[align=center]لماذا انتصر الأوائل؟[/align]

اعتقادي إن المسلمين هم الذين جروا على أنفسهم التهم حتى ظُن انهم أهل للتهم والسبب في ما أرى انهم لم يفهموا الإسلام كما ينبغي ولم يعملوا به كما يجب.
فتقصيرهم النظري وتراخيهم العملي هو السبب في ما أصاب الإسلام من تراجع وفي ما جرأ أعداءه على أن ينالوا منه.
لماذا انتصر الأوائل. لأنهم قدموا الإسلام شيئا نافعا للبشرية. شيئا يقول لمن يعاني من الاستبداد السياسي: نحن نضمن لك الحريات باسم الإسلام، ويقول لمن يعاني الشقّاء الاقتصادي: نحن نضمن لك عدالة اجتماعية باسم الإسلام، لمن تاه في الظنون والأوهام، يقول له: نحن نقدم لك الحقائق التي تعرف بها عالم الغيب والشهادة.
كان الإسلام يقدم للناس فيشعرون بان جديدا دخل عقولهم وأرواحهم واصبحوا به خلقا آخر.
المسلمون الآن.
أما المسلمون الآن فهم لا يقدمون الإسلام على حقائقه التي عرف بها، إن القرآن الكريم كتاب حوار، لا يخاف أن يشتبك مع أعدى أعدائه في اخذ ورد وفي تفاهم لتحديد موضوع والاستبدال عليه.
إن امتنا الإسلامية ضعيفة في هذا المجال وهي في فهمها للعقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات، تعيش على هامش الوجود، ومن هنا كان ما نرى، فالمسلمون تؤخذ أرضهم ويعتبرون مغتصبين، ويجار عليهم ويعتبرون مستبدين. ونحن نرى إن حقائق كثيرة عند المسلمين تُغطى وكأن أحد لا يعرفها، مع إنها معروفة في الأولين والآخرين حتى كأن الأمة الإسلامية ليس لها اثر في حضارة ولا فضل في عصر من العصور.
لابد من نهضة عقلية
نحن المسلمون السبب فيما أتهمنا به وفي ما أصابنا. ولكي نعود إلى مجدنا الأول والى قدرتنا على التوجيه لابد من نهضة عقلية في الأمة الإسلامية.
لابد من نهضة خلقية في الأمة الإسلامية. لابد أن يكون المسلمون صورة حقيقية لتعاليم القرآن ولشمائل النبي «عليه الصلاة والسلام» وان يكونوا فعلا أهلا لقيادة العالم.
إن للقيادة خصائص وفاقد الشيء لا يعطيه، وإذا كانت الحضارة الغربية الآن قد استطاعت من خلال دراسة المادة أن تصل إلى أبعاد غريبة ففجرت الذرة وغزت الفضاء ووصلت للكواكب، فهل ينتظر للامة الإسلامية وهي لا تعرف أبجديات العلوم المادية أن تزاحم في هذا المجال.
علمية الإيمان بالله
إنا ممن يرون أن العلم المادي دليل هائل على وجود الله وعظمته. أحيانا عندما اسمع إن الإيمان بالله جزء من الإيمان بالغيب اشعر بقلق نفسي. لماذا؟ لأني عندما أتناول طعامي في الفطور مثلا أقول: أنا أكلت خبزاً وحبوباً وتناولت شاياً ولبناً، كيف تحول هذا الفطور الذي تناولته إلى طبلة للأذن والى عدسة في العين والى شعر في الرأس أو في البدن كله والى مضخة ماصة في القلب.
إن هذه يفعلها الله الآن في جسمي ليس أمرا مستبعدا أو موعداً مؤجلاً، لا.
هذا الجسم بدأ ووزنه كيلو غرام واحد. والآن وزنه نحو 90 كغم. أين جاءت هذه الحياة التي انتفخت في المواد وصيرتها جسماً له مكانته وحركته وفكراً له أبعاده ونتائجه.
إن الإيمان بالله ليس غيباً. أنا اعتبره حسأ واعتبره من عالم الشهادة.
لكن كيف أجئ بهذا الآن إذا كنت من أهل البصيرة التي تستعلي على المادة وتقف على ظواهر الأشياء.
فالإسلام في استدلاله على الله لم يجلس في حجرة ويبسط أدلة نظرية. «حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون».
أنا ابن الكون. أنا ابن السماء والأرض وما فيهما من آيات، فالذي حجب عيون المسلمين عن هذا كله اشتغالهم بفلسفات نظرية لا تنتهي به إلى شيء.
وليتهم في الفلسفات النظرية عرفوا فلسفات الإغريق أو فلسفات العصور الوسطى في أوروبا أو فلسفات العصر الحديث، فمن دراسة هذه الفلسفات أمكن خدمة العقيدة الدينية خدمات كبيرة، لكنهم محصورون في أنفسهم ويعيشون في ماض داك, ويستحيون من الماضي ما يعطل حاضرهم ويستحيون من التاريخ القديم ما يعرقل خطوهم في هذا العصر.

الشيخ محمد الغزالي