صباح اللامي

لابد أن نشعر بالزهو، لابد أن نحس أننا استعدنا كبيرياءنا، ولابد أن نتيقن أننا ماضون على طريق "التخلص من كل النابحين". وسبب ذلك أننا انتصرنا على 58,000 كلب "ضال" في بغداد وحدها. قتلناها شرّ قتلة، أولاً لكي لا تنبح في الليل فتزعج "نومتنا" على تبريد الحكومة المركزي الموزع الى البيوت عبر الأزقة والدرابين وحتى "العكود". وثانياً لكي لا يتطفل كلب من الكلاب الضالة على جثة قتيل، قد تُلقى إلى قارعة الطريق، وثالثاً، لكي نطهّر الشوارع من "آخر المزعجين" للأطفال والنساء، ثم رابعاً وأخيراً، هي حملة من أجل صحة العراقيين، لاسيما بعد توفير الدواء والماء والكهرباء.

إنها حملة مفرحة و"مربحة" بكل تفاصيلها. ولهذا لابد من الإشادة بفريق من المحاربين الرماة الناجحين في الشرطة الذين قتلوا هذا العدد الكبير من الكلاب الضالة والضارة في بغداد، وحواليها فقط خلال 3 شهور، وللعلم –سادتي القراء- فإن هذه الكلاب أولاد وبنات الكلاب لسابع ظهر، سبق لها أن هاجمت مواطنين أبرياء، ثم أنّ الإرهابيين ربما يستخدمونها وسيلة للتفجير، فصار من اللازم على الحكومة التي لا تريد أن تترك أي حيوان أو يضر المواطنين إلا قتلته.

لقد تحرّك 20 فريقاً تابعاً لمحافظة بغداد، شاهرين بنادقهم ضد الكلاب في كل زاوية وشارع وزقاق ومحلة وحارة ودربونة، لكي يبقى حلما من الأحلام بالنسبة لأطفالنا رؤية كلب من الكلاب، اللهم إلا إذا رأوا ذلك في صورة أو عبر مشاهد فيلمية في الفضائيات. كما استخدمت هذه الفرق "مواد سامة" أيضاً للتخلص من الكلاب "الفقيرة" وليست المسعورة لكي تموت بسلام، فالحكومة لا تحب أن تتحمل وزر الكلاب التي لا تعد مؤذية أو ذات صفات عنيفة. وكلما كان سجل الكلب يشير الى هدوئه ورزانته، كانت كمية السُم أو طريقة القتل بالبنادق الهجومية أقل أذى، وأرأف في تنفيذ العملية.

ويقدر مسؤولون حكوميون أن هناك في البلد نحو 1.25 مليون كلب ضال، وما يؤنس في هذه القضية، قول المسؤولين إن كثرة الكلاب الضالة تعود الى حالة التطور في أنماط الحياة اليومية للعراقيين في بغداد التي وصفها بأنها تحاول أن تستعيد "طبيعتها الاعتيادية" التي كانت عليها قبل أن يحتلها الغزاة سنة 2003. وقال مسؤولون في مديرية البيطرة في المحافظة إن "الأسواق المفتوحة في كل مكان، وعودة حياة الشبع الى المدينة" جعل الكلاب تتكاثر لأنها أصبحت قادرة على إيجاد الطعام، لأن فضلات البيوت من الطعام كثرت، والحمد لله.

وفي تناقض صارخ، يزعم المسؤولون الذين قادوا جهود "حملة تصفية الكلاب" أن الكثير منها هاجمت أطفالاً وقتلتهم أو أصابتهم بأذى فادح. وهذا الكلام يتناقض مع كلام "الشبع الذين يخلف فضلات أكثر تخرجها البيوت والأسواق"، إذ أن الكلاب الجائعة وحدها هي التي "تخمط" المارة في الشوارع. ومع هذا يصر المسؤولون على أنّ الشيء الذي يكذب الناس الزاعمين أن هناك جوعاً، ويفضح دعاواهم، هو هذه الكلاب الكثيرة التي انتشرت بسبب "البحبوحة" التي يعيش فيها العراقيون، ولأن الكلاب لا تأكل إلا اللحوم، فهذا يعني أن مواطنينا ما شاء الله يتمتعون بمستوى اقتصادي رفيع، إذ أنّ فطورهم لحم وغداءهم لحم وعشاؤه لحم. ومن دون "اللحوم وعظامها" كيف كان يتسنى للكلاب أن ينتفخ عددها الى هذا المستوى. وإذا صح أن "جنس الكلاب" انتعش في أزمة القتل الطائفي، كان لابد من الانتقام منها، وتصفيتها، والحذر من أن تكون أعدادها وفيرة مع اندلاع هجمات جديدة.




المصدر : صحيفة النور - الكاتب: صباح اللامي