قصيدة في ذكر شهيد الإسلام مسلم بن عقيل عليه السلام
أُخادِعُ نفسي بالأماني الكَواذِبِ ** وأُنفِقُ عُمْري في اتّقاءِ النّوائِب
ولا وَطَنٌ عندي ولا ذو مُروءَةٍ ** يُنافِحُ عنّي في قِراعِ المَصائب
جَزى الله إخواناً تَمادَوا بِجهلِهِمْ ** و قَوْماً وَفَوا للغَدْرِ أوفى المَطالِب
وقد كان لي صَحْبٌ عَبيداً كأنّهُمْ ** وهيهاتَ أشكو الضّيْمَ من جَوْرِ صاحِب
بَذَلْتُ وكان الوَفْرُ جَمّاً نَميرُهُ ** و قد صِرْتُ لا مالاً ولا قَصْدَ راغِبِ
ولو كان لي عَتْبٌ يُرجّى قَبولُهُ ** عَتِبْتُ وما أُلزِمْتُ صَمْتَ الموارِب
فقد يورِثُ العَتْبُ الجميلُ عَداوَةً ** و تلك سَجايا النّاسِ عند التّعاتُب
و من يَدّخِرْ للدّهْرِ ناساً خَبُرْتُهُمْ ** رمتْهُ قِسِيُّ الجّهْلِ سَهْمَ المَعاطِب
دََعِ الشمسَ تجري وِفْقَ ما أحكَمَ القَضا ** تواصِلُ بالإشراقِ هَجْرَ المَغارِب
و كُنْ أنتَ للأفلاكِ قُطْباً مَدارُهُ ** يُزانُ بأحداقِ النّجومِ الثّواقِب
حَزِنْتُ وهل أبقى ليعقوبَ حُزْنُهُ ** على يوسفٍ غيرَ العيونِ الذّواهِب
وما كان حُزْني مِن خُطوبٍ سَئِمُتها ** فَمَنْ لم يُقاسِ الدّهرَ غِرُّ التَجارب
ولكنّ جَوْرَ النّاسِ أدمى مَحاجِري ** بِغَدْرِ فتىً يُنْمى إلى آلِ غالبِ
نَماهُ إلى العَلياءِ و الفَخْرِ مَحْتِدٌ ** و مَجْدُ تَسامى في سماءِ المناقِب
إذا افتخرَ الإسلامُ فالفَخْرِ مُسْلِمٌ ** رسولُ الحسينِ السّبْطِ و ابنِ الأطائِب
و مَنْ عَمُّهُ عند المُلِمّاتِ حيدرٌ ** تَناهَتْ إليهِ سامياتُ المَراتِب
و مَنْ عَمُّهُ في الحَزْمِ و العَزْمِ جعفرٌ ** يَؤوبُ و قد وافى بأغلى المَكاسِب
وعبدُ مُنافٍ جَدُّهُ ناصَرَ الهُدى ** و آوى و حامى جاهِداً غيرَ ناكِب
أبو طالبٍ أكرِمْ بهِ مِنْ مُجاهِدِ ** يَذُبُّ عن المختارِ دونَ الأَقارِب
و مِنْ بعدِهِ اوصى عَقيلاً و جعفراً ** على نَصْرِ طاها خَيْرِ فَرْضٍ و واجِب
كفى مُسلِماً ما أسبَغَ المَجْدُ ضافِياً ** مِنَ العِزِّ ما جادى سَخاءَ السَّحائِب
لَهُ والدٌ أوفى لِطاها عُهودَهُ ** إذا أقبلَتْ بالموتِ أُسْدُ الكتائِب
غَداةَ حُنَيْنٍ (والقَنا تَقْرَعُ القَنا) ** و سودُ المنايا تحتَ بيضِ القَواضِب
سرى ابنُ عقيلِ الخَيْرِ ذو الفَضْلِ مُسْلِمٌ** رسولَ هُدىً يجلو ظلامَ الغَياهِب
رسولَ هُدىً عن سِبْطِ طاها مُجَلِّياً ** حقائقَ نَهْجِ الحَقِّ عن كُلِّ رائِب
