هل في الدفاع عن الواجب الشرعي انتقاد للحوزة؟
جواد الخالصي : : 2004-12-06 - 08:47:20






هل في الدفاع عن الواجب الشرعي انتقاد للحوزة؟

جواد الخالصي

لقد فاجأني الصديق القديم السيد هاني فحص في واحدة من إشراقاته المعهودة بخروجه المتسرع من قاعة الاجتماعات للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وكنا على غير علم بهذ التصرف قبل أن يذكره في مقالته في صحيفة <<السفير>> بتاريخ 25/11، والتي فاجأت صديقاً ثالثاً مما دفعه الى إخباري عنها وإيصالها إليّ. أما سبب المفاجأة فهو انه طالب منفعلاً بأمر أشاركه الرأي فيه وهو عدم صوابية تخصيص تمثيل شيعة العراق وعلمائهم بشخص واحد مهما كانت مكانته ومنزلته فكيف بالفقراء والضعفاء من أمثالي، وكان يستطيع أن يبدي رأيه ونحن نؤيده في ذلك بلزوم تعدد الاشخاص الذين يمكن أن يمثلوا شيعة العراق، ويذكر أسماء البعض منهم، وأن يبقى داخل القاعة لا أن يخرج منها بهذا السلوك الغريب، أما ما نخالفه فيه فهو ايضا لا يزعجنا ولا يجعلنا نقبل بخروجه من القاعة أو كتابة ذلك في الصحف دون دراسة أو تروّ، فإن الانتماء الى حوزة النجف ليس شرطاً أبدياً لعلماء الدين في العالم كله، والمجلس المذكور يتم لجمع شملهم. وفي الدائرة الشيعية، هنالك حوزات عديدة تخرّج منها الكثيرون دون الذهاب الى النجف، منها قم ومشهد وقبلها كانت الكاظمية وسامراء وكربلاء. أما نحن فإننا في الكاظمية وحوزتها لم تنقطع علاقتنا مع الحوزة في النجف وغيرها بل كانت دائمة التواصل على أساس دعم كل مشاريع التغيير والتحسين والمواجهة مع محاولات الاستغلال والتزييف. فموقفنا واضح منذ زمن الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء والشيخ محمد رضا المظفر والشيخ محمد جواد الجزائري والشيخ محمد رضا آل ياسين، والى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر والى السيد المرجع الشهيد محمد محمد صادق الصدر. لقد كنا بعيدين مكاناً، وقريبين نفسياً وعملياً لمواجهة حالات الاستغلال والاستحواذ، وعمليات تسخير الحوزة وعلمائها لصالح المشاريع الأخرى البعيدة عن الدين، ومصالح الأمة، وهذا كان يؤدي الى مجابهات مع بعض القوى المشبوهة والمرتبطة بالخارج، والتي ما كانت تجرؤ على مواجهة نور الحقيقة، فكانت تتستر خلف بعض العلماء الصالحين ولكن المحاصصين والمنفردين وغير العارفين بزمانهم. والصديق السيد هاني فحص هو الذي روى كيف أن بعض الزوايا المظلمة والقوى المشبوهة سعت الى الاحتفال بهزيمة العرب والمسلمين في حرب 1967 وكيف قام البعض بتوزيع الحلوى بهذه المناسبة، مما دفع الى الاصطدام بالقوى المخلصة والواعية والتي يعد السيد هاني فحص نفسه جزءاً منها، وهي القوى التي حوربت بشدة داخل أجواء الحوزة من قبل القوى المذكورة، وليس نقد الجانب السلبي من الحوزة وقفاً على أحد، وأنا شخصياً أقل الناقدين ولا أتحدث إلا عند الضرورة وللدفاع عن الحوزة والدين، فهل ينسى السيد هاني فحص مقالته الحزينة في مقتل مجيد الخوئي سيرة حياة وسيرة موت، في صحيفة <<السفير>>، وهل نسي الصورة الرهيبة للسيد عبد المجيد بعمته السوداء وهو يجلس أمام علم بريطانيا، أمّ الخبث والاستعمار والصليب واضح على العلم الظالم؟ ويا ليت الصليب كان مسيحياً بحتاً حتى لو اختلفنا مع أهله في فهمه، ولكن الصليب على علم بريطانيا كان الغطاء الكاذب الفاشل لعملية الاستعمار والظلم الذي مارسته بريطانيا في العالم وفي العراق خاصة، فهل نصيحة أو نهي أمثال هؤلاء الاشخاص هو معاكسه للحوزة أم دفاع عنها وتنزيه لسيرتها؟ كما ان كثيراً من العلماء من تلاميذ الحوزة الأوائل مارسوا نقدها بشدة، ولم يقل أحد انهم كانوا يعاكسون الحوزة، ولعل كلمة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين هي أقسى هذه الكلمات <<لقد بدت الحوزة متخشبة جبانة>> مما جعلها عاجزة حتى عن تغيير كتاب منهجي في دراستها، فلو أعانها أمثالي من خارجها فهل هذا أمر سلبي يستدعي أن يزعج الصديق فحص نفسه الى هذه الدرجة ويخرج من المجلس مُغاضباً دون أن يخبرنا متى عاود كيف عاد؟ أما الانتماء الفكري، فهو الى الاسلام وحده، والحوزة في النجف والكاظمية وقم تنتمي الى الإسلام والمعيار هو كتاب الله وسنة رسوله وسيرة آل البيت عليهم السلام. ولا يخفى على السيد هاني فحص أن حوزة الكاظمية في العشرينيات كانت تستقطب دارسي علم الأصول والرجال لأنها كانت الأقوى في هذين التخصصين. وقد كان السيد الخوئي رحمه الله طالباً في العشرينيات في مدرسة الإمام الخالصي في الكاظمية، وكذلك السيد المرحوم مرعشي نجفي وقد أشار الى ذلك في إجازاته عن أستاذه الإمام الشيخ محمد مهدي الخالصي، كذلك السيد عبد الهادي الشيرازي والسيد أحمد الخوساري. كما كانت حوزة سامراء هي الأشهر والأكبر في فترة سابقة، وكذلك حوزة كربلاء والحلة، في فترات أخرى، لقد غلب على ظني وان بعض الظن إثم لا كله ان السيد هاني فحص أراد بهذا المحاولة المتسرعة والاعلان عنها في الصحف أن يثبت توبته وعودته الى صف الحوزة القديمة التي تمرد عليها في البدايات، وهذا أمر يحتاجه السيد هاني فحص في موقعه الجديد.
وقد بقيت عملية التواصل حتى في فترات القطيعة الظاهرة، ففي الثلاثينيات والأربعينيات، وبعد الفراغ الخطير الذي أدى الى نفي العلماء من العراق وعلى رأسهم الإمام الخالصي، ورجوع البعض منهم مقابل تعهد خطي بعدم التدخل بالسياسة، أرسل المرحوم السيد أبو الحسن الاصفهاني الذي كان أحد العائدين، بعض الأساتذة الى الكاظيمية لاستمرار الحوزة، وفي مدرسة الإمام الخالصي بالذات وكان منهم المرحوم المجتهد والأصولي البارع السيد مسلم الحسيني الحلي، الذي أصبح في ما بعد صديقاً حميماً للعائلة الخالصية وقد وصف في بيت شعر جميل وهو الشاعر المجيد،
يا أهل هذا البيت جاء مقصر
يرجو الوفاء فما وفت أبياته
ثم أخذ يرثي أحد أصدقائه من الأسرة متمثلا الجيل الجديد فيها
إن نفقد الأسد الغضنفر شخصه
فالشبل قد لاقت عليه سماته
