 |
-
سنة العراق... أليس فيكم رجل رشيد؟
سنة العراق... أليس فيكم رجل رشيد؟
مشاري الذايدي
يوجد لدينا الآن أكثر من عراق، له أكثر من صورة، وتتزاحم على طابور مستقبله أحلام وفيرة مختلفة الوجهات.
هذه الحقيقة تجسدت من خلال عدة معايير، معيار طائفي يقول إن مصلحة الطائفة الشيعية في ارساء دعائم العراق الجديد، مصلحة حقيقية وعظمى وتاريخية، وبدرجات اخرى ينطبق هذا الوضع على الاقليات المسيحية وغيرها.
ومعيار إثني، يقول ان مصلحة الاكراد في مضي قاطرة العراق الوليد سيجعل ايام الكرد أطيب واحلامهم اقرب لمعانقة راحة الواقع، ونفس الامر ينطبق على إثنيات اخرى مثل التركمان وغيرهم.
يبقى فريق واحد ما زال «قسم» منه يحارب هذه الحقيقة ويؤخر بزوغها قدر ما يستطيع، وهم أطراف من السنة العرب. والحق أنهم بذلك يفوتون فرصة تاريخية، كما لاحظ عبد الرحمن الراشد والمفكر العراقي الشيعي اياد جمال الدين.
غير أن ما يجب لفت الانتباه اليه هنا، ولو بشكل مختصر، أن السنة العرب ليسوا على موقف رفضوي واحد، وليسوا كلهم «فلوجة» ولا هيئة علماء المسلمين، وغني عن القول، ان هناك من ينهج نهجا سياسيا مناقضا لموقف صقور السنة العرب، الممثل بالمشايخ الفيضي والكبيسي والضاري، المرفوضين هم بدروهم من جماعات الزرقاوي، لانهم ربما تلوثوا بترديد كلمة «وطن وانتخابات»، الامر الذي يناقض دولة العقيدة الاسلامية الاممية.
ولتأكيد وجود موقف سني عربي مختلف عن هذه المواقف، نشير الى موقف الحزب الاسلامي السني (اخوان مسلمين)، فقد دعا الحزب بلسان اياد السامرائي المتحدث باسمه، الى المشاركة بكثافة في الانتخابات، مع تنبيهه الى استحالة اتمام هذه العملية بسبب ما أسماه بالنص «أحداث العنف في البلاد»، وليس «الجهاد»، كما يقول مشايخ هيئة علماء المسلمين، او كما يقول القرضاوي والاسلاميون في البحرين والكويت والسعودية.
ويعارض السامرائي موقف هيئة علماء المسلمين التي دعت قبل عدة ايام الى مقاطعة الانتخابات، حيث يقول: «هذه الحجج غير قائمة، الانتخابات هي التي تقربنا من الاستقلال» واضاف: «على جميع العراقيين من كل الاتجاهات ان يعملوا على انجاح الانتخابات» («الشرق الأوسط» 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي).
الامر لم ينته هنا، فهناك شخصيات سنية محترمة كتبت ملامح وجه عراق صدام حسين وشاركت بفعالية في مجلس الحكم الانتقالي ثم في المجلس الوطني، كما شاركت في مواقع حكومية مهمة، نذكر منها عدنان الباجه جي وسمير الصميدعي ثم رئيس الجمهورية العراقية الشيخ غازي الياور، وكلهم سنة عرب يمثلون اطيافا مهمة.
وعليه، فانه يحق لنا القول ان هذه الفئات التي ترفع السلاح وتفجر وتخرب الوضع الجديد، تمثل تيارات داخل النهر السني، ولا تجسد القرار السني كله.
هذه بديهة يعرفها العراقيون بحكم معرفتهم بالالوان التي تلون مجتمعهم، ولكن يأبى موقدو نيران الحرب الا العمى المتعمد، والغاء كل هذه التفاصيل «الضخمة»!
طبعا لسنا بحاجة للتذكير بأن اللاعب الكردي الكبير في الحلبة، هو طرف سني أيضا، بل ويتفوق على سنة العرب بانه يمثل اغلبية عرقه الكردي، عكس العرب الذين يتشكل اغلبهم في العراق من الشيعة. ومعروف حجم الاسهام الكردي في تأسيس وحماية عراق ما بعد صدام حسين، بل ان هناك عائلات سنية انقسمت على نفسها في هذا الخصوص، فمهدي الصميدعي احد اعضاء هيئة علماء المسلمين السنية المتشددة، حذر المرجع الشيعي السيستاني من اندلاع حرب طائفية، اذا لم يصدر فتوى تحرم انضمام الشيعية الى قوات الحرس الوطني العراقي التي تلاحق جماعات الزرقاوي في المثلث السني.
هذا الرجل يقابله صميدعي آخر، وهو سمير الصميدعي سفير العراق لدى الامم لمتحدة، الذي يعارض خط واتجاه هيئة علماء المسلمين، فقد وجه انتقادا للاسلاميين السعوديين الـ26 الذين أصدروا بيانا يؤيد مقاومة رجال المقاومة في العراق، خصوصا الفلوجة معقل الزرقاوي. وقال الصميدعي الآخر ان البيان يمثل تحريضا على العنف، وانه يجب على هؤلاء الموقعين الآن أن يكفوا عن التدخل في شؤون العراقيين «الاهرام»21 نوفمبر الحالي.
