمٌ، وللدّم في فمي طعمٌ كريه!=
أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير=
وانسَ الجريمة بالجريمة والضحية بالضحايا=
لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه وتستطير=
لفرط رعبك أو لفرط أساك.. واحتضن الخطايا=
بأشدّ ما وسع احتضانٌ تنجُ من وخز الخطايا=
قوتي وقوتُ بنيّ لحمٌ آدمي أو عظام=
فليحقدنّ علي كالحمم المستعرة، الأنام=
كي لا يكونوا إخوةً لي آنذاك، ولا أكون=
وريث قابيل اللعين سيسألون=
عن القتيل فلا أقول:=
"أأنا الموكل ويلكم بأخي؟" فإن المخبرين=
بالآخرين موكلون!=
********************************=
سحقاً لهذا الكون أجمع وليحل به الدمار!=
مالي وما للناس؟ لست أباً لكل الجائعين=
وأريد أن أروي وأشبع من طوىً كالآخرين=
فلينزلوا بي ما استطاعوا من سباب واحتقار=
لي حفنة القمح التي بيدي ودانية السنين=
ـ خمسٌ وأكثر.. أو قلَّ ـ هي الربيع من الحياة=
فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة=
روحَ النماء، وبالبيادر وانتصار الكادحين=
فليحلموا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع=
إني سأحيا لا رجاء ولا اشتياق ولا نزوع=
لا شيء غير الرعب والقلق الممض على المصير=
ساء المصير!=
********************************=
رباه إن الموت أهون من ترقُبه المرير=
ساء المصير:=
لِمَ كنت أحقر ما يكون عليه إنسانٌ حقير؟!=
[/poem]