النظام العربي والسذاجة الاميركية
سلامة نعمات الحياة 2004/12/23
إن لم تكتشف واشنطن بعد، فهي ستكتشف، عاجلاً او آجلاً، انها في العراق لا تحارب المتمردين من بقايا النظام البعثي المخلوع، وبعض انصاره من المتطوعين «المجانين» فحسب، بل هي تحارب نظاماً اقليمياً قائماً ومتماسكاً منذ عقود، يقاوم التغيير بغض النظر عن مصدره وأهدافه وأدواته. ولعل «الاستقرار» الاقليمي النسبي الذي شهدته المنطقة على مدى العقود الاخيرة، وهو اقرب الى استقرار القبور، يعد مؤشراً الى مدى نجاح النظام العربي الاقليمي في المحافظة على نفسه، في وجه رياح التغييرالاقليمية والدولية. وليس سراً ان تحرير الكويت، بعد غزوها، عمل في الاتجاه نفسه. فالتغيير الذي سعى اليه نظام صدام حسين لأغراضه الخاصة، احبطه الاميركيون، ليعيدوا النظام الاقليمي الى وضعه الذي سبق الثاني من آب (اغسطس) 1990.
وفيما استهدفت حرب الخليج مطلع العام 1991 المحافظة على النظام الاقليمي، على اساس ان ذلك يناسب المصالح الاميركية، جاءت حرب الخليج في العام 2003 ، بعد اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، لتقلب المعادلة. فالأعتداءات اقنعت قوى نافذة في اميركا بأن كلفة الاستقرار الظاهري المصطنع في الشرق الاوسط أعلى بكثير من كلفة زعزعته واعادة تشكيله، فجاء قرار اطاحة النظام العراقي، ومعه اطلاق مبادرة الشراكة الاميركية - الاوروبية من اجل التحول نحو الديموقراطية في المنطقة. طبعاً ليس هناك شكوك كثيرة ازاء الاهداف الاستراتيجية الاميركية من وراء الحرب في العراق والمشروع الاقليمي الذي واكبها. فالمصالح الاميركية لا تزال، وستبقى، المعيار الوحيد للسياسة الخارجية الاميركية، بعيداً عن اي معايير اخلاقية مزعومة. ولهذا السبب، وبغض النظر عن التصريحات الرسمية الصادرة عن دول المنطقة لجهة التعاون من اجل استقرار العراق واعادة اعماره، فإن حكومات المنطقة، التي تشكل النظام الاقليمي التي تسعى اميركا اليوم الى استبداله، ليست من الغباء الى درجة ان تقوم بمساعدة اميركا على اطاحتها. فمعروف ان التحول الديموقراطي في المنطقة هو مجرد مسمى لطيف لعملية اطاحة الانظمة، من دون اللجوء الى الحرب. ولعل تجربة «بيريسترويكا» غورباتشوف قدمت لأنظمة المنطقة درساً في خطورة الانفتاح السياسي وتداعياته بالنسبة الى الأنظمة الشمولية الحاكمة.
بمعنى آخر، فإن اميركا تحارب، في شكل مباشر وغير مباشر، نظاماً اقليمياً تسيطر عليه قوى ليس في مصلحتها التغيير، رغم حاجة بعضها على الاقل، الى التظاهر بالتعاون لتفادي كلفة الدخول في مواجهة معها.
وفي مواجهة الاستحقاقات التي فرضتها اجندة البيت الابيض، تتسابق دول المنطقة الى التظاهر، لفظياً على الاقل، بالتعاون إزاء الملف العراقي، وملف الديموقراطية، من دون ان تقدم على اي خطوة حقيقية في اتجاه التعاون ازاء اي من الملفين. فالاستحقاق العراقي يواجه بحجة افتقار الحكومة العراقية الى الشرعية، وكأن الحكومات المتحفظة اياها اكثر ديموقراطية وشرعية من حكومة علاوي. هل يذكر أحد أن اياً من الحكومات العربية، على مدى نحو اربعة عقود، احتجت على الوجود العسكري السوري في لبنان، والذي باركته الجامعة العربية في العام 1976؟
اما ملف الاصلاح والديموقراطية، فيواجه إما بإجراءات تجميلية لا معنى لها، أو بالهرولة نحو علاقات اكثر دفئاً مع اسرائيل. وأما واشنطن، فتبدو إزاء الملفين وكأنها ابتلعت الطعم واقنعت نفسها بأن هناك من يتعاون معها في المنطقة