وسني عربي آخر هو السفير رعد الالوسي مندوب العراق لدى الجامعة العربية، يقول: «أنا لا أعترف بوجود مقاومة ولا أسمي ما يحدث في العراق، بأنه من أعمال المقاومة، فمن يقتل الاطفال ويحاول تخريب البنى التحتية وتفجير السيارات، فهذا لا يسمى مقاومة «عكاظ» 19 نوفمبر الحالي.
أما الطرف الشيعي فيكاد يكون موقفه اجماعا على وجوب المشاركة بقوة في الانتخابات والدخول في مشروع العراق الجديد بفعالية، وهذا ما أكده أحمد الصافي ممثل المرجعية الدينية الشيعية في خطبة صلاة الجمعة الماضية في الحرم الحسيني، ليقول: «ان الانتخابات تمثل مرحلة مهمة جدا في تاريخ العراقيين».
بعد هذا كله، لماذا يصر بعض الاسلاميين خارج العراق، على تصوير الامر وكأنه مواجهة ضد كل العراقيين، وأنهم عبر بيانات التحريض على القتال، ووجوب الجهاد الفوري باعتبار أنه «فرض عين»، حسبما جزم الشيخ القرضاوي، ليسوا إلا ممثلين لإرادة العراقيين وقرارهم العميق والنهائي؟!
المسألة في تقديري واضحة، ان المتضررين من الحملة العسكرية الجارية هذه الايام في المثلث السني، هم الجماعات الاصولية المتشددة، ولذلك لم يناصرها الا من يخشى عليها.
الجديد في المشهد، هو تناغم مواقف الاسلاميين في الخليج في وقت واحد، ففي البحرين دارت معركة بين النواب الشيعة والسنة على خلفية احداث الفلوجة، ثم نزل اسلاميو البحرين السنة الى الشارع يهتفون ضد اياد علاوي، ويناصرون مقاومة الفلوجة، ورددوا هتاف «يا علاوي صبرك صبرك...الفلوجة تحفر قبرك». أما في الكويت، فكانت القصة أكثر اثارة، فقد اختار اسلاميوها وزير الاعلام المثخن بالسهام محمد ابو الحسن، وشنوا عليه هجوما ضاريا بسبب المسرحية الكوميدية (حب في الفلوجة)، لأنها «تسخر من جراح اخواننا في العراق»، وعبأوا البلد بحالة من الشعور الجهادي، الامر الذي استفز كتابا آخرين في الصحف الكويتية، واتهموا هؤلاء بالانتقائية في المشاعر، حيث لم يحركوا ساكنا ايام حوادث النحر والخطف والتفجير، التي كان يقوم بها مقاومو المثلث السني، مع التسليم بان هناك ضحايا مدنيين عراقيين ابرياء يسقطون في الفلوجة، وانه يجب مد يد العون والاغاثة لهم، لانهم لا حول لهم ولا طول في ما صنعه العنف الاصولي وما جره. وحتى كتابة هذه الاسطر المعركة ما زالت مستمرة.
أما في السعودية، فلا تزال اصداء بيان 26 اسلاميا سعوديا ساندوا مقاومة الفلوجة ودعوا لنصرتها وتشجيعها، تدوي على صفحات الصحف ومجالس السمر، وكان من ذيولها معركة جريدة سعودية محلية قبل ايام مع احد موقعي البيان، على خلفية موقفه من الحث على مساندة مقاومي الفلوجة، ثم الخوف على ابنه من الذهاب الى هناك، الامر محل تكذيب متبادل من الطرفين، لكن الجدل لم يتوقف الى الآن حول جدوى تعبئة الاجواء من اجل الفلوجة.
وهكذا... فالجرح اصاب الفلوجة الزرقاوية، لكن صرخة الألم ترددت على فم الاسلاميين الحركيين في الكويت والسعودية والبحرين... ومصر بطبيعة الحال.
معركة الفلوجة في جوهرها، معركة ضد الاصولية، أصولية تمظهرت هذه المرة في ثوب المقاومة، ولذلك فان مواجهة هذه المعركة في كل المواقع الاصولية في العالم تصبح معركة مصير، خصوصا لنا نحن العرب، حتى يتم انقاذ ما يمكن انقاذه من شبابنا.. وعقولنا.
ومن هنا نفهم صخب الضجيج على الفلوجة، وكأنها حفلة الموت الوحيدة في العراق، وكأنه لم تكن هناك مجزرة الجنود الـ45 من افراد الحرس الوطني، الذين ذبحوا بدم بارد وفي ليل بهيم، ومجازر بغداد واسراب السيارات المفخخة، وكرنفالات جز الرؤوس بالسيوف والسواطير، حتى لمن جاء من اجل ارامل وضعفاء ومعاقي واطفال العراق، وهو معارض للوجود الاميركي، مثل مارغريت حسن والصحافي الايطالي انزو بالدوني...
يجب على كل الاسخياء بدموعهم وبياناتهم على رجال الزرقاوي وعبد الله الجنابي وعمر حديد، وغيرهم من فلول وضباط البعث، أن يدركوا أن موقفهم هذا لا يمثل في الجغرافيا العراقية الداخلية الا جزيرة معزولة، فاغلب العراقيين، ليسوا كذلك.
إن ما يخيف الانسان بعد العراق هو: أين سيكون متنفس هذه التعبئة بعد زوال الغليان العراقي، وما هو المرجل التالي؟
*·~-.¸¸,.-~* وبَشــــــــِّـــــــــــــــــر الصـــــــــــــــابرين*·~-.¸¸,.-~*
[align=center]  [/align]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |