في جواب الأستاذ سراج أبو السعود
معا نحو دين بدون رجال دين !
زكي لطيف
يتزعم رجال الدين السلطة الدينية والاجتماعية والثقافية والفكرية في المجتمعات الدينية النامية( المتخلفة) دون منازع ، ابتداء بالفقهاء وانتهاء برجال الدين المبتدئين، وباعتبارهم قادة النظام الديني الحاكم كمثل غيره من الأنظمة التي تضم أفرادا وجماعات وقواعد شعبية تعتبر بمثابة القاعدة الشعبية التي تخضع لأوامره ونواهيه ، في الفكر الشيعي ألإمامي يعبر عن القيادة الدينية بالحاكم الشرعي، في مقابل الحاكم الزمني المتمثل بالنظام السياسي، فإذا كما كان الأخير يمسك بقيادة المجتمع ويسيطر عليه من خلال أجهزة ومؤسسات الدولة الأمنية والاقتصادية والتنظيمية ويحظى باعتراف دولي باعتباره القيادة الشرعية لهذا المجتمع أو داك ، فان السلطة الدينية لديها أيضا مؤسساتها التي تدير من خلالها دفة سلطتها المتجدرة في المجتمع كالحوزات الدينية والمراكز التبليغية والاجتماعية وتمول من خلال التبرعات العامة وجني الخمس والحقوق الشرعية الأخرى باعتبارها من الفروض الواجبة والتكاليف الإلزامية ، يسيطر السياسي على الأبدان والحياة المدنية، بينما يسيطر رجال الدين على الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية بما يشملها من عادات و تقاليد ومفاهيم ومناهج تفكير وأحكام وفتاوى فقهية وعقائد متداولة.
عاشت امتنا استبدادا داميا طول أكثر من ألف عام إلى يومنا هذا، شمل كافة دوائر الحياة الفردية والجماعية، الدينية والسياسية والاقتصادية، شملت الخلايا الاستبدادية القهرية بألوانها السوداء الداكنة كافة الخلايا الإنسانية فطبعتها بها فأصبحت حياة الإنسان عبارة عن مأساة مروعة ، مسخت المفاهيم وتبدلت القيم وغدت الحياة الإنسانية في مجتمعاتنا الإسلامية البائسة عبارة عن نسخ متكررة من الاستبداد الحاكم ينتقل عبر الأجيال وفي مختلف الشرائح والطبقات أن النتيجة هو أن في مجتمعاتنا الإسلامية فئتين أفرزتها عوامل متعددة متصارعة،الأولى مع الاستبداد وأعضائها الأكثرية ، والثانية ضد الاستبداد وأفرادها الأقلية، أما الحرية بمفهومها الواقعي والديناميكي فإنها ليست سوى عبثا وعدما في ظل السلطة الحاكمة التي تأبى ويأبى أنصارها المرتبطين بها وهم كثر أن يراجعوا أنفسهم ويتيحوا الفرصة للآخرين للإصلاح والتطوير والتجديد والتحديث لان مصالحهم مرتبطة بالتخلف الحاكم القائم بكافة مفرداته وأدواته، أن السبب في تخلفنا الرهيب على كافة المجالات هو تخلف نظمنا كافة ومنها نظامنا الديني، وتخلفه يعود في جذوره إلى الاستبداد والدكتاتورية الدينية ، وهاهي مجتمعاتنا تعيش في القرن الجديد مكبلة بالفتاوى المستبدة والمناهج السقيمة ، والنظم المتحجرة، والثقافة الخامدة، أن ذلك هو سر تخلفنا، حين نصب رجال الدين بمختلف طبقاتهم حكاما روحانيين ،يقدمون صكوك الغفران على غرار الكنيسة فان لم يدفع له المكلف خمس ما يمتلك فلن يكون مبرئ الذمة في يوم الحساب بل في حياته الدنيا قبل برزخه وآخرته، أما إذا صالح مرجعه الديني على ما يمتلك مما انعم الله عليه فان الأخير يضمن له براءة ذمته من فريضة الخمس حيث سيتحملها هو أمام الله يوم القيامة ، وفي ذلك قيل ( قلدها عالم واخرج منها سالم)!!
سيطر رجال الدين على كل شي ، فغذوا سياسيين وحقوقيين وقانونيين ومفكرين ومثقفين واقتصاديين ،لو كان الأمر بيدهم لأصبحوا حكاما زمنيين ودينيين يتولون شعوبهم باسم الله والإسلام والنبي والقران كما شهدت بذلك افغانستان والصومال ويشهده عراق ما بعد حزب البعث! انظروا في فتاواهم في الاقتصاد والحقوق والإدارة والسياسة والاجتماع وجميعها علوم مستقلة لا يحيطون بها في الأصل والأساس لأنها بعيدة عن تخصصهم الواقعي إلا وهو في العبادات الدينية المحضة فتخبطت هذه الفتاوى يمينا وشمالا ومعظمها بعيدا عن القواعد العلمية والأبعاد الواقعية لكل علم من هذه العلوم ، لقد استبدوا بكل شيء ، واستثنوا باستبدادهم كافة شرائح المجتمع وقدراته الفاعلة لأنهم اعتبروا أنفسهم أولياء وقيومين على شعوبهم المغلوبة المقهورة، وبينما تذهب ثروات الشعوب في جيوب الحكومات المتسلطة بعنوان القوامة والحكومة الشرعية، تذهب الملايين من أموال البسطاء والسذج والمنتفعين أيضا في جيوب رجال الدين لتغذي مؤسساتهم الدينية ويمارسون بها الاستبداد على كافة محاوره واتجاهاته ،بقصد أو بدونه، لأنه أصبح نظاما يسير الحياة الدينية الغابرة والمعاصرة ،شاء من شاء وأبى من أبى ، بحسن نية أو بسوء ، سيان ، لا فرق، لذلك فنحن عندما نتحدث عن استبداد رجال الدين لا نطعن في نزاهتهم الأخلاقية والإنسانية وإخلاصهم وتقواهم، لا سيما المرجعيات الدينية وإنما ننتقد النظام ذاتا وعينا الذي يسيرون عليه بحسن نية أن شاء الله ، فالنظام المسيطر الحاكم بعد تراكمات مئات السنين أصبح ينطلق من محور واحد وأخير هو " الاستبداد " بمعناه الواقعي والحيوي .
