تحالف الباججي: كركوك قشة ستقصم ظهر العراق، فتداركوها!
بقلم: رياض الحسيني/ كاتب وناشط سياسي عراقي – كندا-
www.alhusaini.4t.com
رغم التحفظات التي ابداها البعض حول الاجتماع الذي اقامه الدكتور الباججي في داره في بغداد امس والذي حضره قرابة المائة شخصية، فان لهذا الاجتماع مايبرره من جهة وينم عن تحضيرات وترتيبات مسبقة بين الاطراف التي حضرت من جهة اخرى، وسط غياب القوى الشيعية المؤثرة والفاعلة في الساحة الميدانية والسياسية العراقية عن هذا الاجتماع وربما من دون علمها حتى لدرجة ان البعض قد وصف الحالة تلك بانها "اشبه بماء يجري من تحت اقدام العرب الشيعة من دون استشعارهم به". هذا التحفظ ينطلق من منطلقات عديدة اولها الهم الذي حدى بتلك الشخصيات ان تجتمع في منزل الباججي من دون ان تتعرض لاي قصف او محاولات اغتيال كما يحدث يوميا في المنطقة الخضراء التي تعتبر معقل الحكومة وقوات الاحتلال معا، ورغم الترتيبات الامنية الصارمة فان ذلك لم يمنع الجماعات العنفية من دخولها والضرب فيها. خصوصا لو علمنا ان حضور هذا الكم من الاحزاب الذي قُدر بـ 15 حزبا يتطلب قدرا من تأمين المسارات الى المنزل والطرق المؤدية اليه الامر الذي سيثير انتباه الجماعات الارهابية وتعتبره هدف استراتيجي تحاول ضربه بكل مااوتيت من قوة وجبروت وهو مالم نسمع به البتة؟!
لاشك ان الاجتماع هذا وماتمخض عنه من "المطالبة بتأجيل الانتخابات ستة اشهر اخرى" له ارتباط وثيق باجتماع دوكان الذي لم تجني منه القيادات الكوردية ماكانت تتوخاه من الشيعة تحديدا وخصوصا "حالة كركوك" الامر الذي اضطرها للركون الى الطرف الاخر في محاولة منها للضغط على العرب الشيعة بالعرب السنة! اذا ماصدق هذا التحليل فانه ينم عن حالة من الانقسام الطائفي حول قضية كركوك تحديدا التي كانت المفصل الذي اظهر تحالفات من نوع جديد ربما يؤدي لاحقا الى شق الامة العراقية نصفين ان لم يكن اكثر. فمطالبة القيادات الكوردية السنية في وقت سابق بتأجيل انتخابات محافظة كركوك والذي رفضته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وواجه انتقاد وتحفظ عربي شيعي على الحالة انطلاقا من رؤى وطنية وحسابات عقلانية جعل من المطلبة حدا فاصلا بين "مع" و "ضد"! اما حضور بعض الشخصيات المحسوبة على الطائفة الشيعية في اجتماع السيد الباججي فان البعض ينظر اليه على انه تحصيل حاصل لخلافات شخصية لها اساس من تضارب المنافع الفئوية مع بعض التيارات وتحديدا مع حزب الدعوة الاسلامية والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق اللذين لهما رؤى واطروحات تتفق مع مايذهب اليه السيد السيستاني وتتقاطع من الطموحات الكوردية في اقامة دولتهم المستقلة مستقبلا من طرف واحد.
يبدو ان "حالة كركوك" والتي كنا احد المحذّرين منها ودعونا الى التعامل معها بشفافية اكثر وبروح وطنية جمعية وليس حزبية ضيقة ستكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر العراق ولازلنا نحذّر ونستشعر المستقبل اذا مااستمرت الامور على هذا المنوال من التحالفات الجديدة من جهة وفك الارتباطات من جهة اخرى. الخوف انما يتأتى من الشارع العربي الشيعي الذي يبدو انه غير مهيأ تهيئة نفسية كافية لتقبل امر يبدو انه شبه واقع فيما هو تأجيل الانتخابات الى ستة اشهر اخرى والتي ربما لن تكون كافية ايضا اذا ماكان السبب الذي اطلقه المجتمعون وهو "غياب الامن" سيستمر الى ماوراء هذه المهلة المطلوبة؟!