إلى الكوفةِ الحمراءَ مِنْ أرضِ مكّـة ** فسبحانَ مَن أسرى بخيرِ الرَّكائِب
ليأخُذَ منها العَهْدَ في نَصْرِ دينِهِ ** و إرجاعَ حَقِّ اللهِ مِنْ كُلِّ غاصِب
و إصلاحَ ما شاء المُضِلّونَ صَدْعَهُ ** و تَقْويضَ ما شادَتْهُ أيْدي المَعائِب
و كَمْ أوفَدوا أو كاتَبوا سِبْطَ أحَمَدٍ** أنْ اقْدِمْ إلينا تَلْقَ مُخْضَرَّ جانِب
و ما خادَعوهُ إنّما نَحْسُ جَدِّهِمْ ** رماهُمْ بأدناهُنّ سوءَ العَواقِب
أتى مُسْلِمٌ والرّشْدُ حادٍ رِكابَهُ ** إلى مَجْمَعٍ ظامٍ إلى الرُّشْدِ ساغِب
و ما جاء للدّنيا الذي عاشَ ثائِراً ** يرى الموتَ دونَ الحَقِّ أسمى الرَّغائِب
و لكنَّما الشَيطانُ أوحى لِجُنْدِهِ ** مَكائِدَ لا تبدو لِعَيْنِ المُراقِب
تُفرّقُ شَمْلُ الناسِ مِنْ بعدِ جَمْعِهِمْ ** و قد حَكّمتْ فيهِمْ شُرورَ المَآرِب
دعا ابنُ زِيادِ الوَغْدُ جَيْشاً مُجَرَّباً ** إلى حَرْبِ ليثٍ غالِبٍ للغَوالِب
وقد كان فَرْدَاً شَدّ بالجَّمْعِ بأسُهُ ** فما بينَ مَنحورٍ و ما بينَ هارِب
و لمّا دعاهُ الموتُ نَصْراً لِدينِهِ ** أراهُمْ مِنَ الإقدامِ إحْدى العَجائِب
لهُ صارِمٌ لا يألَفُ الغِمْدَ حَدُّهُ ** و ليس لهُ مِنْ نَبْوَةٍ في المَضارِب
فألقَوْا إليه السِّلْمَ و العَهْدُ بينَهُمْ ** رُجوعاً لأمْرِ اللهِ بينَ المَطالِب
و لكنّهمْ للغَدْرِ ألْقَوْا قِيادَهُمْ ** فخانوهُ أبناءُ السّفاحِ النَّواصِبِ
بنفسي غَريباً مُبْعَدَاً عن دِيارِهِ ** أحاطَتْ بهِ الذُّؤبانُ مِنْ كُلِّ جانِب
و قد ضاقَ في عَيْنَيْهِ ما أوسَعَ الفَضا ** و جارَتْ عليهِ مُردِياتُ المَصائِب
فقادوهُ نحوَ الموتِ للهِ ما دَجا ** مِنَ الخَطْبِ ما أبكى عيونَ النَّوائِبِ
وقد ذاقَ حَرَّ السّيفِ صَبْراً مُكَبَّلاً** و جَرّوهُ في الأّسواقِ دامي الجَّوانِب
و قد مُزِّقَتْ أشْلاؤُهُ مُذْ رَمَوا بهِ ** مِنَ القَصْرِ إطفاءَ الضُّغُونِ اللّواهِب
لِمسلم فَلْيَبْكِ أولوا الدّينِ والتُّقى ** دَماً و لْيَزِدْ بالنّوْحِ نَدْبُ النّوادِب
ألا يا رسولَ اللهِ منّي ثَواكِلٌ ** تُعزّيكَ في نَظْمِ الدّموعِ السَّواكِب
أسَلْتُ بها قلبي رَجاءً لِقُرْبِكُمْ ** و قُرْبِ إمامِ العَصْرِ مِن آلِ طالِبِ
إمامٍ هُدىً أدعو من اللهِ نَصْرَهِ ** فحَتى متى أبكي على فَقْدِ غائِبِ
عليكمْ صلاةُ اللهِ تَترى نَدِيَّةً ** وللعِتْرَةِ الآلِ الكِرامِ الأطائِب