نعم إنها الحقيقة الواضحة التي يراها كل من ينظر بعقل لبيب متوازن لمسيرة النظام الديني الحاكم منذ تبؤه السلطة قبل مئات السنين حتى يومنا هذا، وأظن أن جواب تساؤلات الأستاذ سراج في نقاط متسلسلة، متتابعة تستثني توضيح البديهيات من الاستفسارات لتدرك المهم والاهم ،وبينتي ستكون من خلال النصوص التي سطرها رجال النظام الديني الحاكم أنفسهم ، وفي ذلك النكات التالية :
1- فيما استفسر عنه الأستاذ سراج بشان تخلف مناهج التدريس في الحوزة العلمية: وفي هذا الأمر ضروب بحث شائكة وغمار مطالب محمومة إلا أن ما لا يدرك كله لا يفوت كما يقول التقليديون! يقول الباحث والكاتب معروف الحسيني متحدثا عن الحاشية المرجعية وما تعانيه الحوزة من تخلف علمي " وغالباً ما يستعين العلماء والمراجع ببطانة (حاشية) تمثل المؤسسة التنفيذية والجهاز الإداري الذي يتحرك المراجع من خلاله، وقد يجتمع في هذا الجهاز التنفيذي ثلة من المرتزقة والمتملقين، ويختفي من ورائهم أحيانا كثيرة أبناء الأسر من أقارب وأرحام هذا المرجع أو ذاك.
ولا يخفى أن لهذا الجهاز تأثيرا كبيرا في تصورات المراجع وقدراتهم لأنهم غالبا ما يظنون صدق هذا الجهاز ويعولون عليه بحسن نية وحملهم لأعمال رجاله على الصحة، كما أنهم لا يتوقعون من هؤلاء الرجال ما يدفعهم إلى الشك في هذا الجهاز، كما يحاول رجال هذا الجهاز بالحيلولة دون تسرب المعلومات التي لا يرغبون بوصولها إلى المراجع والعلماء.
وقد غلب على مدرسة النجف طابع التقوقع والانكفاء على الذات، وقد ساعد في بلورة هذا الطابع عوامل في مقدمتها أن مدرسة النجف اقتصرت في إعداد رجالها إعداداً فقهياً وأصولياً وما يرتبط بهذين العلمين دون الاهتمام بميادين العلم وأبواب المعرفة الأخرى، وهذا ولَّد ضعفا في طريقة التعامل بين رجال هذه المدرسة وقواعدها الشعبية التي تعيش الحياة الجديدة وتستهويها العلوم والمعارف الحديثة، وتضيقت علائق الارتباط بينهما ثم أخذت الهوة تتسع شيئا فشيئا نتيجة لعوامل عديدة لا مجال لذكرها ذاتية منها وخارجية أخرى))(1) وقد قام عدد من رجال الحوزة وفقهائها بمحاولات لتطوير وتحديث المناهج الدراسية في الحوزة وتطعيمها بالعلوم الحديثة إلا أن جميع هذه المحاولات فشلت فشلا ذريعا بسبب الاستبداد الحاكم في الحوزة العلمية سواء في قم أو النجف ، يقول الشهيد الصدر وهو من العلماء الذين عانوا كثيرا من القوى الاستبداد والرجعية ولكم أن تقرئوا كتاب ا" الشهيد الصدر بين دكتاتوريتين " ففيه حقائق دامغة موثقة ، في هذا المقصد يقول رحمه الله" ((إن هذه الكتب (المعالم والرسائل والكفاية) لم تؤلف من قبل أصحابها لهذا الهدف (أي التعليم) وإنما ألفت لكي تعبر عن آراء المؤلف في المسائل الأصولية المختلفة، ومن أجل ذلك كانت الكتب الدراسية المتقدمة الذكر غير صالحة للقيام بهذا الدور، على جلالة قدرها العلمي، لأنها للعلماء والناجزين لا للمبتدئين والسائدين.
وقد يكون أسلوب مؤلفي الكتب (أعلى الله مقامهم) في عرض البيان هو الأسلوب الأمثل، المتبع في ذلك الوقت، ولكن في هذا العصر حيث تغير الذوق العرفي في التعبير عن المقصد يفرض هذا التغير نفسه على كل المناهج الدراسية لأن الاستمرار عليها أوجد مشكلة كبيرة على مستوى التحصيل العلمي تتمثل بفقدان الحس العرفي في التعامل مع نصوص الشريعة المقدسة من قبل المستنبط للأحكام لأنها أصبحت محشوة بالمصطلحات اللغوية والفلسفة المعقدة حتى لأبسط المسائل الفقهية، وهذا ملاحظ على الرسائل العملية حيث التعقيد اللا مبرر في عرض المسألة على سهولتها المتناهية))
وللسيد الشهيد (قدس سره) ملاحظات مهمة على الرسائل الفقهية يثبت من خلالها ضرورة التغيير والتطوير.
(( الملاحظة الأولى: إن هذه الرسائل تخلو غالبا من المنهجية الفنية في تقسيم الأحكام وعرضها وتصنيف المسائل الفقهية على الأبواب المختلفة، ومن نتائج ذلك حصل ما يلي:
أولاً: إن كثيراً من الأحكام أعطيت ضمن صور جزئية محددة تبعا للأبواب، ولم تعط لها صيغة عامة يمكن للمقلد أن يستفيد منها في نطاق واسع.
ثانيا: إن عدداً من الأحكام دس دسا في أبواب أجنبية عنه لأدنى مناسبة حرصا على نفس التقسيم التقليدي للأبواب الفقهية.
ثالثا: إن جملة من الأحكام لم تذكر نهائيا لأنها لم تجد لها مجالا ضمن التقسيم التقليدي.
رابعاً: إنه لم يبدأ في كل مجال بالأحكام العامة ثم التفاصيل، ولم تربط كل مجموعة من التساؤلات بالمحور المتين لها، ولم تعط المسائل التفريعية والتطبيقية بوصفها أمثلة صريحة لقضايا أعم منها لكي يستطيع المقلد أن يعرف الأشباه والنظائر.
خامساً: افترض في كثير من الأحيان وجود صورة مسبقة عن العبادة أو الحكم الشرعي، ولم يبدأ العرض من الصفر اعتمادا على تلك الصورة المسبقة.
سادسا: انطمست المعالم العامة للأحكام عن طريق نشرها بصورة غير منتظمة وضاعت على المكلف فرصة استخلاص المبادئ العامة منها.
الملاحظة الثانية: إن الرسائل العملية لم تعد تدريجيا بوضعها التاريخي المألوف كافية لأداء مهمتها بسبب تطور اللغة والحياة، ذلك أن الرسائل العملية تعبر عن أحكام شرعية لوقائع من الحياة، والأحكام الشرعية بصيغتها العامة وإن كانت ثابتة ولكن أساليب التعبير تختلف من عصر إلى عصر آخر، ووقائع الحياة تتجدد وتتغير، وهذا التطور الشامل في مناهج التعبير ووقائع الحياة يفرض وجوده على الرسائل العملية بشكل أو بآخر))( 2).
ويقول المرحوم محمد جواد مغنية منتقدا مدرسة النجف "«النجف ما زالت أبعد الجامعات عن كلِّ ما استجد من المناهج والأساليب والغايات الفنية".