احد المجتمعين الذي رفض البوح عن هويته قيّم هذا التحالف الجديد (الكوردي السني-العربي السني) في غالبيته على انه وقتي وانه ليس موجه الى كل العرب الشيعة وانما المقصود به هو المؤسسة الدينية الشيعية المتمثلة باية الله العظمى السيد علي السيستاني والذي بدى اللاعب الاكثر حظا وشعبية واحتراما ليس في الوسط العراقي فقط بل وفي كل الدوائر العالمية. وما ذلك الا نتيجة لما ابداه الرجل من تعاطي ايجابي مع متغيرات ميدانية وظروف سياسية ضاغطة اظهرت مدى حنكته السياسية وتعاطيه العقلاني مع الاحداث والمواقف والتي حافظ فيها على اتزانه اكثر من اي طرف لاعب اخر بدى متأرجحا في احايين عديدة. وان تأجيل الانتخابات يعني تحديد مسار غير الذي يدعو اليه السيد السيستاني الذي بدا في الاونة الاخيرة متلهّف لاجراء الانتخابات في موعدها تحت اية ظروف نظرا للفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد وسط تخبط وثقل دولي متمثل بقوات الاحتلال الامر الذي يجعل من العراق مرتعا خصبا للجماعات الارهابية من جهة ويعطي غطاءا شرعيا لقوات الاحتلال من الاستئثار بمقدرات العراق وثرواته خصوصا وسط غياب الدولة والحكومة وجماعات الضغط الوطنية من جهة اخرى. هذا المنطق يوحي بمباركة قوات الاحتلال لهذا الاجتماع وان بدى وكانه بمعزل عنها!
شماعة الحالة الامنية المتدهورة ليست مستجدة وغياب سلطة الدولة العراقية وبسط هيبتها على كل العراق ليس امرا غائبا عن احد. لذا فتحجج المجتمعين بالوضع الامني ماهو الا عذر لايستند الى الواقع المرير وليس له من مبرر مطلقا، خصوصا وان دعوات التأجيل هذه لم تأتي الا بعد اجتماع دوكان! ولو قرأنا الواقع بشئ من الانصاف والحكمة وقارنا الحالة التي يعيشها اقليم كوردستان من الهدوء وراحة البال والطمأنينة وبسط النظام في كل مرافق الحياة هناك بالحالة مع باقي مناطق العراق يبدو الامر اكثر وضوحا. بمعنى لو بقيت دعوات التأجيل شاخصة حتى بعد الستة اشهر المطلوبة بحجة غياب الامن واشراك البقية الباقية من التيارات العراقية فان اقليم كوردستان لن يتأثر بالحالة الامنية ولو استدعى الامر الى تأجيل الانتخابات عشرة سنين اخرى وليس ستة اشهر! من هذا المنطلق يخرج التخوف الكبير وهو ربما سيضطر العرب الشيعة الى المعاملة بالمثل واعتبار مناطق نفوذهم اقليم مستقل بذاته يواجه اقليم كوردستان وفي تلك الحال سيكون الخاسر الاوحد العرب السنة على اعتبار ان مناطقهم هي التي تشهد توترا مسلحا كما انها ليست غنية بالموارد الطبيعية واولها النفط الذي يتمركز في شمال العراق وجنوبه.
المثير للاستهجان والاستغراب هو ان القيادات الكوردية انما تنظر الى التيار الصدري ولهيئة علماء المسلمين على انهما جهات تدعم الارهاب بل ارهابية وهذا ماضجت به بياناتهم وصحفهم وفضائياتهم، فماحدا مما بدا اليوم؟! كيف اصبحت تلك الجماعات في نظر القيادات الكوردية وطنية بين ليلة وضحاها ويجب ان تُشرك في العملية الانتخابية؟! بيد انه لم يدعُ احد الى استبعادها بل على العكس فقد طالبت الحكومة منها الاشتراك في العملية السياسية ومارست بعض الضغوط عليها! ثم الا يعد تأجيل الانتخابات نصرا لتلك الجماعات؟ الجواب عند القيادات الكوردية فقط!
ترى اذا تحقق مانحذّر ونتخوف منه وهو اعلان العرب الشيعة استقلال الوسط والجنوب واعتباره اقليم عربي واحد في محاولة للضغط بنفس المستوى على الطرف السني الاخر فهل سيبقى الاكراد محافظين على عهدهم وميثاقهم مع العرب السنة في اجتماع الباججي؟! وهل ستقف قوات الاحتلال التي يبدو انها الفائز الاكبر في كل تلك التحالفات مكتوفة الايدي؟! ما الذي بوسع العرب السنة ان يفعلوه خصوصا وان العرب الشيعة لديهم القوة العسكرية الميدانية التي تستطيع ان تغلق حدود مناطقها وتمارس صرامة في دخولها وحتى الخروج منها؟! هل ستنفصم وقتها عرى اتفاق الباججي ويعود الجميع الى نقطة الخلاف "حالة كركوك" وكأن شيئا لم يكن؟
كل شئ جائز في زمن الاحتلال والمكر وتحالفات المتضادات فطالما ان الهدف هو السلطة ومزيد من الثراء على حساب الوطن فليذهب العراق واهل العراق الى قعر جهنم! تداركو كركوك يااصحاب الضمائر قبل ان تقصم لكم ظهر العراق، صرخة تصك سمع الملكوت.
ايلاف