وكان من حسن حظي وتوفيق الله لي أن السيد الحلي نفسه هو الذي تكفل بدراستي الحوزوية بكل جوانبها مع عمنا المرحوم الشيخ عبد الحسين الخالصي وهو صديق وزميل للسيد الخوئي في الدراسة، وكذلك الشيخ الجليل محمد آل معتوق العاملي الكاظمي، وهو أكثر من استفدت منه فقهاً ولغة وعلم حديث. وقد سأل أحد الطلبة المرحوم السيد مسلم الحلي عن بعض الآراء التي كنت أجيب بها أسئلة زملائي الشباب آنذاك، وأبدى السائل نقداً لطريقة العرض الجريئة والصريحة والتي توحي بأن صاحبها ذو رأي مستقل وفكر اجتهادي مميز، فقال السيد الحلي بعد سنتين وكنا في أول الدراسة التي استمرت لما يقرب من ثلاثة عقود الى الآن سأكتب إجازة في الاجتهاد للشيخ جواد الخالصي، ولم أقم بمتابعة الأمر، ولم أطلب منه أن يكتب أي شيء لأني لا أجد في نفسي الحاجة الى مثل هذه المظاهر، وقد تكرر ما يشبه هذا الأمر مع شيخنا الشهيد الشيخ محمد آل معتوق وكررت الموقف نفسه حيث لم أجد نفسي بحاجة الى ورقة في هذا الشأن، لأنني أعتقد ان طريقة إنهاض الأمة لا تقوم على أساس إلجام الفكر بالشهادات، فضلا عن الاشاعات التي يجيدها غيرنا، وإنما على طريقة علي بن أبي طالب عليه السلام حين فتح عقول الناس بقوله: اعرف الحق، تعرف أهله. فالإنسان في الإسلام مدعو الى التفكير واستعمال العقل، ولا يحذف العقل وعدم السؤال بحجة ان المقابل عالم لا يجارى، وان الحوزة هي التي قالت، كما يجري هذا بشكل واسع هذه الأيام، علما ان الآراء في الحوزة نفسها ليست موحدة.
وهل يكون من الواجب الشرعي على كل مسلم، خصوصاً طلبة العلوم الشرعية، أن يحصنوا الحوزة ضد الاختراقات اللادينية، والشبكات المشبوهة، وان يدافعوا عنها ضد محاولات الاعداء لتلويث سمعة الحوزة وعلمائها ورجالها، ودفعهم الى الحصار والصمت، وإظهار ذلك على انه تأييد لخطوات المشروع اللاديني في المنطقة، أو الاحتلال في العراق وفلسطين، وهل تُعتبر المطالبة بأداء الواجب الشرعي وتحمل الأعباء الكاملة دفاعاً عن الحوزة وتأييداً لها أم معاكسة واختلافاً؟
هذا تعليق سريع على ما أثاره الصديق السيد هاني فحص، علما بأنني فوتحت للانتماء الى الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، فباركت الفكرة، لأنني مع كل عمل مؤسساتي جماعي، وضد العمل الفردي الذي تستولي عليه في الأغلب جهات مشبوهة وقابعة في الظلام، ولكنني اعتذرت عن الحضور الى المؤتمر الأول في لندن بسبب أحداث العراق الدامية وكوارث الاحتلال ومصائبه التي فاقمت كوارث ومصائب النظام الجاهلي البائد. بعد كل هذا لنا حديث سنتركه لدراسة قادمة إن شاء الله، وهو حول الأعلمية والاجتهاد وخصائص الحوزات في النجف والكاظمية وقم وغيرها، ولكن بقي في الأخير ان نسأل: هل عاد السيد هاني فحص الى القاعة التي غادرها، ومتى عاد وما هي محصلة اعتراضه، التي أتمنى ان تكون توسيعاً في المشاركة العراقية الحوزوية، ومن حوزة النجف الاشرف بالذات، وان يبقى هو مشاركاً فيها لرفد العمل الجماعي المنظم.


http://iraq4all.org/viewnews.php?id=4096