«ولو أنَّ الفقهاء تجاوزوا أسوار النجف وكتبها المتوارثة، واطلعوا على المنجزات الحديثة أو طرف ٍ منها في ميادين شتى، بخاصة: قوانين العصر واجتهاداته، وأعادوا النظر في التراث على ضوء أحدث المعلومات، ولو فعلوا ذلك لأثْرَوْا الفقه الإسلامي، وكانت أفكارهم في الطليعة، وكانوا أبعد صيتاً في الشرق والغرب»( 3). وفي ذلك فلتتكرم يا أخ سراج بمراجعة كتابنا" عندما يحكم الإسلام" ففيه تفصيل تعجز هذه الأسطر عن تدوينه ، ولكن يبقى السؤال لماذا لم تفتتح حوزات علمية تحمل بعدا تغييريا تجديديا تنويرا؟ إلى جانب الحوزات التقليدية ، فمن أراد الالتحاق بها فله وان أراد الأخرى فله حق الاختيار؟ انه الاستبداد والقمع والإقصاء.. فتأمل !
2- فيما استفسر عنه الأستاذ سراج عن الثقافة الدينية وكيف إنها ذات نزعة وثوقية اقصائية ، وعليه أجيب : أن الثقافة الدينية السائدة ثقافة وثوقية النزعة والمنشأ والحركة، فمراجعة الأحكام والفتاوى والعقائد والمفاهيم الدينية غير مقبولة لدى الاجتماع الديني على غرار النظام السياسي الحاكم، فمثلما يرفض المستبد السياسي حتى كلمة إصلاح فان المستبد الديني كذلك ، ويعتبر الوضع القائم بكافة جوانبه من المسلمات التي لا يمكن نقدها فضلا عن محاولة تغييرها أو تطويرها ، أن التجديد أمر لا يمكن حدوثه في مجتمعاتنا الدينية التقليدية ولذلك أصبنا ووصمنا بالتخلف وبأننا من دول العالم الثالث النامية المتخلفة ، بينما تتم مراجعة كافة القوانين والأنظمة والتشريعات في الدول المجتمعات المتقدمة فلذلك وصمت بالتقدم وبأنها من دول العالم الأول ، عندما يكون الجمود التام في كل أمر وشان هو من مسلماتنا بعنوان المسلمات التي لا نحيد عنها فكيف يمكن ممارسة التغيير ، قرأت في الصفحة الإلكترونية التابعة للمجلس الشيعي الأعلى في لبنان مجموعة من الأسئلة والردود حول عدد من المواضيع الإسلامية منها ما يلي:
السؤال2: هل مذهب الأباظية على حق أم على باطل؟
الجواب: كلّ ما خالف الاثنا عشرية فهو باطل.
السؤال: هناك فرقة من فرق الشيعة اسمها الشيخية أرجو بيان أهم عقائدهم وما هو موقفهم من بقية فرق الشيعة؟
الجواب: الشيخيّة فرقة من الشيعة حصلت في الأزمنة المتأخرة، وأهم عقائدهم أنهم يقولون بأن الأئمة سلام الله عليهم هم العلل الأربع (الصورية والفاعلية والمادية والغائية).
كما أنهم يقولون بالمعاد قولاً يخالف ظواهر النصوص الصحيحة والصريحة بل ويخالف ظاهر الآيات القرآنية التي يفيد ظاهرها المعاد الجسماني، ومن عقائدهم: إنهم يقولون بالركن الرابع وأن شيخهم هو الركن الرابع، وعندهم من الغلوّ في الأئمة الشيء الكثير.
وعلى كل حال فإنها فرقة منحرفة عن الإمامية، عصمنا الله وإياكم من الزلل والضلال.
إلا ترى أن كل صاحب مذهب يفسق الآخر ؟ ألا ترى أن كل جماعة دينية ترى في نفسها الممثل الصحيح والوحيد للإسلام أو التشيع أو التسنن؟ ألا ترى كيف قسم الشعب إلى جماعات دينية تولتارية يملئاه التعصب والإقصاء ؟ الم ينقسم الشيعة إلى فرق وجماعات تعيث فيها الفتنة والتمزق والشتات؟ لماذا ؟ أليس ذلك بسبب تلك النزعة الرعناء التي تحكم في العقول المتحجرة والتي بدورها تسير حياتنا ؟ كل ذلك ماذا يا ترى؟ اوليس من تلك النزعة الوثوقية التي ترى في نفسها الحق المطلق وفي غيرها الباطل المطلق!! التقيت شابا في مقتبل العمر فسألته عن الحركة الدينية الحاكمة في منطقته فاخذ يكيل التهم إليها لأنه من أتباع تيار آخر، ثم انه قال لي: أن كل من لا يؤمن بنظرية .. فانه غير مسلم!! ثم انه عاد فقال لم اقصد ذلك بل إسلامه على مذهب أهل البيت ناقص!!
لو كانت هناك حرية حقيقية في مجتمعاتنا الإسلامية لتغيرت الكثير من المفاهيم والقيم والآراء ،ولصححت العديد من العقائد والأحكام والفتاوى ولما تجاوز رجال الدين حدود سلطاتهم ليصبحوا السادة والقادة في مجتمعاتهم المغلوبة على أمرها . فتأمل
3- أما عن الأحكام الفقهية، فقد دخلنا فيما لا نريد بيانه لوقعه المرير على ذوي الغلة والتسليم وما أكثرهم بيننا، ولكن إليك ما أردت، فأي أحكام فقهية هذه التي تسلب من الإنسان اعز ما يملك ؟ ؟! ثم أن رجال الدين المحترمين يبثون تلك الأحكام وكأنها منزلة من الله وان هي ألا فتاوى مبنية على قواعد في علم اجتهاد وضعها مؤسسو الخط الأصولي الحاكم في عصرنا الحاضر ، وجميعها قواعد ليس لها أصل واقعي في الشريعة وقابلة للجرح والنقد ومجرد محاولات للوصول إلى الحكم الشرعي المعبر عن الحكم الواقعي الذي هو حكم الله في هذه المسالة أو تلك، فتأثر الفقهاء بأجواء التخلف الاجتماعي والسياسي أمر لا محيص عنه وينعكس ذلك فورا على فتاواهم فغدت الفتاوى مجسدة ومحامية عن ما هو متداول ومعروف وبنيت العادات والتقاليد ومنهال الثقافة والتلقي والنشاط المجتمعي عليها فاصحبنا عبيد وإماء لمنظوماتنا الدينية والفقهية، وكل ذلك بالأمر والفرض ولا يمتلك الإنسان المسلم الشيعي أو السني سوى أن يسلم بها وإلا فان مئثوم في نظر مطلق الفتوى ! تماما إذا ما خالف المرء الحاكم المستبد فان أمره إلى الاعتقال أو العقاب، فكلاهما صورتين متطابقتين وان اختلفتا، فذلك سلطته على الجسد وذاك على الروح،
واليك بعضا من هذه الفتاوى التي بني بعضها على المخالفة الصريحة لأصول الشريعة وأهداف الإسلام كدين سماوي كريم ومبنية على خبر الواحد دون إقراره بالمتواتر ونص الكتاب، إن بعضها مبني على الظن والشبهة والمخالفة لحقوق الإنسان البديهية في عصرنا الراهن ، والتي تنسجم فقط وفقط مع منظومة قديمة سابقة لم تعد مناسبة لإنسان القرن الجديد والحياة الإنسانية المعاصرة وننقلها بدون تعليق لكي لا يطول ذلك على القارئ العزيز :
1- جواز حبس المرأة : يقول السيد محمد حسين فضل الله في بيانه لفتوى صادرة من الفقهاء السنة والشيعة على السواء: «يفتي أكثر علماء السنة والشيعة أن بإمكان الرجل أن يسجن زوجته سجنا مؤبدا مع تقديم كل ما تحتاجه»(4 ).
