 |
-
الثقافة الإسلامية والثقافة اليوم
[align=center] بقلم الشيخ محمد مهدي شمس الدين[/align]
إن هذه الثقافة السائدة في العالم الغربي والشرقي ثقافة منقطعة الصلة باللّه. ومن ثم فهي لا تقيم وزناً للإيمان الديني في وضعية الإنسان في العالم، وفي السياسات الداخلية لكل دولة، وفي العلاقات الدولية، وفي التعامل مع العلم، وفي التعامل مع الطبيعة. بينما نجد إن الثقافة الإسلامية تعتبر أن الإيمان باللّه (ومقتضيات هذا الإيمان) هو حجر الأساس في كل وضعية إنسانية.
***
إن ثقافة الغرب (ونستعمل هذا المصطلح بمعنى حضاري) السائدة الآن تسعى، مسلحة بقوى هائلة، لفرض نفسها على العالم كله، ولذا فهي تسعى إلى تدمير ومسخ ثقافة كل الأمم خارج إطار مراكز هذه الثقافة في العالم الغربي، بهدف الاستحواذ الكامل على البشري، لمصلحتها ولمصلحة القوى السياسية والأنظمة التي أنتجتها.
***
ومن هنا التصادم الذي حدث بين هذه الثقافة وبين الثقافة الإسلامية على ساحة العالم الإسلامي كله، ومن هنا الحرب المعلنة والخفية التي تقودها قوى الثقافة الحديثة ضد الثقافة الإسلامية، هذه الحرب التي بدأت منذ صدام بين العالم الغربي والاستعماري وبين العالم الإسلامي، ولم يخب أوارها حتى الآن.
***
فإذا أردنا أن نستقرئ نقاط التباين والمواجهة بين الثقافتين فسنجدها كثيرة لا مجال لاستقصائها في هذه العجالة، ولذا فأننا سنكتفي ببعض الأمثلة البارزة
أ_ إن السمة العامة في الثقافة الإسلامية أنها ذات طابع أخلاقي، ومن ثم فان مقولاتها ومؤسساتها تعطي الأولوية للقيم وللإنسان. أما السمة العامة في الثقافة الحديثة فهي أنها ذات طابع نفعي. ومن ثم فان مقولاتها ومؤسساتها تعطي الأولوية للربح والاستحواذ.
ب_ الثقافة الإسلامية، لأنها ذات طابع أخلاقي، إنسانية. ومن هنا فإنها لم تحمل المسلمين كأمة، ولم تحمل أي شعب إسلامي على معاداة شعب لشعب لمجرد الاختلاف العرقي أو حتى لمجرد الاختلاف في المصالح، وإنما تعادي الفكرة (الكفر، الفسق، الطاغوت،… وما إلى ذلك).
***
أما الثقافة الحديثة فإنها، بسبب كونها ذات طابع نفعي، عرقية عنصرية، تحمل كل شعب يقنعها على معاداة الشعوب الأخرى والتربص بها. ولا يرده عنها إلا الخوف منها. وهي تجعل كل شعب يعتنقها يعترف بكل. بل ويساعد كل _ظلم وعدوان وطغيان ما دام عنصر النفع أو عنصر الخوف موجوداً.
***
ومن مظاهر هذا التمايز بين الثقافتين إن الثقافة الإسلامية لم تنتج (مقولة الاستعمار) في أوج ازدهارها وقوتها أو في أسوء حالات انحطاطها سواء على أساس قومي _لأنها لم تعرف القومية_ أو على أي أساس آخر.
وحين كانت تحصل انحرافات من هذا الحاكم أو ذاك كانت هذه الثقافة تنتج أدوات وصيغاً سياسية تصحح الانحراف، ويعود بالحكم إلى الاستقامة التي يفرضها الطابع الأخلاقي الإنساني للثقافة الإسلامية، وإذا لم تفلح في التصحيح فإنها _على الأقل_ تلغي صفة الشرعية عن الانحراف، وتعطي الشرعية لأي عملية تصحيح مستقبلية.
***
إن الاعتراف باختلاف العوالم الثقافية، ومن ثم اختلاف الحضارات، لا يعني بالضرورة موقفاً معادياً من الحضارة أو الحضارات الأخرى، لأن اختلاف الحضارات لا يعني بالضرورة تنافرها وتعاديها، انه اعتراف بواقع التنوع لدى البشر، وأنه _في الواقع_ لا توجد صيغة حضارية واحدة للبشرية، وإنما توجد في الواقع المعاش صيغ متعددة، يمكن أن تتنافر وتتناحر، ولكن يمكن أيضاً أن تتحاور.
***
وقد ورد في القرآن الكريم تقرير لهذه الحقيقة الموضوعية في آيات كثيرة منها قوله تعالى في الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
ونلاحظ إن الآية الكريمة مدنية، نزلت بعد تحول الجماعة الإسلامية إلى مجتمع سياسي، وبعد تكامل المقولات الأساسية في الثقافة الإسلامية.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |