يسعى الكثيرون الى ارضاء الناس – كل الناس – مهما كلف الامر. وثمن محاولة ارضاء الناس ثمن باهظ. والنتيجة المتوقعة من المحاولة هي ان الناس لن يرضوا وان من يسعى الى ارضائهم لن يكون نصيبه من العملية كلها الا الشعور بالغبن والتعاسة. فللناس قيم مختلفة وظروف مختلفة واراء مختلفة وطرق مختلفة في التفكير والشعور وعلى هذا فان ما يرضي واحدا منهم لن يرضي المئات من الاخرين. وانت اذا استطعت ان ترضي هذا الواحد من الناس مرة فانك لن ترضيه مرات. ولهذا تقول الحكمة القديمة ان ارضاء الناس غاية لا تدرك. اذن اذا اردت ان تشعر بالتعاسة فان الطريق الامثل للوصول الى هذا الهدف هو ان تسعى الى ارضاء الناس.

احيانا الدافع وراء طريقة معينة في السلوك والتفكير هو الخوف من الانتقاد. هذا النوع من الخوف يجرد الواحد منا من القدرة على القيام بالمبادرة ويضع قيودا على الخيال ويسبب الاما بالف طريقة وطريقة. ويمضي كثير من الناس ايامهم في خوف مما قد يقوله الناس عنهم ويبذلون كل ما يستطيعون من جهد للظهور بالمظهر الذي يعتقدون بانه لائق. وفي هذا ما فيه من شعور بالتعاسة مع انه لن يحقق الهدف المنشود.

ومن العادات التي تسبب الاحساس بالتعاسة ايضا هذا الحديث السلبي الذي يجريه كثير من الناس مع انفسهم على مدار الساعة. الحقيقة ان كل ما نقوم به من عمل وكل ما نفكر فيه وكل ما نشعر به مرجعه الى هذا الحديث الذي يدور في داخلنا: نؤنب انفسنا ونعاقبها ونحط من شأنها ونتهمها بكل ما هي بريئة منه: نتهم انفسنا بالجهل والعجز وقلة الحيلة. ونتجاهل الوجه المشرق لشخصياتنا، ونلغي ما نتمتع به من نقاط قوة ونبرز ما نتخيل انه نقاط ضعف. وننظر الى نصف الكأس الفارغ. اننا نشعر بالتشاؤم نتيجة هذا الحديث السلبي المتواصل الذي يجري في داخلنا فيستنزف ما نتمتع به من امكانات ومن قدرة على المبادرة وعلى التواصل مع الحياة والناس حولنا. ومع مرور الايام تترسخ عادات في السلوك والتفكير في داخلنا فنعتقد انها حقيقة لا مجال للشك فيها، فنواصل السير في طريق المعاناة لاننا اخترنا ان نجعل من هذه العادات سبيلا لا نحيد عنه في كل ما نفكر فيه وفي كل ما نواجهه في الحياة من مواقف وظروف. ومن اجل حل هذه المشكلة العويصة لا بد من تطوير مهارات عقلية جديدة ومن مراجعة العمليات الذهنية التي اعتدنا عليها واعتبرناها صحيحة ومقنعة وصالحة. والامر يستلزم وقتا طويلا وجهدا متواصلا ووعيا مستمرا: لنقطع صلتنا بالماضي بكل ما فيه من سلبيات ومن خبرات مؤلمة ولنركز جهدنا على اليوم بكل ما فيه من فرص وامكانات. لنعد انفسنا باننا نريد ان نبدأ بداية جديدة. وعلينا ان نتذكر ان الامر بحاجة الى وقت ومثابرة. لكن النتيجة شبه مؤكدة وهي اننا سنستعيد قدرتنا على ان نعيش حياة طيبة في حالة مصالحة مع انفسنا ومع الناس والحياة حولنا.

ومن العادات التي يجدر بنا ان نطورها ان نتجنب الجلوس اوقاتا طويلة: لقد تبين ان السعداء من الناس يميلون الى القيام بتمارين بدنية فلا يجلسون ساعات طويلة على كرسي في مكتب العمل ولا يجلسون ساعات طويلة في مواجهة التلفزيون. فهم ينهضون بين فترة واخرى ويتمشون ويتريضون ويصعدون السلم بدل الركوب في المصعد وربما يشاركون في النوادي الرياضية ويركبون الدراجات الهوائية. لقد تبين ان الجسم اثناء التمارين الرياضية ينتج هرمونات تلعب دورا مهما في تنشيط النفس وتحسين القدرة على مواجهة الحالات الصعبة في الحياة وتحسين القدرة على مواجهة القلق من حالات متخيلة لا اساس لها في الواقع.

ويجدر بنا ان نطور عادة التسامح مع من يسيء الينا. فحمل الضغائن والاحقاد في القلب على فلان من الناس لانه قال كذا او فعل كذا هو اشبه بحمل ثقل على مدار الساعة على ظهورنا: انه حمل يقض مضاجعنا ويعكر صفونا ويفسد حياتنا. والغفران هو الحل. الحل هو ان تعفر لنفسك اخطاءك بحق نفسك وان تغفر للاخرين اخطاءهم بحقك. فالكمال لله وحده. لا تحاول ان تحقق الكمال. قد يبدو تحقيق الكمال في كل ما نقوم به من محاولات فكرة حسنة ومرحب بها. ولكن الحقيقة هي ان ذلك مضر بالصحة النفسية والانفعالية فهو يسبب اضطرابات نحن بغنى عنها من قبيل الاكتئاب والقلق والتعاسة.

لكل واحد منا قيمته التي خصه الله بها بغض النظر عن وضعه المالي والوظيفي والحياتي. وعلى هذا فان ربط قيمة الفرد منا بما يحققه من دخل وما يشغله من وظيفة هو ربط مغلوط ويتعارض مع القيمة الحقيقية للانسان. السعادة اذن اختيار: انت تختار ان تكون سعيدا اذا اردت. والوصول الى هذا الهدف بحاجة الى وقت ومثابرة. انه عملية متواصلة من الجهد والمثابرة والتصميم.


zedhakim@yahoo.co.uk