يقول صاحب العروة «يستحب حبس المرأة في البيت وأن لا يطلع عليها أحد من الرجال»(5)
2- جواز زواج المرأة وهي طفلة رضيعة : يقول الشيخ الطوسي «للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بعبد، أو مجنون، أو مجذوم، أو أبرص، أو خصي»( ) يقول الإمام الخميني (قدس سره ) في وسيلته: «لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمالها تسع سنين، دوما كان النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيد فلا بأس بها حتى في الرضيعة»( 6).
3- من آراء الشيخ المفيد في شان النساء ما يلي: «ويكره للمرأة أن تتبرع بشيء من الصدقة إلا بإذن زوجها على ما قدمناه ويكره لها أن تعتق بغير إذن زوجها، وتوقف وتنذر حتى تستأذن زوجها فيه، فإن فعلت شيئا مما ذكرناه بغير إذن زوجها كانت مسيئة في ذلك وإن امضي فعلها ولم يكن للزوج رده وفسخه»( )، «ولا تصوم المرأة تطوعا إذا كانت ذات بعل حتى تستأذن زوجها، وإن منعها حرم عليها صيامها.. ويكره لها أن تقضي صوم رمضان بغير إذن زوجها، وليس لزوجها أن يمنعها القضاء إلا بمثل ما يجوز لها الامتناع على الاختيار لمصلحة تفوت بصيامها ولا يكون ذلك إلا في الندرة من الأيام، وله أن يمنعها من التبرع بالصيام، ولا تقعد المرأة إذا كانت صائمة في الماء إلى وسطها، ولا تقوم فيه كذلك وللرجال أن يفعلوا ذلك».
ـ تحريم خروجها من المنزل وتحميلها وزر أيمان الرجل، يقول الشيخ المفيد: «وليس لها أن تخرج من منزلـه إلا بإذنه، فإذا حلف الرجل بالله أن لا يطأ زوجته كانت بالخيار في تركه ويمينه أو رفعه إلى الحاكم، فإذا رفعته إلى الحاكم أنظره أربعة أشهر، فإن كفر عن يمينه وعاد إلى زوجته فقد قضى ما عليه وإن أبى إلا المقام على مفارقتها ألزمه أن يفيء»
- الحقوق الجنسية: «وإن حدث بالرجل عنة تمنعه من الجماع، كان للمرأة أن ترفع أمرها إلى الحاكم إن اختارت ذلك، فإن رفعته إلى الحاكم وذكرت حالته أنظره سنة من يوم استعدت عليه زوجته ليعالج نفسه، فإن وصل إلى امرأته في السنة مرة واحدة لم يكن لها علة، فإن لم يصل إليها ألزمه الحاكم فراقها إن اختارت ذلك، وإن حدث بالرجل جنة فكان يعقل أوقات الصلوات لم يكن لزوجته عليه حكم في فراقه لها، وإن لم يعقل أوقات الصلوات كان لها فراقه وفرق الحكام بينهما، وليس سوى هذين الموضعين في الحكم كما ذكرنا بل على المرأة أن تصبر عليه وليس لها خيار معه، وتفصيل هذه الجملة إنه إذا حدث بالزوج جذام أو برص أو شلل أو فساد مزاج وما شابه ذلك من الأمراض لم يكن للمرأة عليه مالها على من حدث به عنه أو جنون» (7)
5- عدم ولاية المرأة في أمر زواجها: مسألة 67 : لا ولاية للأب ولا الجد للأب على البالغ الرشيد، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيباً، وأما إذا كانت بكراً فان كانت مالكة لأمرها ومستقلة في شؤون حياتها لم يكن لأبيها ولا جدها لأبيها أن يزوجها من دون رضاها على الأقوى، وهل لها أن تتزوج من دون إذن احدهما؟ فيه إشكال فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه. وأما إذا كانت غير مستقلة في شؤون حياتها فليس لها أن تتزوج من دون إذن أبيها أو جدها لأبيها على الأظهر، وهل لأبيها أو جدها لأبيها أن يزوّجها من دون رضاها؟ فيه إشكال فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه. مسألة 71: ينبغي للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدها، وان لم يكونا فأخاها، وان تعدد الأخ قدّمت الأكبر.(8)
4- القول بجواز الرق : يقول الإمام الخوئي: يقول السيد الشيرازي «وذلك أن الإسلام يسترق الكفار الذين يحاربون الإسلام أو يحاربهم الإسلام في سبيل إنقاذهم من خرافات العقيدة، أو خلاص المظلومين من براثن الظالمين، فإذا استولى المسلمون على الكفار أخذوا أسرى الحرب أرقاء عبيد وهذا خير من أن يسجنوا أو يقتلوا أو يفكوا إلى أهاليهم، فإن السجن كبت والقتل فناء لا داعي له، والفك سبب تجريهم وتأمرهم من جديد». يقول السيد الخوئي في أحكام أسرى الحرب: «إذا كان المسلمين قد أسروا من الكفار المحاربين في أثناء الحرب، فإن كانوا إناثا لم يجز قتلهن، نعم يملكوهن بالسبي والاستيلاء عليهن، وكذلك الحال في الذراري غير البالغين والشيوخ وغيرهم مما لا يقتل، وتدل على ذلك مضافا إلى السيرة القطعية الجارية في تقسيم غنائم الحرب بين المقاتلين المسلمين الروايات المتعددة على جواز الاسترقاق حتى في حال غير الحرب...»( ).
5- قتل المرتد: يقول الشهيد الثاني في الدروس الشرعية في فقه الأمامية ج3:
وأما أحكام المرتد: فهي إما في النفس أو المال أو الولد أو الزوجية.
فالأول: وجوب القتل إن كان رجلا مولودا على فطرة الإسلام، لقول رسول الله(ص) «من بدل دينه فاقتلوه، ولا تقبل منه التوبة ظاهرا، وفي قبولها باطنا وجه قوي».
وإن أسلم عن كفر ثم ارتد لم يقتل، بل يستتاب بما يؤمل معه عوده، وقيل: ثلاثة أيام للرواية، فإن لم يتب قتل، واستتابته واجبة عندنا. ويقول السيد الخوئي في تكملة المنهاج: المرتد عبارة عمن خرج عن دين الإسلام وهو قسمان (فطري وملي) الأول المرتد الفطري وهو الذي ولد على الإسلام من أبوين مسلمين أو من أبوين أحدهما مسلم ويجب قتله وتبيين منه زوجته وتعتد عدة الوفاة...
والمرتد الملي وهو من أسلم عن كفر ثم ارتد ورجع إليه وهذا يستتاب فإن تاب خلال ثلاثة أيام نجا وإلا قتل في اليوم الرابع»
6- فرض ضريبة الجزية على غير المسلمين: (مسألة: 62) تؤخذ الجزية من أهل الكتاب وبذلك يرفع عنهم القتال والاستعباد، ويقرون على دينهم ويسمح لهم بالسكنى في دار الإسلام آمنين على أنفسهم وأموالهم وهم اليهود والنصارى والمجوس، والجزية توضع عليهم من قبل النبي أو الإمام حسب ما يراه فيه من المصلحة كما وكيفا، ولا تقبل( ) منهاج الصالحين ج1 السيد الخوئي.
6- قتال الشعوب الغير مسلمة : يقول السيد الخوئي «الكفار المشركون غير أهل الكتاب فإنه يجب دعوتهم إلى كلمة التوحيد والإسلام فإن قبلوا وإلا وجب قتالهم وجهادهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا وتطهر الأرض من لوث وجودهم» ويقول السيد الشيرازي: (مسألة 2096) الجهاد على قسمين:
ـ 1ـ جهاد النفس.
ـ 2ـ جهاد الكفار وهو إما ابتدائي بأن يجيش المسلمون الجيوش لمحاربة الكفار، أو دفاعي بأن يحاربوا المعتدين دفاعاً عن أوطانهم. المسائل الإسلامية
(مسألة 2100) يجب الجهاد الابتدائي على المسلمين مرة واحدة في كل عام مع التمكن، على المشهور، وإن كان الأقوى وجوبه دائماً حسب التمكن ، ويقول السيد الخوئي: إن الجهاد مع الكفار من أحد أركان الدين الإسلامي وقد تقوَّى الإسلام وانتشر أمره في العالم بالجهاد مع الدعوة إلى التوحيد في ظل راية النبي الأكرم (ص)،ومن هنا قد اهتم القرآن الكريم به في نصوصه التشريعية حيث قد ورد في آيات كثيرة وجوب القتال والجهاد على المسلمين مع الكفار المشركين حتى يسلموا أو يقتلوا، ومع أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
7- التمييز ضد الأقليات غير الإسلامية: يقول السيد الخوئي «يشترط على أهل الذمة أن لا يربوا أولادهم على الاعتقاد بأديانهم كاليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو نحوها بأن يمنعوا من الحضور في مجالس المسلمين ومراكز تبليغاتهم والاختلاء مع أولادهم،بل عليهم تخليت سبلهم في اختيار الطريقة وبطبيعة الحال أنهم يختارون الطريقة الموافقة للفطرة وهى الطريقة الإسلامية»( ). ويقول الإمام الخميني «ليس للكفار ذميين كانوا أو لا تبليغ مذاهبهم الفاسدة، ولا فرق في هذا القسم بين المتجاهر وغيره» ، ويقول «لو أوصى الذمي ببناء كنيسة أو بيت نار أو معبد لهم ومحلاً لعبادتهم الباطلة، ورجع الأمر إلينا لم يجز لنا اتخاذها، وكذا لو أوصى بصرف شيء في كتابة التوراة والإنجيل وما شابه الكتب الضالة المحرفة وطبعها ونشرها وكذا لو أوقف شيئاً على شيء مما ذكر ولو لم يرجع الأمر إلينا فإن كان البناء مما لا يجوز إحداثها أو تعميرها يجب المنع عنه وإلا ليس لنا الاعتراض إلا إذا أرادوا بذلك تبليغ مذاهبهم الباطلة بين المسلمين وإضلال أبنائهم، فإنه يجب منعهم ودفعهم بأية وسيلة مناسبة» ، ويقول السيد الخوئي «يكره ابتداء بالسلام على الذمي، وأما إذا ابتدأ الذمي بالسلام على المسلم فلأحوط وجوب الرد عليه بصيغة عليك أو عليكم أو بصيغة سلام فقط» .
7-- القول بنجاسة غير المسلم: يقول السيد السيستاني:
التاسع: الكافر: وهو ما لم ينتحل دينا أو انتحل دينا غير الإسلام.. وأما الكتابي فمشهور نجاسته ولكن لا يبعد الحكم بطهارته وان كان الاحتياط حسنا.
ـ ما يؤخذ من أيدي الكافرين المحكوم بالنجاسة من الخبز والزيت والعسل ونحوها من المائعات والجامدات طاهر إلا أن يعلم بمباشرتهم له بالرطوبة المسرية وكذلك ثيابهم وأوانيهم والظن بالنجاسة لا عبرة به .
ويقول الإمام الخميني (قدس سره) ما يؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين من اللحم أو الشحم أو الجلد إذا لم يعلم كونه مسبوقا بيد الكافر محكوم بالطهارة وان لم يعلم تدكيته، وكذا ما يوجد مطروحا في ارض المسلمين، وأما إذا علم بكونه مسبوقا بيد الكافر فان احتمل أن المسلم الذي أخده من الكافر قد تفحص من حاله وأحرز تدكيته بل وعمل المسلم معه معاملة المذكي على الاحوط فهو أيضا محكوم بالطهارة وأما لو علم أن المسلم أخده من الكافر من غير فحص فالاحوط بل الأقوى وجوب الاجتناب عنه» .
يقول الوحيد البهبهاني: أن الحكم بنجاسة الكافر شعار الشيعة يعرفه علماء العامة بل وعوامهم يعرفون أن هذا مذهب الشيعة بل ونسائهم وصبيانهم يعرفون ذلك وجميع الشيعة يعرفون أن هذا مذهبهم في الإعصار والأمصار» .
9- من غرائب الفتاوى الشيعية ما يلي: 1- اذا ارضعت امرأة طفل ابنتها حرمت تلك الابنة على زوجها . المسائل الإسلامية 2- كفر ابن الزنا: وقد استفرد بذلك الحلي في سرائره، يقول الحكم بكفر ابن الزنا: وهو على وجه العموم ليس له مكانة في المجتمع الإسلامي فتحرم إمامته صلاته الجماعة ويحرم اجتهاده وتقليده وقضاءه ، رغم أن القران الكريم يقول" ولا تزر وازرة وزر أخرى" وقد تفرد بهه بذلك العلام الحلي في سرائره في غير موضع، يقول" يقول في السرائر «لا استحمل لشيخنا هذا التناقض في استدلاله (يعني الطوسي) يقول في قتيل أهل البغي لا يصلى عليه لأنه قد تبث كفره بالأدلة وولد الزنا لا خلاف بيننا انه قد تبث كفره بالأدلة أيضا بلا خلاف»( 10). - عدم قبول شهادة المرأة في عدة موارد، يقول المفيد في أحكام النساء: ولا تقبل شهادة النساء في النكاح والطلاق ورؤية الهلال والقصاص والدماء" (11)
5- إذا أراد أحدا أن يصبح محرما مع زوجة أخيه يجب أن يعقد لنفسه على طفلة رضيعة لمدة قابلة للاستمتاع ثم ترضع زوجة أخيه تلك الطفلة فتصير محرما معه وكذا إذا كانت أم زوجة الأخ فعليه خلية تزوجها فتكون أخيه بنتا لزوجته" (12)
6- عدم توريث المرأة عقار زوجها: وهو ما تفردت به الأمامية يقول الشيرازي ولا ترث الزوجة من الأرض لا من عينها ولا من قيمتها ولا ترث من عين الآلات والأبنية والأشجار ولكن ترث من قيمتها" (13)

7- في مطلع عام 2005م اصدر الشيخ عفيف النابلسي في لبنان فتوى حرم فيها تشكيل أي كيان سياسي غير متربط بحزب الله أو حركة أمل وحرم الانتماء لغير هذين الفصيلين، ولا ادري كيف أجاز لنفسه الفتوى والشيعة الإمامية قاطبة تلزم المفتي ببلوغ رتبة الاجتهاد ليعتبر صالحا للفتوى ، يقول النابلسي في جزء من فتواه المثيرة للجدل والتي رد عليها عشرات الكتاب والمثقفين والسياسيين ورجال الدين" يحرم على أي طرف سياسي شيعي أن يدخل بديلاً ورديفاً عن ممثلي أمل وحزب الله (باعتباره) دخولاً غير شرعي، لأنه لا يمثل الواقع الشعبي، ولا يحوز الإيجاز الشرعي المطلوب"، (14) يقول فضل الله" إن جو التخلف حين يتفشى لا يستثني علماء الدين من الإصابة والتأثر به إذا ما كان عندهم الاستعداد لذلك، بحيث يعكس عالم الدين هذا التأثر اللاشعوري بالبيئة ورواسب التخلف الموجودة فيها في فهمه للنص والواقع»(15 ).
ويقول المرحوم شمس الدين" يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: «لا ريب في أن كثير من بديهيات الفقه هي من بديهيات الشريعة خاصة فيما أجمعت عليه مذاهب المسلمين وفقهاؤهم، ولكن لا يمكن للفقيه أن يجزم بان كل ما كان من بديهيات الفقه فهو من بديهيات الشريعة. فقد تبث أن بعض البديهيات في مذهب أو أكثر ليس من بديهيات الشريعة، وفي بعض الحالات فان بعض البد بهيات في جميع المذاهب ليس من بديهيات الشريعة بل للنظر فيه مجال»( 16).
لقد قال الفقهاء بوجوب الخمس لهم وما في ذلك من قران أو سنة وإنما وضعت بناء على نظرية النيابة العامة للفقيه والتي انقسمت إلى ولاية مطلقة و حسبية ، وإنما هي مجرد نظرية ليس إلا ، فهذا الشيخ الأنصاري صاحب المكاسب يقول في معرض نقده للولاية العامة للفقيه" فلو طلب فقيه الخمس والزكاة من المكلف فلا دليل على وجوب العطاء إليه شرعا».
وإنما نظرية النيابة العامة مما لا دليل عليه من قران أو سنة وان هي إلا مجموعة من الروايات التي تحتمل التأويل و لها في النظر والفكر أكثر من وجه مما ومعروف ، ولك أن تعلم أن شمس الدين رحمه الله يقول بولاية الأمة على نفسها في عصر الغيبة وكذلك المرحوم مغنية ولعل هناك غيرهم الكثير إلا الأوضاع في إيران والعراق لا تسمح لهم بالتعبير عن رأيهم المخالف لسلطة الفقهاء الحاكمة ، واليك بعض الطرائف في أمر فتاوى الفقهاء وفي مسار فتاواهم الشرعية :
1ـ تطرح في الفقه المسألة التالية: هل يجب أن تكون الحاضنة عادلة أم لا ؟. يقول بعض الفقهاء بعدم اشتراط العدالة لان أكثر النساء فاسقات، وهذا الرأي لا يقوم على دليل خاص من السنة، إنما بني على رواية تقول بهذا المعنى، وهذه الرواية تحمل طابعا كلاميا تتحدث عن خصال الإناث وصفاتهن ولكن الفقيه تطبع في ذهنه أن النساء يغلب عليهن الفسق.
2ـ في موضوع صلاة الميت يتساءل البعض هل يجوز للمرأة الصلاة على الميت أم لا ؟. بعض الفقهاء يقول يجب أن يصلي عليه رجل لان الرجال هم الأقرب إلى الله من النساء ودعائهم أكثر استجابة وإذا صلت المرأة على الميت يكون ذلك بمثابة إهانة له.
لا شك أن ابتعاد المرأة عن شؤون المجتمع، وكونها عنصرا مهمشاً غير فاعل، يحتم على الفقيه أن يقول بهذا الرأي، رغم عدم توفر أي دليل من الكتاب والسنة على حرمة صلاة المرأة على الجنائز.
3ـ في إيران صدر كتاب حول (قضاء المرأة) وناقش جميع الأدلة النقلية وباشر في تفنيدها، وقال بعدم توفر دليل قطعي يمكن الاستدلال به على حرمان المرأة من نصبي الولاية والقضاء، إلا انه في خاتمة البحث قال بعدم جواز تولي المرأة للمنصبين لما عرف من سلوك النساء من ضعف الحجة والعقل وتأثرهن بالعاطفة !.
يقول الشيخ مهدي مهريزي: «الحقيقة هي أن هذا الرأي ينم عن واقع اجتماعي ورؤية اجتماعية تصور المرأة وكان مشاعرها وعواطفها غالبة على عقلها، غير انه لا يوجد لدينا ولا حديث واحد يغلب عواطف ومشاعر المرأة على عواطف ومشاعر الرجل.
وردت صفة نقصان العقل في بعض الأحاديث لكن صفة غلبة المشاعر والعواطف لم ترد في أي حديث. بيد أن هذا التصور شائع في بعض الثقافات ومتداول على بعض الألسن وقد جعل كأساس للاستنباط الفقهي»(17 ).
4ـ يطرح الفقهاء بان الأيمان والفقر شرطان لاستحقاق الزكاة إلا أن العدالة ليست بشرط لان أكثر المستحقين للزكاة من النساء، والنساء أكثرهن فاسقات !، كما يقولون بحرمة زواج العبد من امرأة حرة ويعدونه بمثابة الإقدام على الزنا، إلا أنهم يفتون بعدمه لان الرجل عبد والمرأة ضعيفة العقل !، ومرجع هذا الحكم ليس إلى نص ديني محدد ولكنه جاء بناء على خلفية ذهنية كونتها الثقافة الاجتماعية السائدة من طرق شتى منها بعض الروايات التي تصف المرأة بالفسق طبعا وقالبا.
عن الصادق (ع) في ذمه لاختلاف الفقهاء في الفتوى: ترد على احدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم بها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينا على غيره فيحكم بها بخلاف قوله ثم تجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آرائهم جميعا وإلههم واحدا ونبيهم واحد وكتابهم واحد"
فليخبرنا الأستاذ سراج وكافة الإخوة التقليديين الذين يريدون أن يكون الفقهاء حكامنا المطلقين في الدين والدنيا، أي دين يرومون، دين الشيعة أو السنة ؟ ؟ وإذ كان دين الشيعة فأي فرقة منه؟ الاسماعيليين أو الزيديين أو الجعفريين؟ واذا كانوا يريدون الاماميين الاثنى عشريين. فأي فرقة منها، الأصوليين أو الإخباريين واذا كانوا يفضلون الأصوليين فأي فرقة منها؟ العلويين أو الشيخيين أو ممن يقول بالولاية المطلقة أو الحسبية؟ أتباع المرجع عمر أو زيد، ! أم أنكم ستختارون فرقة "التأويليين " أظنكم لم تسمعوا عنها سابقا، فهي فرقة شيعية يتزعمها رجل دين شاب وله أتباع في القطيف والاحساء والبحرين وسوريا ، إنها فرقة ما تزال بعرف الوقت والزمن حديثة المنشأ، وهي تقف بالضد من نظام المرجعية الحاكم وتدعوا إلى نفسها لتقود نظام دين جديد وضع قواعده وأسسه وأركانه الشيخ احمد البحراني في كتاب له يعرفه المهتمون بهذه الأحوال عنوانه" التأويل" وبه ينسف مباني الاجتهاد ويتهمها بالسفه ، ويخطأ معظم الأحكام الفقهية الصادرة والآراء الدينية المعروفة !
أن شعوبنا تائهة ما بين هذه الفرق والتيارات المتلاطمة ، وفي العراق الذي ذكرته جانبا من الحقيقة، فالشيعة هناك في صراعات لا تنقضي وفرقها متعددة ومتضاربة فيما بينها وأظنك غير مطلع ببواطن الأمور هناك و لا تحيط منها إلا القليل، فهناك مراجع دينيين يعارضون السيد السيستاني ونهجه ، منهم المرجع الديني الشيخ احمد البغدادي الحسني وأتباعه بالآلاف المؤلفة ويخالف السيستاني جملة وتفصيلا فيما يقوم به ويفعل، وكل ذلك أيضا بعنوان الدين والنبي وال البيت!
معظم هذه الفتاوى والأحكام التي هي في عداد المسلمات ليست كذلك، إليك ما سطره المحقق الاردبيلي في زبده الأحكام وفيه لا يرى إخراج الخمس في كل ما يمتلكه المكلف ويحصر إخراجه في عدد من الموارد، وقبل ذلك أحيلك إلى كتب الأقدمين قبل بروز التيار الأصولي لتدرك إن الخمس لم يكن بواجب عندهم وانه غير واجب الإخراج في عصر الغيبة إلا انه بعد ظهور نظرية النيابة العامة بشقيها الولاية الحسبية والمطلقة قال الفقهاء بان الخمس لنائب الإمام وهو الفقيه فمضت بذلك سنة ليس لها أصل لان تلك النظرية ليس لها في الشريعة فصل أو درس . فتأمل ، يقول : المحقق الاردبيلي : ثم إنه يفهم من ظاهر الآية وجوب الخمس في كل الغنيمة، وهي في اللغة بل العرف أيضا الفائدة، ويشعر به بعض الأخبار مثل ما روى في التهذيب بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له: " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول " قال هي والله الفائدة يوما فيوما إلى أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكو.
إلى أن الظاهر أن لا قائل به، فان بعض العلماء يجعلونه مخصوصا بغنائم دار الحرب كما عرفت، وبعضهم ضموا إليه المعادن والكنوز وأكثر أصحابنا يحصره في السبعة المذكورة، وقليل منهم أضاف إليها بعض الأمور الأخرى كما أشرنا إليه وأيضا الإجمال في القرآن العزيز كثير ألا ترى كيف ذكر الزكاة بقوله " والذين يكنزون الذهب " الخ والمراد بعض الكنوز مع النصاب وساير الشرائط التي ذكرها الفقهاء وكذا آيات الصلاة والصوم والحج.
وأنه تكليف شاق، وإلزام شخص بإخراج خمس جميع ما يملكه بمثله مشكل، و الأصل والشريعة السهلة السمحة ينفيانه، والرواية غير صحيحة وفي صراحتها أيضا تأمل إذ قد يكون المراد الفائدة يوم فيوما في مثل الصناعات التي هي محل الخمس فالقول بأنها تدل على وجوب الخمس في كل فائدة ويخرج ما لا يجب فيه بالإجماع ويبقى الباقي، فيكون الخمس واجبا في كل فائدة إلا ما علم من الدليل عدمه فيه فتخصص الآية به، لا يخلو عن بعد، وإن كان صحيحا على قوانين الاستدلال، لعدم ظهور الآية ووجود الاجمال والعموم، وإرادة الخاص في القرآن كثير كما عرفت ولعدم تفسير أحد إياها بها، وعدم ظهور القائل، والأصل الدال على العدم، مع ظواهر بعض الآيات والأخبار، وعدم مثل هذا التكليف الشاق وكأنه لذلك ما ذهب إليه هذا الحمل والاستدلال أحد على الظاهر، نعم قال في مجمع البيان بعدما نقلنا عنه في الغنيمة موافقا لجمهور المفسرين أن معناه في اللغة ذلك: قال أصحابنا: إن الخمس واجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات، وفي الكنوز والمعادن والغوص، وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب ويمكن أن يستدل على ذلك بهذه الآية فان في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم الغنم والغنيمة، والظاهر أن مراده ما ذهب إليه أكثر الأصحاب من الأمور السبعة(19)، فانه نسبه إلى أصحابنا، والظاهر منه الجميع أو الأكثر، وليس وجوبه في كل فائدة قولا لأحد منهم على الظاهر، وأيضا قال: مذكور في الكتب، وليس ذلك مذكورا في الكتب فكأنه أشار إلى إمكان الاستدلال لمذهب الأصحاب بالآية الشريفة، إلزاما للعامة فأنهم يخصونه بغنائم دار الحرب، وذلك غير جيد، الله يعلم (20)
أن الصراع الذي اتخذ أبعادا دموية ما بين الفقهاء الحاكمين لو كان المقام يتسع لأوردته عليك وان فيه لما يشيب منه الصغير ويهرم منه الكبير ! وليس كل ما يعرف يقال وحسبك كتبنا التالية "قيم الحرية والديمقراطية في الحضارة الإسلامية" الإرهاب والتعصب عبر التاريخ " عندما يحكم الإسلام " ففيه من الإيضاح ما يشفي غليل كل من أراد كشف المستور والغوص تحت الأمواج العاتية والمستعان بالله.
ما ندعو إليه يا صديقي هو التعددية والحرية والعدالة والمساواة ولكن يأبى ذلك الدينيون الحاكمون، ما ندعو إليه أن يكونوا جزء من كل، ولكنهم يأبون إلا أن يكونوا كل شي، أن يصبحوا فئة من الفئات وشريحة من الشرائح ولكنهم لم ولن يقبلوا إلا أن يكونوا متسلطين على الرقاب والعباد ، عندما يفتي فقيه بجواز زواج الأطفال فانه ليس من حقه أن يلزم الشعب بفتواه لأنها ليست من الشريعة بل من الفقه وأنت تعلم أن هناك فرق بين الفقه والشريعة! أما عن التخصص فللفقيه العبادات والمعاملات الفردية كالصلاة والصيام تماما كالمهندس والطبيب ، أما زواج الأطفال فمسالة تحمل إبعادا حقوقية واجتماعية ونفسية لذلك لا بد أن يكون للشعب مجلسا دستوريا تشريعا يشرع الأنظمة والقوانين والأنظمة بناء على المصلحة العامة وما تقتضيه الضرورة ، يضم أصحاب الرأي والحكمة والتخصص ومن ضمنهم الفقهاء ورجال الدين ليشرعوا للمجتمع شئونه السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مناخ دستوري قانوني متقن ورصين ومتآلف، أما أن يستبد الفقهاء بأمر الأمة وشئون حياتها باعتبارهم نواب للمعصوم عند الشيعة ومفتوا الجمهوريات عند السنة فهذا ما لا دليل عليه من سنة أو كتاب ، عندما تتولى الأمة نفسها لا يمكن تجاوز المسلمات الدينية التي تعبر عن حكم الله عز وجل لا حكم الفقهاء، حينها فقط سيتحولون إلى شريحة من الشرائح، وفئة من الفئات ، يضعون أيديهم بأيدي إخوانهم في الدين والوطن والإنسانية ليمارسوا دورهم في التعمير والبناء والتقدم والتطور، حينها سيكون الاستبداد الديني مجرد تاريخ مؤلم وستنتقل شعوبنا من الحالة الاستبدادية إلى بحبوحة الحرية والطمأنينة والعدالة، حينها فقط سيكون أمامك منبرا تقليديا ومنبرا ليبرالي، فاذهب إلى أيهما شئت ،فأنت! هذا اجتماع لا فصل عنصري فيه بين رجال ونساء ، فان كنت تريد أن تكون جزء منه فهذا شانك وذا كنت تفضل مجلسا تقليديا يفصل بين رجاله ونساءه ستار حديديا فاذهب إليه فهذا شانك وأنت حر ، ستكون أمامك حوزة علمية تقليدية وحوزة علمية تدرس فقه وفق قواعد جديدة وعلوم حديثة ولك الاختيار فيما بينهما فاذهب لأيهما شئت!
أن معضلتنا الكأداء هي في الاستبداد فانا مستبد برأيي وأريد فرضه على الآخرين لأني أراه الحق المطلق والآخر المخالف يتبع الباطل ومن ناحية أخرى يراني الأخر كما أراه، هنا يفقد المجتمع توازنه ويقف حائرا ولا يمكنه تجاوز الحاكمين المستبدين المتصارعين ، ولكن عندما تسود الحرية ويحكمنا العدل والإنصاف فان الشعب سائرا لا محال في درب التنمية والتقدم المستمر، فالدين جزء لا كل، والفقهاء شريحة من ضمن شرائح، والدولة مؤسسة مدنية تنظيميه، لا سلطة تيوقراطية مستبدة ، أن فهمنا للدين كدين لا يحتاج لرجال الدين إلا باعتباره علم متخصص ذو أبعادا تنظيمية تشارك في بلورة الحياة العامة ، جميعنا قادرون على إدراك اغلبه ، فلنعمل من اجل دين بدون رجال دين، دين لا يستبد به احد مهما كان ، لأنه دين الله ، لا دين احد، وليس للدين أوصياء أو أولياء من دون الأنبياء وأوصيائهم ، لا يجب أن نحمل الدين أكثر مما يحتمل، انه نظام هداية عام، نظام ضبط عام، وليس نظام حكم مطلق وإلا لما تشتت أمر معتنقيه وأصبحوا فرق ومذاهب انتشرت بينها الصراعات والخلافات على مر الأزمان وكانت ضحيتها الشعوب المستضعفة .
فلنعمل من اجل دين يشارك بفاعلية في صياغة حياة مدنية صناعية اجتماعية اقتصادية ثقافية جديدة ، بعيدا عن الاستبداد والشمولية ، لتمارس امتنا دورها المفترض في تنمية العالم ونهضته ، وعزة الإنسان وكرامته، حينها فقط ستشرق شمس لا مغيب لها، أنها شمسنا ،شمس الأمة الإسلامية العربية الحرة الكريمة، لتنظم مع الشموس الأخرى في هذا العالم في بث الدف والضياء للإنسان والحياة والكون.
هوامش
1- محمد باقر الصدر دراسة في حياته وسيرته ص 206
2- الفتاوى الواضحة ص95 -96
3- تجارب محمد جواد مغنية بقلمه ص 51-52
(4 ) دنيا المرأة ص92.
5-- ( 5) العروة ج1 ص24.
6- تحرير الوسيلة ج2، ص242.
7- أحكام النساء للشيخ المفيد
8- ( المسائل المنتخبة السيستاني)
9- المسائل الإسلامية 613- منهاج الصالحين ج1 ص 275..
10- المبسوط ج1 ص 357. 3- 3
11- أحكام النساء ص51
12- المسائل الإسلامية ص595
13- المسائل الإسلامية ص 676
14- ("السفير"، 21/12/2005).
15- دنيا المرأة ص 29
16- مسائل حرجه في فقه المرأة ص 8
17- نحو فقه للمرأة يواكب الحياة ص 85
18- زبدة الأحكام ص 180
19- يقصد بها غنيمة دار الحرب وأرباح التجارات و الزراعات والصناعات والمعادن والكنوز وما يخرج بالغوص والحلال المختلط بالحرام
20" زبدة البيان 208-210